ثمانية قام الوجود بها فهل
ومن محيص للورى عن ثمانية
سرور و حزن و اجتماعاً و فرقة
وعسرٌ يسرٌ ثم سقيمٌ و عافيه
بهن انتقضت أعمار أولاد آدمٍ
فهل من رأى أحوالهم متساوية
في مثل هذه الأيام يتحدث الناس ويستعدون لإقبال الإجازة وكيفية قضائها لاسيما أننا نرى من تمضى عليه مثل الإجازة بدون فائدة تذكر ولا استغلال إن لم تجلب له ولأسرته الضرر..وإن حاجة الإنسان إلى الراحة بعد الكدّ وإلى الهدوء بعد الضجيج لهو من الأمور المسلَّمة والتي لا ينكرها إلا غِرٌّ مكابر،فالإسلام في حقيقته لم يفرض على الناس أن يكون كل كلامهم ذكراً،ولا كل أوقاتهم عبادة،بل جعل للنفس شيئاً من الإراحة والترويح المنضبطينْ بشرعة الإسلام،يشكو حنظلة بن عامر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ضياع بعض أوقاته بشيء من الملاطفة للصبيان والنساء،فقال له صلى الله عليه وسلم((والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة - وكررها ثلاثا))متفق عليه وقد ذكر ابن عبد البر أن عليا رضي الله عنه قال

دقات قلب المــرء قائلة له
إن الحيـاة دقائق و ثواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمرٌ ثاني
إن مثل هذه العطل برمّتها لهي أحوج ما تكون إلى دراسات موسَّعة تحدد الهدف الواعي وتستثمر الفرص السانحة وإيجاد البرامج الهادفة والأنشطة الترويحية في الوصول إلى ما يقارب المصالح ولا يبعدها،وما يرضي الله ولا يسخطه وإذكاء الطاقات والكفاءات الإنتاجية العائدة للأسر والمجتمعات بالنفع العام في الدارين وتحتاج من الدول لوضع البرامج واستغلال الأوقات للشباب بدلاً من دعايات السفر للخارج التي تنهي مالنا ووقتنا ونهمل بلادنا وسياحتنا..
وإذا أردنا أن نعرف المجتمعاتِ الواعية ومدى اهتمامها بأفرادها وإعمالها للطاقات المهدرة في صفوف شبابها وفتياتها،فلننظر إلى مواقفها مع العطل وأوقات الإجازات،وكيفية قضائها ولو أردنا أن نستطرد في حصر الممارسات الصيفية في كثير من المجتمعات لطال بنا المقام،غير أن ما لا يدرك كله لا يترك كله،ولأجل هذا فإن من المستحسن أن نبدي شيئاً من الوضوح والمصارحة حول ما تمتاز به هذه العطل من الممارسات التي تفتقر إلى الصحة..
فمن هذه الممارسات الخاطئة في الإجازات لدينا تلكم العادات السيئة والانقلاب في السهر والنوم تحت دعوى حرارة الصيف؛حين نرى الناس وقد انقلب الليلُ نهاراً بالسهر والنهار ليلاً بالنوم،وألذَّ ما عندهم السهر حتى ساعات الصباح..يقضون الليل في القيل والقال والضجيج والطنين والعزف والطرب،إلى أوقات متأخرة من الليل،ولسان حالهم يقول:يا ليل هل لك من صباح أم هل لنجمك من براح؟ضل الصباح طريقه،والليل ضل عن الصباح،فلا يرخي الليل سدوله إلا وقد جر اللهو ذيوله..تجد الأسر بصغارها وكبارها يجلسون في المنتزهات والمطاعم والاستراحات وقاعة الأفراح حتى ساعات الصبح ليس في البيوت فقط بل خارجها..وبذلك كله تفتقد النعمة العظمى التي جعل الله بها الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشوراً((قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))تمر بالشباب فرص للعمل والاستثمار في موسم التمور وغيرها لكنهم لا يستغلونها ويتركون الفرص لغيرهم رغبةً في اللهو والسهر..
عباد الله..ومن الممارسات الخاطئة في الإجازات العادات الخاطئة لاسيما لدى النساء بمناسبات الأفراح والتكاليف المصاحبة و الإعدادات المكثفة والإسراف والتبذير إلا ما رحم الله،إسراف في القاعات ومغالاة في أجرتها وتباهٍ في جودتها،تسوُّقٌ وتفاخر وعري في الملبس،وتكاثر في المأكل والمشرب،وكثرة مناسبات الزواج الواحد ناهيكم عن غلاء المهور الذي أودى بكثير من الناس إلى العزوف عن الأزواج وكيف يكون التوفيق والبركة في الزواجِ الشابُّ يعيشُ كفافاً،وأهلُ الفتاة يعيشون إسرافاً،الشاب يريد الزواج وبعض أرباب الفتيات يريدون الفخر والمباهاة. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((على كم تزوجتها؟)) قال: على أربع أواق، يعني مائة وستين درهما،فقال له صلى الله عليه وسلم

نسمع هذه الأيام عن ألبسةٍ شنيعةٍ للنساء للحفلات نتورع عن ذكر أوصافها هنا فكيف بمن يبيعها أو يلبسها؟!وأين أولياؤهم عنها حتى بات بعض المحافظين يلغي مناسبات النساء أو بالتوسع بالأغاني وهي محرمة في معازفها أو في كلامها ثم انتقلت العادات الخاطئة للرجال في تقليد النساء في عادات الزواج فزفة العريس أصبحت هماً مقلقاً في السيارات والحوادث وتزيين السيارات والتفحيط والضوضاء وكذلك كثرة تعدد الحفلات للزواج الواحد فحفلة للخطوبة وحفلة للشبكة وحفلة اجتماع الرجال وحفلة اجتماع النساء وكلها مصاريف باهظة تدل على التقليد والإسراف حتى كثر من شبابنا اليوم من يجمع الزكاة لنفسه لأجل تكاليف الزواج والحفلات.
عباد الله..ومن الممارسات الخاطئة في العطل الصيفية والإجازات السنوية،ما نراه من قنوات فضائية تُعد للعطل عدتها،تنافس في العروض،بذلٌ لصور الإغراء والافتتان،مشاهدُ تئِد الحياة وتبرز العرى، بثٌّ مكثف لما ينقض عرى تلك الأخلاق والسمات الحميدة التي قد يتلقاها الدارسون طوال العام الدراسي، فتكون تلكم القنوات معاول هدم للأجيال،برامج مطلقة لا تحكمها رقابة الواعين ولا ضمائر ذوي الغيرة والإدراك،بل يبث من خلالها ما يكون من دواعي الإخلال بالأمن سواء كان أمناً حسياً أو أمناً فكرياً.ولصوص الفكر والعقول ليسوا أقل خطورة من لصوص الأموال والأعراض فكلهم سبب للفوضى وتمرد الشباب والإخلال الأمني المرفوض .
وللفكر الإعلامي دور كبير به يبصَّر الناس وبه يغرَّبون،به تخدم قضايا المسلمين وتنصر وبه تطمس وتهدر وإذا أردت أن تعرف الأمة الجادة من الأمة المستهترة فانظر إلى إعلامها. من الممارسات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة في ثنايا هذه العطل الصيفية كثرة سفر الناس وبشكلٍ دائم للخارج بلا هدف وبلا ضبط لبلدان تكثر فيها المنكرات في سياحة تضيع فيها بعض العوائل ولا تستفيد منها وليست لعملٍ أو صلة الرحم أو لتعرف على التاريخ والآثار وإنما لقضاء الوقت والأموال وكأنهم كانوا مسجونين في بلدانهم وبيوتهم والمشكلة أنهم حين يسافرون يتخلون عن عاداتهم وتقاليدهم بل والبعض عن مبادئ دينية وحجاب أسرته،استصغروا ما كانوا يعيشونه من قبل من حجاب وستر،حتى ألفوا مبادئ السياحة بقطع النظر عما يعتريها من الاطلاع على السخف والوقاحة ومشاهدة ما حرم الله ورسوله من كفر وفسق وعري وسكر على ضفاف الأنهار وشواطئ البحار في بلاد الكفار و كثير من هؤلاء المسافرين يذهبون تقليداً للغير وحتى لا يعاب عليهم حتى وصلت مصاريف السياح السعوديين إلى الخارج في سنة واحدة أكثر من 20 مليار دولار وأصبحت شركات السياحة والطيران تقدم العروض المغرية والسفر من كثير من مدن المملكة في حين أنك لا تجد رحلات طيران وعروض مقدمة لمدن سياحية ببلادنا هنا وكأننا بذلك نشجع على السفر للخارج ولانريد السفر للداخل..
عباد الله..لقد رزقنا الله في بلادنا هذه بعددٍ من المراكز الأندية الصيفية ودور التحفيظ وحلقاته متنوعة في برامجها للذكور والإناث خلال فترة الصيف ويقوم عليها أناس خيرون محتسبون فينبغي انضمام أولادنا لها ودعمها و دفع التشويه عنها استغلالاً للإجازة كما أن هناك فرصاً للعمل التجاري والكسب الحلال يغفل عنها شبابنا في التمور والمؤسسات وغيرها من الأعمال,من المهم حث الشباب على ممارستها ليستفيدوا منها في بناء شخصياتهم وقدراتهم ودفعا لبطالتهم خلال الإجازة وواجب علينا أن نهتم بالوقت ونحرص على قضائه بالنافع المفيد..قال صلى الله عليه وسلم

ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، وحذار حذار من أن تكون هذه العطل الصيفية مأدبات شيطانية أو صفحات سوداء في سجل العام الحافل بالعمل والنشاط والحركة والبعد عن أجواء الضياع والتهوّر والإلقاء بالنفس إلى التهلكة،((وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا))واستعيذوا بالله من الحور بعد الكور كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من ذلك..أقول ما تسمعون
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..أما بعد فاتقوا الله عباد الله
ونحن في موسم الامتحانات كذلك نذكر بأمور مهمة..
أولها أن نحرص على جدية أولادنا في الامتحانات واستغلال تعليمهم بالنافع المفيد،ونحذرهم من الاستهتار كما هو حال بعضهم،ونذكر أنفسنا وإياهم بالاستعداد للامتحان الأعظم يوم القيامة وفي القبور حين السؤال عن الدين والعمل نسأل الله أن يوفقنا لحين العمل وصواب الجواب.
كذلك مما ننبه عليه في الامتحانات الحرص على تنظيم النور وترك الكسل والحذر من الغش والانتباه من تضخيم موضوع الاختبارات حتى لا يكون رعباً على أولادنا وتعويدهم الجدية في سائر العام الدراسي ليس فقط في أيام الامتحانات..ومن الملحوظات المهمة في الاختبارات إخوتي الانتباه لأولادنا بعد الفراغ منها والتسكع في الطرقات وإيذاء الغير ..
ولنحذر ثم لنحذر من غول عظيم ينتشر أيام الامتحانات وغيرها من الأوقات حتى أصبحت بلادنا بما تعيشه من رفاه مادي بؤرة له ألا وهي المخدرات والحبوب المنشطة حين يُغرى بها الشباب من قبل مروجين يبحثون عن المادة وينشرون الفساد حتى سمعنا عن كمياتٍ هائلة من المخدرات يُقبض عليها تتساءل أين كانت ستذهب؟وما الذي يقبض عليه؟والعجيب انتشار المخدرات بين الشباب والنساء بأرقام مهولة تدقُّ جرس الخطر بالانتباه من كل أبٍّ ومسؤول لهذه الآفة..حمانا الله وإياكم منها..
عباد الله..إن مسؤولية أولياء الأمور والآباء عظيمة في استغلال وقت أبنائهم ليس فقط في الإجازات والامتحانات بل في كل وقت..لا نستطيع كآباء أن نلقي باللوم وبرامجها بل الآباء والأمهات مسؤولون عن أسرهم وقضاء وقتهم ومشكلاتهم ولباسهم وغير ذلك وكلكم راع ومسؤول عن رعيته..اللهم وفقنا للهدى والتقى والعفاف والراشد والغنى يا أرحم الراحمين..
اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد،لا إله إلا أنت الحنان بديع السماوات والأرض،ذا الجلال و الإكرام أن تجعل لأهنا بسوريا فرجاً ومخرجا،اللهم واحقن دماءهم،واحفظ أعراضهم،وآمنهم في وطنهم اللهم واكشف عنهم البلاء،اللهم وقاتل الظلمة المتجبرين،يا جبار يا قهار،خذهم أخذ عزيز مقتدر،وأرح البلاد و العباد منهم يا عزيز،اللهم واللطف بعبادك المسلمين في كل مكان يا رحيم يا رحمن،اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين،وأعلِ بفضلك رايتي الحق والدين،اللهم كن لأهل السنة يا ذا القوة و المنة،اللهم و أنعم علينا بالأمن و الأمان يا لطيف يا منان..وصلى الله وسلم..........