عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ-أي البرد-}رواه البخاري..هذه النار تشتكي عباد الله من بعضها فكيف بمن في داخلها يعذبُ فيهاومُخلّدٌ بها؟ نسأل الله العافية ونسأله النجاة من النار..
أيها الإخوة المؤمنون,الدهور والأعوام الليالي والأيامُ سننُ الله تتعاقب في هذه الدنيا ولن تجد لسنة الله تبديلاً،وبتعاقبِها وسيرِها تتعاقبُ الفصولُ على الناس،فذلك فصلٌ للصيف ثم يأتي بعده الخريف وآخر للشتاء ثم الربيع ومن نعمهِ أن خصَّ كلَّ موسمٍ بما يناسبُه من الزروع والثمار ونوّع الأعمال،ودَفْعِ السآمةِ عن الإنسان,والمؤمنُ الحق من تدّبر هذه النعمةِ،وشكَر الله لأجلِها قولاً وعملاً،ونقفُ اليوم مع فصل الشتاء الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم







تأملوا إخوتي الشتاء كيف خصّه الله ببعض الثمرات كما هو الصيف فما بالكم ونحن بحمد الله يُجلب إلينا هنا ثمرات الصيف والشتاء التي لا تنقطع طوال العام،وقد تجد البعض يتأفَّفُ من الأجواء بل قد يسبُّها وهذا تعدٍ وتجاوزٍ وغفلة عن حكم الله في تغيير الأجواء،فهنا من الناس من يسب البرد وهناك من الناس من يسب الحر وكلها مواسم يقلبها الله جل جلاله وهذا تعدٍ وتجاوزٍ عن حكم الله سبحانه وتعالى في تغيير الأجواء وقد تجد هناك من يُرجع تقلب تلك الأجواء إلى العوامل المناخية ودوران الكرة الأرضية وينسى المقدر الأعلى سبحانه وتعالى وكل ذلك فيه آياتٌ بينات واضحاتٍ في عظمةِ قيومِ الأرضِ والسمواتِ سبحانَه وتعالى..نحمد الله على النعم ونسأله دوامها وشكرها..
أيها الإخوة..ومما يحتاجه المؤمنُ كثيراً في الشتاء،المسح على الخفين،وهذا من تيسير الله على عباده،ويلزمُ الإنسانَ عند لبس الخفين أو الشراب ونحوه أن يكون طاهراً متوضئاً،ويمسحُ عليهما عند الوضوء،إن كان مقيماً يوماً وليلة،وإن كان مسافراً ثلاثة أيام بلياليهن،وتبدأُ مدةُ المسحِ على الخفين من أولِ مسحةٍ عليهما,فإن لبسَ الإنسانُ خفيه عندَ صلاة الفجرِ ومسحَ عليهِما في صلاةِ الظهر فابتداءُ المدة من الوقت الذي مسح فيه عند صلاة الظهر،فيمسحُ المقيم إلى مثل ذلك الوقت من الغد،وإذا تمت المدة،وهو على طهارته،فطهارتُه باقية حتى ينتقضَ وضوؤه،وإذا انتقضَ بعدَ تمام المدة وجبَ عليه غسلَ رجليه إذا توضأ،ثم يلبسُ من جديد،ومن تمَّت مدَّتُه فنسيَ ومسحَ بعدَ تمامِ المدة فعليه أن يُعيدَ صلاته والمسحِ أن يبلَّ يديه بالماء ثم يُمرِّهُما على ظهرِ الخفين من أطرافهِ مما يلي الأصابع إلى الساق مرةً واحدة،ومن رحمةِ الله بالعباد أنَّ من احتاجَ إلى ربطِ شيءٍ على كسرٍ أو جرحٍ أو بجبيرةٍ فإنه يمسحُ عليها كلَّها بدلاً من غسلِهَا في الوضوءِ والغسلِ حتى تبرأ,ويقومُ مسحُها مقامَ غسلها تيسيراً من الله وتسهيلاً على عباده ولله الحمد والمنة.
أيُّها الإخوة..كذلك مما يردُ على الإنسان في الشتاء وجود الأمطار،وهي نعمةُ الله جل جلاله،وخيرٌ للبلادِ والعبادِ،يستغيثون الناس بالله ليمطرهم ويسألونه الغيث وهي نعمة تستحقُّ منا الشكر،ووقتُ نزولِ المطر من أوقاتِ الاستجابةِ للدعاء،ومما وردَ من الأدعيةِ عندَ نزولِ المطر



وإذا كانت نعمة فإن الله تعالى عذَّب أقواماً بالغرق بالمطر وعذب أقواماً بالريح الباردة كقوم نوحٍ ثم كقوم عاد الذين استبشروا بها فإذا هي عذابُهم-نسأل الله العافية- تقول عَائِشَةُ - رضي الله عنها - أن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رأى غَيْمًا فتقول:كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ في وَجْهِهِ،فَقَلَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ!أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوا الغَيْمَ فَرِحُوا؛رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ المَطَرُ،وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ في وَجْهِكَ الحزنَ؟!:فَقَالَ:«يَا عَائِشَةُ!مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ،قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بالرِّيحِ،وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ؛فَقَالُوا

