الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا و يرضى ، و أشهد ألا إله إلا الله و حده لا شريك له ، له الحمد في الآخرة و الأولى ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله المبعوث بالرحمة و الهدى صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و التابعين و من بنهجهم اهتدى و سلم تسليماً
أما بعد فاتقوا الله تعالى و توبوا إليه ..
اللهم لك أسلمنا و بك خاصمنا ..و عليك توكلنا ..و إليك تحاكمنا ..فاغفر لنا اللهم ما قدمنا و ما أخرنا ..و ما أسررنا و ما أعلنا ..و ما أنت أعلم به منا ..أنت المقدم و أنت المؤخر لا إله إلا أنت نستغفر و نتوب إليك ..
عباد الله ما أجمل الاستغناء بما أباح الله من الطعام والشراب عما حرمه، فإنه ما من شيء ينفع الخلق من ذلك إلا أباحه فضلا منه وإحسانا، وما من شيء يضرهم إلا حرمه عليهم رحمة منه وامتنانا، فلله النعمة فيما أباحه من الطيبات، وله النعمة بما حرمه من الخبائث والمضرات، وعلى العباد أن يشكروا نعمته في الحالين، فيتناولوا ما أباحه لهم فرحين مغتبطين، ويتجنبوا ما حرمه عليهم سامعين مطيعين.
أيها الأحبة، موضوعنا هذا اليوم موضوع شائك، والحديث عنه ليس بالأمر السهل فهود يتناول آفةً عظيمة منتشرة في أوساط كثيرٍ من الناس ممن نحب لهم الخير و تجنب الضرر الذي يحيق بهم خاصة و بمجتمعنا عامة وهو حديث نصحٍ و تحصين لمن عافاهم الله منه ..
إنه حديث عن التدخين والمعسّل والجراك أجلكم الله. وإنا لنعتذر لإخواننا المدخنين، فوالله إنا لا نتحدث استهزاء ولا شماتة بهم، بل والله إنا لنشفق على كلّ من ابتلي بهذه البلية ونتحسّر على صحتهم ومالهم ودينهم.
عباد الله هل تصدقون أن القنبلة الذرية التي ألقِيت على هيروشيما لم تفعل بالناس مثلما يفعل التدخين؟! يقتل التدخين أربعة ملايين شخص كل عام، وتقدِّر منظمة الصِّحّة العالمية أن يصل العدد إلى عشرة ملايين شخص يتوفّون سنويا بحلول عام 2020م و العلم عند الله . وبالمقارنة فإن القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناكازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945م قتلت ربع مليون نسمة فكيف يمكن أن نقارن ضحايا التدخين ـ أربعة ملايين شخص يتوفون سنويا ـ بضحايا القنابل الذرية؟!
أخِي المسلم، حينَما أتحدَّث معك عن دَاءِ التّدخين وعن أضرارِه ومَساوئِه وآثارِه القبيحة على الفردِ والمجتمَع بل حتى البيئةِ فذاك نتيجةٌ لما توفَّر وعُرِف حَقًّا ما فيه من الضّرَرِ والبلاء و أجمع الناس عليه ، مما لا يبقِي شكًّّا لدى عاقلٍ أنَّ شريعةَ الإسلام تقِف من هذا الدّاء موقفَ التحريم والمنعِ والحَظرِ على المسلم أن يتعاطاه للضرر المترتب عليه ...
أيّها المسلم، إنَّ هذا الداءَ خبيثٌ بمَعنى الكلمة، والله يقول: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ، ويصِف نبيَّه صلى الله عليه و سلم بقولِه: وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ . نَعم، إنّه خَبيثٌ بكلّ ما تحمِلُه الكلِمةُ من مَعنى؛ خبيثٌ في الرائحة، خبيث في الآثارِ على الإنسانِ عمومًا لو عادَ الإنسان إلى عَقلِه وفكّر وتأمَّل.
أما ضرره على البدن فإنه يضعف البدن ويضعف القلب ويحدث مرض السرطان والسلّ والسعال ويفضي إلى الموت و أسرة المستشفيات شاهدة، فكم من إنسان أنهك جسمه وأفسد صحته وقتل نفسه بما تعاطاه من هذا الدخان، ولا تغترّوا بما يُرى من بعض الناس الذين يشربونه وأجسامهم سليمة؛ فإن هؤلاء المدخنين ليسوا بحسب مظهرهم نسأل الله أن يدلنا و إياهم على الحق ، واسألهم: ماذا يحدث لهم من قلة الشهية وكثرة السعال والنزلات الصدرية والفتور العام حتى في علاقته الجنسية مع زوجته؛ مما جعل التدخين سببا ضمن قائمة أسباب ظاهرة الطلاق والتعب الشديد عند أقل جهد.
و بعض الناس يتعاطى الشيشة يظن أنها أهون من تعاطي الدخان بالرغم من أن آثارها خطيرة وكثيرة ولو لمرة واحدة، فالدخان الجانبي منها يحتوي على اثنان و سبعون ملجرام من أول أكسيد الكربون السام، علما بأن عادم السيارات به خمسة و أربعون ملجرام، ومبيد الحشرات به 55 ملجرام من هذا الغاز السام. وهذا يدلنا على أن ضرر الشيشة أشد من ضرر عادم السيارات والمبيدات الحشرية حتى أنهم قالو أن تدخين الشيشة مرة يوازي تدخين اثنان و ستون سيجارة دخان ، هذا بالإضافة إلى أضرار الشيشة الاجتماعية التي ينتجها تعاطيها في أماكن تؤدي إلى إهمال الأهل و السهر المتأخر ..
أيها الأحبة، أما ضرر التدخين والشيشة في المال فاسأل من يشربه: ماذا ينفق كل يوم في شربه؟ و بعض المدخنين سافر من بلاده لطلب الرزق و جمع المال له و لسرته وهو يضيعه في الدخان ولو كان ينفق هذا المال فيما يعود عليه وعلى أهله بالنفع من الطعام الطيب والشراب الحلال واللباس المباح لكان ذلك خيرًا له في دينه ودنياه، ولكنه ينفق الكثير في هذا الدخان الذي لا يعود عليه إلا بالضرر العاجل والآجل، فنسأل الله لنا وله الهداية. أما من يتاجر به ويتكسّب به حتى صاروا بعد الإعواز واجدين وبعد الفقر مغتنين فلبئس ما كسبوا حرامًا واكتسبوا آثامًا..
أيها العقلاء، استمعوا إلى ما ذكرته إحدى الصحف لدينا حيث قالت: "وفي الوقت الذي يتناقص عدد المدخنين في الدول المتقدمة وهي الدول الأكثر إنتاجا للتبغ كأمريكا و أوروبا حيث أصبحوا يضيقون بشدة على التدخين في الأماكن العامة و يمنع في المطاعم و المقاهي إلا إن معدلات استهلاك السجائر في الدول النامية في ارتفاع مستمر... وتشير الدراسات والتقارير التي تناولت خطورة التدخين في المملكة إلى أن عدد الوفيات في المملكة والتي يكون التدخين من بين مسبِّباتها الرئيسية تقدر بنحو 23 ألف فرد في السنة، أي: بمتوسط 63 فردا يوميا" اهـ. أي ضعف حوادث السيارات خمس مرات ..
أيها الفضلاء، وفي المملكة العربية السعودية تعتبر هذه المشكلة أكثر استفحالاً وخطورة حيث أثبتت الدراسات أن ما يقارب 30 في المائة من سكان المملكة العربية السعودية يمارسون هذه العادة القاتلة، أي: ما يقارب ستة ملايين نسمة يعرِّضون أنفسهم للموت المحتّم إن لم يقلعوا عن هذه العادة.
