عبادَ الله..يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ مذهلٌ حين يقدمُ العبادُ على اللهِ خائفين وجلين،ومن أعمالهم في الدنيا وما كتب عليهم..وحينذاك كما في حديثٍ صحيح الإسناد للنبي((يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،فَيَنْشُرُ لَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلا،كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهُمَا مَدَّ الْبَصَرِ،ثُمَّ يَقُولُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَه : "أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا".فَيَقُولُ:لا يَا رَبِّ..فَيَقُولُ :" أَلَكَ عُذْرٌ ، أَوْ حَسَنَةٌ،وَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ ".فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا :أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . فَيَقُولُ :يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ ؟ فَيَقُولُ :"إِنَّكَ لا تُظْلَمُ "قَالَ:فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ،وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ،فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ))
ولما قسى قلبي ضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
إنها شفاعة لا إله إلا الله محمد رسول الله فما بالك بغيرها إذن من أنواع الشفاعة للمستحقين من عباده .
أَيُّهَا الأَحبةُ..ينزلُ الله تعالى وَيتجَلَّى على عبادهِ في الموقفِ يومَ القيامةِ بالجلالِ والجبروتِ،فيكونُ الناسُ في عَرقٍ وخَوفٍ وَوَجلٍ كلٌّ بِحَسبِ عَملهِ،حَتى يتمنَّى بَعضُ الناسِ الانصرافَ إِلى النار مِنْ شِدَةِ مَا هُمْ فِيهِ،وما عَلموا حَقِيقَتَهَا.فَيرحمُ اللهَ بعضَ خَلقِهِ المستَحقِينَ لِلرحمَةِ بِعِدَةِ رَحماتٍ منها الشفاعةُ التي جعَلَها كرامةً لِلشَافِعِ وَرِفعَاً لِدرجتِه،وَنَفعَاً لِلمَشفُوعِ لَهُ خُصُوصَاً أَهلَ المعاصِي مِنْ أَمثَالِنَا،وَاللهُ المستَعانُ مِمن تَوقفت سَعادتهم لِلحُصُولِ عَليهَا مع قليل العملِ نسأَلُ اللهَ الهِداية.
مسألةُ الشفاعةِ مِن العقَائِدِ المسّلم بها عندَ أَهلِ السُنَةِ،وَقد أَنكرهَا بَعضُ المبتَدِعَةِ..وَهيَ طَلبُ الرسولأو غيرِه مِن اللهِ تَعَالى في الدارِ الآخرةِ حُصولَ مَنفَعَةٍ لأَحدٍ مِن الخلق.في صحيحِ مسلمٍ عَن أَبي هُريرةَ>قَال:قَال رسول الله

أيها المسلمون..وأعظمُ الشفاعاتِ يَومَ القيَامَةِ شَفَاعَةُ نَبينَالفصلِ القَضاءِ بينَ النَاسِ،عِندمَا يَكونُ العِبَادُ فِي قَلقٍ شَديدٍ وَكربٍ عَظيمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ >أَنَّ رَسُولَ اللهقال

يا خير من جاءَ الوجودَ تحيةً
من مرسلين إلى الهُدى بكَ جاؤوا
زانتك في الخلق العظيم شمائلٌ
يُغرَى بهن ويولعُ الكرماءُ
فإِذا رحمتَ فأنت أمٌ أو أبٌ
هذان في الدنيا هما الرحماءُ
يامن له عزُّ الشفاعةِ وحدَه
وهو المنزَّهُ ماله شفعاءُ
إنها الشفاعةُ عبادَ اللهِ التي قالَ عنهاأتاني آتٍ من عند ربي فخيَّرني بين أن يُدخلَ نصفَ أُمتي الجنةَ وبينَ الشفاعة،فاخترتُ الشفاعةَ،لأنها أعمُّ وأكفى))رواه ابن ماجه والترمذي.وهي المقامُ المحمود) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ( وهي ما نتوسل به بعد الآذان {وابعثه المقام المحمود الذي وعدته}.
وهناك شفاعةٌ لطائفةٍ من المؤمنين بدخولِ الجنةِ بغيرِ حسابٍ ولا عذاب وعددهم سبعون ألفاً، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ يَوْمًا فَقَالَ

وهناك شفاعةٌ للرسوللمن سَكنَ المدينةَ وماتَ بِهَا،لأنَّ الله شرَّفها بفضائل كثيرة فهي مهاجَرُ نبيه قال عليه الصلاة والسلام

أيها المسلمون..وأيضاً هناك شفاعةٌ لرفعِ درجات أهلِ الجنةِ،فهؤلاء قد دخلُوا الجنةَ ومع ذلك تنالُهم شفاعة،فترفَعُ درجاتُهم كرماً من اللهعن أمِّ سلمة أن رسول الله eدخل على أبي سلمة وقد شَخُصَ بصرُه فأغمضَه ثم قال: ((إن الروحَ إذا قُبضَ تَبعه البصر، فضجَّ ناسٌ من أهلِه، فقال:لا تدعوا على أنفسِكم إلا بخير، فإن الملائكةَ يؤمّنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفرْ لأبي سلمة وارفعْ درجتَه في المهديين واخْلفْه في عَقِبِه في الغابرين،واغفرْ لنا وله ياربَّ العالمين، وافسح له في قبرِه ونوَّر له فيه)) متفق عليه .
أيها الأحبة..وهناك شفاعةٌ خاصةٌ لأبي طالب عمِّ رسول اللهفي تخفيفِ العذابِ عنه،والكفارُ كما نعلم لا شفاعةَ لهم،ولكن لما كان له من مواقف عظيمة مع الرسولومساندته ومناصرته.فأُذن للرسول بالشفاعة فيه..في البخاري عن أبي سعيد الخدري >أنه سمعَ النبيَّوذُكر عنده عمه فقال

