أيها الإخوة المؤمنون..منزلة الإنسان بالإسلام كبيرة وقدره عند الله رفيع،نفخ فيه من روحه وأسجد ملائكته وسخَّر له ما في السماوات والأرض واستخلفه فيها..لكنَّ الإنسان لم يحفظ هذا التكريم فوقع في مزالق من أهوائه فظهرت في كثيرٍ من الأمم والديار أعرافٌ وتقاليد اضطربت فيها موازين المساواة بين العباد فيضام المرء عندهم لسواد لونه ويحتقر لقلة ماله ويهان لقبيلةٍ أو لنسب وعانى الناس من ذلك زماناً..رأيناه في عنصريةٍ بغيضةٍ عاشت في بلاد الغرب طويلاً اقتتلوا فيها مع سود البشرة تمييزاً وعنصرية،لكن الإسلام ومبادئه أنكر هذه النظرات،وتلك الموازين وعوّل على قيمة الإنسان مقرونة بعقيدة التوحيد الخالصة دون حساب للونٍ ولا لحسبٍ ولا لغنى ولا فقر((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))وكان للضعفاء دورٌ في نصرة الإسلام يقول عليه الصلاة والسلام

إنه واحد من صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم الكرام تجسد فيه الإسلام بقوته،وتجلى فيه بمساواته فهو قبْلَ دين الله لم يكن شيئاً مذكوراً بل كان متاعاً مهملاً،بالإسلام ارتفع اسمه،وبالإيمان علا في العالمين ذكره،مئات الملايين من المسلمين يعرفون اسمه كما يعرفون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي..
صحابي جليل أحبه الله وأحبهُ رسوله صلى الله عليه وسلم،إنه سيدنا بلال من رباح الذي أعتقه سيدنا أبو بكر كما يحلو لعمر بن الخطاب أن يقول له ذلك رضي الله عنهم أجمعين..اسمٌ يحبه المؤمنون، وصوت نتذكره بالآذان،وُلدَ مولىً وأُخذ إلى مكة وعاش فيها عبداً ذليلاً،يرعى غنماً لأجل لقيمات،سمع بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم للإسلام وبتكذيب سادات قريش له ولما نزل قوله تعالى


ثم لما حصلت الهجرة كان بلال رضي الله عنه أول المهاجرين وفي المدينة عيّنه صلى الله عليه وسلم كأولَ مؤذنٍ في التاريخ،ويالها من وظيفة ما أشرفها،فانتشر ذكره في الآفاق منذ ذلك الوقت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.لم يكن قبل الإسلام أكثر من عبدٍ رقيق يرعى الإبل على حفنات من التمر،وكان ليظل كذلك لكنها عظمة هذا الدين الذي آمن به وبوأه في حياته بل وفي تاريخه مكاناً عليَّاً بالإسلام فاق مكانةَ وذكرَ كثيرٍ من عليةِ البشر وذوي الجاه ولذلك عينه صلى الله عليه وسلم مؤذناً بنداء الإعلام لأهم شعيرة في الإسلام ليركز في سمع الناس وعقلهم لاسيما العرب مبدأ السواسية ونبذ العنصرية باختياره لبلال مؤذناً وفي غزوة بدر حين هزم المشركون قال أمية لعبد الرحمن بن عوف:هل لك فيَّ أسيراً يقول عبد الرحمن:فو الله إني لأقوده إذ رآه بلالٌ معي فقال:رأس الكفر أمية!!لا نجوت إن نجا!!ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية،فاجتمع المسلمون عليه،وكان أمية رجلاً ثقيلاً فتجللوه بالسيوف حتى قتلوه))رواه ابن إسحاق
أيها المسلمون..ذلكم بلال رضي الله عنه الذي كان كلما سمع كلمات المدح والثناء تقال له يحني رأسه ويغضُّ طرْفَه ويقول:إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبداً..يأتيه أحدهم فيقول له:أنت أفضل من أبي بكرٍ فيقول له مؤنباً:كيف تُفضلني وأنا حسنةٌ من حسناته!!وكلما حان وقت الصلاة قام بلال يهتف: الله أكبر الله أكبر،فتنتفض أجساد المؤمنين من صوته،وكان كلما أهمَّه صلى الله عليه وسلم أمرٌ،نادى بلال((يا بلال أرحنا بها)) فيؤذن للصلاة،وكان رضي الله عنه يأتي للرسول صلى الله عليه وسلم بماء الوُضوء وكان يأخذ حذاءه ويحمل العنزَةَ له ويرى أن ذلك شرف لا يعدله شرف،وكان صلى الله عليه وسلم يحبه ويدنيه منه،وسرى هذا الحب في قلب بلال فعوَّضه عن كل شيء،عن أهله في الحبشة،وعن أقربائه وجيرانه وفي ذات يومٍ بعد صلاة الصبح قال عليه الصلاة والسلام كما رواه البخاري ومسلم لبلال يبشره



ومرّة كان الصحابة رضي الله عنهم في مجلسٍ،فإذا أبو ذر رضي الله عنه يعيّر بلالاً فقال له:يا ابن السوداء!فلما سمع بلال هذه الكلمة غضب رضي الله عنه وقال له:والله لأرفعنّك إلى رسول الله،فلما رفع أمره،فغضب المصطفى صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً حتى قال لأبي ذر

وتمضي الأيام ولم يزدد بلال إلا رفعةً ومحبةً عنده صلى الله عليه وسلم،يصلي العيد فيتكئ على بلال ويذهب فيخطب في النساء.وفي اليوم المشهود يوم فتح مكة،يدخلها صلى الله عليه وسلم منتصراً فيرى الأصنام التي كانت تعبد من دون الله محيطةً بالكعبة فيسقطها


بنتُم وبنّا فمـا ابتلت جوانحنا
شـوقاً إليكـم ولا جفـت مآقينا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنـا
يقضـي علينا الأسى لولا تأسّينـا
إن كان قد عزّ في الدنيا اللقاء
ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
ثم جاء بلال إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال له:يا أبا بكر إني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: ((أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله))وإني أريد أن أرابط في سبيل الله حتى الموت.قال أبو بكر:بل أريدك معي في المدينة،فقال بلال:أأعتقتني لله أو لنفسك؟قال أبو بكر:بل لله،قال:فائذن لي في الغزو، فأذن له،فذهب بلال إلى الشام والتحق هناك بجيوش المسلمين.ونذر نفسه للجهاد في سبيل الله،فاتحاً مقاتلاً يجاهد المشركين،ويعلم الناس دينهم..
وتمر الأيام وتمضي السنين،ويموت أبو بكر رضي الله عنه،ويتولى الخلافة من بعده عمر،وبلالٌ ما يزال مرابطاً في أرض الشام مع جيوش المسلمين،وآه ثم آه من بلاد الشام اليوم ليت بلالاً والصحابة يرون كيف استباحها النصيريون والرافضة ومن معهم ثم يفتح الله على المسلمين بيت المقدس،ويأتي الفاروق عمر بن الخطاب خليفة المسلمين ليستلم مفاتيح بيت المقدس،فيدخلها بثوبه المرقع ولكنه يحمل الدنيا في يديه،ويجتمع عددٌ من كبار الصحابة من أهل بدر وبيعة الرضوان جاؤوا لحضور هذا اليوم المشهود،وتحين صلاة الظهر،فيقول عمر لبلال:أسألك بالله يا بلال أن تؤذن لنا،فقال بلال:أعفني يا أمير المؤمنين،فقال الصحابة:اتق الله يا بلال،سألك أمير المؤمنين،فقام بلالٌ يتحامل على جسمه،فقد أصبح شيخاً كبيراً،وارتفع صوته بالأذان،فإذا بصوت عمر رضي الله عنه يسابقه بالبكاء،ثم بكى كبار الصحابة،وارتج المسجد الأقصى بالبكاء لأنه ذكّرهم معناً عظيماً وتاريخاً ومعلماً وقائداً أحبوه حباً جماً.
وعاد بلال إلى الشام،ليكمل طريقه الذي أخذه على نفسه،الجهاد في سبيل الله،وانقطع عن المدينة،وأصبح شيخاً كبيراً..وفي ليلة من الليالي وبينما هو نائم،إذا به يرى حبيبه ونبيه صلى الله عليه وسلم في المنام،رآه ببشاشته وهو يعاتبه:هجرتنا يا بلال،ألا تزورنا في المدينة،فاستيقظ بلال وسط الليل وتوضأ وصلى ركعتين ثم أسرج راحلته،وركبها قبل الفجر ذهب إلى المدينة ليزور مسجده صلى الله عليه وسلم،وصل إليها ليلاً فوجد الناس نياماً فأول ما بدأ به المسجد أتى الروضة الشريفة،ثم توجه إلى قبره صلى الله عليه وسلم فسلم وبكى،فحان أذان الفجر،فتأخر مؤذن المدينة قليلاً،فصعد بلال المنارة وأذن للصلاة،حتى إذا وصل إلى محمد رسول الله انفجر بالبكاء،وقام الناس في المدينة على صوت بلال نعم إنه بلال بن رباح،فأخذ الناس يبكون مع بكاء بلال رضي الله عنه،وعاد إلى الشام وهناك أتته المنية رضي الله عنه،وعندما حضرته الوفاة صار يقول وهو يحتضر: غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه..اشتياقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه..فصرخت امرأته وكانت بالقرب منه:وأويلاه،تقول ذلك لمصيبتها بفراق زوجها،وهو يقول:وافَرحاه،وافَرحاه..في اشتياق حقيقي للقاء الأحبة،ونفسه تغرغر وهو يقول:غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه..فرضي الله عنه وأرضاه فهو السيد الحرُّ المؤمن المجاهد عاش بضعاً وستين سنة،وإن سواد بشرته وتواضع حسبه وهوانه على الناس كعبدٍ رقيق لم يمنعه حين رضي بالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً أن يتبوأ المكان الأرفع والمقام الأسمى،مات رضي الله عنه سنة عشرين من الهجرة،في بلاد الشام مرابطاً في سبيل الله كما أراد،وهناك وتحت ثرى دمشق رُفات رجلٍ من أعظم رجالات هذا الدين((يأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَٱدْخُلِى فِى عِبَادِى وَٱدْخُلِى جَنَّتِى))اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..أقول قولي
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
أيها المسلمون،وفي قصة مؤذن الإسلام دروس وعبر:
أولها:إن أكرمكم عند الله أتقاكم..فلا فرق لعربي على عجمي،ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. فالقرشيُّ عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عارض الرسالة بنارٍ ذات لهب،والحبشي الذي آمن بالرسالة يُسمع قرع نعاله في الجنة وهذا ما ينبغي أن نلزم به أنفسنا ونربي عليه أبناءنا حتى لا تسيطر عليهم رفعةُ النسب وعظم المنصب وشهوة المال وحب تصنيف الناس بألوانهم وأنسابهم وأفكارهم أو احتقار العامل الأجنبي أو التعدي عليه كما يفعله بعض هؤلاء السفهاء هداهم الله .
كما أن هذا الدين لا ينتصر بكثرة العدد ولا يعتمد على أصحاب المناصب والأموال،ولكنه يبقى مكانه ويأتي إليه من يحبه.يقول أبوجهل:كيف يهتدي بلال وأنا سيد بني مخزوم وهو عبد حبشي((لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ)) فكان الجواب

