الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين ، و لا عدوان إلا على الظالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له الملك الحق المبين، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ، المبعوث رحمة للعالمين صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه أجمعين ..و التابعين و من بعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ..و سلم تسليماً ..أما بعد ..فاتقوا الله ..عباد الله فتقوى الله نور البصائر ..و بها تحي القلوب و الضمائر ..
لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصان
فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيش إِنسانُ
هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدت دوَل
مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ
كثرت الأموال و عظمت أرقامها ..و سهلت الاتصالات و المواصلات و بهرنا باختراعاتها لكن ما يلاحظه الناس و يكاد يجمعون عليه أنه بالرغم من كثرة الأموال و مداخيلها فإن فائدتها قليلة و بالرغم من سهولة المواصلات و الاتصالات فإنها إلى جانب الفساد أكثر و لم تساعد على صلة الأرحام و التواصل بين الناس تنشأ العداوة بين الناس بل بين الإخوة و الأقارب لأتفه الأسباب المالية و قد تصل إلى المحاكم بالرغم من كثرة المال يدخل بعضنا إلى السوق و جيبه عامر بالنقود فلا تكفيه إلا لبضاعةٍ قليلة ..تجد لدى الرجل عصبة من الأبناء فإذا به و حيداً فريداً ليس لديه من يؤنس و حشته أو يقوم بخدمته ..و كان الناس قبل عشرات السنين بالرغم من قلة ذات يدهم و شظف عيشهم يكفيهم القليل و يسعدهم ..و تكثر الخلافات الدنيوية بينهم لأن قدر الدين في قلوبهم أقوى الزمن يتسارع ..و الأعمار تجري بنا ..و الإنجازات تقل فما السبب إذن ؟؟إنها إخوتي قلة البركة في هذا الزمان ..قلة البركة التي أثرت في أيامنا على كثيرٍ من أمور حياتنا الدنيوية و الأخروية و تحتاج منا إلى و قفاتٍ مهمة .., مواقف تأمل و تدبر .. فالنعم لا تحقق سعادة و لا طمأنينة و لا تحل خلافاً و لا تجلب أمناً و ماذاك إلا لقلة البركة فما هي البركة و كيف نحصل عليها.
أيّها المسلمون يقول سبحانه: فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأرْضِ وكلُّ شيءٍ لا يَكونُ للهِ فبركتُه مَنزوعَة، والربُّ هوَ الذي يُبارِك وَحدَه، والبركةُ كلُّها مِنه، وهوَ سبحانَه تبارَك في ذاتِه، ويباركُ فيمن شَاءَ من خلقِه، قالَ : وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وكلُّ ما نُسِب إليهِ فهوَ مبارَك، واسمه تعالى مباركٌ تُنال معَه البركة، قال عزّ وجلّ: تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلإِكْرَامِ
والله جلّ وعَلا برَحمته يأتي بالخيرَات، وبفضَله يضاعِف البركات، وليسَت سَعةُ الرّزق والعَملِ بكثرته، ولا زيادةُ العمر بتعاقُب الشهور والأعوام، ولكن سعةُ الرزقِ والعمُر بالبركة فيه..تجد إنساناً بعمره الصغير يخدم الدين و المجتمع ..و إنساناً بعمره الكبير عالةً على أهله و مجتمعه لم ييسره الله لتربية و لا لنفع بل ربما أنه يؤذي .
بالعمَل المبارَك يُكتسَب الذّكرُ الجميل في الحياة وجزيلُ الثوابِ في الآخرة، به طهارةُ القلبِ وزكاةُ النفس وعلوُّ الخلُق.
والبركةُ ما كانت في قليلٍ إلاَّ كثَّرته، ولا في كثيرٍ إلا نفَعَته، ولا غِنَى لأحدٍ عَن بركةِ الله، حتى الأنبياء والرّسل يطلبونها من خالقِهم، يقول النبيّ : ((بينما أيّوبُ يغتسِل عُريانًا، فخرَّ عليه جرادٌ من ذهَب، فجعل أيّوب يحتثي في ثوبِه، فناداه ربّه: يا أيّوب، ألم أكن أغنيتُك عمّا ترى؟! قال: بلَى وعزّتِك، ولكن لا غِنى بي عن بركتك)) رواه البخاري
والرّسُل والدّعاةُ مبارَكون بأعمالهم الصّالحةِ ودَعوتهم إلى الخيرِ والهدَى، قال عيسَى : وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وقِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ و دعا ربَّه: وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ وألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله، قالَ تعالى: وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيًّا مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ وَبَـٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَـٰقَ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ قالَ ابن القيّم رحمه الله: "هذا البيتُ المبارَك المطهَّر أبرك بيوت العالم على الإطلاق، فلَم يأتِ بعدَ إبراهيمَ نبيٌّ إلاَّ من أهلِ بيتِه، وكلُّ من دخَل الجنّةَ من أولياء الله بعدَهم فإنما دخَل من طريقهم وبدعوَتهم" ودعَا نبيّنا ربَّه بالبركَة ((وبارِك لي فيما أعطيتَ)) ..وتحيّة المسلمِين بينهم عندَ اللّقاء طلبُ السّلام والرّحمة والبركة.
أيّها المسلمون القرآنُ العظيم كثيرُ الخيراتِ واسِع المبرّات، كتابٌ مبارَك محكَم، فَصلٌ مهيمِن، أنزله الله رحمة وشِفاءً وبيانًا وهُدى: وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـٰهُ وسورَةُ البقرة مبارَكة، و مأمورٌ بتعلّمها ((تعلَّموا سورةَ البقرةِ، فإنّ أخذَها برَكَة، وتركَها حَسرة، ولا تستطيعُها البطَلَة)) أي: السّحرة. رواه أحمد
وسَعة الرِّزق وبركةُ العمُر في صِلةِ الرحِم، يقول : ((مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه ويُنسَأ له أثرِه فليصِل رحمه)) رواه البخاري ..
والصدقُ في البيع والشِّراءِ سبب لبركة الكسب يقول عليه الصلاة و السلام : ((البيِّعان بالخِيار ما لم يتَفرّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقَت بركة بيعِهما)) متفق عليه
ولحرصِ الإسلامِ على الأسرةِ وحلولِ البركةِ فيها شُرِع الدّعاء للزوجين فيُدعى لهما : ((بارَك الله لكما، وبارك عليك، وجمَع بينكما في خير)) رواه الترمذي وأوفرُ الزَّوجاتِ بركةً و سعادة من قلت كلفتها يقول : ((أعظمُ النّساءِ بركةً أيسرُهنّ مؤونة)) رواه أحمد والزوجَةُ المبارَكة هِي المطيعةُ لله القائمةُ بحقوق زوجها في غيرِ معصيةِ الله. والولدُ المبارَك هو النّاشئ على طاعةِ ربِّه، المستمسِك بسنّة نبيِّه عليه الصلاة والسلام .
وإذا دَخل ربُّ الأسرةِ دارَه شُرِع إفشاءُ السلام على أهله رجاءَ البركة، يقول أنَس رضي الله عنه: قال لي رسول الله : ((يا بنيّ، إذا دخلتَ على أهلِك فسلّم، تكُن بركةً عليكَ وعلى أهلِ بيتك)) رواه الترمذي وقال: "حديث صحيح
والرجلُ المبارَك هوَ الذي يُنتفَع به حيثُما حلّ، وإذا قرُبَ العبد من ربّه بورِك في وقتِه وعمِل أعمالاً كثيرةً في زمنٍ يسير. عن أبو هريرة رضي الله عنه: قالَ رسول الله : ((مَن أصبَح مِنكم اليومَ صائمًا؟)) قال أبو بَكر: أنا، قال: ((فمَن تبِع منكم اليومَ جنازَة؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن أطعمَ منكم اليومَ مسكينًا؟)) قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمَن عادَ مِنكم اليومَ مرِيضًا؟)) قال أبو بكرٍ: أنا، فقال رسولُ الله : ((ما اجتَمَعت في امرِئ إلا دخل الجنة)) رواه مسلم
وخير الصُّحبةِ صُحبةُ الصّالحين، وأزكى المجالسِ مجالسُ الذّكر، تحضرُها الملائكة، ويُغفَر لجليسها، ((فتقول الملائكة لربّها: فيهم فلانٌ ليسَ مِنهم، وإنما جاءَ لحاجةٍ، قال: همُ الجلساءُ لا يشقَى بهم جليسُهم)) متفق عليه .. والمالُ المبارَك ما كثُر خيرُه وتعدّدَت منافعه ومَن قنِع بربحٍ حلال قليلٍ وتحرّى الصدقَ في معاملاتِه ظهرتِ البركة و السعادة في مالِه وفي أولادِه، قال النبيّ : ((من أخَذه بحقّه ووضعَه في حقِّه فنِعمَ المعونَة)) رواه البخاري
والمالُ يزيد بالبذلِ والعطاءِ في الخيرات، قال : ((ما نقصَت صدقةٌ مِن مال)) رواه مسلم حتى مَن أخَذ ما أُعْطِي بتعفُّف وغِنى نفسٍ من غَير مسألةٍ ولا استشرافٍ له بالقلب بورِك له فيه قال حكيم بن حزام سألت رسول الله فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ..ثم قال : يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، و من أخذه بإشراف نفس أي تطلع و طمع فيه لم يبارك له فيه ..و كان كالذي يأكل و لا يشبع و اليد العليا خير من اليد السفلى ) فكان حكيم رضي الله عنه لا يسأل أحداً بعدها حتى توفي ..رواه البخاري .
والبركةُ يتحرّاها العَبدُ في مَأكلِه في يومِه وليلتِه، فالطّعامُ المبارَك ما أكلتَه ممّا يليك، وتجنّبتَ الأكلَ من وسطِ الصحفَة، وذكرتَ اسمَ الله عليه كما قاله عليهِ الصلاة والسلام وأمَر بلَعقِ الأصَابعِ و الصّحفة بعدَ الفراغ من الطعام رجاءَ البركة، وقال: ((إنّكم لا تَدرون في أيِّها البركَة)) رواه مسلم .. وفي الاجتماعِ على الطعام بركة، وفي التفرّق نزعٌ لها، يقولُ وحشيّ بنُ حرب: قالوا: يا رسولَ الله، إنّا نأكُل ولا نشبع، قال: ((فلعلّكم تفترِقون))، قالوا: نعَم، قال: ((فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يبارَك لكم فيه)) رواه أبو داود .. وسيّد المياه وأنفعُها وأبركُها ماءُ زمزم، قال عليهِ الصّلاة والسلام: ((إنها مبارَكة، إنها طَعامُ طُعم)) رواه مسلم
أيّها المسلمون، اصطَفى الله مِن الدّهرِ أزمنةً، ومِن البقاعِ أمكنَة، خصّها بالتَّشريف والبرَكة، فليلةُ القدر ليلةٌ مباركة رفيعةُ القدرِ عظيمةُ المكانةِ، إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ وأوّلُ النهارِ بعد صلاةِ الفجرِ زمنُ غنيمةٍ مبارك ووقتُ نزولِ الأرزاق وحلولِ البركات، أقسَم الله به في كتابِه بقولِه Y: وَٱلَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ و دعا عليه الصلاة و السلام ((اللهمَّ بارِك لأمّتي في بُكورها)) والنومُ بين صلاةِ الصبحِ وشروقِ الشمس تفويتٌ لزهرة اليوم..نقوم ذلك لأناس اليوم نزعوا بركة أيامهم بأن حولوا الليل نهاراً بسهرهم و النهار ليلاً بنومهم حتى صارت هذه العادة ديدناً للأسر لاسيما في الإجازات.
وبيتُ الله الحرامِ مبارَك، ليسَ في بيوتِ العالمَ أبرَك منه ولا أكثرَ خيرًا ولا أدوَم ولا أنفعَ للخلائق، قال Y: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ
ومدينةُ المصطَفى مبارَكة، الصلاةُ في مسجِدِها عن ألفِ صَلاةٍ فيما سِواه، وصاعُها ومُدُّها مبارك فيه، وتمرُ عاليَتها شِفَاء، يقول النبيّ : ((اللهمّ بارِك لنا في مدِينتِنا، وبارِك لنا في صاعِنا ومُدِّنا)) رواه مسلم وفي لفظٍ له: ((اللهمّ اجعَل مَع البركة بركتين)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((اللهمَّ اجعَل بالمدينة ضِعفَي ما جَعلتَ بمكّة من البرَكة)) متفق عليه و هذا محسوس لبعض من سكنها وبارَك الله في مواطنَ مِن أرضه كفلسطين كما في قوله تعالى: سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا
و قال تعالى عن أرض الشام ((وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) و كذلك أرض اليمن مباركة بدعاء النبي ((اللهم بارك لنا في يمننا)) و ماء المطر ماء مبارك و شجرة الزيتون و زيتها شجرة مباركة زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ و البركة في نواصي الخيل ..و النخلة شجرة مباركة قال ((إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم و هي النخلة ) و ثمرتها و هي التمر ثمرة مباركة و كذلك العسل ..
إذاّ إخوتي فإن البركة من الله ، و ليست البركة بكثرة المال و عظم المباني فكم من شقي غير سعيد و هو يملك الملايين لكن بركتها منزوعة ، و كم من إنسان سعيد لديه القليل الذي بارك الله فيه فعاش عيشة الملوك ..لأنه حصل البركة بالإيمان و التقوى نسأل الله جلَّ و علا أن نكون منهم ..
وعش قنوعاً بلا حرص و لا طمعٍ
تعش حميداً رفيع القدر والشانِ
ليس الغني كثر المال يحزنه
لحادث الدهر أو للوارث الثاني
يشقى بأمواله قبل الممات كما
يشقى بها بعده في عمره الثاني
إن الغني غني النفس قانعها
موفَّر الحظ من زهد و إيمانِ
أيّها المسلمون.. إذا أظهَر العِبادُ ذنوبًا تتابعَت عليهم العقوبات، وكلّما قلّتِ المعاصِي في الأرضِ ظهرَت فيها آثارُ البركة من الله، وانتشارُ المعاصِي وفشوُّها سببٌ لنزع الخيراتِ والبرَكات و غلاء الأسعار و ضيق النفوس ، قال جلّ وعلا: وَأَلَّوِ ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقًا لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا
من أسباب قلة البركات و نزعها تعلق الناس بالمال و الدنيا و غفلتهم عن الأخرى حتى أصبح كثير منهم يوالي و يعادي أقرباءه و جيرانه لأجل المال .. وانظروا كيف هي القضايا في المحاكم !!كيف أصبح الربا محركاً أساساً لكثير من أموال الناس !!..كيف انتشرت المعاصي و من يجاهرون بها في الفضائيات و الطرقات!! ثم ننتظر البركة .
إن للمَعصيةِ أعظمُ تأثيرٍ في محقِ بركةِ المالِ والعُمُر والعلم والعمَل، يقولُ النبيّ : ((وإنّ العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يصيبه)) رواه ابن ماجه قال ابن القيّم رحمه الله: "وبالجملةِ فالمعصيةُ تمحَق بركةَ الدين والدنيا ممّن عصى الله، فلا تجد بركةً في عمُره ودينِه ودنياه"
ولا يُنال ما عندَ الله إلا بطاعتِه، والسعادةُ في القربِ منَ الله، وبالإكثارِ من الطاعات تحُلّ البركات، وبالرّجوع إليه تتفتّح لك أبوابُ الأرزاق.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ
بارَك الله لي ولكُم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..أما بعد فاتقوا الله عباد الله ..
أيّها المسلمون .. محقُ البركةِ يجلِب قلّةَ التّوفيقِ وفسادَ القَلب، وأنفعُ الأشياءِ أبركُها، ومَن بارَك الله فيه وعليه فهو المبارَك، ولا تُرتَجَى البركة فيما لم يأذَن به الشّرع الحكيم. وبالأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر تزكو النفس وتصلُح الأحوال وتحلّ البركات على المجتمعات. ومن التزم الصدقَ في البيانِ أُلقِيت الحكمةُ على لسانه والسدادُ في أفعالِه. ومَن أخذ المال بغير حقِّه بارَ نفعُه، قال : ((ومن أخذه بغير حقِّه كانَ كالذي يأكل ولا يشبَع)) رواه البخاري
والرِّبا عَديمُ النفعِ ماحِقٌ للمالِ [جالبٌ] للهمّ، يجري آكلُه خلفَ سَراب، قال سبحانه: يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ و قال (( ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبةُ أمرهِ إلى قِلَّة )) أخرجه ابن ماجة والحاكم وصححه الألباني
و كثرة الحلِف في البيع منفقةٌ للسِّلعة ممحِقٌ للكَسب، ومنعُ الصدقة خشيةَ النفادِ تلفٌ للمال قال : ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعطي منفقاً خلفاً و يقوم الآخر اللهم أعطي ممسكاً تلفاً ))
فكيف يبغي البركة من يكثر الحلف في بيعه و شرائه ؟؟! و كيف يبغي البركة بخيل شحيح ؟؟! و كيف يبغي البركة من يقطع الأرحام ؟؟! و يأكل الحران من سرقة و رشوة و تلاعب بأموال الناس و عدم تأديةٍ للعمل بنصحٍ و إجادة .
فالزَم يا عبد الله جانبَ العبوديّة والاقتداء، وابتعِد عن المحرّمات والشّبهات في المالِ وغير المال، يبارَك لك في الأخذ والعطاء..و اعلموا إخوتي أن الأمل بالله عظيم في بركات نراها هنا و هناك و لكننا نخشى عليها و الله ..فاحمدوا الله عباد الله على ما من به عليكم و اشكروا نعمه ظاهرة و باطنة فالبشكر تدوم النعم ..و يبارك الله فيها ..
أعلّل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ
اللهم إنا نسألك بركة في النعم و بركة في الأبدان و الأولاد ..اللهم أنزل علينا بركات من السماء و الأرض و اجعلنا من عبادك الشاكرين المعترفين بنعمك و فضلك يا أرحم الراحمين .
و صل الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .