• ×

09:43 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الشباب ماذا أقدمنا

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله جعل الشبابَ حماة الأوطان،ونصرَ بهم الشرائعَ والأديان،وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له الملكُ الدّيان وأَشهدُ أَنَّ مُحمداً عبدُه ورسولُه سيدُ الأَنام صلى الله عليه وعلى آله وأَصحابِهِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ إِلى يوم الدين.أمّا بعد:فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إليه..
الشبابُ ثروةُ الأُمّةِ الغاليةِ وذخرُها الثمين، يكون خيرًا ونعمةً حين يُستَثمرُ في الخيرِ والفضيلةِ والبناء، ويغدو ضررًا مستطيرًا وشرًّا وبيلاً حين يفترسُه الشرُّ والفساد.
الانحرافُ في مرحلةِ الشّبابِ خَطيرٌ ومخوِّف،فمنحرفُ اليوم هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركْه عنايةُ الله، وعلى قَدرِ الرعايةِ بالشبابِ والعنايةِ بشؤونهم يتحدَّدُ مصيرُ الأمّة والمجتمع..إِنَّ اِنحرافَ الشبابِ من أَعظمِ الهمُومِ المطروحةِ اليَومَ وأَهمِّ القضايا التي تُقلِق الآباءَ والمربِّين.
تتملّك بعضَ كتّابنا ومفكِّرينا العاطفة وتقودُهم السَطحيَّةُ أَحيَانًا في الإِقلالِ والتهوينِ مِن شَأَنِ الشَبَابِ أَو في التَعَامُلِ مع ظاهرةِ الانحرافِ،التي نُلاحِظُهَا في مَظَاهِرَ مُتَعدِّدَةٍ للشباب فنظلّ نلوكُ المشكلةَ ونفجِّرُ جراحَها،نشتكي من الشباب دونَ طائل،والعلاجُ الناجِع إعمالُ العقل واستشراف المستقبل بتحليلِ أوضاعِ الشبابِ بِموضوعيّةٍ ومَنهجيّةٍ على أَسَاسٍ مِن الدينِ والشرعِ فليسَ هناك أهمُّ من الشبابِ للأُمةِ فَهُوَ وقودُ كلِّ شيء ورأينا أَثرَهم مؤخَّراً فيما حصلَ لأمتنا العربيةِ من دعوات إصلاح وتغيير زعامات وتأثيرٍ على الأوطان فليس غريباً إذن أن يهتمَّ المختصّون بظاهرةِ الانحراف في أوساطِ الشباب لتجفيف منابِعه واجتثاثِ جذوره؛ لأنّ الشبابَ أملُ الأمّة وعدّة المستقبل وذخيرةُ المجتمَع والعَصَبُ الفعَّال في حياةِ الأمم.
عباد الله..هُنَاكَ مَظَاهِرُ مُقلقةٌ لِشبابِنا تستدْعي من كلِّ واحدٍ منا الاهتمامَ أَياً كان موقِعُهُ الأَبُ مع أُسرتِه والمعلِّمُ والمربي في مدرسته وجامعته والمسئوولُ في وظيفتهِ ومن الخطرِ المحدقِ بمجتمعنا حين نتجاهلُ مثلَ هَذهِ المظاهرِ التي توسَّعَت بشكلٍ مخيفٍ في غزوٍ مُنظمٍ على شبابِنا ظهرت آثارهُ عليهم ..
ألسنا نرى فوضويةً عجيبةً يعيشُهَا شَبَابُنا في أوقاتِهم وأشكالهم وأعمالهم بل ودراستِهم وفي وظائِفهم ومع أُسرِهِم وكأَنَّهُم يَعيشونَ على هَامِشِ الحياةِ بِلا طُموحٍ يَقودُهُم ولا مَرجعيةٍ يَرجعونَ إِليهَاولا هويةٍ تجمعهم أَو وطنٍ يَنتمونَ إِليه..أودينٍ يُفَاخِرونَ بِه ويتمسكونَ بِمَبَادِئِه إِلا مَن رحم الله منهم.
شبابٌ يَتخَلى عَن جميعِ مَبادئِهِ التي تَعلمهَا ودينهِ الذي وُلدَ عَليهِ ليُسَافِرَ إِلى بُلدانٍ يُنتهَكُ فِيهَا الفضيلة ويُمَارسُ مِن الرذائل أنواعاً..شبابٌ يفتخرُ بأن يجعلَ الفَوضَى شعارَه في المناسبات..ليتجاوزَ الأنظمةَ ويحدثَ الفوضى ويستهتر بالأنظمة بالتعدي على الحرماتِ والأعراف وتعدٍ على الممتلكات في غير ما موقعٍ أو مناسبةٍ والأحداثُ شَاهِدةٌ..شَبابٌ يترك عُلماءَ بلده وما علَّموه وقررَّوه وعرفوه ليتخذَ الفكرَ الضالَّ منهجاً يمارسُ من خِلالِه الإِفسادَ والتكفيرَ والقَتلَ وإِرَاقَةِ الدماء والتوجهِ إِلى مواطن الفتنِ للمشاركةِ بلاهدفٍ ولا روية..بل قد يكون عبئاً على أهله ووطنه وخسارةً لدينه.
شبابٌ يجلسُ خَلفَ مِقودِ سيارتهِ ليُزهقَ نَفسه أَو مَن مَعهُ و مَن حَولهُ بِفوضويةِ قِيادَتِهِ لِلسيارةِ أَو سرعتهِ المتهورةِ أَو يُمَارسَ التفحيطَ والاستعراضَ بِسيارتِه لِيُهلكَ الأَنفسَ ويضيعَ الأَعمارَ ويُفسدَ البِلادَ والعِبَاد..
شبابٌ يتخذُ مِن المظاهرِ المائِعةِ والأَلبسةِ الغربيةِ والتقليعاتِ السيئةِ والموضاتِ المشوهةِ مَظهراً لهُ في لباسهِ ودِثاراً في شَكلهِ فَإِذَا مَا رأَيتَ شُعورَ رُؤُسِهم وطريقة لِبْسِهم أو مشيتِهِم وحَركاتهم فَإِذَا بِك تنسبُهَا إلى غير بلادهم وبيئتهم..
هذه بعض المظاهر فكيف إذاً بأنواع ممارستهم للمخدرات وكثرة وقوعها وانتشارها فيما بينهم؟؟!!هذه المخدرات التي تنتشر انتشاراًَ كبيراً في أوساط شبابنا وتدخل بالأطنان إلى بلادنا حسب تصريحات المسؤولين عنها..كيف بجرائم السرقة والتعدي على الممتلكات؟!!كيف بجرائم المضاربات التي تصل إلى حدِّ الموت والقتل فيما بينهم؟؟!! كيف بمن يتخذُ فِكْراً ملحداً أو يحملُ الشبهات ليُضلُّ بها الشباب؟؟!!إِنَّها كُلُّهَا مَظاهِرُ تُنَبيكَ عَن خَللٍ كَبيرٍ في التصوّر لهؤلاءِ الشبابِ وعن ضعفٍ عَظيمٍ في البرامجِ المقدمةِ لهم أَدت بِهذهِ المظَاهِر لأَن تَكونَ مَيزةً لِشبابنا نقولُ ذَلكَ ولا نُجَامل ..
انحرافُ الشّبابِ عِبَادَ اللهِ..ظَاهِرةٌ عَامّةٌ تَظهَرُ في الأُفقِ في كُلِّ بَلدٍ،وتَزدَادُ زَاويةُ الانحرافِ اِتِّساعًا حينَ تَجدُ نَفسًا بِلا حَصَانَةٍ وفِكرًا بِلا مَنَاعَةٍ وشخصيّةً بلا تربيّة وطاعة.
الشبابُ كَغيرِهِ مِن الناسِ يُخطئِونَ وَيصيبون فكلّ ابن آدم خطّاء،وخيرُ الخطائين التوّابون..إلاّ أنّ هذهِ الأُمّةَ التي كتبَ الله لها الخيريّةَ بينَ الأمَم لا ترْضَى لشبابِها إلاّ أن يكونوا على الأرضِ سَادةً وفي الأَخلاقِ قَادَةً،ولقد سَجَّلَ تَاريخُ أُمّتِنا مُنذُ فَجرِ الإِسلامِ حَتى يَومِنا نماذجَ فذّةً لشبابٍ تمسَّك بالإيمان الصحيح والعمل القويم،والتزَمَ منهَجَ اللهِ وشرْعَه،أسعدَ أمّتَه بقولِه،وقوّى أركانَ مجتمعِه بجميل فِعالهِ وكريمِ خِصالِه،ممّا يبشِّرُ بخيرٍِ عميم،وهم حجّةُ الله على غيرهم.
وفي عصرِنا تنوّعَت مسالكُ الشبُهات وتأجَّجت نوازِعُ الشهوات، وغدَا شبابُنا مُعرَّضًا لسهامٍ مسمومةٍ ورماحِ غزوٍ مأفونةٍ،ذاقَ مَرارَتها المجتمَعُ في غلوٍّ وتكفير وانحلالٍ خُلُقيٍّ مقيت وفي ميدانِ الأفكارِ المنحرفةِ والفرقِ الباطلةِ ولذلك رأينا تحصينَ الرسولِ للشباب قوّياً ضدَّ الفتن فأغلقَ منافذَهَا وكان حَازِمَاً اِتجاهَهَا...خرج عليه الصلاة والسلام على أصحابه مرةً وهم يتنازعون في القدر أي يتجادلون فيه-هَذا ينزِعُ آيةً،وهذا ينزعُ آيةً،فكأنما فُقِئ في وجهه حَبُّ الرمّان فقال غاضباً منهم(بهذا أُمِرتم؟!)) أو ((بهذا بُعِثتم أن تضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض؟!إنما ضلّت الأمم قبلكم في مثل هذا،إنكم لستُم ممّا ها هنا في شيء،انظروا الذي أُمِرتُم به فاعملوا به،والذي نُهيتم عنه فانتهوا)) أخرجه أحمد..وهذا عمرُ بن الخطّاب>يضربُ شاباً عندما رآه يبحَث عن المعضلات والشبهات في الكتاب والسنة وتشدّدوا رضي الله عنهم في روايةِ السنة،نهوا عن عضلِ المسائل والتكلُّف في السؤال،إلى غير ذلك من القواعِدِ التي حفِظت على شباب الصحابة دينَهم وعلمهم.
ومنَ الانحرافِ..ما يُهَدِّدُ الأخلاقَ ويحطِّم القيَمَ ويشكِّلُ أضرارًا جسيمةً بنظام المجتمع وسلامَتِه، خاصّة إذا كان مقرونًا باستهتارٍ أو إصرارٍ أو كان يحمِل نشرَ صُوَر ارتكاب معصيةٍ في مجاهرةٍ على رؤوس الأشهاد بكبيرةٍ توعَّد الله عليها بالعذاب الأليم.
