عباد الله..ظاهرةٌ من جملةِ الظواهرِ التي تظهر في المجتمعاتُ هو موضوعٌ،يُهم المجتمعات بشكلٍ عامٍ، كل المجتمعات،الإسلامية وغيرها،لكن أهميتها للمجتمعات المسلمة أشد،أَلا وهو موضوعُ الإشاعات التي تبدأ بكذبةٍ صغيرة ثم لا تلبث أن تتضخم وتكبر حتى يكون أثرها في الناس عظيماً وضررها كبير وإذا بحثت عما جعلها بهذا الحجم والتأثير وجدت أنهم من ساهموا بنشرها.
وما أكثر الإشاعات التي تنطلق في أوساطنا ونسمعها هذه الأيام،إشاعاتٌ مقصودةٌ،وغير مقصودة،فلا يكادُ يُشرقُ شمسُ يومٍ جديدٍ إِلا وتسمع بإشاعةٍ،وكم لها من خطرٍ عظيمٍ وأثرٍ بليغٍ في ترويجها؟!
الشائعات يا عباد الله..تُعتبر من أَخطر الأسلحة الفتَّاكةِ والمدمرةِ للمجتمعاتِ والأشخاصِ والعجيبُ أنَّها تُعتبرُ من وسائلِ الحربِ المدمرةِ للأعداءِ عبر التاريخ فكم أقلقت الإشاعة من أبرياء؟،وكم حطمت من عظماء؟،وكم هدمت من أسر؟،وكم تسببت الشائعات في جرائم؟،وكم فككت الإشاعة من علاقاتٍ وصداقاتٍ؟،وكم هزمت الإشاعة من جيوشٍ؟،وكم أخرت الإشاعة في سير أقوام؟
ولخطرِ الإشاعةِ فإننا نرى،دول العالم كلَّها تهتم بها،والحكام والرؤساء يرقبونها معتبرين إياها،بل إن كثيراً من دول العالم تُسخِّر وحداتٍ خاصةٍ في أجهزةِ استخباراتِها،لرصدِ وتحليلِ ما يُبَثُّ ويُنشرُ من إِشاعةٍ في دولتها ويَبنون عَليها تَوقعاتِهم للأَحداثِ داخل بلدانهم وخارجها.
أيها المسلمون..إنَّ تَاريخَ الإشاعةِ قَديمٌ،قِدَم الإنسان والعجيب أنها تنتشر إذا ما ارتبطت بإساءة الظن وكيل التهم الباطنة،وقد ذُكر في كتاب اللهنماذج من ذلك وتاريخ الأنبياء عليهم السلام وقصصهم نجدُ أن شاهد على منهم قد أتهم بالإشاعاتِ من قِبلِ قَومهِ ثم يبثٌّونها ويتوارثونَها أحياناً.وكان لها الأَثرُ في إِعاقة دعوتهم.
فهذا نوحٌاتهمه قومه بأنه يريدُ أن يتفضل عليكم أي يتزعم ويتأمر،وقالوا: إنا لنراك في ضلال مبين وقالوا مجنون وازدجر ،وهذا نبي الله هودٌقال له قومه: إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أُشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون .
ثم هذا موسى،يحملَ دعوةَ ربِّه إلى فرعونَ وملئه وقومِه،فيملأُ فرعونُ سماءَ مصر ويُسَمِّمُ الأجواءَ من حوله بِما يُطلقُ عليه من شائعات فيقول: إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون وقال: إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ونسب إلى موسى مؤامرة السحر قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر وكم أطلق كفار مكة الإشاعات عن رسول اللهأنه ساحر وشاعر ومجنون حتى أثر ذلك في القادمين إلى مكة إلى أن عرفوا الحق وقابلوا رسول الله.
إذاً يتبين لنا من خِلال هذهِ الأمثلة أن الإشاعة موجودةٌ،وستبقى ما بقي الإنسان فهي طبيعة الإنسان الذي يسيء الظن فينشر الأكاذيب ويلفق الإشاعات.
