الحمد الله الذي جعل الأرض ذلولاً نمشي في مناكبها، والأنعام حمولة نستوي في مراكبها، والسماء بناءً نهتدي في كواكبها، نحمده على نعمه التي فتح أبواب مطالبها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ما ترددت النجوم في مطالعها.
أما بعد ..فيا عباد الله اتقوا الله تعالى و توبوا إليه ..
أيها الإخوة المؤمنون :
تقول الإحصاءات المرورية في بلادنا: أن هناك إنسانا يموت كل ساعتين نتيجةً لحادثٍ مروريّ، وإن هناك حوالي 8 مصابين خلال هذه الساعتين، أي: أنه خلال السنة يموت لدينا أكثر من أربعة آلاف شخص، ويصاب أكثر من اثنين وثلاثين ألفاً آخرين، وخلال العشرِ سنواتٍ الماضية توفي في الحوادثِ المروريةِ لدينا في المملكة أكثر من أربعين ألفا، وأصيب أكثر من ثلاثمائة واثنين وثلاثين ألفاً آخرين بإعاقات دائمة.
أرجو ـ معاشر المؤمنين ـ أن تتأمّلوا معيَّ في هذه الأرقام عن بلدنا، حيث تقدَّر الخسائر المادية سنوياً بحوالي عشرين مليار ريال. ..و عليه فقد قررت إدارة المرور في عموم المملكة هذه الأيام القيام بحملة للدعوة إلى السلامة من أخطار المركبات التي باتت تهدد السائقين والمشاة وذلك عبر التركيز على الأخطاء كالسرعة والتهور وقيادة صغار السن وعدم التركيز عند القيادة و تجاوز الإشارة الحمراء ، و استخدام الجوال أثناء القيادة ، وعدم ربط حزام الأمان ، وغير ذلك من أنظمةٍ مفيدة يجب على الجميع التعاون معهم في تطبيقها لما فيها من مصلحةٍ للبلاد والعباد.
كما أننا و لا بد أن نؤكد على ضرورة تطبيق قائد المركبة للقواعد الصحيحة و الالتزام بأنظمة المرور التي وضعت في الأصل لحمايته من الأخطار بالإضافة إلى حفظ حقوق الآخرين من المشاةِ وقائدي السيارات الأخرى ..
أيها الإخوة المؤمنون
إن العاقل الذي أيقن أن مخالفته في قيادة سيارته قد ينتج عنها إهدار أموالٍ أو إتلاف أعيان أو ترمل نساء أو تيتم أطفال أو تفكيك أُسر أو إصابة آخرين بإعاقات وتصَّور تلك النتائج السلبية المفزعة، والعواقب الوخيمة والمفجعة، التي ترتبت على مخالفته في قيادة السيارة ، والاستهتار بآداب السير، وعدم المبالاة بالتعليمات والتوجيهات المتكررة التي تصدرها الجهات الأمنية، والحريصة على سلامة أفراد المجتمع والحفاظ على مقدراته وممتلكاته
أيها الإخوة
كما أننا هنا بصدد التنويه أيضاً بالمخاطر التي تنتج عن قيادة صغار السن فمنع الصغار عن القيادة حتى يصلوا إلى سنٍ قانونية تسمح لهم بالقيادة و معرفتهم بأنظمة المرور وبعد معرفة التعامل المتزن الدقيق مع هذه الآلة، بعد ذلك لا بأس به.
أما أن تيسّر السيارة لكل من طلبها صغيرًا أو متهورًا فإن ذلك يفضي إلى هلاك الأنفس، وكم من حادثٍ وفاةٍ كان من جراء طفلٍ صغير انطلق بسيارته فدهس بها طفلاً صغيرًا في الشارع أو دهس بها رجلاً ، وما ذلك إلا من التهاون والتفريط، والمسؤولية تقع على من سمح لهذا الولد أو غيره من المتهورين بالقيادة ..و أيضاً من القواعد المرورية المهمة ربط حزام الأمان لما له من أهمية قصوى فإن هناك الكثير من دول العالم تلزم السائقين والركاب بربط الحزام بل إن بعض تلك الدول وصلت نسبة ربط حزام الأمان لديهم إلى ما يقارب 90% مثل السويد وكندا وبريطانيا وأستراليا .
وفي إحصائية أخيرة نفذتها إدارة مرور منطقة الرياض تبين أن نحو 60% من السائقين لا يتقيدون بربط حزام الأمان في السيارة،
وقد يتضايق بعض قائدي المركبات من ربط الحزام باعتباره عملية ثقيلة ومتعبة، وخاصة لمن لم يعتده، ولكن مع التوعية المرورية، ومع مرور الوقت يمكن غرس هذه العادة الحسنة في السائق والراكب بحيث تصبح سلوكاً معتاداً.
عباد الله
إن على الجميع تقوَى الله تعالى، وعليهم التبصُّرُ في أمرِهم، وعليهم أن يعينَ بعضهم بعضًا على التقوى واعلم أخي أنَّ الطريق ليس لكَ وحدَك ، وكلٌّ مثلك يريد قضاءَ حوائجه ، فلنكُن على قدرٍ كبيرٍ من المسؤولية .. و لا بد من الالتزام بالأدب الإسلامي الذي وجهه لنا وهو ما ورد أن عليًا أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: ((بسم الله))، فلما استوى على ظهرها قال: ((الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون))، ثم قال: ((الحمد لله)) ثلاث مرات، ثم قال: ((سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))، ثم ضحك عليٌ رضي الله عنه فقيل له: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكتَ؟ فقال: رأيت النبي فعل مثل ما فعلتُ ثم ضحك، فسألته فقال : ((إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري)) رواه الترمذي وصححه
أيّها المسلمون
إنّ مِن نِعَم الله علينا وجودَ هذه المركبات و هي بمتناوَل الكثير منا. هذه النّعمَة العظيمةُ هل شكَرنا الله عليه؟ وهل حسُن استعمالُنا لها أم ساء الاستعمال وذهب الشّكر وقلَّ الثناءُ على الله؟! إنَّ شكرَ الله عليها أمر متعيِّن، فالله الذي يسَّرها وهيَّأها، وإنَّ حسنَ استعمالها لمن شُكر نِعَم الله علينا، فكم من محسِنٍ لاستعمالها، وكم من مسيءٍ لاستعمالِها.. فوسائل الركوب هي نعمة من نعم الله تعالى علينا، ومتى تنقلب النعمة إلى نقمة؟ إذا غيّرها الإنسان عن مراد الله فيها، فالباري سبحانه وتعالى أمدنا بها للغاية التي بينها في قوله: (( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)) [النحل: 7]،
و قال الله تعالى: (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [الأنفال: 53]، فمراد الله تعالى هو رفع الضيق والحرج وتيسير المعيشة لخلقه، فإذا انقلبت هذه النعمة إلى نقمة فعلينا أن نراجع أنفسنا ونتساءل: هل أدينا شكر الله تعالى على نعمه كما أمر، أم سخرنا هذه النعم فيما يستوجب سخطه تعالى وعذابه وحِدنا بها عن سواء السبيل؟
و الله نسأل أن يحفظنا جميعاً بحفظه و أن يكلأنا برعايته ..و أن يديم علينا نعمة الأمن و الأمان و الاطمئنان إنه و لي ذلك و القادر عليه ..
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، والموت راحة لنا من كل شيء، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.. و أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واشف مرضانا وارحم موتانا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. و صل اللهم وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وقدوتنا، وعلى آله وصحبه وسلم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .