يزداد بعض الناس ولعاً بالأمور الغيبية،فهناك من يتابع الأبراج ويلاحق المنجمين وقراء الفناجيل ومدعي الغيب حتى أصبحت لهم برامج مسموعة ومشاهدة تحظى بمتابعة ولها تأثير وتشاؤم وتفاؤل للبعض من ضعف توكله على الله الذي يقول



الرؤى في المنام عباد الله لها أهميتُها الكبرى في واقع الناس قبل الإسلام وبعد الإسلام،و إن أنكرها بعض الفلاسفة و ضلال علماء النفس..واعتبروها مجرد خلجات نفسية تعترض النائم..أما شريعة الإسلام ومنهاج النبوة فقد وقفت من الرؤى بما نصَّ عليه الكتاب والسنة،أن الرؤيا المنامية الصالحة حق من عند الله،فمنها المبشِّرة ومنها المنذرة، لما روى مالك في الموطأ وعند البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال



وبسبب ضعف الإيمان وضعف التعلق بالله فقد تعلقت نفوسهم في أزماننا المتأخرة بالرؤى والمنامات تعلُّقًا خالفوا فيه من تقدَّمهم في الزمن الأول من السلف الصالح،ثم توسَّعوا فيها،وفي الحديث عنها والاعتماد عليها،إلى أن أصبحت شغلَهم الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع بل والقنوات الفضائية التي تفرد لها البرامج المغرية،حتى أصبح في كل مدينة وقرية معبّرون للرؤى في ظاهرة غير معروفة تاريخياً فكثر السؤال عن الرؤى أكثر من اللازم وكأننا أمة لا تحسن إلا أن تنام وتعيش بالأحلام حتى أصبح كل يعبر الرؤى وليس له معرفة او يستغلها لأغراض عياذآ بالله والمشكلة أنه ليس هناك معرفة عما ينبغي أن يعرفه المؤمن تجاهَ مايراه في نومه،وأن هناك هديا نبويا للتعامل معها، ينبغي أن لا يتجاوزه المرء فيطغى،ولا يتجاهله فيعيى لأنه صلى الله عليه وسلم تركناعلى المحجة البيضاء فأغنانا في الحديث عنها عن إتعاب النفس في التعلق والسعي الدؤوب في معرفة تأويلها،فكيف بالتعلق بها والاعتماد عليها،فتجد أحدَنا يرى الرؤيا أياً كانت فتضطرب لها حواسُّه وترتعد منها فرائصُه وتُحبس أنفاسه،ثم يسعى بالبحث بنهمٍ عن عابر لها ليعبرها،حتى يُظهَر له أشرٌّ هي أم خير ولو لم يعرف حال هذا المعبّر وصلاحه من عدمه ،ولو وقف كل منا عند الهدي النبوي مع الرؤى لما رأينا مثل هذه الجلبة ولا مثل هذا التعلّق الشاغل الذي استثمرته بعض الفضائيات وشركات الاتصالات كوسيلة كسبٍ واستقطاب لمشاهديها..روى مسلم أن أبا سلمة قال:كنت أرى الرؤيا أخاف منها وأمرض حتى لقيتُ أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول


والرؤيا لا تذكر لأحد أصلا،وإنما يذكر الله ويتحوّل من جنبه الذي كان عليه. وزاد بعض أهل العلم قراءةَ آية الكرسي لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أن من قرأها لا يقربهُ شيطان،وهذا النوع من الرؤى إنما هو من الشيطان،يقول النووي رحمه الله:"وينبغي أن يجمع الرائي بين هذه الآداب كلها ويعمل بجميع ما تضمنته الروايات،فإن اقتصر على بعضها اجزأه في دفع ضررها بإذن الله كما صرحت بذلك الأحاديث"
والنوع الثاني من الرؤى هو ما يحدِّث به المرء نفسَه في يقظته،كمن يكون مشغولا بسفر أو تجارة أو نحو ذلك،فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته،وهذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها.
وهناك الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله، وهي بشارة أو نذارة، وقد تكون واضحة ظاهرة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنَه في المنام، وقد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبُرها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام. وهذا النوع هو الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقصّ إلا على عالم أو ناصح، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: ((لا تُقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح)) رواه الترمذي..وما عدا ذلك من الرؤى التي تتعلق بإثبات شيء من أحكام الشريعة في حلال أو حرام أو فعل عبادة أو تحديد ليلة القدر مثلاً وهي التي أرِيَها النبي صلى الله عليه وسلم ثم أُنسيَها أو الرؤى التي ينبني عليها آثار متعدية تتعلق بحقوق الناس وحرماتهم وإساءة الظنون بهم من خلالها أو الحكم على عدالتهم ونواياهم من خلالها وأن ذلك كلَّه من أضغاث الأحلام ومن الظنون التي لا يجوز الاعتماد عليها ذكر الشاطبي رحمه الله في الاعتصام أن الخليفة المهدي أراد قتل شريك بن عبد الله القاضي فقال له شريك:ولِم ذلك ـ يا أمير المؤمنين ـ ودمي حرام عليك؟! قال: لأني رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلمُك وأنت تكلمني من قفاك، فأرسلت إلى من يعبِّر فسألته عنها فقال: هذا رجل يطأ بساطَك وهو يُسِرّ خلافَك، فقال شريك: يا أمير المؤمنين، إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تُسفَك بالأحلام، فنكَّس المهدي رأسه و تراجع وقد نقل الذهبي رحمه الله عن المروزي قال: أدخلتُ إبراهيمَ الحصري على أبي عبد الله أحمد بن حنبل وكان رجلاً صالحاً فقال:إن أمي رأت لك مناما هو كذا وكذا، وذكرت الجنة،فقال:يا أخي،إن سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا وخرج إلى سفك الدماء، وقال:الرؤيا تسرُّ المؤمن ولا تغرُّه .
عباد الله إن ما نراه خطأ في هذا الزمان اشتغال الناس بالرؤى وتقديسها وصرف الأوقات في تذاكرها،والسؤال عنها وإقامة المجالس الطويلة والاتصالات العظيمة في تعبير الرؤى لا سيما من النساء،ومن الأخطاء في الرؤى خطورة الكذب فيها فذلك إثم عظيم..قال صلى الله عليه وسلم ((من تحلّم بحلم لم يره كُلّف أي يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل))وهو كذب على الله ألا فاتقوا الله والتزموا عباد الله بسنة رسول الله و اقتدوا بها في الصحو و المنام .
اللهم أرنا في منامنا مايسرنا وفي يقظتنا ماينفعنا وزدنا بطاعتك قرباً إليك و عملاً يرضيك عنا..
الخطبة الثانية
الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد..أيها الناس،إن من باب الإنصاف والمصارحة والنصح أن لا نلقي باللائمة كلها في موضوع الرؤى والإفراط فيها على آحاد الناس فحسب،بل لا بد من تنبيه المعبّرين أنفسهم الذين يعبُرون الرؤى، إذ عليهم مسؤولية عظمى تجاه الرائين.فلا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم،وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان،وأن لا ينصِّب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلَّع إليها،لا سيما عبر الشاشات وفي المجامع الكبيرة والهاتف. فتعبير الرؤى قرين الفتيا وقد قال الملك



وتعبير الرؤى عبر الشاشات والمجامع بحيث يكون تعبيرهم بصورة تجعل المستمع الجاهل لأول وهلة يقول:هذا تكهّن أو تخمين أو عرافة،ونحن قد أمرنا بمخاطبة الناس على قدر عقولهم،و في البخاري عن علي رضي الله عنه


