• ×

10:16 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

البعث والنشور

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور.يُجدِّدُ الأيامَ والشهور،ويصرِّفُ الأعوامَ والدهور،وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن سيَّدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله،الشافعُ المشَّفعُ يومَ النشور،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..فاتقوا الله عباد الله ..
)وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(يارب إن كانت ذنُوبنا كبيرةً بجانبِ نهيك فإنَّها صغيرةً بجانبِ عفوِك..ربنا اكشفْ عنَّا العذابَ إنا مؤمنون،وأفرغْ علينا صبراً وتوفنا مسلمين يا أرحمَ الراحمين ..
كانت قريشٌ في مكةَ تنكرُ التوحيدَ والبعثَ ولذلك ركز عليهما القرآن وكثرت عنهما الآيات وكان مما لقيهمن قومهِ بمكةَ من أذىً وتكذيب مافعلَه العاصُ بنُ وائلٍ السهمي الذي كان يؤذي رسولَ الله فجاءَ إليه مرةً بعظمٍ قديم ففتَّه بينَ يديه ثم قال:يا محمد أتزعمُ أنَّ هذا العظمَ يُبعثُ بعدَما أرِم فردَّ عليهقائلاً:نعم يبعثُ اللهُ هذا ويُميتُك ثم يُحيك ثم يدخلُك نارَ جهنم وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ  قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ
عباد الله:تمرُّ بنا الجنائزُ محمولةً على الرقاب..منقولةً إلى مثواها ومصيرها..فكم من أَقوامٍ أَملَّوُا طويلاً؟!..وعاشوا قصيراً؟!..منظرٌ رهيبٌ..ومشهدٌ مهيب..تقشعرُّ منه الأبدان،وترتَجِفُ له القلوب.
إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا
وفي كل يومٍ واعظُ الموتِ يندبُ

ولكن نفوسًا أخرى تمر بها هذه المناظر فتُلقي عليها قليلاً من دموع وعبرات في نظرات عابراتٍ، وربما صاحبَ ذلك كآبةُ حزنٍ أو سحابةُ أسى،ثم سَرْعَان ما يطْغَى على النفوسِ لهوُ الحياةِ فتسهى ثم تنسى،وتذهلُ ثم تغفل..فهل الموتُ نهايةُ الحياة؟!وهل سعيُ العالمين نهايتُه أن يُهال عليه التراب؟!ذلكم هو ظنُّ الذين كفروا..لا يرون في الموت إلا انتهاءِ قصة الحياةوَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ إنها المسألةُ الكبرى بعدَ الإيمانِ باللهِ،والقضيةُ العظمى بعدَ توحيدِ الله،تكفل بها الوحي،وبرهنت عليه الكتب،وبلَّغتها الرسل..نتحدث عنها اليوم موعظة للقلوب وذكرى للنفوس..والإيمان ركنٌ من أركان الإيمان.
إنه اليوم الآخر حين البعث والنشور والخروجُ من الأجداثِ والقبور،والوقوفُ بين يدي الكبير المتعال للحسابِ والجزاءِ وعرضِ الأعمال،ثم المصيرُ إما إلى الجنةِ وإما إلى النار)فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ(ما من شيء في دعوة رسل الله استبعدهُ الكفارُ وأنكرْتهُ الملاحدةُ واستهزَأَت به الزنادقةُ أشدَّ من إنكارِهم لليومِ الآخر،فتراهم أجيالاً من بعد أجيال من أمم الكفر والإلحاد يُنكرون ويستهزئون)وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ( )وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَءنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ(هذا هو افتراؤهم وهذا هو عجبهم!!ويتولَّى القرآنُ الردَّ والبرهان،فحينما يتطاولون على الله بعنادهم،يأتي الدليلُ ناصعًا بينًا)وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً( )فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً(سبحانَه وبحمدِه لاإله إلا هو
ما في الوجود سواك ربٌ يعبدُ
كلا ولا مولَى سواكَ فيقصدُ

