• ×

11:06 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

السعادة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمدُ للهِ أَسعدَ من شَاءَ مِنْ عِبادهِ، أَحمدهُ سُبحانَهُ وأَشكُرُهُ مَنحَ لِمَنْ اصْطَفَاهُ أَبوابَ الشهادةِ وأَشهدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ الله وحدهُ لا شَريكَ لهُ وأَشهدُ أَنْ سَيّدنا ونَبيّنا مُحَمداً عَبدهُ ورسولهَ صَلّى اللهُ وسَلّمَ وبَاركَ عَليهِ وعَلى آلهِ وأَصحَابِهِ وأَنصارِهِ وسَلّمَ تَسلِيماً كَثيراً إلى يومِ الدينِ .. أما بعد فاتقوا الله عِباد الله .
أَمرٌ يَبَحثُ عَنهُ كَثيرٌ مِنْ الناسِ ولو استَطَاعَ إِيجاده بأيِّ صِلة و شراءَه بأَيِّ وسَيلةٍ لبذلَ الغالي والنفيس للحصولِ عليهِ..إِنَّها السَهلةُ الصَعبة..يَسيرةٍ على من يَسرها الله لَه.. عَسيرةٌ على من تَاه في طريقِ البَحثِ عنها ..أَتدرونَ إِخوتي ما هي ؟!! إِنِّها السعادة ..
أَيُّها الإخوة :لا يُعقلُ أَلبتة أَن يَخلِقنا الله ثم يُريدُ لنا أَن نَشقى جَميعًا،كيف ذلك وهو يقولُ لنبيه : طه مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ
السَعادةُ هي جَنةُ الأَحلامِ التي يَنشُدها كُل البَشرَ،المثقفُ المتعلمُ ،والأُميِّ الذي لا يَقرأُ ولا يَكتبُ والسلطانُ في قَصرهِ المشيدِ والفَقيرِ في بيتهِ الصغير..ففقدانُ السَعادةِ مِن قَلبِ المرءِ يعني حلولَ القَلقِ والهم..ولا أَشد من الهمِّ في حَياةِ الإِنسانِ فهو من أَقوى جنودِ الله وقد تكلّمنا عن الهم والحزن في خطبتنا الماضية أعاذانا الله وإياكم واليوم عن السعادة ألبسكم الله إياها .
عباد الله..السَعادةُ والطمأنينةُ عَطاءٌ من اللهِ ورحمةِ،كَما أَنْ الهمَّ والقَلقَ والضِيقِ غَضبٌ مِنْ اللهِ ومِحنة..إذا رزقها الإنسان تسير معه حيثُ استقلّتَ رَكائِبهِ، وتَنزلِ إِن نَزلَ.
و قد اختلفت مشاربُ الناسِ في فَهمِ السَعَادةِ فمن الناسِ مَن ظَنّ أَن السعادةَ في الملكِ كفرعونَ، وفعلاً مَلَك أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ونسي كما نسي غيره من طغاة العصر الذين تساقطوا خلال عامٍ مضى أَن مُلّكهم وجَمعَ لَهم الناسَ هو الله،ومع ذلكَ يَجحدُ هذا ويقول مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَكانَ جَزاؤه أَنهُ لم يُحصل السَعادةَ،بَل كَان الشَقاءُ والهلاكُ واللعنةُ بِعينها فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى وكَان حَالِه النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ
ومِنْ النَاسِ مَن ظَنّ بأَنْ السَعَادةَ في جمَعِ المالِ كَقارونَ،فَمَنَحَهُ الله كُنوزًا كَالتلالِ حتى أَن مفاتيحِ كنوزهِ لتنوءُ بالعصبةِ أوليّ القوة،مَا جَمعها بِجُهدهِ ولا بِذكَائِه،وظَنّ أَنهُ هو السعيدُ وحدهُ،وكَفرَ نَعمةَ اللهِ،و سَعَى فيّ الأَرضِ فَسَاداً فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ
ومن الناسِ مَن ظَنّ أَن السَعادةَ في كَثرةِ الولدِ كالوليدِ بن المغيرةِ، فآتاهُ اللهُ عَشرةً من الأَبناءِ، كان يَحضرُ بِهم المحَافل، خَمسةٌ عَن يَمينهِ، وخَمسةٌ عن يَسارهِ، ونَسيَّ أَن اللهَ خَلقهُ فَردًا بِلا ولد ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاَّ فماذا فَعلَ؟ وكَيفَ تَصرفَ؟ أَخذَ عَطاءٌ الله مِنْ الأَبناءِ فَجعلَهُم جُنودًا يُحاربونَ اللهَ إلا من رحم رَبُك، فَقالَ لله فيه: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ
ومِنْ الناسِ مَن يَظُنّ بَأَنْ السَعادةَ في الشُهرةِ، فَيقضي سَاعَاتِه في تَوجيهِ النْاسِ إليه بشركاته وإعلامه وأمواله؛لِيُصبَحَ مَعبودَ الجماهير-كما قيل-وحديثُ الرُكبانِ وشَاغِلُ الدنيا،فَيقتلَعهُ ربُكَ من جذوره ويمحق سعيه فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ
ومِن النْاسِ من يَظُنّ أَنْ السَعَادةَ في الفَنِ المتَهَتِّكِ الماجِنِ،فَيُدَغدِغُ الغَرائِزَ، ويَلعَبُ بِالمشَاعِر،ويَفتِنُ القلوبَ،ويَسكُبُ الغَرامَ في النفوسِ،فَيَحمِّلهُ اللهُ ذُنُوبَ مَنْ أَغواهُم دونَ أَن يُنقصَ مِنْ ذُنُوبِهم شيئًا، ويَحجِبَ اللهُ السعَادةَ عنهم وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى .
ومِن النَاسِ من يَرونَ السَعادةَ في الوظيفةِ والسُلطَةِ، وتَغمُرهُ السَعادة عِندما يُفسحَ لهُ في المجالسِ ويُصغى إِليهِ عِندما يَتحدثُ،وإذا بِه يَفقدُ وظَيفتهُ فتنقلب الدنيا عليه،وتكون سعادته تلك دَيْنًا عليه، ولا يبقى له من وظيفته إلا ما صلح.
ومِنْ الناسِ من طَلبِ السَعادةِ في زوجٍ وولدٍ،فَلَما حَصّلهم واستووا إِذا بِهم أَلدّ أَعدائِه وأَشدَ خُصُومِه، يُنغّصونَ عَلّيهِ حَياتَه، يَتمنّونَ عَلانيةً سَاعةَ مَوتِه لينقَضّوا على ما بقي من تَرِكَتِهِ فَيقتسِمُونَها، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ
ومن النْاسِ من ظَنّ السعادةَ في الشُهرةِ، فَهو لاعِبٌ مَاهرٌ،أَو فَنانُ قَدير،أَو هو شَاعرٌ رَقيق،أَو هُو مِغنٍ صَفيق،أَو هُو كَاتبٌ سَاخرٌ مَرغوبٌ في القراءَةِ له.وكُلَّ ذَلكَ مِنْ أَجلِ أَن يُصدّر اسمه بِقولهم: النَجمُ السَاطِعُ والمثقفُ اللامع،ورُبَما حَملوهُم على الأَعناقِ،وهم يَهدمونَ و لا يَبنونَ،أَيُّ تغريرٍ لَهُ أَعظم من هذا التغرير؟!
ومِنْ الناسِ من غدا يَبحثُ عَنِ السَعادةِ في اللهو والعَبثِ، فَتراهُ تَارةً في مَلهى أو علاقةٍ مع امرأة بالحرام،وتارةً في مقهى،وأُخرى على شاطئٍ،وغَيرها في سوقٍ،وهَكَذا تَمرّ عَليهِ الأَيامُ والشهورُ والسنين.
طَلبوهَا مِن طُرقٍ مُنحرفةٍ، فَكانت هذهِ الطُرقِ سَببًا لدمارهِم وهَلاكِهم. كُلُّ هَؤلاءِ ـ عِبادَ اللهِ ـ كانت نَظرتُهُم للِسعادةِ قاصرةٌ، لا تَتجاوزُ مَواطئ أَقدامِهم ولذة ساعة تعقبها ندم عمرٍ بأكمله.
السعادةُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَمرٌ لا يُقاسُ بالكمِّ ولا يُشترى بالدَنَانير، لا يَملكُ بَشرٌ أَن يُعطيَّها، كما أَنه لا يَملكُ أَن يَنتَزِعَهَا مِمَن أُوتيها.
السعادةُ دِينٌ يَتبَعُه عَملٌ،ويَصحبهُ حمَلُ النَفسِ على المكارهِ ونزاع الشهوات المحرمة لملاقاةِ البَلاءِ بالصبرِ والشَدائِد بالجَلَدِ،والسَعيدُ من آثرَ الباقي على الفاني إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدًّا
السعادةُ هي الرضا باللهِ والقناعةُ بالمقسومِ والثِقَةُ باللهِ واستمدادِ المعونةِ مِنهُ،من ذاقَ طَعمَ الإِيمانِ ذَاقَ طَعمَ السَعادةِ،قال (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولاً))رواه مسلم.
السَعادةُ هيّ الرضَا باللهِ رَبًّا وبالإسلامِ دِينًا وبِمُحَمدٍ رَسُولاً،وإِتباع هذا الرضا بِركعَاتٍ وسَجَدات وخُضُوعٍ وتَسليمٍ وتوحيدٍ لربِّ البشر..فالسعادة هي الإسلام الكامل لله تعالى والخضُوعِ لَهُ والخلوصِ من الشركِ والأَندادِ والخروجِ عَن داعيةِ الهوى إلى دَاعيةِ الرحمن مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ .
السعَادةُ وجدها نبي الله يُونس بن مَتّى وهو في ظلماتٍ ثَلاثَ، في بَطنِ الحوتِ،في ظُلمةِ اليَّمِ،في ظُلمَةِ اللَّيلِ،حِينَ انقطعت بِهِ الحِبالُ إلا حَبلَ اللهِ،وتَمزقت كُلُّ الأَسبابِ إلا سَببُ الله، فهتفَ من بِطنِ الحوتِ بِلسانٍ ضَارعٍ حزين: لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَوَجَد السعادة..السَعادةُ وجدها مُوسىوهو بينَ رُكامِ الأَمواجِ في البَحرِ،وهو يَستعذبُ العَذابَ في سبيلِ الواحدِ الأَحدِ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ..السَعادةُ وَجدها مُحمدٌ وهو يُطوّقَ في الغارِ بِسيوفِ الكُفرِ،ويَرى الموتَ رَأَيَّ العَينِ،ثم يَلتَفِتُ إِلى أَبي بِكرٍ ويَقولُ مُطَمئِنًا: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ..السَعَادةُ وجدها يُوسفُوهو في السِجنِ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ السَعَادةُ وجَدها أَحمدُ بن حَنبلٍ في الزِنزَانة وهو يُجلَدُ جَلدًا،لو جُلدهُ الجملُ لماتَ كما قالَ جَلاّدوهُ،ومع ذَلكَ يُصرّ على مَبدأِ أَهلِّ السُنةِ والجمَاعَةِ فَيجدَ السَعادة..السَعَادةُ وجدَها شَيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ وهو يُكبَّلُ بالحديدِ، ويُغلِق عَليهِ السَجّانُ الباب،داخل غُرفة ضَيّقةً مُظلمةً، فَيقولُ ابن تيميةَ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ثم يَلتفتُ إلى الذينَ هُم خَارجَ السِجنِ فَيقولُ:"ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جَنتي وبُستَاني في صدري،أَنّى سِرت فهي معي،أَنا قَتلي شَهادة،وإِخراجِي من بَلدي سِياحة، وسجني خلوة".
ولست أرى السّعادة جمع مالٍ
ولكنّ التقيّ هو السّعيدُ

وتقوى الله خير الزّاد ذخراً
وعند الله للأتقى مزيدُ

هذه هي السَعادةُ،وبَعضُ أَحوالِ السُعَداءِ،ولا يَكُونُ ذلكَ إِلاَّ في الإِيمانِ والعَملِ الصَالحِ الذي بُعثَ بِه ،فَمَن سَكنَ القَصرَ بِلا إِيمانٍ كَتبَ اللهُ عليهِ: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ومن جمعَ المالَ بِلا إِيمان خَتمَ اللهُ على قَلبهِ: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ومَن جَمعَ الدنُيا وتَقلَدَ المنصب بِلا إِيمانٍ جَعلَ الله خَاتَمته: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
قَالَ أَهل السِير:لما استقَرَ هَارونُ الرشيد في الخلافةِ وتَولاهَا بَعد أَبيه أَنفقَ الكُنوزَ في عَمارةِ قَصرٍ على نَهرِ دِجلة،يَختَرقهُ النَهر،وعَمر الحدائِقَ التي تُطِلُ عَلى النَهرِ،ثُم رَفعَ السُتورَ،وجَلسَ للناسِ،فَدخلَ النَاسُ يُهَنِئُونَهُ بِقصرِهِ وبِحَدَائِقه وكان فِيمنَ دَخلَ أَبو العتاهية، فَوقَفَ أَمامهُ و قال :
عِش ما بدا لك سالمًا
في ظلّ شاهقة القصور

فارتاحَ هارون لهذا الكلام وقال: زد فقال:
يجرَى عليك بما أردتَ
مع الغدوّ مع البكورِ

أي:يأتيك الخدم والجواري بالأطعمة و الأشربة وكل ما أردت صباحًا ومساءً، قال: زد فقال:
فإذا النفوس تغرغرت
بزفير حَشْرَجَة الصدورِ

فهنـاك تعلَم مـوقنًا
مـا كنتَ إلاّ في غرور

قال: أعد أعد.فقال: فإذا النفوسُ تَغرغرت يعني: إذا حَضرت سَكراتُ الموتِ، وحَانَ الأَجلُ، وبَلغت الروحُ التراقي وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ والتُمِسَ الطَبيبُ،وذَلكَ الذي يِحيدُ مِنهُ العبد.فَبكى هَارونُ حَتى وَقعَ على الأَرضِ،ثُم أَمر بالستُورِ فَهُتِكت،والأَبوابِ فَأَغلقت، ونَزلَ في قَصرهِ القديم،فَلم يَمضِ عَليهِ شَهرٌ واحد حتى أَصبحَ في عِدادِ الموتى وهي رسالة لمن ظن أن سعادته في بناء قصر أو السيطرة على أرض أو أخذ مال..أو نيل متعة محرمة ..
أَيُّها المسلمون..مَنْ أَراد السَعادة فَليَلتَمِسُهَا في المسجدِ صَلاةً وجُلُوسًا وتَعلُّقًا،مِن أَرادَ السَعادةَ فَليلتمِسه في المصحفِ قِراءَةً وتَدبُرًا وحِفظًا مِنْ أَرادَ السَعادةَ وكان غَنياً فَليُنفق مِمَا آتاهُ اللهُ ومن أَراد السَعادةَ وكانَ ذَا مَنصبٍ فَليُصلِح و ليخدم عِبادَ اللهِ بخدمتهم والشَفاعةِ لهم بالحسنى ومَن أَرادَ السَعادةَ فَليصل رحمه و يُحسنِ جِيرتَهُ و يَكونَ فَاعِلاً في وطنِه و مُجتمعهِ ..
من أَرادَ السَعادةَ فَليلتَمِسَها في السنةِ اتباعًا وتَطبيقًا ومَنهجًا،مَن أَرادَ السَعادةَ فليلتَمِسهَا في الذِكر،في التلاوةِ،في الهدايةِ،في الاستقامةِ،في الالتزامِ،في اتباعِ محمد ..السعادة في سفرٍ مباح..السعادة في إسعاد أسرتك..ورحلةٍ مع رفقة مباركة..ورؤية ربيعٍ أو بر..
إن السَعيدَ مَن سَعدِ بِطاعَةِ اللهِ،والشَقيُّ مَن شَقيَّ بِمعصيتهِ لله،: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ
اللَّهم اجعَلنا مِن عِبادكَ السُعداء بِطاعَتِكَ،المحظوظينَ بِرحمتِكَ،و الراضينَ بِقضَائِك،القَانعينَ بِعطائِكَ و مِمن خَتَمَتَ لهم بِخيرٍ و مغفرةٍ و رضوانٍ يا أَرحم الراحمين أقول ما تسمعون .
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده وبعد
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أَن لفقدانِ السَعادةِ أَبوابًا يَنبغي إِحكامَ إغلاقِها وكَشفَ عَوراتِها،فمن ذلكَ الانفتاحُ الشَديدُ على أَبوابِ اللّهو والغِناءِ بشكلٍِ دائم وكَثرةِ الضَحكِ والغَفلةِ في المجالسِ والحفلاتِ والسياحةِ ودوامِ متابعةِ القنواتِ،ومُشاهدة المحرماتِ،وذلكَ مِمَا يُسببُ القَلَقَ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ و لذلكَ فَلا غَرابةَ مِما نَراهُ من انتشارٍ واضحٍ لأَمراض الاكتئاب والانفصام والهم والحزن..والنفسيات المتوترة نسأل الله السلامة و العافية و الشفاء لمن ابتلي بها .
ومن مُهلكاتِ السَعادةِ جَعلُ البيتِ المسلِّم مَحلاًّ لمرَدَةِ الجنِ وبُعد الملائكةِ، وكثرة التماثيل المحرمة ورَفعِ أَصواتِ الغِناءِ داخله ويخلوا من الذكر وقراءة القرآن ورسول الله يقول(لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو صورة))
ومِن أَبوابِ الشَقاءِ الذنوبُ والمعاصي التي قال عنها (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)) رواه الإمام أحمد.ومنها التَهاونُ بِشأَنِ الصَلاةِ أَو التَقليل منها، ورسول الله يقول(وجعلت قرة عيني في الصلاة))،وكان إذا حَزبَهُ أَمرٌ واشتد عليه لجأَ إلى الصلاة.
وأيضًا فإن تَركَ الذِكر والدُعاءِ والاستِغفَارِ مَحلٌ للشقاءِ والهم والحزن،فمن يَنشدُ السَعادةَ فعليه بالذكرِ والدُعَاءِ والاسِتغفَارِ فسَيجعلُ اللهُ لهُ مِن كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخرجًا،ويَرزقه من حَيثُ لا يَحتَسِب وكَذلِكَ الإِكثارُ من تِلاوةِ القرآنِ وسَماعهِ فإنهُ ربيع القلوب وجلاءَ الهمومُ ونورَ الصدورِ .
اللَّهمُ إِنا نَعوذُ بِكَ مِن الهمّ والحزنِ،ونَعوذُ بِكَ مِن العَجزِ والكَسَلِ،ونَعوذُ بِكَ مِن الجُبنِ والبُخلِ، ونعوذُ بِكَ مِن غَلبةِ الدينِ وقَهَرِ الرِجال..ونسألك عيش السعداء ونزل الشهداء ومرافقة الأنبياء والصبر على البلاء..اللهم كن لإخواننا المستضعفين على أرض سوريا وهذا الطاغية النصيري وجيشه وأمنه ينالون منهم يارب العالمين ..
اللهم صلِّ و سلم و زد و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..

 0  0  788
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:06 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.