وفي نهايةِ الشتاءِ تخضرُّ الأرضُ،وتُخرجُ بركاتِها بفضلِ اللهِ ومنته،فيُكثرُ الناس من الخروجِ إلى البراري للنزهة وللتخييم ولكنك مع الأسف تلاحظ مخالفاتٍ تقع من بعضهم كسوء تنظيم أوقاتهم ما يتبعه إضاعةٍ للوقت بغيرِ المفيد بالسهر والتهاونِ بالصلاةِ وأدائها في غير وقتها،كذلك الإسرافُ والتبذيرُ بالعبثِ بالسياراتِ والدراجاتِ الناريةِ والاستهتارِ بأرواحِ الناس ونتساءل بعد ذلك أين أولياء أمورهم من هذا العبث الذي يحدث من قبل هؤلاء السفهاء حتى أصبحت عادة لهم يمارسونها في البراري وبعد الأمطار؟..كذلك مما نراه تهاونُ بعضُ الأولياءِ في الخروجِ بالعوائلِ للبراري مع عدم اختيار الأماكن المناسبة الساترة وعدم الاهتمام بالبيئة والتعدي على الأشجار بالاحتطاب الجائر وعدم نظافة المحلات التي يتنزهون بها فيفسدون في الأرض بعد إصلاحها عن طريق ترك مخلفاتهم وهذا ليس من شكر الله على نعمة المطر والأمن قال صلى الله عليه وسلم

عباد الله..كل ما في الدنيا يذكِّر بالآخرة،ودليل عليه،فإنبات الأرض واخضرارها بعد يبسها،يدلُّ على بعث الموتى من الأرض


تفكَّر في نباتِ الأرضِ وانظرْ
إلى آثارِ ما صنَع المليـكُ
عيونٌ من لجيـنٍ ناظـراتٌ
بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ
على قُضُبِ الزبرجدِ شاهداتٌ
بأنَّ الله لَيس لـه شريـك
أيها الأحبة..فصولُ السنةِ تذكِّرُ بالآخرة,فشدةُ الحر تذكِّرُ بحرِّ جهنم،وهو من سَمومِها،وشدةُ بردِ تذكِّرُ بزمهريرِ جهنم،وهو من نفسها،والخريفُ يكمُل فيه اجتناءُ الثمراتِ التي تُدَّخَرُ في البيوت،فهو منبِّه على اجتناءِ ثمار الأعمالِ في الآخرةِ،وأما الربيعُ فهو أطيبُ فصولِ السنة وهو يذكِّرُ بنعيمِ الجنة،وطيب عيشها,فهذه التنقلاتُ توجبُ للعاقلِ الدهشَ والتعجبَ من صُنع وقدرةِ خالقهِ تعالى..
فوا عجباً كيف يُعصى الإلـ
ـهُ أم كيفَ يجحدُه الجاحدُ
وللهِ فـي كـلِّ تحريـكـةٍ
وتسكينـةٍ أبـداً شـاهـدُ
وفي كـلِّ شيءٍ لـه آيـةٌ
تـدلُّ علـى أنَّـه واحـدُ
أيها الأحبة..كم من أناس يأتي عليهم البردُ بثلوجه ثم يعقبه الحر ولا أمنَ يظلِّهم ولا بيتَ يؤويهم ولا سقفَ يُغطِِّّيهم أو طعامٌ يدفئُهم فهل نتذكَّرُ ذلك مع هذا البرد؟!ألا ترون من حولكم يا عبادَ الله انظروا من حولكم خائفون..جائعون..يهانون ويقتلون..يمرُّ عليهم الشتاءَ ولا دفء..ولا أمنَ.. ولا غذاءَ ولا دواءَ..انظرُوا إخوانَكم في أرض سوريا انظروا لاجئيهم يأتيهم البرد وليس لديهم الدفء حتى توفي بعض أطفالهم من الصعيق وهم يطالبون بأبسطِ حُقوقِهم تحت رحمةِ نظامٍٍ لا يرحم ولا يسمع ولا زال يقتل وتحت عالمٍ إسلامي فإلى الله المشتكى..فماذا قدّمنا لهم؟! انظروا إخوانكم الفقراءَ في آسيا وأفريقيا..وكثرةَ الفوضى في البلدان وأنتم بحمد الله آمنون مطمئنون دافئون فهل قمتم بحق الله في شكر نعمته؟هل نتذكرُ إخواناً لنا من المسلمين القريبين أو البعيدين يأتي عليهم موسمُ البردِ والثلوج وهم بأمسِّ الحاجةِ لدعمِنا ونحنُ من نعيشُ نعمةَ الدفء من هذه النعم المتوفرةِ دفٌ البيوتِ والسياراتِ والمساجدِ فهل شكرْنا نعمَ الله بدعمِهم بالمال ونصرتهم وبالدعاءِ واللجوء إلى الله أن ينصرَهم على الظالمين المعتدين وأن يحميهم من نوائبِ الدهر ونتعاون مع الجمعيات لمساعدتهم في هذا البرد وهكذا نحسُّ بفضلِ النعم ومن أراد دوامَ النعم فليشكرْ واهبهَا تعالى..((وَهُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَىْء فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوٰنٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّـٰتٍ مّنْ أَعْنَـٰبٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ ٱنْظُرُواْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِى ذٰلِكُمْ لأَيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعده..
أيها الأحبة..جعل الله المسلمين أُمةً واحدة،ارتبط أفرادها برابطة الإخوة الإيمانية،((إنما المؤمنون إخوة))ويسعون بما فيه صلاحهم واستقامة مجتمعاتهم..وإن طائفةً من أبناء المجتمع وهم موجودون في كل مجتمع قد زلَّت به القدم فوقعوا في المشكلة التي اقتضت الحكم بسجنهم ورغم مصيبتهم فإن بالمسلمين لهم حق الأخذ بأيديهم إلى الخير لعلها تكون لهم دافعاً للعودة والتوبة والعودة للمجتمع أما تركهم والشماتة بهم بعد خروجهم فإنه لا يجوز قال صلى الله عليه وسلم
