الحمد لله الذي أظهر دينه المبين ، ومنعه بسياج متين ، فحأطه من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، سخَّر لدينه رجالاً قام بهم وبه قاموا ، واعتزَّ بدعوتهم وجهادهم وبه اعتزوا ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، كان يربّي ويعلّم ويصوم ويقوم ويغزو . صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ...أما بعد فاتقوا الله عباد الله ..
إن دروساً تقتبس من سيرة نبينا e لهي أعظم الدروس كما ذكر الله في سورة الأحزاب . لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً وإن حياة ملؤها اقتداءٌ بالنبي e لهي ألذ وأطيب حياة..
أيها الإخوة المؤمنون
في آخر شوال من السنة الخامسة هجرية وقعت غزوة الأحزاب التي نقف مع دروسها كما وقفنا مع دروس غزوة أحد ..
و الأحزاب هم: قريشٌ و حلفاؤها و قبائل غطفان و مجموعهم عشرة آلاف مقاتل يزيد عدده على جميع من في المدينة و قد ساهم اليهود في تأليبهم ثأراً لبني النضير و بني قينقاع فألبوا قريشاً كما و صف الله أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً فخرجت قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب، فنزلت بجوار المدينة ، كما قال الله إِذْ جَاءوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلاْبْصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ يٰأَهْلَ .يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً وكانت الظروف الاقتصادية سيئة لا يجد فيها e ما يسد حاجته بل يكشف أحدهم لرسول الله e عن بطنه، فإذا هو مربوط عليه حجر من الجوع، فيكشف عليه الصلاة و السلام عن حجرين على بطنه، أعداء بالخارج، قبائل العرب ويهود بني النضير، أعداء بالداخل المنافقون الذين ما يزال المسلمون منهم في محن وبلية، ويهود قريظة المعاهدون للنبي e ولا يؤمن جانبهم فإنهم أهل غدر وخيانة فما أحرجه من موقف .
و لما بلغه عليه الصلاة و السلام خبر خروج قريش شاور أصحابه فاقترح سلمان الفارسي رضي الله عنه فكرة لم تعرفها العرب و هي حفر الخندق ..الذي يمنع الوصول للمدينة ..فحفروا الخندق
ومعهم رسول الله e يشجعهم، وينقل معهم التراب حتى علا جلده الطاهر وهم يرددون قول عبدالله بن رواحة:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولاصلينا
فأنزلن سكينـة علينـــــــا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علــــينا إذا أرادوا فتنـة أبيـــــــنا
ومع هذه المصيبة العظمى حدث البراء رضي الله عنه فقال: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لاتأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله e فجاء وأخذ المعول فقال: بسم الله ثم ضرب ضربة فصدعها ، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: الله أكبر، أعطيت فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة، فقال: بسم الله فقطع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني.
الله أكبر إخوتي ، مربوطٌ على بطنه الحجرين وبطون أصحابه ولا يجدون ما يسد حاجتهم من الطعام ويوعدون بهذه الوعود ويصدقه المؤمنون، إنه الإيمان الذي يتجاوز حواجب الغيب فيجعلها كأنها شهادة.
وأما المنافقون في الأحزاب فيقولون: مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً لأن إيمانهم لا يرقيهم لأن تشهد قلوبهم الحق ..هذا طبع المنافقين الدائم لاسيما في الأزمات حين يتولون الذين كفروا ، يسوقون أفكارهم و ينشرون مشاريعهم ، ولذا كان المؤمنون مع رسول الله e يعملون بجد ونشاط وهمة عالية .
أما المنافقون فكانوا يورِّي أحدهم بقليل من العمل ثم يذهب إلى أهله بدون إذن ولا استئذان في خفاء فقال الله فيهم قوله: قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ونزل في المؤمنين إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَـذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَـذِنُونَكَ أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا ٱسْتَـذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
ويتجهز رسول الله عليه الصلاة و السلام وأصحابه الكرام رضي الله عنهم لمقابلة جموع الطغيان والشرك أمام معسكر الطهر والتوحيد يحجز بينهما الخندق و في هذه الأثناء يصل الخبر للنبي e
بنقض بني قريظة للعهد وحينها عظمت الفتنة واشتد البلاء وعظم الكرب، وأصبحت الحال كما وصف الله تعالى: إِذْ جَاءوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلاْبْصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ أي من شدة الخوف وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ أي الظنون المختلفة، وهذه حال المنافقين وضعفة الإيمان.
أما المؤمنون الصادقون هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً
إذ قال أحد المنافقين: كان محمد يعدنا أن نأخذ كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!! وقال آخر: يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو أي مكشوفة له، فأذن لنا أن نخرج من المعسكر فنرجع إلى ديارنا، وهم المعنيون بقوله تعالى يٰأَهْلَ .يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراًً
وعندما نقضت قريظة العهد، واشتد على النبي e وأصحابه رضي الله عنهم الحال، رأى النبي أن يخفف عن أصحابه رحمة بهم.
فبعث إلى قائدي غطفان يعرض عليهما صلحاً، وهو أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا بمن معهم من قومهم، وتم الصلح فيعود عليه الصلاة و السلام للشور فيستشير السعدين، سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فقالا له: يا رسول الله أمراً تحبه فتصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: ((بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب..)).
فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله، وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا حاجة، والله العظيم لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله e: ((فأنت وذاك)).
وحدثت مناوشات يسيرة بأن حاول أحد المشركين وهو عمرو بن عبد ود اقتحام الخندق فما استطاع فتصدى له علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله وفزع النبي e إلى ربه يدعوه ويسأله النصر له والهزيمة لأعدائه فقال: ((اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب ،اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)).
وقال بعض أصحابه: يا رسول الله هل من شيء نقوله ؟فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال: ((نعم، قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا)).
وفي هذه المعركة رمي سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم فقطع منه الأكحل و هو الذي عاش الجهاد و أملاً بنصر دين الله و رسوله ، فدعا سعد: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلى أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم، حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فاجعل موتتي فيها، وقال في آخر دعائه: ولاتمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. (فأقر الله عينه من بين قريظة فإنه هو الذي حكم فيهم رضي الله عنه، ووافق حكمه حكم الله من فوق سبع سماوات ،ثم أسلم الروح إلى باريها، فرحم الله سعد بن معاذ ورضي الله عنه).
واستجاب الله دعوة رسوله وعباده المؤمنين الصادقين وشتت قوى التحالف العظيم ومزقهم شر مُمَزَق، ورد كيدهم وكفى الله المؤمنين القتال كما وصف الله بقوله: وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً .
فكان مما هيء الله أن رجلاً من غطفان يقال له نعيم بن مسعود جاء إلى رسول الله e فقال: يا رسول الله إني أسلمت، وإني قومي لا يعلمون بإسلامي، فمرني بما شئت. وهذا أثر الإيمان عندما تخالط بشاشته القلب، التحرق لنصرة الإسلام والمسلمين.
فقال رسول الله e : إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة..فذهب من فوره إلى بني قريظة وكان عشيراً لهم في الجاهلية فدخل عليهم وقال: قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بين وبينكم، قالوا: صدقت. قال: فإن قريشاً ليسوا مثلكم، البلد بلدكم، فيه أموالكم، وأبناؤكم، ونساؤكم، لاتقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره.
وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وولدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره..فإن أصابوا فرصة انتهزوها، وإلا لحقوا ببلادهم، وتركوكم ومحمداً، فانتقم منكم.
قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد أشرت بالرأي.
ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش، وقال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي لكم. قالوا: نعم. قال: فإن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه. وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه. ثم يوالونه عليكم. فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان وقال لهم: مثل ذلك ..فكان لموقفه هذا أثره في تخذيل العدو و هزيمتهم النفسية .
و من المواقف أن رجلاً من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله وصحبتموه؟ قال له : نعم يا ابن أخي، قال فكيف كنتم تصنعون! قال: والله لقد كنا نجتهد، فقال السائل لحذيفة: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا.
فقال حذيفة: (يا ابن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله e بالخندق، وصلى رسول الله e هوياً من الليل (أي قطعة من الليل) ثم التفت إلينا فقال: ((من رجلٌ يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع))، فشرط له رسول الله e الرجعة- ((أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة))..
فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله e فلم يكن بد من القيام حين دعاني فقال: ((يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يصنعون ولا تُحدثن شيئاً حتى تأتينا)). قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله أي (الملائكة) تفعل بهم ما تفعل، لاتقر لهم ناراً، ولاقدراً، ولابناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ جليسه؟ قال: حذيفة، فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، ثم قام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما فبادرته أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم ما نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا إني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه، فوثب به على ثلاث، فو الله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد الله رسول لله e إليَّ: ((لاتحدثن شيئا حتى تأتيني)) ثم شئت لقتلته بسهم، فرجعت إلى رسول الله e وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه، فلما رآني أدخلني وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر).
وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانسحبوا راجعين إلى بلادهم فلما أصبح الصبح إذا ظهر المدينة
وهنا قال الحبيب e: ((الآن نغزوهم ولا يغزونا)) وحقاً لم تغز بعدها قريش النبي e حتى غزاهم في عقر دارهم، ودخل مكة عليهم.
و هذا النصر إخوتي لم يتحقق إلا بأمر عظيم وهو الصبر على المصائب و الثبات على دين الله و تصديق موعوده و هذه حلول جميع الأزمات العظيمة نسأل الله جل و علا منزل الكتاب سريع الحساب أن يهزم جميع الأحزاب الصليبية و الصهيونية و المنافقة ممن يضمر للإسلام و المسلمين كل سوء و أن يزلزلهم في أرضهم و يكفينا و بلادنا و سائر بلاد المسلمين شرهم و مكرهم .
اللهم استر عوراتنا و آمنا روعاتنا و اكفنا شر الفتن ما ظهر منها و ما بطن ..أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..ثم أما بعد:
من دروس الأحزاب ما حدث من صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها وأرضاها، لما رأت رجلاً من اليهود يطيف بالحصن، وفيه النساء والصبية، وقد حاربت بنو قريظة ونقضوا العهد، وقطعت ما بينها وبين النبي e وليس بينهم أحد يدافع عنهم، فخشيت أن يدل اليهودي على عورات المسلمين، وقد شُغل رسول الله e وأصحابه، فاحتجزت ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن..بعد أن دحرجت رأسه إلى اليهود ..فلم يجرأ اليهود على اقتحام الحصن ..
الله أكبر ليت في رجالنا كثير من مثل صفية بنت عبد المطلب..بل ليت في شبابنا من يعرف مثل هذه المواقف ليكتسب الرجولة في حياته حمايةً لدينه و أرضه و نسائه ..
و لما انتهى عليه الصلاة و السلام من الأحزاب جاءه جبريل عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: أو قد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب، فسار جبريل في موكبه من الملائكة. وأمر رسول الله e مؤذناً فأذن في الناس: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصَلِّينَّ العصر إلا ببني قريظة وخَرَجَ رَسُولُ اللهِ eفي موكبِهِ من المهاجرين والأنصار،حتى حاصر بني قريظة خمساً و عشرين ليلة حتى استسلم اليهود و طلبوا النزول على حكم سعد بن معاذ أمير الأوس كما دعا رضي الله عنه ربه بأن يقر عينه منهم قبل موته ، فحكم فيهم سعد بأن تُقتَلَ مُقاتلَتُهم، وأن تُسبى ذراريهم، وأن تُقسَمَ أموالهم، وقال له الرسول عليه الصلاة و السلام ((حكمت عليهم بحكم الله من فوق سبع سموات )) و هكذا انتهى دور اليهود و خياناتهم من المدينة ..
عباد الله
إن دروس السيرة تغذي الإيمان وتوعي المؤمنين بمكائد الأعداء..الذين و صفهم الله بقوله :
وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ
نسأل الله أن يعز الإسلام و المسلمين و يكفينا شر الكفرة و المنافقين و أن يحمي بلاد المسلمين من كل سوء و يوفق ولاة أمورهم بما فيه عز الإسلام و التمكين للمسلمين ..