ولو افترضنا أن الواحد من هؤلاء يدخن علبةَ دخانٍ بسعر خمسة ريالات يوميًا لعلمنا أنهم يدخنون يوميًا بثلاثين مليون ريال، ثم إذا ضربتَها في عدد أيام السنة لوجدتها ما يقرب من الملياري ريال سنويًا، وهذا على أقل التقديرات، وتصوروا لو أنّ هذه المليارات صرفت فيما يعود بالنفع علينا وعلى وطننا الغالي لرأينا عجبًا، ولكنها تصرف لدول تعمل ليل نهار على تدمير الوطن والمواطن بإنتاج الدخان و تصنيعه ثم إرساله لدولنا القريبة و الإسلامية ، فأين حبنا لديننا؟! وأين وطنيّتنا التي ندعيها؟!
وفي إحصائية نشرتها مجلة البيان الإسلامية في ملحقها السنوي عام 1423هـ، وهي نسبة تعدّ قديمة، قالت الإحصائية: "إنّ السعودية تحتلّ الرقم 23 في الترتيب العالمي للدول الأكثر استهلاكًا للسجائر، والترتيب الرابع في عدد المدخّنين كما أن التدخين يشهد انتشاراً في بلادنا بين الطلبة حيث تبلغ نسبة من دخن ولو لمرةٍ واحدة في المرحلة المتوسطة (35%) من إجمالي الطلاب في هذه المرحلة فقط .
فهل يكفي هذا ليكون رادعًا خاصة إذا علمنا أن التدخين صار ظاهرة بين طلاب المدارس بل وطالباتها فضلاً عن المعلمين والمعلمات الذين باعوا دينهم وصحتهم لسيجارة و معسل فإن من الظواهر الغريبة مؤخرأً أن الفتيات و النساء ينتشر بينهم التدخين بشكلٍ سريع بسبب ضعف الرقابة و ما يرينه في التلفاز من ممارساتٍ للتدخين من قبل النساء .. كذلك فإن التدخين سبب من أسباب الوقوع في المخدّرات التي صارت وباء منتشرًا في المجتمعات، فأهلكت العباد وأنهكت البلاد وعطّلت التنمية في كثير من المجالات.
فهنا سؤال نوجهه إليكم أحبتنا في الله، وخاصة إلى إخواننا المدخنين الذين يتعاطون التدخين والشيشة ولا يعلمون حقيقتها ونحن نحب لهم الخير و نرجو لهم الصحة ، السؤال يقول: هل تعلم من أي شيء تتكون السيجارة؟ خطأ أن يمارس الإنسان شيئاً كعادة مستديمة و لا يعرف حقيقته و لا تفصيلاته حتى يعرفوا ماذا يدخلون لأبدانهم ..
أهم المواد الداخلة في تركيب السجائر:
أولاً: القطران (القار): والتي تحمل معها العديد من المواد الكيميائية من مكونات الدخان الأخرى إلى داخل الرئة، ومنها إلى بقية الجسم. ومن المعروف الآن أن مادة القطران في دخان السجائر هي أحد مسببات سرطان الرئة وسرطان الحلق والأحبال الصوتية، وتعمل على الترسّب في الشفاه والأسنان وتحت الأظافر فتغيّر ألوانها، وتتسبّب مادة القطران في إضعاف جهاز المناعة عند المدخن؛ مما يكون له أسوأ الأثر في إمكانية مكافحة الأمراض، وبالتالي تعرض الجسم للعلل المختلفة.
ثانيًا: النيكوتين: وهذه هي المادة الكيميائية الأساسية المسؤولة عن التسبّب في إدمان تدخين السجائر، بل إن العديد من الدراسات تؤكد أن مادة النيكوتين في السجائر لا تقلّ خطورة في التسبّب في الإدمان من المخدرات الأخرى كالكوكايين والهيروين. وحينما يبدأ المدخن باستنشاق السيجارة فإن النيكوتين الداخل عن طريق الرئتين يُمتصّ إلى الدم، وفي غضون ثمان ثوان يصل النيكوتين إلى المخّ. كذلك يسبب النيكوتين في دخان السجائر زيادة في معدل ضربات القلب ومعدل ضغط الدم، ويسبّب تقلّصَ الأوعية الدموية في الجسم وبالأخص الشرايين؛ مما يعني أن على القلب أن يضخّ الدم بصورة أقوى حتى يستطيع أن يوفي بحاجة الجسم من الغذاء والأكسجين، وهذا مما يتعب ويرهق القلب حتمًا مع مضي الزمن. كما تعمل مادة النيكوتين على الترسّب في الشفاه والأسنان وتحت الأظافر فتغير ألوانها.
ثالثًا: أول أكسيد الكربون: وهو مادة غازية سامّة تنبعث مع دخان السجائر ومن عادم السيارات، وهي مادة الاحتراق الأولية، ويقوم هذا الغاز على إضعاف قدرة الخلايا الحمراء في الدم على حمل الأكسجين وتوصيله إلى خلايا الجسم المختلفة والتي لا تعيش إلا به.
رابعًا: مادة البنزين: وهي من المواد الصناعية المستخدمة في الأصباغ وفي صناعة بعض مواد البلاستيك والمطاط الصناعي والوقود، وهذه إحدى المواد المسببة لسرطان الدم (اللوكيميا) وجاء في تقرير لأحد مراكز البحث الطبية العالمية أن ثلاثة من كل عشرة يدخنون يلاقون حتفهم بسببه .زو أن شركات التبغ تنتج سيجارتين لكل إنسان على وجه الأرض يومياً ولو أخذت هذه الكمية من النيكوتين دفعةً واحدة لا استطاعت أن تبيد الجنس البشري بأكمله في ساعاتٍ كما أن ضرر التدخين يتعدى صاحبه إلى ما يجالسه أو يركب معه في السيارة لا سيما الأطفال ..ولقد تضاعفت نسبة المصابين بأمراض الصدر من الأطفال من خمسة بالمائة إلى خمسة وأربعين بالمائة بسبب دخان الأب أو الأم. ولقد امتدّ أذى التدخين فصار يلاحق الناس في المكاتب والمتاجر وحال ركوبهم السيارات والطائرات أو ترى الأب المدخن يمارسه في سيارته مع أولاده و امرأته، ولا حياء ولا خجل، مع أن من حق الناس أن يدافعوا عن صحتهم من كل من أراد أن يعتدي عليها، ولا رادع يردع متعاطيه من هذا الضرر لغيره إن لم تهمه نفسه إلا من شاء الله، وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله: ((لا ضرر ولا ضرار))، ((من آذى مسلمًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله)). وكذلك يلحق الأذى بالملائكة الكرام الملازمين له، وإذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم نهى مَن أكل ثومًا أو بصلاً أو كُرّاثًا أن لا يقرب المسجد وأن يعتزل مجتمعَ المسلمين مع وجوب صلاة الجماعة على الرجال لئلا يتأذّوا من رائحته حتى تزول ـ مع أنها من المباح ـ فما بالكم بالدخان والجراك وغيرها من الخبائث؟! روى الإمام مسلم رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((من أكل البصل والثوم والكُرّاث فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى فيه بنو آدم))، هذا في الأشياءِ المباحةِ فكيف بالداءِ الخبيثِ الضارّ؟! إنّك تؤذِي إخوانَك، لا سيّما إن ضمَّك مجلسٌ أو مَراكِب طويلة المسافَة.
فاتَّق الله، ولا تؤذِ إخوانَك بهذا الضررِ العظيم، واللهُ يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ، بل استمع إلى قول نبيك المشفق عليك حيث قال صلى الله عليه و سلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، والله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ))، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام: ((فأنى يستجاب لذلك؟!)) رواه مسلم. فما الذي يضمن للمدخن أن يكون التدخين مانعًا لإجابة دعوته وهو يدعو ربه أن يعطيه من خير الدنيا والآخرة؟!
ثم إنه لا يجوز للإنسان أن يتناول شيئًا ثبت عند الأطباء قديمًا وحديثًا أنه مضرّ بالصحة ضررًا بالغًا، فإن المسلم لا يملك نفسه، وإنما حياته ملك لله الذي وهبه إياها، ولا فرق بين من يقتل نفسه بوسيلة عاجلة كالانتحار ومن يقتلها بسمّ بطيء، فكلاهما يودي بحياة الإنسان عاجلاً أم آجلاً، وأصل ذلك قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوٰنًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا وقال تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ .
اللهم اشف إخواننا المدخنين وعافهم مما ابتُلُوا به، وامنَحهم الصحة والعافية، وأعنهم على الإقلاع عن هذا الداء العضال.اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه، إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
قبل أن نذكر علاج التدخين يجدر أن نشير إلى نقاط مهمّة جدًا هي من أهمّ ما يقي المجتمع من هذه العادة القبيحة:
أولاً: لا بدّ من التربية الجادة المتكاملة التي تصنع شبابَ الأمة صناعة تجعلهم مؤهلين لأن يكونوا عوامل بناء ورقي بالوطن والأمة، تربية إيمانية وأخلاقية وثقافية وبدنية وفكرية، فإذا حصل ذلك فإنه لن يكون لحياة الضعف والترف والفراغ القبيح والوقوع في المفسدات وجود أبدًا، وهذه التربية الجادة هي مهمّة كلّ مسؤول في بيته ومدرسته ومؤسّسته الشبابية، وعلى قدر نقص تلك التربية أو انعدامها تشيع الفوضى الأخلاقية ويكثر الفساد بين الشباب.
ثانيًا: لا بد من تكامل الأدوار في مكافحة التدخين من جميع المؤسسات الحكومية والأهلية، فيصبح الجميع كلهم ضد هذا الوباء الذي يحدق بأعز ما يملكه الوطن والأمة وهم الشباب، وإن من المقت العظيم أن تجد مؤسسة تحارب التدخين وتبذل في سبيل ذلك الأموال الطائلة كجمعية مكافحة التدخين التي لها جهود جبارة في مكافحته في الوقت الذي تجد مؤسسة تجارية لبعض رجال الأعمال تسمح برواج الدخان و لا تعده ممنوعاً ..إعلامًا، وهذا أساس البلايا كذلك من المؤسف أن تجد نظاماً يصدر من أعلى سلطة في البلد يمنع التدخين في الدوائر الكومية و المطارات إلا أن تطبيق ذلك بات مهملاً و ضعيفاً و مؤذياً للمراجعين و المسافرين و لا بد من تطبيق ذلك من قبل وراء الدوائر الحكومية وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].
ثالثًا: يجب أن تعطى هذه المسألة حقَّها كما أعطيت غيرها من القضايا كالإرهاب و غيره ، فتنشر الحملات، ويكثر التنبيه، ويزداد التحذير، ويشيع جو الهجر لكل من يعمل على ترويج مثل هذه السموم القاتلة، ويمنح المحلّ الذي لا يبيع الدخان وسامًا، ويكافأ الذي يقلع ..فالتدخين آفةٌ ترهبنا أمراضها و أموالها المبذولة فيه ..
رابعًا: إن إبراز الإعلام لمن يقال عنهم أبطال ونجوم وإظهارهم على أنهم مدخّنون صار من أسباب وقوع بعض الشباب في وحل هذه البلية؛ لأنهم يبحثون عن الشهرة التي حصل عليها أولئك النجوم، فيرون أن من النجوميّة أن يكون الشاب مدخنًا، فينبغي أن لا يكون لأولئك التافهين تصدير في إعلامنا الذي هو مرآة حضارتنا وقيمنا.
أخي الحبيب، إنك إذا علمت خطر الوقوع في عادة التدخين القاتلة فيجب عليك أن تبحث عن العلاج بنفسك ولا تنتظر أن يأتيك العلاج في خطبة أو في صفحات مجلة أو على شاشات إعلام، وإن الموفَّق من وفقه الله للبدء عن البحث في علاج نفسه قبل أن يندم في وقت لا ينفع فيه الندم، وهذه خطوات ـ يا رعاك الله ـ من أهمّ ما يجعل المدخّن يقلع عن التدخين بإذن الله تعالى:
أوّلها: قف مع نفسك وقفة صادقة، واعترف بأنك واقع في مشكلة تحتاج إلى علاج، فإن الاعتراف بالمرض بداية الشفاء بإذن الله تعالى، والتكبّر وتهوين القضية هو مما يجعلك تتمادى فيما أنت فيه، واعلم أن سبعين بالمائة من المدخنين الأمريكيين حاولوا الإقلاع عنه لعلمهم بضرره، فلا يكن أولئك أحرص منا ونحن المسلمون المتوكلون على الله.
