العبدُ في هذه الحياة ما بين صحيحٍ ومريض،سنّةَ الله ولن تجد لسنّة الله تبديلاً ومن حكمة الله تعالى ابتلاءُ بعضِ عباده بأنواع البلايا،بالأمراضِ في الأبدان،فيبتلي بعضَ عباده بأنواعِ الأمراض في أبدانهم لأن البلاء سببٌ لحطِّ الخطايا

بالابتلاء يظهرُ صدقُ إيمان العبد،حين يكون صابرًا محتسبًا راضيًا بما قضى الله وقدَّر عليه،وغيرُ المؤمن يظهرُ منه التّسخّط وعدمُ الرّضا،يقول صلى الله عليه وسلم

فربُّنا جلّ وعلا أذِن لنا بتعاطي الأسبابِ التي نتَّقي بها البلاءَ قبلَ نزوله، أو نتخلّص منه بعد حصوله. وهذه الأسبابُ لا تنافي توكُّلنا على الله،ولا عبوديتنا له وفعل السبب من كمال الإيمان،((وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ))..
وربّنا تعالى حرَّم علينا أسباباً للعلاج؛لأنّها ضارّة غيرُ نافعة،يقول صلى الله عليه وسلم


إنّ ما أُصيبَ به الكثير من قلقٍ نفسيّ واضطرابات وهمومٍ وأحزان إنما سببُه قلّةُ الإيمان وقلّة التعلّق بربّ العالمين،وينبغي للمسلم إذا نزلت به الكروبُ والهموم اللجوء أوّلاً وقبل كلّ شيء لربّه وخالقِه،ويسألُه أن يفرِّج همّه ويكشِفَ كَربَه ويعينه على كلّ أموره،مع فعل الأسباب التي شرعها الله ورسوله.
أيّها المسلمون،إنّ كتابَ الله علاجٌ لأمراض القلوب والأبدان،وكذلك المأثور من سنّة محمّد صلى الله عليه وسلم،يقول تعالى




لكن انتشار الرقاة بكثرة عجيبة،في الآونة الأخيرة،وفتحهم دورا للرقية الشرعية،لم يكن معروفًا زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا في عهد السلف الصالح،وقد افتتن الناس بهؤلاء الرقاة وأقبلوا عليهم وهم قد يعذرون في ذلك؛فإن المريض أو قريبه يبحث عن العلاج بكل ما يستطيع وبشتى الطرق،لكن بعض الرقاة استغل هذا الجانب في الكذب على الناس وجمع أموالهم والعبث بمحارمهم،إلا من رحم الله،بل إنه قد وجد من بعض الرقاة مصائب كبرى بحجة إخراج الجن أو إبطال السحر،وربما يكون بعض هؤلاء الرقاة ليسوا على عقيدة سليمة،وربما تعاطوا السحر والاستعانة بالجن،وقد دلَّس بعض المشعوذين والدجالين والضالين على فئام من الناس؛ فلبسوا ثياب الدين،وخلطوا القرآن مع السحر؛ليخدعوا الناس وليلبسوا عليهم دينهم.لذا فلا بد من تنبيه الناس إلى خطر مثل هؤلاء،والتحذير منهم،لاسيما وقد وجدت الأخطاء التي أقلقت الجهات المسؤولة..
فالبعضُ من الناس عند أيِّ ألمٍ يصيبُه وهمٍّ يبحَثُ عن راقٍ يرقيه وقارئٍ يقرأُ عليه،وربّما يلقي في قلبه الرعبَ ويخوّفه،فيعدُّ عليه من الأمراض ما هو بريء منه،لإضعافِ كيانه و قوّته،فيُصدّقه المريض ويرتبط فيه وقد يعتقد به وقد يشخّصه بقوله فِيكَ مسٌّ وفيك عَين وفيكَ سِحر وفيك وفيك،فيجلبُ له أمراضًا هو لا يعرِفها،فيرجع وقد امتلأ قلبُه رُعبًا وهمًّا وخوفًا وحزنًا وقلقًا نفسيًّا..وبعض النّاس عندما يُصابُون بأيِّ مرضٍ ما من الأمراض عافانا الله وإياهم تضعُف عزائمهم،ويقلّ صبرهم، فليجأون إلى طلبِ العِلاج من كلِّ ما هبَّ ودبّ،وربّما يلجأ بعضهم إلى السّحرة والمشعوِذين،يزعم أنَّ عندهم شِفاءً،وأنَّ عندهم عِلمًا بهذا المرض،وأنَّ عندهم معرفةً بمن تسبَّب في ذلك. ويتبادلون الإشاعات والتجارب فيما بين المرضى..ويتعلَّق بعضُ المرضى بخيطِ العنكبوت،[باحثًا] عمّن يعالجُه ويخلِّصه من بلاياه،ويغفل عن إله أمرضه وشفاه..
أما السحرةُ فلا علمَ عندهم،ولا خيرَ يرجَى من ورائِهم، وإنّه وإن قُدِّر حصولُ بعض الشّفاء على أيديهم فما يحصل لك من شفاءٍ في البدن يعقبه فسادُ القلب، يعقبُه ضعفُ الإيمان أو زواله؛ لأنَّهم يعتمِدون على الخرافةِ والضلال،والدّجل والتضليل بالمسلم،وربّما أمروا ذلك المريضَ بالشّرك بالله، بالذّبح لغير الله، بدعاءِ غير الله والاستغاثة بغير الله،وهم لصوصٌ يأكلون أموالَ النّاس ظلمًا وعدوانًا، لا خيرَ فيهم..وقد يلجأ بعض الرقاة إلى ضرب بعض المرضى،وهذا خطأ عظيم يقع منهم، والمريض بعد إفاقته يعاني من ذلك الضرب الذي وقع على جسده؛ لذلك فأنا أوصي الرقاة بعدم استخدام الضرب، فالآيات التي تتلى على المريض هي أقوى من ذلك الضرب، بل ربما تؤدي إلى قتل الجني المتلبس وحرقه، وهذا مجرب ومعروف. والضرب فيه مخاطر كبيرة كذلك فإنه لا بد للراقي أن يتقيد بالضوابط الشرعية عند رقيته للنساء، ومن ذلك تقيّد المرأة بلباسها وحجابها الشرعي الإسلامي، وعدم الخلوة بها أو النظر إليها أو مس المرأة الأجنبية في أي موضع مما يؤدي لمفاسد عظيمة وبعضهم يتفرغ للرقية ويتجر بها أو يستأجر الاستراحات والصالات لممارسة الرقية، وذلك من بدع العصر الحاضر، إذ لم يكن في عرف السلف الصالحين ولا الأئمة المتبوعين مثل هذا التفرّغ، ومتى كانت الرقية الشرعية محصورة في أناس معينين؟!وكذلك يبالغون في الأموال التي يأخذونها من المرضى،كسعر الماء والزيوت وبعض المرضى هم في أمس الحاجة لهذا المال، من فقره وحاجته.
كذلك ادّعاء بعضهم أنّه قادر على تحديد مكان الجني من الشخص المتلبّس، وتشخيص المرض واقتصار بعضهم على إسماع المريض آيات الرقية من شريط مُسَجّل، دون القراءة المباشرة على المريض، وذلك لا يغني عن الرقية؛ لأنها عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية ومباشرة النَّفْثِ والنفَس. وقد ذكر العلماء أن أركان الرقية ثلاثة: الراقي والمرقي عليه والرقية نفسها، وهنا تخلف ركن منها.