الأسرةُ عباد الله..هي المحضِنُ الأبرزَ لإعدادِ الشَبَابِ وبِنَاءِ الشخصيةِ،ومنها يصدُرُ الخيرُ أو الشرّ، ومنها ينجُمُ الانحرافُ أو الصلاح..تفقِدُ الأسرةُ دورَها وتُضيِّعُ رسالتَها إذا انصرَفَ الآباءُ عن أُسَرِهم وكان همُّهم الأكبرُ توفيرَ النقود مع تركِ الحبلِ على الغاربِ للأَولادِ والتقصيرِ في تربيتهم وعدمِ تخصيصِ وقتٍ لهم يمارسونَ فيه التوجيهَ والرعايةَ..يختزل كثيرٌ من الآباء علاقتَه بأبنائه ومسؤوليّته في أُسرتِهِ في حِسَابَاتٍ مَادّيّةٍ لا تَتَجَاوَزُ الأَكل والشُربَ والثياب وهو لاهٍ عنهم مع سفرهِ أَو أَصحابه،أَما تَربيةُ الأَخلاقِ وتَهذيبُ السلوك وبناءُ الشخصية فحظُّها أنها في ذيلِ قائمةِ المسؤولياتِ لديهِ والآباءُ حينَ يُمَارِسُونَ التَربيةَ الصحيحةَ يُوفِّرونَ المنَاعَةَ الكَافيةَ ضِدَّ الانحرافِ والوقايةَ من المصير الأليم،ويُسهمون في أمن المجتمع فالمسؤوليةُ عُظمى وكثيرٌ من مَشاكلِنا راجعٌ إلى إضاعةِ المسؤولية من الآباء..
الأسرةُ في الإسلامِ مسؤولةٌ عن حمايةِ الشباب من الانحرافِ، ويتحمّلُ الوالدان النصيبَ الأوفرَ من جريرةِ الغلوِّ في الدين أو التطرُّف في الخُلُق فكلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ،فَأبواهُ يهوِّدانِه أو ينصِّرانِه أَو يمجِّسانه))
قد يُهيِّئ جوُّ الأسرةِ الملبَّد بالغيوم الانحرافَ،فالبيتُ الذي تعلو فيه أصواتُ النزاع ومظاهرُ الخصومةِ ليسَ مُهيَّأً لِلتربيةِ واِستقرارِ النفوس،بل قد يهربُ الأولاد من هذا الجوّ الملبَّد إلى مَن يُؤويهم وقد يحتضنُهم رفقاءُ سوءٍ وقُرَناءُ شرّ،وقد تُسهَّلُ له الطّرقُ ليصبحَ مُجرمًا محترفًا،كيف لا وقد فَقَدَ الرعايةَ والنصحَ والتوجيهَ من أبويه، غاب عنه من يدلُّه على طريق الهدى والنّور.والطلاقُ ظاهرةٌ اجتماعيّةٌ خطيرةٌ وهي كثيرةٌ عندنا،تهدِمُ كَيانَ المجتمعاتِ ومِن الأَسبابِ الرئيسةِ في انحرافِ الأَولادِ مَع ضَعفِ الدين،إنّ الولدَ الذي يهربُ من جحيم الطّلاق قد لا يجِدُ من ينصَحهُ أو يردعُهُ،ولأقرانِ السُوءِ تزيينٌ ولأهل الفسادِ شِباك والمجتمع مطالبٌ بتحجيمِ هذه الظاهرة المؤلمة وتحصينِ المجتمع من آثارِها المدمِّرة.
ومِن أسبابِ الانحرافِ وقوعُ بعضِ الأُسَرِ فريسةَ الفَقر،فيلجأُ بعضُ الأولاد إلى مغادَرَة البيت بحثًا عن أسبابِ الرّزق،ولجهلهم وقصورِ إدراكهم قد تتلقّفهُم أيدي الشّرّ وقرناءِ السوء،فيسلكون بهم سُبُل الانحراف والبلطجة،ولا غرابة فقد كانيقول(اللهم إني أعوذ بك من الكفرِ والفقر))..ولذلك كانت أموال الزكاة سبباً لدفع هذه المشكلة وتكافلِ المجتمع وهذا ما اتسمت به بلادنا ولله الحمد ولكن بعد حثهم على سوق العمل وحب الغير..
المدرسةُ عبادَ الله..هي المحضِن الثاني،ووظيفتُها ذاتُ تأثيرٍ عميق في إصلاحِ الشباب أو انحِرافهم،تحمِل مِعوَلَ الهدم أو مِعوَلَ البناء،وأساس المدرسة مناهِجُ التربية والتعلِيم،الشرعية والفكرية والعلمية والترفيهية لتكونَ حصانةً لقلبِ الشباب وحمايةً لفِكرِهم من غُلوٍّ مَقيت أو فسوقٍ مُمِيت أو جهلٍ عقيم.
