• ×

10:21 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الأسهم مخاطرة أو مرابحة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله أحل البيع وحرم الربا،وغفر لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى،أحمده سبحانه وأشكره جعلَ في الحلال غنيةً عن الحرام،وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله حثَّ على الحلال وحذَّر من الحرام صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما..
أما بعد:أيها المسلمون..اتقوا الله واعلموا أن من الجوانب التي جاءت تعاليم الإسلام بتنظيمها ما يتعلّق بالأموال وتنميتها واستثمارها،وأحل الله البيع والمضاربة والتجارة بقواعدها المباحة والناظر في حال مجتمعنا يرى العجب كيف يتحدثُ الصغارُ قبلَ الكبارِ في الاستثمار؟!وانشغلُوا بثقافاتٍ اقتصادية لم يسبق لها مثيل على مستوى جميع الفئات؟!.
عباد الله..حثّنا الدين الحنيف على العمل في طلب الرزق الحلال،ولا نتجاوزه إلى الحرام فنقع في الخسارة والنكال،ولأن الدنيا حلوة خضرة تُلهي طالبها وتنسيه التحري فيها فإن رسولنا قد حذّرنا منها فقال(واللهِ،ما الفقر أخشى عليكم،ولكني أخشى أن تبسطَ عليكم الدنيا كما بُسطَت على من كان قبلَكم،فتنافسُوها كما تنافسُوها،وتهلكَكَم كما أهلكتْهم))،وقال (من يأخذُ مالاً بحقه يبارك له فيه،ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثلُه مثل الذي يأكل ولا يشبع))ونحن في هذه البلاد بحمد الله يعيش كثيرٌ منا على وفرةٍ للمال لديه تستحقُّ منا الشكرَ لواهبِها سبحانه وتعالى لكنَّ السؤالَ ما حالُنا مع هذه الطفرةِ الماليةِ لاسيَّما في تجارةِ الأسهمِ المحلية؟!وقبلَها المضارباتِ العقاريَّة الوهمية التي تلاعبت بأموال الناس؟!
فقبل سُنيات ليست كثيرة أَسِف بعضُ الناس على ذهابِ بعض أموالهم،أو كلِّها من مساهمات تردَّت أو خُطِّط لها لتتردَّى فصارت الأسهم سبباً لأكل أموال ناسٍ طال جمعهم لها وربما باعوا ممتلكاتهم وحليَّ نسائهم ليدفعُوا أثمانَها رخيصةً في شراءِ أسهم يرجون عاقبتهَا أضعافاً مضاعفة ناهيك عمن أخذ مال أمِّه وأبيه ونساءِ بيتهِ ومعارفه،وفاوضَ زملاءَه ورفقاءَ عَملهِ فلما جَمع وأوعى لم يتردَّد في أن يدخلَ سوقَ الأسهم ليربحَ ربحاً وافراً سهلاً بلا جهدٍ ولا تعب كما كانوا يظنون..فإذا بهم ينحدرون إلى الحضيض ليخسَرُوا في لحظاتٍ ما جمعوهُ في سنوات فهل اعتبروا؟!
ها هي الأيام تعود لنرى متابعي حركة الأسهم والعاكفين على الشاشات تتغيرُ ملامحُ وجوههم،ولهجةُ خطابهم ليعود نشاطهم كما هو وتعود المغريات ليدخل الناس من جديد بسوق الأسهم بالرغم من تحذيرات العارفين المخلصين من المحلليين،وكذلك تحذير العلماء المختصين بالأسهم من السقوط من جديد..
ثم عادت المساهماتُ فتيةً،وأطلَّت برأسِها ضاحكةً مستبشرة،تعدُ بالمكاسب،لكن هل الإنسان يقف مع نفسهِ وقفاتِ تعقلٍ يحتاطُ بها لنفسِه في المستقبل ويخشَى قولَه «لا يلدغُ المؤمنُ من جحرٍ واحدٍ مرتين ».متفق عليه فإذا بنا نرى مظاهر تعمُّ المجتمع في تعمله مع الأسهم...
فجمعُ الأموالِ في مجالٍ تجاريٍّ واحدٍ مع ما فيه من المخاطرة فيه مفاسدُ كثيرة كتعطيلِ مجالاتٍ أُخرى للاستثمار هذا لمن كانَ المالُ بيدهِ وهو ملكٌ له!فكيفَ إذا كان المالُ قد استدانَه وجعلَ سدادَه على مرَّتبهِ لسنينَ طويلة فزاحمَ دينُه نفقةَ أَولادِه،أو أخذَهُ من يتيمٍ بِحُكمِ ولايته له،أو أرملةٍ أو هو ثمنُ بيتهِ ومتجرهِ..
أيها المسلمون..ومن أحوال بعض الناس مع الأسهم اليوم جمعُ المالِ الضروريِّ لاستثمارِه في الأسهم كالمقامرة فيبيعُ ما يملكهُ من مسكنٍ أو مرْكبٍ وما يدّخرُه لمستقبلهِ ليستثمرَ في هذه الأسهم،وينسى أو يتناسى أن التجارةَ كما أن فيها ربحًا ففيها خسارة،ناهيك عمّن أخذ تسهيلاتٍ بنكيةٍ بطريقةٍ شرعيةٍ أو محرّمة،وجعلَ كلَّ ما يملكُ وما يدّخرُه في الأسهم،فبخلَ على نفسهِ وأهلِ بيتهِ ولم يقم بواجباتِه. وأشغلَت الكثيرُ نفسياً وأخذَت منهم الوقتَ وأرهقهَم اللهاثُ خلفَ أخبارِ السوق وما يحدثُ فيهِ من تغيّرات حتى أثَّر ذلك عليه..وكذلك استهانةُ بعضِ الناس بالمضاربةِ في الأسهمِ المحرّمة،فما بالك بالمختلطة؟!والبعض الآخر لا يرى وجودا لأسهم محرمة فكلها عنده حلال المهم عنده أن يحقَّق الربح..
ومن وقفاتِ التعقل أيضاً أن يعيدَ الإنسانُ النظر في صحة هذه الشركة ونشاطها،وسلامةِ أسهمهِا من الربا الذي توعَّد الله بمحقه (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)..ولعلَّه ركبهَ طيشُ فتنةِ المال،وسكرةِ الربح فلم يسأل عن الحرامِ أو الحلالِ،ولم يردْ أن يسألْ عن صحةِ المساهمةِ تلك،أو ربما يبحثُ بعضهم عمن يحلُّها له وفي صحيح البخاري عن النبي"يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أَخذ المال أمِن حلالٍ أم من حرام" نعوذ بالله من المال الحرام..
أيها الناس..مع إيماننا أن حركة الأسهم السابقة حركة غير صحيحة وأن لها ظاهراً وباطناً
وأن هناكَ من عبثُوا بها عبثاً أخرجهَا من كونِها مساهماتٌ شرعية إلى كونِها مقامراتٌ شيطانية يصبحُ الإنسانُ بعدَها غانماً أو خاسراً في آنٍ واحد..ففي لحظةٍ يغتني إنسان،وفي أخرى يفتقر،والنجاةُ لمن يحسن البقاءَ بدهائِه ومزاحمتِه للضعفاء..
ومن مظاهر المضاربين بالأسهم أنَّ بعضَهم إذا ربحَ في سهمٍ ما نسيَ نفسَه وظنَّ أن ربحَه هذا جاءَه بذكائِه وينسي قولَ الله: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةْ فَمِنَ اللهِ أما إذا خسر فتراه يولوِلُ ويهدّدُ ويزمجرُ ويطالبُ المسؤولين بالتدخّل لحمايتهِ وتعويضِ خسارته، وينسى أن هذه الخسارة هي من عمله في الاستثمار أو الاستقمار،ونسيَ أن خسارته ابتلاءُ له من الله ليَرى صبْرَه على البلاءِ وشكرَه للنعماء فمن رضيَ فله الرضى ومن سَخِط فعليه السَّخَط..
كذلك أشغلَت المتاجرةُ بالأسهمِ البعضَ عن ذكرِ الله وعن أعمالِهم ومسؤولياتِهم وواجباتِهم اليومية، انتشرَت ظاهرةُ تأخيرِ صلاةِ الظهر وعدم الاهتمام بها..انتشرت ظاهرة الخروج من العمل وزيارة صالات الأسهم بالبنوك،ألا ترى أن الرواتب قد نقصت فيها البركة أو ربما محقت بركتها للبعض تماما؟!ومعاملات الناس تأخرت أو تعطلت بالدوائر الحكومية لأن بعض الموظفين يخرج أثناء دوامه ليمارس تجارة الأسهم أليس هذا تضيّعاً للأمانة..
الجميع يتحدّث عن الأسهم،الرجال والنساء،الكبار والصغار،يتفنّنون في التحليل الاقتصادي صعودًا وهبوطا،الجميع وبقدرة قادر أصبح خبيرا اقتصاديّا ومحلِّلا ماليّا، ساعد في انتشار ذلك وسائل تقنيّة وقنوات فضائية فاختلط الحابل بالنابل،وانتشرت الإشاعات والأقاويل والكذبات عن أسهم وشركات، وربما أُكِّدْت بأيمانٍ وتوصياتٍ يقول يقول(من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقي الله وهو عليه غضبان)). وهل تخلو هذه الأسهم من الاحتكار أو من الغش أو من النجش؟!
ظواهر عديدة خرجت لنا وبقوّة مع ارتفاع شأن الأسهم؛انتشرت ظاهرة الأقساط الشهرية فأصبح الإنسان رهنها،ويتساهل كثيرٌ من الناس بالدين بسبب إغراءات البنوك له حتى ولو كان هذا الدين لأمور غير ضرورية فما يستلم من راتبه آخر الشهر إلا الشيء القليل..
اشتهر سوق الأسهم بما يسمى بالمجموعات ذات مبالغ طائلة يديرها واحد أو اثنان يمارسون التدليس على المساهمين بإيهامهم عبر الإشاعات التي ينشرونها ليقبلوا على أسهم بعينها لا تساوي قيمتها ليربحوا هم من وراء تلك القطعان التي انغشت بتوصياتهم..
إن حال المجتمع وهذا الوضع ينذر بخطر عظيم،فانتشار ظاهرة الاستثمار أو الاستقمار وبهذا الحجم له آثار سلبيّة كبيرة،سياسيةً واقتصاديةً واجتماعية تظهر على السطح بعد الخسائر . وراجعوا واقرؤوا التأريخ،واسألوا من حولنا من الدول المجاورة أو الدول الغربية:كيف فعلت بهم الأسهم وبمجتمعاتهم صعودا وهبوطا؟وخذوا العبرة والعظة..
ولعلنا نعتبر بما حدث قبل سنوات كيف افتقر أغنياء واستدانوا بل وأخذ بعضهم الزكاة بعد أن ضاع ماله فهل يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين؟!
ومما يؤسف له بعد حدوث كارثة النزول ما يحدث للبعض من وفياتٍ نتيجةَ هبوط الأسعار،وصحيح أن الخسارة بقضاء الله وقدره وأنه مقدَّر عليهم،ولكن الأمر استفحَل،وظاهرة قد انتشرت، وما لم ينبر عقلاء ووجهاء المجتمع للمعالجة فإن الأمر ينبئ عن خطر عظيم وآثار سلبية كبيرة.وكذلك يجب إيجاد نظام ترعاه الدولة وتراقبه لضبط البنوك من عدم تشجيعها للناس بهذه الطريقة بالتسهيلات المغرية وضبط المتلاعبين بالسوق الذين لا يبحثون إلا عن أرباح جيوبهم على حساب صغار المساهمين..
أيها الإخوة..المضاربة بالأسهم ليست تجارات ينتعش بها السوق الإسلامي ويرتزق بها أبناء المسلمين، وليست تقضي على جزء من البطالة بين الشباب فهذا لم نشهده منذ قيام الأسهم،ولسنا نبالغ حين نقول ذلك..
وإننا نسأل الله أن يوفق الجهات المسؤولة لتدارك الوضع الحالي من منطلق شرعي يكف تطاول الجشعين،ويرد حقوق المستضعفين.
اللهم ارزقنا واهدنا،اللهم اجعل أوسع رزقك علينا عند كبر سننا وانقطاع عمرنا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك،اللهم أطب مطعمنا واجعلنا مجابي الدعوة، اللهم اجعلنا ممن يأخذ مالاً بحقّه فيبارك له فيه، اللهم لا تجعلنا ممن يأخذ مالاً بغير حقه فنكون مثل الذي يأكل ولا يشبع، اللهم لا تجعلنا من الذين لا يبالون بما أخذوا المال أمن حلال أم من حرام، اللهم أصلح أحوال المسلمين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية .. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ..وبعد ..فاتقوا الله عباد الله..
أيها الإخوة..يجب أن نحرص جميعاً على المطعم الحلال والابتعاد عن الحرام فإن أكل الحرام مانع من موانع استجابة الدعاء عن ابن عباس قال:تليت هذه الآية عند رسول الله ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا)فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال له :"يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))عن أبي هريرة >قال:قال  (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء:يا رب!يا رب! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟.رواه مسلم ونحن اليوم في هذه الفترة العصيبة التي تتعرض بلادنا فيها للعديد من الفتن وما نراه من قحطٍ بانقطاع الأمطار..وكثرة الريح والغبار..وكذلك ما يتعرض له المسلمون من مصائب بأرض الشام وغيرها من البلدان التي لم تستقر حتى الآن وكلها أمورٌ قدرها الله لا يملك الإنسان لها دفعاً إلا بأن نتوجه جميعاً إلى الله بالدعاء بقلوبٍ خالصةٍ وألسنةٍ ذاكرة وأطعمةٍ مباحةٍ سالمةٍ من الحرام الذي يمنع استجابة هذا الدعاء..
وحسبك أن ينجو الظلوم وخلفه
سهام دعاءٍ من قِسِّي ركوع

مُريَّشة بالهدب من كل ساهــر
مُنْهلَّة أطرافها بـدمــوع

فاللهم أطب مطعمنا واستجب دعاءنا لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك..اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب يا من لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السموات نسألك اللهم نصراً مؤزراً عاجلاً..لإخواننا المستضعفين على أرض الشام..اللهم فك قيد الأسرى والمعتقلين وشافي الجرحى والمصابين وارحم أمواتنا وأموات المسلمين وتقبلهم مع الشهداء والصالحين اللهم أنت قلت وقولك الحق المبين،ادعوني استجب لكم وها نحن ندعوك يا حي يا قيوم فاستجب لنا برحمتك نستغيث..فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك..اللهم إنا لا نملك تجاه ما يحصل لإخواننا على أرض سوريا إلا أن نرفع أكف الضراعة بين يديك..ونشكو إليك..اللهم إنا نستودع إخواننا في أرض الشام تحت رحمتك ونصرك وتأييدك..لا ناصر لهم إلا أنت ولا مغيث إلا أنت..يا قهار..يا جبار يا عزيز..يا منتقم انتقم لإخواننا من بشار..اللهم لا ترفع لهم راية واجعلهم لغيرهم عبرةً وآية .. اللهم وفق ولاة أمورنا وهيأهم جميعاً للتكاتف ضد الظلم والطغيان..الاستغاثة

 0  0  810
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 10:21 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.