• ×

11:01 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الشفاعة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمدُ لله أهلِ الحمدِ والشكرِ والإحسانِ والبرِ أحمدُه سبحانه وأشكرهُ نعمُه تجلُّ عن الحصر وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نَزَلَ عليه أشرفُ الذكر..صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً..أما بعد فيا عبادَ الله اتقوا الله تعالى واعلموا أن المؤمن بينَ الرجاءِ بثواب الله وعفوه والخوف من عقاب الله وغضبه..أما أنْ يكونَ العبدُ المؤمنُ راجياً بلا عمل وعلى تقصيرٍ وخللٍ فهو على خطرٍ عظيم .
عبادَ الله..يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ مذهلٌ حين يقدمُ العبادُ على اللهِ خائفين وجلين،ومن أعمالهم في الدنيا وما كتب عليهم..وحينذاك كما في حديثٍ صحيح الإسناد للنبي((يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،فَيَنْشُرُ لَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلا،كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهُمَا مَدَّ الْبَصَرِ،ثُمَّ يَقُولُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَه : "أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا".فَيَقُولُ:لا يَا رَبِّ..فَيَقُولُ :" أَلَكَ عُذْرٌ ، أَوْ حَسَنَةٌ،وَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ ".فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا :أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . فَيَقُولُ :يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ ؟ فَيَقُولُ :"إِنَّكَ لا تُظْلَمُ "قَالَ:فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ،وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ،فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ))
ولما قسى قلبي ضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك سلما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما

إنها شفاعة لا إله إلا الله محمد رسول الله فما بالك بغيرها إذن من أنواع الشفاعة للمستحقين من عباده .
أَيُّهَا الأَحبةُ..ينزلُ الله تعالى وَيتجَلَّى على عبادهِ في الموقفِ يومَ القيامةِ بالجلالِ والجبروتِ،فيكونُ الناسُ في عَرقٍ وخَوفٍ وَوَجلٍ كلٌّ بِحَسبِ عَملهِ،حَتى يتمنَّى بَعضُ الناسِ الانصرافَ إِلى النار مِنْ شِدَةِ مَا هُمْ فِيهِ،وما عَلموا حَقِيقَتَهَا.فَيرحمُ اللهَ بعضَ خَلقِهِ المستَحقِينَ لِلرحمَةِ بِعِدَةِ رَحماتٍ منها الشفاعةُ التي جعَلَها كرامةً لِلشَافِعِ وَرِفعَاً لِدرجتِه،وَنَفعَاً لِلمَشفُوعِ لَهُ خُصُوصَاً أَهلَ المعاصِي مِنْ أَمثَالِنَا،وَاللهُ المستَعانُ مِمن تَوقفت سَعادتهم لِلحُصُولِ عَليهَا مع قليل العملِ نسأَلُ اللهَ الهِداية.
مسألةُ الشفاعةِ مِن العقَائِدِ المسّلم بها عندَ أَهلِ السُنَةِ،وَقد أَنكرهَا بَعضُ المبتَدِعَةِ..وَهيَ طَلبُ الرسولأو غيرِه مِن اللهِ تَعَالى في الدارِ الآخرةِ حُصولَ مَنفَعَةٍ لأَحدٍ مِن الخلق.في صحيحِ مسلمٍ عَن أَبي هُريرةَ>قَال:قَال رسول الله(لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعوةٌ مُستَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعوتهُ وإِني اختبأتُ دَعوتي شَفَاعَةً لأُمتي يَومَ القِيَامَةِ،فَهيَ نَائِلةٌ إِن شَاءَ الله من ماتَ لا يشركُ بِاللهِ شَيئاً)). قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ وقال تعالى:  يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (
أيها المسلمون..وأعظمُ الشفاعاتِ يَومَ القيَامَةِ شَفَاعَةُ نَبينَالفصلِ القَضاءِ بينَ النَاسِ،عِندمَا يَكونُ العِبَادُ فِي قَلقٍ شَديدٍ وَكربٍ عَظيمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ >أَنَّ رَسُولَ اللهقال(يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ:أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ:عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي،اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي فيذهبون إلى نوحٍ ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى فيعتذرون فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ:يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ،ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ:يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ ثُمَّ قَالَ:وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَاليَمَنَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى)رواه البخاري
يا خير من جاءَ الوجودَ تحيةً
من مرسلين إلى الهُدى بكَ جاؤوا

زانتك في الخلق العظيم شمائلٌ
يُغرَى بهن ويولعُ الكرماءُ

فإِذا رحمتَ فأنت أمٌ أو أبٌ
هذان في الدنيا هما الرحماءُ

يامن له عزُّ الشفاعةِ وحدَه
وهو المنزَّهُ ماله شفعاءُ

إنها الشفاعةُ عبادَ اللهِ التي قالَ عنهاأتاني آتٍ من عند ربي فخيَّرني بين أن يُدخلَ نصفَ أُمتي الجنةَ وبينَ الشفاعة،فاخترتُ الشفاعةَ،لأنها أعمُّ وأكفى))رواه ابن ماجه والترمذي.وهي المقامُ المحمود) وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ( وهي ما نتوسل به بعد الآذان {وابعثه المقام المحمود الذي وعدته}.
وهناك شفاعةٌ لطائفةٍ من المؤمنين بدخولِ الجنةِ بغيرِ حسابٍ ولا عذاب وعددهم سبعون ألفاً، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ يَوْمًا فَقَالَ(عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ،وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ،وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ لِي:هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ،وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ،فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّفَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا.فَبَلَغَ النَّبِيَّفَقَالَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ،فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَعَمْ. فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ)) رواه البخاري.
وهناك شفاعةٌ للرسوللمن سَكنَ المدينةَ وماتَ بِهَا،لأنَّ الله شرَّفها بفضائل كثيرة فهي مهاجَرُ نبيه قال عليه الصلاة والسلام(المدينةُ خير لهم لو كانوا يعلمون، لايدعُها أحدٌ رغبةً عنها إلا أبدلَ اللهُ فيها من هو خيرٌ منه، ولا يثبتُ أحدٌ على لأوائِها وجَهدِها إلا كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يومَ القيامة)) رواه مسلم .
أيها المسلمون..وأيضاً هناك شفاعةٌ لرفعِ درجات أهلِ الجنةِ،فهؤلاء قد دخلُوا الجنةَ ومع ذلك تنالُهم شفاعة،فترفَعُ درجاتُهم كرماً من اللهعن أمِّ سلمة أن رسول الله eدخل على أبي سلمة وقد شَخُصَ بصرُه فأغمضَه ثم قال: ((إن الروحَ إذا قُبضَ تَبعه البصر، فضجَّ ناسٌ من أهلِه، فقال:لا تدعوا على أنفسِكم إلا بخير، فإن الملائكةَ يؤمّنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفرْ لأبي سلمة وارفعْ درجتَه في المهديين واخْلفْه في عَقِبِه في الغابرين،واغفرْ لنا وله ياربَّ العالمين، وافسح له في قبرِه ونوَّر له فيه)) متفق عليه .
أيها الأحبة..وهناك شفاعةٌ خاصةٌ لأبي طالب عمِّ رسول اللهفي تخفيفِ العذابِ عنه،والكفارُ كما نعلم لا شفاعةَ لهم،ولكن لما كان له من مواقف عظيمة مع الرسولومساندته ومناصرته.فأُذن للرسول بالشفاعة فيه..في البخاري عن أبي سعيد الخدري >أنه سمعَ النبيَّوذُكر عنده عمه فقال(لعله تنفعه شفاعتي يومَ القيامةِ فيجعلَ في ضحضاحٍ من النارِ يبلُغُ كعبيه يغلي منهما دماغه)) وهو أهون أهل النار..ولا حول ولا قوة إلا بالله..اللهم استْرنا فوقَ الأرضِ وارحْمنا يومَ العرض.
ولا تنتهي الشفاعاتُ عند هذا فكرمُ المولى ورحمتُه بخلقهِ أعظمُ من هذا في الصحيح أنَّ رسول الله يشفعُ في أُمتهِ عِدةَ مَراتٍ وفي كلِّ مَرةٍ يَرحمُ الله فيهَا طَائفةً مِن الناسِ قال(ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، قُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا ثُمَّ أَشْفَعْ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ النَّبِيُّ: يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنْ الْخَيْرِ ذَرَّةً)) أخرجه أحمد ..نسألُ الله من واسع فضله وكريم مغفرته.
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً. وبعد هذه الشفاعات يقول الله (شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين،فيقبض قبضة من النار فَيُخرجُ قوماً لم يعملوا خيراً قد عادُوا حِمماً،فيلقيها في نهرٍ في أفواهِ الجنةِ يقال له نهرُ الحياة فيخرجون كاللؤلؤِ في رقابِهم الخواتم،فيعرِّفُهم أهلُ الجنةِ هؤلاءِ عُتقَاءُ اللهِ ثم يقالُ لهم ادخلُوا الجنةَ فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربَّنا أعطيتَنا ما لم تعطِ أَحداً من العالمين فيقولُ لكم عندي أفضلُ من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا))متفق عليه.
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم

مالى إليك وسيلة إلا الرجاء
وجميل عفوك ثم أني مسلم


أيها المسلمون..وممن يشفع أيضاً يوم القيامة الشهداء الذين قد أراقوا دمائهم في سبيل الله هؤلاء يُكرمَّون يومَ القيامة بأن يُسمحَ لهم بالشفاعة،قال (للشهيدِ ستُّ خصال: يغفرُ له في أولِ دَفْعةَ،ويرى مقعدَه من الجنةِ،ويُجارُ من عذابِ القبرِ،ويأمنُ من الفزعِ الأكبرِ،ويوضعُ على رأسِه تاجُ الوقار:الياقوتةُ منها خير من الدنيا وما فيها،ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعينَ من أقاربه)) رواه الترمذي وغيره.
ومن مات صغيراً من الأولاد يشفعون لوالديهم قال(لا يموتُ لمسلمٍ ثلاثةٌ من الولد فيلجُ النارَ إلا القَسَم)) رواه البخاري.
وبشرى لأهل القرآن بأنَّه يشفعُ لهم فقد ثبت أن سورتي البقرة وآل عمران يأتيان يومَ القيامةِ كأنهما غمامتان،تحاجان عن صاحبهما.وقال(اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)) وقال(إن سورةً من القرآن ثلاثون آية شفَعت لرجلٍ حتى غُفِرَ لَهُ وهي سورةُ تبارك رواه الترمذي ..وكذلك الصيامُ وكثرتُه تشفعُ لصاحبهِ .
أيها المسلمون..لطلبِ الشفاعةِ ثلاثةُ أَشياءٍ نَحرصُ عَليهَا أَولها قول لا إله إلا الله بإخلاص والموت عليها:عن أبي هريرة >قال: قلت يارسول الله،من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟قال(لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث.أسعدُ الناسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ مَنْ قال لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه)) رواه البخاري ..لاإله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير
وثانيها طَلبُ الوسيلةِ للرسولوكثرةُ الصَلاةِ عَليهِ قال(إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول،ثم صلّوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منـزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سـأل لي الوسيـلة حلت له الشفاعة))رواه مسلم..اللهم صلي وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث:الإكثار من السجود فلما قالَ أحدٌ الصحابة اشفع لي يارسول الله يوم القيامة قال: فأعني بكثرة السجود)) رواه أحمد وسنده صحيح..
و الصلاة على الميت تشفع للعبد قال(ما من ميت تصلي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلُّهم يشفعون له،يدعون له إلا شُفِّعوا فيه))..
هذه هي الشفاعةُ عبادَ الله التي لانتكلُ عليها فقط ونترك العمل ونستمر بالمعصية بل تريدُ منَا مزيدَ عَملٍ علَّنا أن نكونَ من أهلِها بإذن الله،وهناك أمورٌ تمنعُ الشفاعةَ للعبدِ ويمنعُ منها وهي الشركُ بالله:فالمشركُ لا شفاعةَ له) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (والكافرُ قد حرمَ من المغفرةِ )فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (
وكذلك كثرةُ تعمدِ اللعن قال(إن اللعانين لا يكونون شهداءَ ولا شُفعاءَ يومَ القيامة)) رواه مسلم..وهي رسالة لمن كان اللِّعانُ دَائماً على لسانه..وآخرُها التكذيبُ بالشفاعةِ:عن أَنسٍ > أنه قال(من كـذَّبَ بالشفاعةِ فَلا نصيبَ لهُ فِيهَا).والجزاءُ من جِنسِ العَمل.
اللهم إنا نسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ وَالشهادةِ..ونَسأَلُكَ نَعيمَاً لاينفدْ وقُرَّةَ عَينٍ لاتَنقَطِع..وَنسأَلُكَ الرضَى بَعد القَضَاءِ،وَنسأَلُكَ بَرْدَ العَيشِ بَعد الموتِ،ولذةَ النَظَرِ إِلى وَجهكَ الكريمِ،وَالشَوقَ إِلى لِقَائِكَ في غَيرِ ضَرَّاءَ مُضرّةٍ وَلا فِتنةٍ مُضلةٍ..أقول قولي هذا .


الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده .. وبعد..
عباد الله..ومن معاني الشفاعةِ الشفاعةُ الحسنةُ في هذه الدنيا لذوي الحاجات فإنَّ الله خَلَقَ الخلقَ وفَاضَل بينهم في الأموالِ وَالوظائفِ وَالوجاهاتِ وَسخَّرَ بَعضهُم لِخدمَةِ بَعض حَسبَ قُدرتهم ومن غَيرِ ضَررٍ لأَحدٍ وتِلكُم هِيَ الشَفَاعَةُ المأَجُورة قال(من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل))رواه مسلم وخير الناس أنفعهم للناس،وكانإذا أتاه السائلُ أو صاحبُ الحاجةِ قال(اشفعُوا تؤُجَروا)) والشفاعةُ الحسنة مبذولةٌ لِكُلِّ مُسلمٍ فَليست لِلمعَارِفِ أَو الأَقاربِ فَقط وينبغي ألا تُضيّعَ الشفاعةُ حَقاً لأَحدٍ أو أن تكونَ في حَدٍ مِن حُدودِ اللهِ أَو تَكونَ الشَفَاعَةُ عَلى حِسابِ تَقديمِ المفضول وتركِ الأَفضلِ،أَو تَكونَ بِمُقَابِلٍ مَاديٍّ فَكُلُّ ذَلكَ مِن الشفَاعَةِ السيئةِ وَليست الحسنة .
اللهم ارحم ضعفَنا وتولَّى أمرنا،وأحسْن خلاصنا وفكَّ أسرنا واختْم بالصالحاتِ الباقيات أعمالَنا يارب كن لنا ولا تكن علينا وزدنا ولاتنقصنا وارفعنا ولاتُضعفْنا وانصرْنا ولاتخذلنا ..اللهم أغننا بالفقر إليك ولاتفقرنا بالاستغناء عنك واجعلنا من أهلك وخاصتك واحشرنا في زمرة نبيك محمدوعبادك الصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين..اللهم كن لإخواننا المستضعفين الخائفين المحاصرين في أرض سوريا الصامدة وليبيا المحاصرة،وفي اليمن وفي كل مكانٍ يا ناصر المستضعفين وقاهر الجبابرة المعاندين..اللهم عليك بكلِّ طاغيةٍ على الإسلام والمسلمين..أضعف قوته وأذهب جبروته،وأهلك جنده،ولا تسلطه على عبادك الموحدين،وأرنا فيه عجائب قدرتك يارب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين ..


 0  0  755
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:01 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.