فاتقوا الله أيها المسلمون..واحذروا الشائعاتِ احذروا نشرها وتوزيعها،لا يكن أحدكم مردداً لكل ما يسمع،فقد ثبت في صحيح مسلم قوله

واحذروا عباد الله..من قولِ كلِّ خَبرٍ،وتَصديقِ كُلِّ ما يُقال،فإنَّ هُناكَ فِئَاتٍ وأَصنَافاً من الناس في كلِّ مُجتمعٍ،قُلوبها مريضة..أرواحها ميتة..ذممها مهدرة..لا تخاف من الله،ولا تستحي من عباد الله،مهنتهم ووظيفتهم وهوايتهم نشر الشائعات في أوساط الناس،تتغذى على لحومِ البَشرِ،ترتقي على أَكتافِ وحِسابِ غَيرهَا.ليكن مَنهجُ كُلِّ واحدٍ مِنكُم عِند سَمَاعِه لأيِّ خَبرٍ قَول الله: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين .
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات و للناس ألسن
و عينك إن أبدت إليك معايباً لقوم
فصنها و قل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحسن
أَيُّهَا المسلمون..إنَّ أَثرَ الشائعاتِ سيءٌ جداً،وينتج عنها غَالباً آثاراً أخرى أسوأ منها،وفي تاريخِ هذه الأُمةِ من الشَائِعَاتِ الكثيرةِ التي كانت نتائجُها سيئةً في ظاهرها وقد يكون أثرها عظيماً على الأمن للبلاد واقتصادها وكبيراً على تلاحم الناس مع بعضهم ومؤثراً في اقتناعهم برموزهم الخيّرة وهذا من الإشاعة.
في معركةِ أُحدٍ،عندما أَشاعَ الكفار أن الرسولقُتل فأثر ذلك في عضد كثير من المسلمين،حتى أن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال فتأملوا رحمكم الله تأثير الإشاعة.
وأيضاً تلك الشائعات الكاذبة التي صُنعت ضِد الخليفة الراشد عثمان>ماذا كانت آثارها السيئة وفتنتها العظيمة والتي لم تكن تقتصر على المجتمع في ذلك الوقت فحسب،بل على الأُمة حتى وقتنا هذا، فتجمّع أخلاطٌ من المنافقين ودهماءُ الناس وجهلتُهم،وأصبحت لهم شوكةٌ وقُُتِل على إِثْرِها خليفةُ المسلمين بعدَ حصارِه في بيتهِ،وكان من آثارها أن قامت حُروبٌ بين الصحابةِ كمعركةِ الجملِ وصفين،من كان يتصور أن الإشاعة تفعل كلَّ هذا؟!،بل خرجت على إِثرها الخوارج،وتزندقت الشيعة،وترتب عليها ظهور المرجئةِ والقدريةِ الأُولى،ثم انتشرت البدع بكثرةٍ،وظهرت فتنٌ وبِدعٌ وقلاقل كثيرة،ما تزالُ الأُمة الإِسلامية تعاني من آثارها إلى اليوم.
حادثةُ الإِفك،تِلكَ الشَائِعةُ التي طعنت في عرض رسول اللهوهزت بيت النبوة شهراً كاملاً،بل هزت المدينة كلها،بل هزت المسلمين كلهم،وكلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاماً لا تطاق.
لسنا مبالغين أيها الأخوة،إذا قلنا أن ما واجههفي حادثة الإفك هو من الأحداث العظام في تاريخه فلم يُمكر بالمسلمين مكرٌ أشد من تلك الإشاعة،وهي مجرد إشاعة مختلقة بين الله كذبها،بنزول الوحي ليضع حداً لتلك المأساة الفظيعة،وليكون درساً تربوياً رائعاً لذلك المجتمع،ولكل مجتمع مسلم إلى قيام الساعة..فإذا كانت مثل هذه الإشاعة فعلت ذلك بالمجتمع النبويِّ فما بالكم بمجتمعاتنا اليوم التي تسارع فيها انتشار الشائعات عبر الإعلام ووسائل الاتصال ومقاومتنا ضعيفة اتجاهها فكيف سيكون أثرها؟!إذاً لابد أن نأخذ العبرة من حادثة الإفك. إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليكم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميعٌ عليم .فانظروا عباد الله كيف سماها الله إشاعةً للفحشاء وأنها من خطوات الشيطان وأن ذنبها عظيم عند الله..
احفظ لسانك لا تقول فتبلى
إن البلاء موكِّلٌ بالمنطق
الإشاعة يا عباد الله،لها أثرٌ كبيرٌ على نفسية الإنسان،بل ربما يصل تأثيرها إلى دين المسلم وخلقه،بل على المجتمعات بأسرها،ولا نكون مبالغين إذا قلنا بأن الإشاعة ربما تقيم دولاً وتسقط أخرى..
وسمعك صُن عن سماع القبيح
كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سمــاع القبيــح
شـــريك لقائله فانتبه
أيها الأخوة:إننا نعيش في زمن كثر فيه ترويج الإشاعة فكثيرٌ ما يرد في مجالسنا كلمة سمعنا أن فلان فعل كذا أو وقع في كذا أو حصل من فلان كذا وأعظم من هذه الإشاعات عندما تتناول الأشخاص والعائلات أو تنال من العلماء والحكام أو تنال من الدول والشعوب ولكي لا تؤثر هذه الإشاعات على المجتمع المسلم فإن الإسلام رسم لنا منهجاً في طريقة تعاملها مع أية إشاعة إلى قيام الساعة
أولها:أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه قال تعالى: لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً .
ثانيها:أن يطلب المسلم الدليل البرهاني على أية إشاعة يسمعها قال تعالى: لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإن كثيراً من الناس يسمع إشاعة ويروجها تصله عبر الجوال و الانترنت بلا أدلةٍ فيظنها الناس حقاً فيشاركونه بالإثم فيساهمون بنشرها وهي كذبٌ وبهتان..الثالثة:أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره،فإن المسلمين لو لم يتكلموا بأية إشاعة، لماتت في مهدها قال الله تعالى: ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا .
النقطة الرابعة:أن يرد الأمر إلى أولى الأمر،ولا يشيعه بين الناس أبداً،وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة،والتي لها أثرها الواقعي:قال تعالى: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً .
إذاً يا عباد الله،إذا حوصرت الشائعات بهذه الأمور الأربعة،فإنه يمكن أن تتفادى آثارها السيئة المترتبة عليها بإذن الله..نسأل الله أن يكفينا شر الإشاعات والفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح لنا قلوبنا ويطهر ألسنتنا من التهم والكذب والبهتان..أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد ..
فاتقوا الله أيها المسلمون،واحذروا الشائعات،فإن مسئوليتها عظيمة،في الدنيا وفي الآخرة، خصوصاً إذا كانت ضد مسلم وهو منها براء والله سائلكم عما اقترفتموه من إشاعات وكذب ضد إخوانكم ولو أنك فقط حينما وردت إليك الإشاعة قمت بنشرها فإنك مسؤول ومحاسب عنها أمام الله.فاحذروا أن تكونوا أنتم الانطلاقة لكل شائعة،أو أن تكونوا مروجين لها فترويجها جريمة ضد أمن المجتمع وصاحبها مجرمٌ في حق دينه ومجتمعه وهو مشابه لمن يروج المخدرات لأنها كلها استهداف للمجتمع ..
يجلس الواحد منا أمام كمبيوتره أو يقلب جواله ورسائله فيلطخ سمعه وبصره بالشائعات والتهم الباطلة ثم يقوم بكل بساطة بإعادة نشرها لأصحابه وكأنه لم يفعل شيئاً فإذا ما سمعت بخبر ما،سواءً في مجلس،أو قرأته في مجلة أو جريدة،أو سمعته في إذاعة،أو عبر الجوال وكان يتعلق بجهة مسلمة،سواء كانت طائفة أو مجتمع أو شخص وكان الذي سمعته لا يسر،أو فيه تنقص أو تهمة،فاحتفظ بالخبر لنفسك،لا تنقله لغيرك،ولو كنت تظنه حقيقياً مع أن الذي ينبغي أن يبقى في نفسك،هو عدم تصديق الخبر لأن الأصل براءة المسلم وإحسان الظن به حتى يثبت بالبرهان والدليل لأن القضية قضية دين وأمن،والمسألة مسألة حسنات وسيئات فليحافظ كل منا على دينه،وليحافظ كل منا على حسناته وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
فإن عبت قوماً بالذي ليس فيهمُ
فذلك عند الله والناس أكبرُ
وإن عبت قوماً بالذي فيك مثلهُ
فكيف يعيب العُورَ من هو أعورُ؟!
اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً و عملاً صالحاً..و توبةً نصوحاً..ترضى بها عنا يا أرحم الراحمين ..اللهم أصلح قلوبنا بالإيمان وطهر ألسنتنا من الكذب والبهتان واستر عوراتنا وآمن روعاتنا ..اللهم كن لإخواننا المستضعفين على أرض سوريا وهذا الطاغية النصيري وجيشه وأمنه ينالون منهم ..