ولا تنتهي الشفاعاتُ عند هذا فكرمُ المولى ورحمتُه بخلقهِ أعظمُ من هذا في الصحيح أنَّ رسول الله يشفعُ في أُمتهِ عِدةَ مَراتٍ وفي كلِّ مَرةٍ يَرحمُ الله فيهَا طَائفةً مِن الناسِ قال

إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً. وبعد هذه الشفاعات يقول الله

يارب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالى إليك وسيلة إلا الرجاء
وجميل عفوك ثم أني مسلم
أيها المسلمون..وممن يشفع أيضاً يوم القيامة الشهداء الذين قد أراقوا دمائهم في سبيل الله هؤلاء يُكرمَّون يومَ القيامة بأن يُسمحَ لهم بالشفاعة،قال

ومن مات صغيراً من الأولاد يشفعون لوالديهم قال

وبشرى لأهل القرآن بأنَّه يشفعُ لهم فقد ثبت أن سورتي البقرة وآل عمران يأتيان يومَ القيامةِ كأنهما غمامتان،تحاجان عن صاحبهما.وقال


أيها المسلمون..لطلبِ الشفاعةِ ثلاثةُ أَشياءٍ نَحرصُ عَليهَا أَولها قول لا إله إلا الله بإخلاص والموت عليها:عن أبي هريرة >قال: قلت يارسول الله،من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟قال

وثانيها طَلبُ الوسيلةِ للرسولوكثرةُ الصَلاةِ عَليهِ قال

الأمر الثالث:الإكثار من السجود فلما قالَ أحدٌ الصحابة اشفع لي يارسول الله يوم القيامة قال: فأعني بكثرة السجود)) رواه أحمد وسنده صحيح..
و الصلاة على الميت تشفع للعبد قال

هذه هي الشفاعةُ عبادَ الله التي لانتكلُ عليها فقط ونترك العمل ونستمر بالمعصية بل تريدُ منَا مزيدَ عَملٍ علَّنا أن نكونَ من أهلِها بإذن الله،وهناك أمورٌ تمنعُ الشفاعةَ للعبدِ ويمنعُ منها وهي الشركُ بالله:فالمشركُ لا شفاعةَ له) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (والكافرُ قد حرمَ من المغفرةِ )فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (
وكذلك كثرةُ تعمدِ اللعن قال


اللهم إنا نسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ وَالشهادةِ..ونَسأَلُكَ نَعيمَاً لاينفدْ وقُرَّةَ عَينٍ لاتَنقَطِع..وَنسأَلُكَ الرضَى بَعد القَضَاءِ،وَنسأَلُكَ بَرْدَ العَيشِ بَعد الموتِ،ولذةَ النَظَرِ إِلى وَجهكَ الكريمِ،وَالشَوقَ إِلى لِقَائِكَ في غَيرِ ضَرَّاءَ مُضرّةٍ وَلا فِتنةٍ مُضلةٍ..أقول قولي هذا .
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده .. وبعد..
عباد الله..ومن معاني الشفاعةِ الشفاعةُ الحسنةُ في هذه الدنيا لذوي الحاجات فإنَّ الله خَلَقَ الخلقَ وفَاضَل بينهم في الأموالِ وَالوظائفِ وَالوجاهاتِ وَسخَّرَ بَعضهُم لِخدمَةِ بَعض حَسبَ قُدرتهم ومن غَيرِ ضَررٍ لأَحدٍ وتِلكُم هِيَ الشَفَاعَةُ المأَجُورة قال


اللهم ارحم ضعفَنا وتولَّى أمرنا،وأحسْن خلاصنا وفكَّ أسرنا واختْم بالصالحاتِ الباقيات أعمالَنا يارب كن لنا ولا تكن علينا وزدنا ولاتنقصنا وارفعنا ولاتُضعفْنا وانصرْنا ولاتخذلنا ..اللهم أغننا بالفقر إليك ولاتفقرنا بالاستغناء عنك واجعلنا من أهلك وخاصتك واحشرنا في زمرة نبيك محمدوعبادك الصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين..اللهم كن لإخواننا المستضعفين الخائفين المحاصرين في أرض سوريا الصامدة وليبيا المحاصرة،وفي اليمن وفي كل مكانٍ يا ناصر المستضعفين وقاهر الجبابرة المعاندين..اللهم عليك بكلِّ طاغيةٍ على الإسلام والمسلمين..أضعف قوته وأذهب جبروته،وأهلك جنده،ولا تسلطه على عبادك الموحدين،وأرنا فيه عجائب قدرتك يارب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين ..