• ×

09:44 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

العصبية القلبية

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله تبارك و تعالى ..يقضي بما شاءَ ..و يفعلُ ما يريد ، و ربك يخلق ما يشاء و يختار .. أحمده سبحانه و أشكره ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحاسب على الفتيل و القطمير و كفى بالله حسيبا ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله خيرُ من سعى و طاف ، و أفضل من بكى لله و خاف ، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و سلما تسليماً ..أما بعد ..
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى و توبوا إليه ..صورة أنقلها لكم قبل موضوع خطبتنا اليوم
أكثر من 100شخص مسلم فلسطيني أُخرجوا من العراق الذي لجأوا إليه في زمنٍ مضى فتاهوا بين الحدود العربية و الإسلامية حيث رفض الجميع ممن حولهم أن يستقبلهم بلا ذنبٍ جنوه و جلسوا في العراء على التراب يستجدون الأمم أن تنقذهم رجوا إخوانهم العرب إنقاذهم فلم يجدون نخوة و إخوة تلتفت إليهم حتى قامت دولة البرازيل في أقصى العالم باستقبالهم و الأمثلة على هذا كثيرة ..
أيها المسلمون ..
الدواعي القائمةُ على منطقةِ العقل السليم و منهج الشرع الحكيم تدعوا البشر ليعيشوا متآلفين في مجتمعٍ واحد متكاتفين .. تسودهم المحبةُ و التراحمُ و التفاهمُ و هذه حقيقة الإسلام التي دعا الناس إليها بعد الجاهلية ..التي من سماتها العصبية القبلية حيث كانوا يتفاخرون بها حتى بأطفال قبيلتهم
إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً تخرُّ له الجبابر ساجدينا
وحين بُعث رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان من دعوته أن تقوى اله تعدل كلَّ شيءٍ في تقويم الفرد فلا فضل لأعربيٍّ على أعجميٍّ إلا بالتقوى ، فأواصر الأخوة هذه بين أبي بكرٍ القرشي و بلالٌ الحبشي و عمرٍ و صهيبٍ الرومي و عثمانَ و زيدٍ ، و عليٍّ و سلمان هي التي أقامت دولة الإسلام و رفعت رايته و اعتمد عليها صلى الله عليه و سلم في تأسيس أمةٍ قاومت الوثنيةَ و المجوسيةَ ..ربَّى صحابته رضوان الله عليهم على إزالة العصبية الجاهلية و دواعيها من نفوسهم ففي البخاري و مسلمٍ أنا أبا ذرٍ غضبَ من بلاٍ رضي الله عنهما فدعاه قائلاً يابن السوداء فاشتكاه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : يا أبا ذر إنك امرؤٌ فيك جاهلية فما كان من أبي ذرٍ إلا أن و ضع خده على الأرض و طلب من بلاٍل أن يطأه بقدمه تكفيراً لذنبه ))
و اليوم هان المسلمون أفراداً و تخلفوا أمماً يوم وهت أواصرُ الأخوة بينهم و نشروا العصبية للأوطان و القبائل و تفاخروا بالأحساب و الأنساب ..فعاد كثيرٌ منهم إلى ما كان عليه حال الجاهلية و ذلك حينما تخلى كثيرٌ من الناس عن الهمم العالية فسقطوا في مثل هذه الدنايا و هذه المفاخرة و الخيلاء و الإسراف و كفران النعم ..كانت و لا زالت علامةُ ترفٍ للأمة و رمزاً لسقوط الدول و الخلافات كما رأيناه أواخر الخلافة العباسية و المماليك الأندلسية و أواخر الخلافة العثمانية ..حين انشغلوا بالتوافه و التفاخر بمزايين القينات و المخطياتِ و جمال مباني القصور و الحيوانات و المفاخرة بالأحساب و الأنساب ..و تلك جاهلية ..
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنما الخيرية بالتقوى و الله إنما ردَّ الأصول إلى ذكرٍ و أنثى ((يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَـٰرَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [الحجرات:13].فتعالوا إلى حديثٍ عن العصبية القبلية نحذِّرُ منها و نوضحُ شرَّها و نبينُ حكمها في الإسلام..
عباد الله، عقيدةُ التوحيدِ تجمعُنا ودارُ الإسلام تُؤوينا، لا فخر لنا إلا بطاعةِ الرحمن، ولا عزةَ ولا كرامةَ إلا بالإيمان، نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلَّنا الله.