يا من له عنت الوجود بأسرها
ذلا وكل الكائنات توحد

أنتَ الإله الواحد الفرد الذي
كل القلوب تُقرُّ له وتشهدُ

خلقَ آدمَ من عدم،وخَلَق حوَّاء من غيرِ أم،وخلقَ عيسى بكلمةٍ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه،وقالَ له:كن فيكون..مسكينٌ واللهِ من يُحَاولُ الإنكارَ ويتسابقُ خلفَ الأفكار ويُحجَبُ عن الأبصار)بَلْ يُرِيدُ الأِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ(وما كان هذا الضلالُ إلا لإتباعِ الهوى وتعطيلِ العقل)فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(
فهل يسيغُ العقل أن قومًا أحسنُوا وأصلحوا وأنفقوا وجاهدُوا ثم لا ينالون أجرَ ما قدَّموا؟!! ثم هل تقبل عدالةُ ربِّ العالمين أن من ظلم وطغى وتجبر وآذى وعذَّب وشرَّد واضطهدَ أن يبقى في أمنٍ وعافيةٍ في العاقبة؟!كلا وعزةِ الله وجلاله ثمَّ كلَّا..لابد من موقفٍ ويومٍ يُجزى فيه المحسنُ على إحسانِه،والمسيءُ على إساءتِه،هذا هو نهجُ العقلِ والإيمانِ،والعلمُ والحكمةُ برهان)أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ*وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ( سخَّر الله للإنسان ما في السموات والأرض وأسبغ عليه نعمه فالحكمة تقتضي أن يُسألَ كما أُعطي،ويُحاسبُ على ما عمل وأنجز.

ولو أنا إذا مُتنا تُركّنا
لكانَ المَوْتُ غايةَ كُلِّ حَيِّ

ولكنا إذا متنا بُعثنا
ونُسألُ بعدَه عن كلِّ شي

أخي المؤمن..إياك أن تنكرَ شيئًا من عجائبِ يومِ القيامة لمخالفتِه قياسَ عقلك ومحسوسَ إدراكك!!فإِّنك لو لم تكنْ قد شاَهدْت عجائبَ الدنيا ثم عُرضت عليك قبلَ المشاهدة لكنتَ أشدَّ إنكارًا لها..وفي طبع الآدمي إنكار كلِّ ما لم يأنسْ به وقد قيل للكفار والمنكرين)قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً(
أيها الإخوة..إن الذينَ لا يُؤمنونَ بالآخرةِ والذينُ يكذِّبون بيومِ الدين يعيشونَ في بؤسٍ وشقاء لا أملَ لهم ولا رجاءَ،لا يرجون عدلاً في الجزاء ولا عِوَضًا عما يلاقونَ في الدنيا من عناء..
الذي لا يؤمن بيوم الحساب لا يعدُو نظرهُ حياةَ الدنيا القصيرةِ القاصرةِ في حدودِ أرضهِ الضيقةِ، ومسافةِ عمره القصير،فهو من ضيقٍ إلى ضيق..ومن بؤس إلى مسكنة.
لقد ضلَّوا وأضَلُّوا،وما ضلوا إلا بما نسُوا يومَ الحساب،وما اجترءُوا على حرماتِ الله وأفسدُوا في أرضِ الله،وما ظلمَوا وتظالموا إلا لأنَّهم كانوا لايرجون حسابًا)إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( أما المصدِّقُون بيومِ الدينِ،والذين هم مِنْ عذاب ربهم مشفقون،فاستقامُوا على الحقِّ والتوحيد، ونبذُوا الشركَ وأصلَحُوا عملهم،وأَخلصُوا لربِّهم)فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(يحملهم إيمانهم باليوم الآخر والتصديق بلقاء ربِّهم؛يحملُهم على الصبرِ والتحملِ،والبذلِ والإحسانِ،لا يبتغون من أحدٍ غير الله جزاءً ولا شكورًا)يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً( نسألُ الله أن نكون وإياكم منكم ..
يومُ البعثِ أَيُّهَا المسلمون يومٌ مشهود تعدَّدَتْ أسماؤُه لعظيمِ أهوالهِ وأعمالهِ فهوَ يومُ الحشرِ والنشور،ويومُ الفصلِ والقيامة،ويومُ الدينِ والحساب،ويوم ترجفُ الراجفة،تتبعهَا الرادفة،حينَ تحِقُّ الحاَّقةُ،وتقَع الواقعةُ والقارعةُ،وتجيءُ الصاخَّةُ والطامَُّةُ،يومُ الآزفةِ إذ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين، ذلكَ يومُ الخروج،يومَ تُبْلَى السرائرُ،وتتكشَّفُ خبيئاتُ الضمائر)لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ(وحينئذٍ يكونُ كلُّ إنسانٍ حسيبَ نفسِهِ ورقيبَ عملهِ )اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً(تشهدُ عليه صحائفُه،وتحكمُ عليه أعمالُه وتنطقُ عليه جوارحه)الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( )حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( .
إنه يومٌ يجمعُ اللهُ فيه الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ أجسامُهم عاريةٌ وأقدامُهم حافيةٌ وقلوبُهم وَجِلَةٌ خائِفَة مُهطعين إلى الداعِ يقولُ الكافرون هذا يومٌ عسر قال رسول الله يقولُ الله تعالى يَا آدَمُ قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ،فَيَقُولُ: َلبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ،وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ،وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟قَالَ:فَيَقُولُ اللَّهُ:مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ،قَالَ:فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الْمَوْلُودُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ قَالَ:فَيَقُولُونَ:وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ِ:"تِسْعَمِائَةً وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ "قَالَ النَّاسُ:اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:"إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ،وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:" أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ))متفق عليه ..نسأل الله من واسع فضله..أن يرحمنا برحمته .
إنه يومٌ تكونُ فيه السماءُ كالمُهل وتكونُ الجبالُ كالعهن ولا يسألُ حميمٌ حميماً عن أنس بن مالك >قال(بينما رسول اللهجالس إذ رأيناه ضَحِكَ حتى بدت ثناياه فقال عمر:ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟فقال:رجلان من أمتي جثيا بين يدي ربِّ العزة فقال أحدُهما:ياربِّ خذ لي مظلمتي من أخي فقال الله:أعطِ أخاك مظلمته قال:يارب لم يبقْ من حسناتي شيء؟قال:يارب فليحملْ من أوزاري..قال:ففاضت عينا رسول اللهبالبكاء ثم قال:"إن ذلك ليومٌ عظيمٌ يحتاج الناس أن يُحمَلَ عنْهُم أوزارُهم))..أخرجه الحاكم وصححه..
إنه يومُ الحسابِ إخوتي الذي كلُّنا نُؤمنُ به غيرَ أنَّنا غافلون عن الاستعدادِ له مُعرضُون في دنيانا الدنيئةِ ولذائِذها منغمسون..يومٌ توضعُ فيه الموازينُ لأعمالِ العبادِ من خيرٍ وشرٍ..تدنُوا فيه الشمسُ مقدارَ ميلٍ فيكونُ العرقُ على مقدارِ عملِ الإنسانِ ويُظلُّ الله من يشاءُ بظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه يكونُ الصراطُ أدقُّ من الشعرة..وأحدُّ من السيف ورسولُ اللهيقول:يا ربِّ سلِّم سلِّم فيكونُ أوَّلَ من يجوزُ عليه وفي حافته كلاليبُ تنزِعُ الناسَ فمخدوشٌ ناج ومكردسٌ في النار عياذاً بالله .. يومٌ يبلغُ فيه العطشُ كلَّ الناس فيرِدُ رسولُ الله الحوضَ المورود طولُه مسيرةُ شهرٍ وعرضُه مسيرةُ شهرٍ يصبَّان فيه من الكوثر من شَرِبَ منه شربةً لم يظمأْ بعدَها أبداً فيرِدُ عليه المؤمنون من أمتهورسول الله قائمٌ عليه ينظرُ من يَرِدْ فيُقْتَطَعُ ناسٌ دونَه فيقولُ((يا ربِّ أمتي فيقالُ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدَك ما زالوا يَرجِعُون على أعقابِهم))متفق عليه ..نسألُ الله السلامة..و والله يا عباَد الله لو أدركَ كلُّ واحدٍ منا أهميةَ يومَ البعثِ وعاقبتَه وهَولَه لأعدَّ لذلك اليوم عِدّتَه ولما طغَى هؤلاءِ المتجبِّرون الذين نراهم اليوم يُهلِكُون شعوبهم ويقصفونهم ويذيقونهم صنوفَ الأذَى والعذاب والسجنِ والإقصاءِ وكأنَّهم مخلدون في هذه الأرض..لو أدركنا حقيقة اليوم الآخر لعدنا وتبنا إلى المولى عز وجل ..