جاء رجلٌ أسود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله إني رجل أسود منتن الريح،لا مال لي،أفإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟قال:في الجنة،فقاتل حتى قتل،فأتاه صلى الله عليه وسلم فقال على رأسه:قد بيض الله وجهك وطيب ريحك وأكثر مالك))رواه البيهقي والحاكم
عباد الله..نأخذ من قصة بلال وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم حنكته صلى الله عليه وسلم ومعرفته بالفروق بين صحابته واختلاف مواهبهم فقد أعطى الأذان لبلال لأنه الأصلح لذلك، وأعطى الراية لخالد لأنه سيف الله المسلول،وأعطى الخلافة لأبي بكر،والقافية والأدب لحسان،ومدرسة الفرائض وتوزيع المواريث لزيد،والقضاء وهيئة الاستشارة لعلي،وكتابة الوحي لمعاوية رضي الله عنهم أجمعين ومعرفة الفروق الفردية والمواهب الشخصية قد يفوت بعض المربين والدعاة والمعلمين..حين لا يهتمون بتلك القدرات لشبابهم وأولادهم..أضف لذلك الحبَّ الذي غرسه صلى الله عليه وسلم وربَّى صحابته عليه..((فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلاْمْرِ))
إن سر نجاح دعوته صلى الله عليه وسلم أنه جعل الناس يحبونه حباً تتقطع له القلوب وتنقاد له الأجساد فقد كان صلى الله عليه وسلم أباً لليتامى ومعيناً للأرامل والمساكين فأحبته القلوب وعشقته الأفئدة نبي وانقادت له الأبدان.
نَبِيُّ البِرِّ بَيَّنَهُ سَبيلاً
وَسَنَّ خِلالَهُ وَهَدى الشِعابا
وَكانَ بَيانُهُ لِلهَديِ سُبلاً
وَكانَت خَيلُهُ لِلحَقِّ غابا
وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ حَتّى
أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري
بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا
إن نسب الدين والتقوى أعلى نسب وأشرفه رفع بلالاًَ وسلمان وصهيباً وخذل أبا جهل وأمَّية وأبا لهب
أبي الإسلام لا أب لي سواه
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم
فمن أراد أن يفتخر بجنسية أو بقبيلة أو ببلد فليتذكر هذه المعاني في هذه الخطبة..نرى بعض الناس يتعاملون مع العمالة المتخلفة التي خالفت النظام بتعامل فيه بعض الظلم من قبل الناس برسائلهم والمفروض أن يترك هذا الأمر للدولة هي التي تطبق الأنظمة وهي التي ترعاهم لا أن يتدخل الناس بإشاعة كثير من الإشاعات عن بعض هؤلاء وأكثرهم مسلمون..ولننتبه أيها الإخوة من هذه العصبية التي يمارسها البعض وهي موجودة في بعض قلوبنا وأفعالنا وتصرفاتنا لننته عنها اليوم.
اللهم انصر إخواننا المسلمين في بلاد الشام....
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،