قضية انتشرت بسببها البغضاءُ، ومنها نبعت الأحقادُ، ولأجلها رفعت الشعارات و كثرة الخلافات، وتعددت الحزبيات ، ووجدت رواجاً عندَ ضعاف الإيمان واستغلها الأعداءُ ..
لم تدخلْ في مجتمعٍ إلا فرَّقته، ولا في صالحٍ إلا أفسدته، ولا في كثيرٍ إلا قللَّته، ولا في قويٍّ إلا أضعفتْه، ما نجحَ الشيطانُ في شيءٍ مثلما نجحَ فيها داخل هذه البلاد، شبَّ عليها الصغير وشاب عليها الكبير، وتبناها حُثالةُ المجتمع.
تتجسدُ من خلال فلتات اللسان وصفحات الوجوه و مرابع الشعر ، وطاولات التلاميذ وجدران دورات المياه أجلكم الله في المدارس والمساجد.
مجالسُ الدهماء تروُّجها، وأشعارُ الصعاليك ترددها، كلما خبَت نارُها جاءَ من يُسعرها، ويحذرُ من نسيانها والغفلةِ عنها و هي ما استدعى كبار العلماء أن يصدر الفتوى فيها إنها العصبية القبلية المقيتة، إنها الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، إنها الفخرُ بالأرض والتراب، إنها الفخرُ بالعرق واللون.
إنها دعوى الجاهليةِ تأصَّلت فيمن رَقَّ إيمانُه وضعُفَ يقينُه وطُمس على قلبه وغَفَل عن أًصله وحقيقته..فذهبوا يعتمدون المناسبات لأجلها و إن ظهرت بغير الصورة نعم أيها الأخوة إن مما يبيِّن لنا خطورة عصبية القبائل ما نراه مؤخراً في مناسباتٍ تظهر و تبرز و تتفاخر فيه القبائل متمثلين قول الشاعر الجاهلي
ألا لا يهلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
إما لحفلات الإسراف المشين و اللهو و اللعب فيما يسمى مزايين الإبل التي يتسابق البعض لحضورها و و المشاركة بها و هي كما رأينا من خلال التقارير المصورة و المكتوبة مظهرٌ لفخر القبائل و الإسراف و التبذير للنعمة ..فكيف يشكو مجتمعنا من غلاء الأسعار و وجود الفقراء ثم نرى هذه الحفلات تتكرر في غير ما موقع و لعدد من القبائل مفاخرةً و خيلاء حتى حدث و حسب آخر الإحصائيات الصحفية مقتل حوالي 20فرداً من حوادث السيارات جراء الزحام أو حوادث تحصل للقتل و الاعتداء في مثل هذه المناسبات ..ثم إلى مسابقات الشعر و قصائده التي تذكي العصبية القبلية بقصائد تشتهر على الألسنة فيها نيلٌ من هذه القبيلة أو المدينة أو الدولة حتى و صل الحال إلى حوادث جنائية شنيعة من جراء هذه الأمور ..بل حتى قضايا داخل المحاكم أصبحت تظهر بدعوى العصبية و يفرق بين الأزواج و أولادهم و هذه القضايا مكانها في المحكمة لكن العصبية القبلية أذكت نارها .. و كلها تنذرنا أن الولاء و البراء إذا تجاوز حدود الدين فإنه لن يكون محله إلا العداوة و البغضاء و هذا ما حذر منه الإسلام و نبه عليه ..
عباد الله، يقول الله تعالى ذاماً أهل الحمية لغير الدين: ((إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ)) [الفتح:26]، وجاء في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية))
و إذا أردنا أن نعرف أن التركيز على القبيلة و المناسبات التي تدعوا إلى إثارتها سببٌ لنشوءِ العداوةِ و ذكرِ الثأرات القديمة فانظروا ما حدث بين أفضل الأجيال صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين جلسوا ذات يومٍ كما رواه ابن هشام و الطبري فجاء شابٌ يهوديٌ فجلس معهم و ذكر يوم بُعاث و هي حربٌ بين الأوس و الخزرج و ذكر شيئاً من شعرها التي أذكت نارها فتكلم القوم عند ذلك و تنازعوا و تفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الرُكب ثم قال أحدهما إن شئتم رددناها الآن جذعةً فغضب الفرقان جميعاً و قالوا قد فعلنا موعدكم الظهر عند الحرة السلام السلام ..فخرجوا إليها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم ((فقال : يا معشر المسلمين اللهَ اللهَ أبدعوى الجاهلية ..و أنا بين أظهركم .. بعد أن هداكم الله للإسلام ، و أكرمكم به و قطع عنكم أمر الجاهلية و استنقذكم به من الكفر و ألف بين قلوبكم ؟! فعرف القومُ أنها نزعةٌ من الشيطان و كيداً من عدوهم فبكوا و عانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ..سامعين مطيعين ))
وجاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد)) رواه مسلم و قال صلى الله عليه و سلم ((كلكم لآدم و آدم من تراب ))
وروى الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله قد أذهب عنكم عبيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى))
وروى حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب، ولينتهين قومٌ يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجِعلان)) وهي الحشرات رواه الترمذي و أبو داود
عباد الله، قال المفسرون في قوله تعالى: ((وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ)) جعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا لا لتتفاخروا، فقد حسمت هذه الآية موضوع التفاخر بتأصيل ثلاث ركائز.
الأولى: أن أصل خلق الناس جميعاً واحد..من ذكرٍ و أنثى ..
الثاني: أن ما يحتج به الناس بانتسابهم إلى شعب كذا أو قبيلة كذا مما لم يأذن به الله لأجل التفاخر، وإنما أذن به لأجل التعارف فحسب، لما يترتب عليه من حقوق وواجبات..و أن موضوع العائلة أو القبيلة ليس للفخر و إنما للتواصل و أن يساعد الغني الفقير ..و صاحب الجاه المحتاج إليه و لصلة الرحم فيما بينهم و لذلك ورد في حديث الترمذي ((اعرفوا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )) فهذا هو الهدف ..
الثالث: أن التفاخر والتفاضل والتقدم إنما هو لأهل التقوى ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ))
وما أجمل ما قاله أحد الدعاة المعاصرين في تفسيره لهذه الآية! حيث قال رحمه الله: وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس، ويظهر سبب ضخم للألفة والتعاون: ألوهية الله للجميع وخلقهم من أصل واحد، كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته: لواء التقوى في ظل الله.
وهذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من العصبية للجنس والعصبة للأرض والعصبية للقبلية والعصبية للبيت، وكلّها من الجاهلية وإليها تتزيا بشتى الأزياء وتسمى بشتى الأسماء، وكلّها جاهلية عارية من الإسلام..و لذلك وجدت عندنا أنواع من الطبقات أصبحت تمارس بأشكالٍ خاطئة و مبالغات مزرية لا بد من التنبيه إليها و الحذر منها ..و الفخر إنما هو بالإسلام ..
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
عباد الله، إن المسلم العاقل ليقف حائراً أمام هذه الجاهلية التي تستهدف أخوة الدين وتقدح بالاعتصام بالكتاب والسنة إما بإثارة النعرات القبلية أو تنقص الناس باسم الوطنية وهي الحث على أساس المواطنة، فمن كان من وطنك أحبه سواء كان مسلماً أو فاسقاً أو كافراً، في حين لا تحمل هذا الشعور تجاه أخ مسلم من غير بلادك ولو كان من أتقى الناس.
وإنه ليزداد العجب من إنسان يفخر بشيء لا جهد له فيه ولا كسب، ويسخر من إنسان في أمر لا حيلة له فيه.
كن ابن من شئت واكتسب أدباُ يغنيك محموده عن النسـب
إن الفتى من يقول ها أنذا ليس الفتى من يقول كان أبي
فلابد بد أن نعلم أن مسألة النسب و الانتساب مسألةٌ خاصة للفرد ليعرف أهله و فصله و حسبه لا ليفاخر فيه و إنما ليعرف نسبه الذي يرجع إليه فيصل رحمه و زيد علمه ..لكن الخطأ حينما يعتقد أن هذا ميزان التفاضل أو يتخذه سبباً للتعالي على الآخرين و التكبر عليهم ..و تقسيم المجتمع إلى طبقات و تصنيفهم حتى أن البعض من كبره لا يجالس بعض الفئات و قد يكونون أكرم منه عند الله في ميزان التقوى له ..
عباد الله ثم إن إخوة لنا من غير بلادنا يعيشون بيننا، ونعرف كثيراً منهم بصدقه وأمانته واستقامته يواجهون صلفاً في التعامل وغلظة في القول وهمزاً ولمزاً يغرس الحقد ويولّد البغضاء ويتسبب في الإيذاء من قبل بعض الشباب و الصغار باحتقارهم أو إيذائهم ..