واذكـرْ مناقشـةَ الحسـابِ فـإنـه
لابَدَّ يُحصـي مـا جنيـتَ ويَكتُـبُ

لـم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ
بـل أثبـتـاهُ وأنــتَ لاهٍ تلـعـبُ



فاتقوا الله عباد الله،واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله،يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية،يوم ينفخُ في الصورِ فتأتون أفواجًا حُفَاةً عُراةً غرلاً،في موقف يذيبُ هوله الأكباد،تذهلُ فيه كلُّ مرضعةٍ عما أرضعت،وتضعُ كل ذاتِ حملٍ حملها،وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد،يجمعُ الله الأولينَ والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الداعي،ويُنفِذُهم البصرَ،يجمعُ الله فيه بين كلِّ عاملٍ وعملَه،وبين كل نبيٍّ وأمَّتهَ،ومظلوم ومظلمتَه)الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(الأبصارُ شاخصةٌ،في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سنة،يفرُّ فيه المرء من أخيه،وأمِّه وأبيه،وصاحبته وبنيه،لكلِّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه،أهوالٌ شداد،وأحوالٌ عظام، رأينا أهوال تسونامي في اليابان كيف جعل البيوت خراباً والسيارات كأنها لعباً ..أما في أهوال يوم القيامة فتبدَّل الأرض غير الأرض والسموات،فالسماءُ فُرجت وكُشطت وانشقَّت ،وفُتحت فكانت أبوابًا،والشمس كُوِّرَت وخَسَفَ القَمر وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ والنجومُ انكَدَرت،وطُمست وانتثرت،أما الأرض فسُجِّرت بُحارُها تسجيرًا،ودكَّت جبالهُا دكًا ونُسفَت نَسْفًا وسُيَّرت فكانت سرَابًا،وزُلزِلَت الأرضُ زلزالَها،وأَخرجت أثقالها،وحدَّثت أخبارها،وألَّقت ما فيها وتخلَّت. سألت عائشةُ رضي الله عنها رسول الله(أينَ يكونُ الناسُ يومَ تُبدّلُ الأرض غيرَ الأرض والسموات؟قال:"على الصراط))وفي حديث ثوبان:"إنهم يكونون في الظلمةِ دونَ الجسر"رواه مسلم
وحينئذٍ يحشرُ المتقون إلى الرحمن وفدًا فنعم الموفد ونعم الوافدون،ويساقُ المجرمون إلى جهنَّم وردًا ظمأى عطشى،يتمثَّلُ لهم السرابُ كالماء وما هو إلا الحرُّ والسعير،والنارُ والزفير،عياذًا بالله من غضبه وأليم عقابه..فمتى يستفيق مَنْ لم يستفقُ اليوم؟!ومتى نتوبُ وواعظُ الموتِ يُذكِّرُنا كلَّ يوم؟!ومتى نحاسب أنفسَنا قبل يوم العرض؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(

أقول ما تسمعون و أستغفر الله لي و لكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية ..
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ..أما بعد
ألا فاتقوا الله رحمكم الله،وأعِّدوا العدةَ ليومِ العرضِ والحسابِ وقراءةِ الكتاب،وجواز الصراط،وإثقالِ الميزان فالساعةُ آتية لا ريبَ فيها لا تأتيكم إلا بغتة،ولا يُجلِّيها لوقتها إلا الله جل جلاله..وهو عسيرُ على الكافرين وعلى عظم أهواله يسيرٌ على المؤمنين ..
اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادة لا إله إلا أنت ياحي ياقيوم خَفِّفْ عنا أهوالَ ذلك اليوم واجعلنا فيه من السعداء الناجين..وألحقنا ووالدينا وذرارينا بالصالحين يارب العالمين..
اللهم نَّجنا وبيِّضْ وجوهَنا وأحسنْ خاتِمتَنا،وخَفّفْ حسابَنا..اللهم لا تجعلنا من أهل الفضائح والنكبات،وأهل البوار والخسارات برحمتك يارب الأرض والسموات ..

 0  0  744
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 10:16 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.