كذلك الرقية بمكبر صوت، أو عبر الهاتف، أو الرقية الجماعية،وفيها من المحاذير الشرعية والأخطاء كثير،كتكشّف النساء، والاختلاط بين الرجال والنساء، وربما تلبس الجان بآخرين،وكذلك الكلام الكثير مع الجني المتلَبِّس، حتى أصبحنا نرى كتبًا وأشرطة فيها محاورات ومناقشات مع الجن، وتصديقه فيما يدّعي حول السحر والعين، والبناء على دعواه.والاستعانة بالجن في معرفة مكان السحر وغير ذلك، سواء كانت تلك الاستعانة بالقرين أم بغيره، فكل ذلك من كيد الشيطان وتلبيسه على أولئك الرقاة، مع أن أولئك الجان المتلبسين بالمرضى يكذبون كثيرًا، وربما أدى تصديقهم إلى زرع الظغينة بين الأقارب والأرحام والجيران؛ بحجة أنهم الذين تسببوا في المرض أو العين، فيؤدي ذلك إلى قطيعة الأرحام والعياذ بالله،وقد ذكر العلماء أن شروط الرقية الشرعية ثلاثة:
أولها: أن تكون من القرآن الكريم والسنة النبوية.
وثانيها: أن تكون باللغة العربية.
ثالثها: أن يعتقد الراقي والمسترقي أن الشفاء من الله حقيقة.
ومن أعظم الأسباب التي تعين المريض على الشفاء استشعار عظمة آيات الله والتوكل على الله جل وعلا، فلا بد من اليقين أن الشفاء بيد الله وحده، وكذلك قوة إيمان الراقي والمرقي بالله وحده وثقتهم بأن النفع والضر بيده سبحانه؛ لأن من الناس من يسلك كل العلاج الكيميائي ثم يقول شاكاً:أُجرِّب الرقية الشرعية، وهذا خطأ عظيم، وله أثر في عدم حصول المقصود من الرقية الشرعية ولايمنع الجمع بينهما،والأفضل للمريض أن يقرأ على نفسه ولا يطلبُ ذلك من غيره،أو يبحث عن راقين عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: ((ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّم مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ، ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ)) رواه مسلم فأمره صلى الله عليه وسلم أن يضع يده ويقرأ هو على نفسه؛ لأن المريض هو الذي يقاسي الألم ويعانيه وليس الراقي، فدعاؤه يكون أقرب لكونه يظهر الحاجة والفقر إلى مولاه سبحانه، وكلما كان العبد في حالة ذلّ وفقر وحاجة إلى مولاه كان أقرب للإجابة. وكان صلى الله عليه وسلم يعالج نفسَه بالورد، فإذا أوى إلى فراشه جمع يديه، فقرأ فيهما: (( قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ))و((قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ ))و((قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلنَّاسِ))ثلاثًا،ثم يمسح بها رأسه ووجهَه وما أقبل من جسدِه، ثم ينام صلى الله عليه وسلم وكان يرقي الحسنَ والحسين يقول



قالت امرأة أحد الصحابة: إنّ عيني تقذف ـ أي: تُؤلمني ـ فهل أذهب إلى اليهوديّ ليرقيني فيها، قال لها: إنّ عينَك ينخسها الشيطان بيده، فإذا رقي اليهودي لها زالت، فإذا تركتم الرقيةَ عادت، أما ترقين نفسَك بما كان يرقِي به النبيّ صلى الله عليه وسلم نفسه؟! ((أذهِب الباسَ ربَّ الناس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادِر سقَمًا)) فاحرص ياعبد الله على التوكل على الله وارقِ نفسك بنفسك وتعلّم الرقية وخذ كتبها وهي منتشرة ولايمنعك تقصيرك من علاج نفسك واحرصوا على الأوراد التي تحفظكم صباح مساء،وفي سفركم وحلّكم وترحالكم وداخل بيوتكم..نسأل الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم من شرِّ الأمراض والأحزان وكيد الإنس والجان ونسأله الشفاء والمعافاة أقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده..
عبادَ الله، فاتحة الكتاب