إنّ الدينَ أعظمُ حصانةٍ للشّباب من كلِّ انحراف،وقراءةُ التاريخ تُجلِّي أنّ ظهورَ الفِرَق وبروز الانحراف وشيوعَ الجريمة لم تنَل حظَّها في المجتمعات ولم تفعَل فِعلَها في القلوبِ والعقول إلاّ على فترةٍ من الدّعوة واندراسٍ من الشريعة إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وفي غِياب الدينِ الصحيح والإيمان والقويم والمنهَج الوسَط يكون الشبابُ معرَّضًا للانحراف،قد يقَع فريسَةَ الإجرام أو الإرهاب أو التطرّف أو الارتماء في أحضانِ الأعداء أو الوقوع في مصائد المنحَرفين أو يسيطِرُ عليه الضّياع حتى يُصبِحَ كالسُّمِّ في جسَد الأمّة والمِعوَلَ في هدم كيانها،يُحطِّم مستقبلَها ومُستقبَلهَ.
المعلِّم وإمام المسجد مِحوَرُ التربية والتعليم،وبه نقاوِم الانحرافَ ونحصِّن الشباب،إذا كان مستقيمًا في سلوكه، صالحًا في خُلُقه،قويًّا في إيمانه،متقِنًا لعمله،يحمِل همَّ أمته ومجتمَعه،وتلك أهمّ سمات القدوة في المجتمع المسلم وما أحوجنا إلى القدوة الذي ينشرُ بفعالِه قَبلَ أَقوالِه الوازعَ الخلقي ويحي رَقابة الله في نفوس النشء..
الرُفقةُ الصالحة لها أثرٌ في اكتساب القيمَ والسلوك قال (المرءُ على دين خليله،فلينظر أحدُكم من يُخالِل))وقد يوقع القرينُ السيّئ في المهلكات،أمّا القرين الصالح[فسببٌ]للاستقامة والفضيلة.
الفراغُ ـ عبادَ الله ـ سبب للانحراف،والوقتُ الضائع ينقلب بآثاره السيئَة على صاحبه،ويكونُ أكثرَ استعدادًا للانحراف،ويجب أن يتبيّن الوالدان أينَ وكيف تُقضى ساعاتُ الفراغ.
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أي مفسدة
في الفراغِ قد تتسَلَّل فتتمكَّنُ فكرةٌ منحرِفة أو نَزوةٌ عابِرةٌُ أو شهوةٌ جامحةٌ،فتقعُ الواقعة،ولقد أسهمتِ المؤسَّساتُ التربويّة والدورات الشرعيّة وحِلَق القرآن والمراكز الصيفية في احتضان عقولِ وأفئدةِ جمعٍ من الشباب،ولا زالت الحاجةُ ملحةٌ لتوفيرِ مَحَاضنَ تَربويّةٍ آمنَةٍ أُخرى ومَراكزَ للأَحياءِ لاستيعابِ وإِصلاحِ ما تيسّر من شَبابٍ رضيَ بالعيش على هامشِ الحياةِ،فافترشَ الأَرصفةَ وتسكَّع في الأسواق، وشَبابٍ وقع فريسةَ الخمور والمخدِّرات..ونحن نُعاني في بلادنا هنا أزمةً حقيقةً في فراغ الشباب يشعر بها الجميع فواجب التعاون على حلها..
من أبرز حبائلِ شياطين الإنس هذه الفضائياتُ التي يزيِّنُ مُعظمها الانحرافَ ويجرُّ إلى الضلالة، لقد تراجَع دورُ مؤسّسات التربية أمام هذه الفضائياتِ التي أطلقت أبواقَها وسخّرت جهودَها في فتح أبوابِ الانحراف من تلويثِ العقول وإفساد القلوبِ ونزعِ جلبابِ الحياء، سهَّلت الغزوَ الفكريَّ ونَقلت ثقافة وأخلاق بلدانٍ لا تمثِّل الإسلامَ ولا تدين به، شجَّعت على الفسقِ والسّفور، جرَّأت على الجريمة والانحراف..وإذا أردنا تقليصَ زاوية الانحرافِ فلا بدّ من البَحث عن حلولٍ لهذا الكابوسِ الجاثم على صدورِنا القابِع في دورنا المزَلزِلِ لأخلاقِنا والتصدِّي لسُمومه وإبطال مفعوله.
مِن وسائل علاج الانحراف القيامُ بالدعوة إلى الله بالحكمة وبالموعظةِ الحسنة، قيامُ المسجد برسالته وإحياءُ دورِه في التوجيه والإصلاح، قيامُ الدّعاة والمربِّين بواجبهم وتحمُّل مسؤوليّتهم. أصحابُ الفكر وحملةُ الأقلام ندعوهم للإسهام في مقاومةِ مظاهرِ الانحراف بدراستِها ووضعِ الحلول لها..هذا واجبهم المنوط بهم والمتحتم عليهم بدلاً من إهدار طاقات الشباب والاستهتار باهتماماتهم والله المسؤول عن هدايتهم بعد بذل الجهد وعليه التكلان ..أقول ما تسمعون وأستغفر الله ......
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده و بعد..
أيها الإخوة..ونحنُ في إجازةٍ صيفية يشهدُ فيها الشباب فراغاً كبيراً ينبغي لنا أن نبحثَ عن فرصٍ متنوعة للقضاءِ على الفراغِ في الإجازات فهناك العملُ الحرفي أو المكتبي أو التجاري مفيدٌ للشباب وكذلك حلقاتِ طلبِ العلمِ المتنوعةِ والدوراتِ الصيفيةِ المتقدِّمَةِ وكذلك المراكزُ الصيفيةُ ذات الأنشطةِ المتنوعةِ وصلةِ الأَرحامِ والسفرِ المباحِ..وليحذر شبابُنَا من مغرياتِ الإجازاتِ وضياعِ الأَوقات والسهرُ طوالَ الليلِ في العبثِ والدوران بالسياراتِ والاستعراضِ بها ومضايقة الناسِ والعوائل أَو إِثارةِ الفَوضى فَإِنَّ كُلَّ هَذا لايليق بكم شباب الإسلام..ويؤدِّي بكم لإزهاقِ أرواحكم وغيركم..
انظروا هذه النعم الكبرى التي نتقلَّبُ فيهَا..انظروا كيفَ الأوضاعُ من حولِنا؟!ونحن في أمنٍ منِ اللهِ وأَمانٍ وكيفَ يَعيشُ القريبونَ منا وقد نُزَع الأَمنُ منهم وتسلَّط الأعداءُ عليهم وأَصبحَ الأَمنُ الذي يفترضُ به حمايتهُم سبباً لتعذيبهم وإيذائهم والنيلِ من كرامتِهم وحرياتِهم وأعراضهم؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله فاحمدوا الله جميعاً على ذلك..أما أنتم أيها الشباب ففي نعمِ الله ترفلونَ وفارهِ السياراتِ تركبونَ ومن الأَطايبِ تَأكلونَ،وبعضكُم لغيرهِ يؤذون فإلى متى أنتم على هذا الحال سائرون،أين الجديَّةُ في الحياة؟!والبحثِ عن الأهدافِ؟!والسيرِ على خطى الصلاح..نسأل الله أن يهدينا جميعاً لصالح الأخلاق وأن ييسر شبابنا لصالح الأعمال ليكنوا بناة الأوطان..وحماة الأديان..ونافعين لأمتهم ودينهم وأهليهم وأوطانهم ..وأن يكفيهم شر الأشرار وكيد الفجار وأن يحفظ عليهم أنفسهم ودماءهم إنه سميع مجيب ..
وصلّى الله وسلّم على نبيِّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين

 0  0  828
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:43 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.