شكى البعض منهم ذلك وآخرون صابرون محتسبون، فإلى متى نحقق أهداف أعدائنا وننفذ خططهم في تفريق شملنا وبث العداوة بيننا.. و هؤلاء المقيمون في بلادنا ساهموا ببناء البلاد عبر التدريس و الطب و العمارة و التجارة بل و حتى من كان منهم في وظائف دنيا كالنظافة لا بد من احترامهم و عدم احتقارهم فلا يحل لمسلم أن يحقر أخاه المسلم لمهنته أو جنسه ..
إن الأخوة الإسلامية تفوق جميع الصلات تتجاوز بذلك الحدود الجغرافية والروابط الأرضية ((إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) ((المؤمن للمؤمن كالبنيان)) ((المسلم أخو المسلم)) هذا هو الشعار الذي يجب أن يرفع، ومن أجله يحب، ومن أجله يعادى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، غضب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك غضباً شديداً فقال: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)) انتهى كلامه رحمه الله.
إخوة العقيدة، إن من يقيم بيننا من إخواننا من غير بلادنا ممن أعوزتهم الحاجة أو جاء بهم الحنين إلى منبع الرسالة أو جاء بهم الهرب من حياة مليئة بالعهر والفساد والحرب ضد أهل التدين والإرشاد، جاءوا إلى هنا وكلهم أمل أن يحيطهم إخوانهم بالحب والتقدير والكرم والاحترام، وهم والله حقيقون بذلك؛ لأنهم ضيوف تغربوا عن أوطانهم، وأصبحوا في كنف إخوانهم.
إن الغريب له حقٌّ لغربتـه على المقيمين في الأوطان والسكن
وحق الضيف لا يخفى على من تربوا على إكرام الضيوف في الجاهلية والإسلام ((فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)).
عباد الله، يا أيها الآباء، يا أيها المربون، اتقوا الله في أنفسكم لا تُنْشِئُوْا صغاركم على التعصب والافتخار لغير الإسلام، بل ربّوهم على المبادئ الكريمة والخصال الحميدة التي دعانا إليها ديننا القويم، وحثوهم على الاتصاف بها.
لسنا وإن أحسابنا كرمت يوماً على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنـا تبني ونفعل مثلما فعلـوا
وذلك تحت مظلة الإسلام.
أما أنت، يا من تطعنُ في الأنساب وتفتخر بالأحساب، يا من حقّرت الناس وتنقصتهم، ألا تعلم حقيقتك؟! ألا تعلم أن أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وتحمل في جوفك العذر ((أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ)) .
فعلام الكبرياء وعلام التعالي.
إن احتقار الآخرين والحمية لغير الدين توقع المرء في الغَيْرة لغير الإسلام والغضب لغير الله، وتؤدي إلى ظلم العباد ورد الحق ومنع الحقوق والانتصار للباطل وأهله كما قال أحدهم:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
أسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بين القلوب، وأن يجعلها متحابة في ذات الله، فلا نعمة بعد الإسلام أعظم من ذلك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) ..
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين ...
الخطبة الثانية
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا وساوس الشيطان، فإنه إياكم يكيد ولتفريق شملكم يريد، فقد صح بذلك الوعيد، أخبر به أنصح العبيد للعبيد عليه الصلاة والسلام فقال: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)) رواه مسلم ..
و روى مسلم في صحيحة عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، و الطعن في الأنساب ، و الاستسقاء بالنجوم ، و النياحة ))
نعم، والله إنك لتجد الرجل يقيم شعائر الدين، ويبكي من خشية الله، وفيه خير كثير، ثم تجده بعد ذلك قدْ ملئ قلبه بالعصبية، فلأجلها يحب ومن أجلها يعادي، ألا يعلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان)).
والحب من العبادات، فيجب علينا أن لا نحب إلا ما يحبه الله وأن لا نبغض إلا ما يبغضه، والله تبارك وتعالى يبغض العصبية والحمية لغير دينه.
إن الإسلام والتقى ليرفع وضيع النسب ويهبط رفيع الحسب، فهذا بلال عبد حبشي أعزه الله الإسلام وأصبح من سادات المسلمين.
خَذَلَتْ أبا جهل أصالتُه وبلالُ عبدٌ جاوز السحبا
فلنتق الله عباد الله، ولنطلب العزة في مظانها، فإن العزة لله و لدينه ولرسوله وللمؤمنين.
هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه..

 0  0  908
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:44 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.