ثم اعقد العزم على البداية الجادة في سبيل الإقلاع، واعلم أنك بهذا تكون قد صرت ضمن الباحثين عن الصحة والتوبة والحياة السعيدة، وتذكّر دائمًا أن هنالك من ينتظر منك هذه اللحظة، فأبواك وزوجتك وأبناؤك يريدون منك أن تعلنها صراحة بأنك أقلعت، واجعل قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3] نصب عينيك.
أحبابي وإخواني، لقد هيّئت المراكز الصحية المتخصّصة في مكافحة التدخين، ووضعت البرامج التي تساعد المدخن على الإقلاع، وهناك من أنواع العلاج لدى تلك المراكز ما يعين الجسم على تقبّل البعد عن هذه العادة فأقل شيءٍ في سبيل صحتك أخي المدخن زيارة هذه المراكز ..
ومما يعتبر من خطوات العلاج أن يشغل المرء نفسه بما يبعده عن التفكير في تعاطي الدخان والشيشة ونحوها، فيشتغل بالرياضة والقراءة ومؤانسة الأهل والتنزه معهم. و اعلم أن اختيار الرفقة أهم مساعدٍ على الإقلاع عن التدخين و رفقة المدخنين تجلب التدخين و لا تساعد على الإقلاع .
كما أننا لا ننسى أهمّ علاج يعالج به المسلم أدواءه ويزيل به همومه وغمومه ويذهب به قلقه واكتئابه، إنه دواء الأدواء وسيد الدواء، إنه الالتجاء إلى الله تعالى والشكوى إليه سبحانه وطلب الشفاء منه جل وعلا، فهو الشافي وهو المعافي وهو مجيب دعوة المضطرين، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62]، وليكن قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3] نصب عينيك دائمًا، وروي مرفوعًا: ((ما ترك عبد شيئًا لله لا يتركه إلا له عوض الله منه ما هو خير له في دينه ودنياه)) أخرجه أبو نعيم في الحلية.
فتعالَ أخي في الله، وقف بين يدي ربك تبارك وتعالى، واسأله أن يمنحك القدرة على التخلّص من هذا الداء العضال، واطلب منه الشفاء من كلّ داء، واطلب ممن حولك أن يدعوا لك بخير الدنيا والآخرة، وليكن تقرّبك إلى الله تعالى بأنواع القرب والطاعات خير معين لك في التخلّص مما حلّ بك، فإنك بتقرّبك من الله تعالى يرعاك ويكلؤك ويحفظك من كلّ ما تكره وتبتعد عن الشيطان وأعوانه. ولا تدع أهل الفسوق يستولون عليك، بل اترك مجالستهم واعتزل السهر والسفر معهم؛ فإن نفسك هي أغلى عليك منهم، ولا تكن لذة ساعة أثمن عندك من سعادة الدنيا والآخرة.
وفقك الله وشفاك، ونفعنا وإياك، وجعل الخير سبيلنا وسبيلك إلى نيل رضاه.
اللهم اشف إخواننا من كل ما ألمّ بهم، وعافهم مما ابتلوا به، وارزقهم سعادة الدنيا والآخرة، وردهم إلى أهليهم أصحاء سالمين يا رب العالمين. ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يجعلنا من عباده المؤمنين المتوكلين عليه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك.
وصلوا ـ عباد الله ـ على نبي الرحمة وإمام المتوكلين والأمّة محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم تعالى بالصلاة والسلام عليه.
اللهم صل عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، والصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات، فاستغفروه إن ربي رحيم ودود.