آيات مخوفة
الحمد لله الذي حبب إلينا الإيمان و زينه في قلوبنا و كره إلينا الكفرة و الفسوق و العصيان ..نحمده و نشكره و نثني عليه الخير كله ، و أشهد ألا إليه إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و أزوجه وذرياته و أتباعه بإحسان إلى يوم الدين و سلم تسليماً كثيراً أما بعد..
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى و توبوا إليه أيها الاخوة المؤمنون:
أنزل الله القرآن الكريم على أشرف رسول الله و أكرم إنسان هدىً ونوراً و بيناتٍ من الهدى و الفرقان ..يقول فيه ربنا جل وعلا ((فإما يأتينكم مني هدىً فمن ابتع هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً و نحشره يوم القيامة أعمى ....))
لقد وعظتنا مواعظ هذا القرآن و أنذرتنا نذره ،عظاتٍ ونذرٍ نراها متحققة وكأنها رأي العين ..أنذرتنا بأسلوب يلامس مشاعر وقلوب و عقول ذوي النفوس الواعية الحريصة على مصالح دنياها و أخراها وكل إخبارات القرآن تبين أن ما أصيبت به أي أمة أو فردٍ من تبديل نعمة ٍ بنقمةٍ أو عافيةٍ ببلاء أو أمنٍ بخوف أو عزٍ بذل أو سرور بحزن أو غنىً بفقر أو غير ذلك الذي لا يتم إلا بجزاء العصيان لله والكفر بنعمته ((وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفى عن كثير ))..و إن آيات الله المخوفة لم تزل تترى على البشر خصوصاً ما نراه في أزما ننا الحاضرة فهذا القحط ونقص المياه و تأخر الأمطار الذي أصاب بلادنا هذا العام وكذلك ما نراه من سقوطٍ بلا سبب للطائرات و غرقٍ للمراكب و الغواصات و حوادث كثيرة للسيارات ..إضافةً إلى بطانة وديون اقتصادية وحينما نتطلع إلى العالم اليوم نرى ما يسوده من أعاصير مدمرة وفيضاناتٍ مغرقة ، و زلازل مهلكةٍ وبحارٍ ملوثة يضم إليها حروب محرقة لا تخمد نارها كلما أطفئت من جانب أوقدت من جانب ..مع أمراضٍ فتاكة لم تكن في الأسلاف ، في الأنفس الزروع والبهائم نرى بعضاً من شعوب الأرض يموتون جوعاً وعطشاً في حين أن أمماً أخرى تنهارُ عليهم السدود من الفيضانات وزيادة الماء ، البعض يسكبون فائض أطعمتهم في البحار إنها حوادثُ مروعةٌ ..وانقساماتٌ مفزعةُ ..و فيضٌ كثيرٌ من آيات الله التي يخوف بها عباده لعلهم يرجعون إليه و يتوبون عما يقارفونه من ذنوبٍ و معاصي ملأت البر و البحر نسأل الله أن يغفر لنا و ألا يؤاخذنا بذنوبنا ..
عباد الله ..ومع كل ذلك التخويف و الإنذار فهل اتقى الله عباد الله ..هل عظموا أمره و حذروا من سخطه ..لقد طغت النظرة المادية على كثيرٍ من أبناء هذا العصر و أصبح الهم المادي و الربح و الخسارة المالية أو السياسة هما الأساس و المنظور ومع هذه السيطرة المادية و الإلتهاء بها ضعف عن أولئك الربط بين الأسباب و المسببات ..ولم يدركوا العلاقة بين الأعمال و الآثام ..و الآيات تترى تخوف عواقب تلك المعاصي و الآثام..بل نشأ في أوطان المسلمين ومن ضمن مثقفيهم و كتابهم و إلامييهم فريقُ نلبسوا بالشهوات فذهبوا في البطالة مكاناً بعيداً ، و غلبت على فريقٍ آخر منهم شبهات الشرق و الغرب فضلوا عن إدراك سنن الله و ظنوا الشبة حجةً ، و حسبوا أعداء الله لا يقولون إلا صواباً ، و لا يعملون إلا حسناً ، أو أنهم يحسنون صنعاً ..كما أنك ترى غفلةً عظيمة تسيطر على فئامٍ من المسلمين أصحوا بها لا يفرقون بين الحلال و الحرام فاحلال عندهم ما حل في جيوبهم و الحرام أصبح لديهم شدةً وتزمتاً و تصعيباً لأمور الدين و لا حول و لا قوة إلا بالله ..هذا عما تراه عند البعض من كفرانٍ للنعم ..وعصيانٍ لذي الفضل و الكرم..الذي يخرج ذا النعمة من نعمته وذوي العزة من عزتهم وذا العلياء من عزته و عليائه روى الإمام أحمد رحمه الله عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه قال :- لما فتحت قبر فُرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء رضي الله عنه جالساً وحده يبكي فقلت : ما يبكيك في يومٍ أعز الله فيه الإسلام و أهله؟ فقال و يحك ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا هم أضاعوا أمره بينما هي أمةٌ قاهرةٌ ظاهرةٌ لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى ...))
إن سنن الله عز وجل تأبى أن تترك المجرمين من غير قصاص ..وما من شرورٍ و لا بلاءٍ إلا و سببه الذنوب و العاصي ..بالمعصية تبدل إبليس بالإيمانِ كفراً و بالقرب بعداً وصار طريداً ليعناً مصدر لكل بلاءٍ و شقاءٍ لأنه امتنع كبراً عن سجدةٍ واحدة ..عم قوم نوحٍ الغرق ، و أهلكت عادٌ الريح العقيم ..وأخذت ثمود الصيحة وقلبت على اللوطية ديارهم فجعل الله عاليها سافلها و أمطر عليها حجارةً من سجيل فساء مطر المنذرين ، و أغرق فرعون و قومه وخسفت بقارون الأرض ((وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليمٌ شديد)) كي هد الله عروشاً في ماضي هذه الأمة و حاضرها طالما حيت ..و أذل أعناقاً طالما ارتفعت ، و أخرس أسناً طالما نطقت ، و أصم أذاناً طالما استمعت ، وفرق أسراً و مزق جموعاً طالما اجتمعت ..وغير ذلك من عقوبات الله التي حقت على هؤلاء بسبب شؤم الكفران ..و تتابع العصيان ..ومجانبة تعاليم و مواعظ القرآن ..وكل أولئك إنما عاقبهم الله بعد أن أرسل لهم آياتٍ تخوفهم عصيانه و تحذرهم بعدهم عن الله ولذلك فقد سماهم الله في غير مرة المنذرين حين أنذرهم ((فكلاً أخذنا بذنبه فنمهم من أرسلنا عليه حاصباً و منهم من أخذته الصيحة و منهم من خسفنا به الأرض و منهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون ...))
نعم إخوتي ((فكلاً أخذنا بذنبه )) إنها الذنوب و تلكم عواقبها وما هي عن الظالمين ببعيد ..وما ظهرت المعاصي في ديارٍ إلا أهلكتها ..و لا تمكنت من قلوبٍ إلا أعمتها ، ولا فشت في أمةٍ إلا أذلتها ، فلا تقارفها حتى تدع الديار بلا نفع خاليةً من كل شيء ..
أيها الاخوة المؤمنون :
إن كثرة هذه الآيات و الحوادث إنما هو تخويفٌ من الله عز وجل و إنذارٌ لنا أننا ليس بمعزلٍ عما أصاب أولئك الأقوام من عقوباتٍ قديمة أو حديثة فليس بيننا و بين الله نسب حتى تكون تلك العقوبات لغيرنا ونسلم نحن منها لكنما القرب من الله و الاعتصام به وطاعته و تطبيق شرعه حقاً هو الأمن من مكر الله و عقوباته و في ذلك السلامة بإذن الله ..فالله عز وجل ((لم يك مغيراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم )) و إن ما نخافه و نحذر منه إخوتي هذه المعاصي التي انتشرت في الأونة الأخيرة و تنوعت حتى أصبح كثير منها غريباً كل الغرابة على مجتمعاتنا وهذه المعاصي أصبحت على مستوى الأفراد و المجتمعات و موجودة في بلادنا فلا ينبغي أن نتعامى عنها و لا بد من مناقشتها بكل صراحة و وضوح و البحث عن دورنا في إصلاحها ودور الآباء في علاجها لما نراه من غفلة كثير من الأولياء اليوم عن التغير في مجتمعنا ظناً أن مجتمعه الذي يعيش فيه هو ما كان أيام صباه في حين أن الأمور تغيرت ووسائل الفساد تنوعت فهل كان يتصور بعض الآباء دعوة تنشر في جرائدنا تدعوا الفتيات لمسابقات غنائية في الخارج بالرغم مما يصاحبها من فسادٍ و فجور و غير ذلك ..إن من قارف المعاصي و لازمها تولد في قلبه الاستئناس بها وقبولها ..و لا يزال كذلك حتى يذهب عنه استقباحها ، ثم يبدأ بالمجاهرة بها و إعلانها و الدعوة إليها و حث الناس على حضور مناسباتها إعلاناً للمنكر ..وغالب هؤلاء لا يعافون منها كما في الحديث الصحيح ((كل أكتي معافى إلا المجاهرون ، و إن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد سترة ربه فيقول يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه فيصبح يكشف ستر الله عليه ....)) أخرجه البخاري و مسلم
بل إن بعضاً من الناس قد تجاوز كما رأيناه منذ مدة حين موت أحد البارزين في الفن فتعجبنا من أحاديث وكلماتٍ تنشر مع الأسف في جرائدنا لأقوال البعض من زمرته بعبارةٍ غريبة منها :-النهجم الذي هوى ...النجم الذي اختار نهايته ..هذه موتةٌ كل يتمناها ..حتى الصالحون يتمنون هذا الحال ..و غير ذلكم من أقوالٍ و كتابات ليس هذا مكان عرضها ..فأي مجاهرة أعظم من ذلك من هؤلاء ..الذي ينبغي الأخذ على أيديهم لا إبرازهم ..
إن من المجاهرة كذلك أن يتحدث التاجر إلى رفاقه بغشه للناس و يعد ذلك مهارة وكياسة ..ومن المجاهرة أن يذكر الماجن مجونه و الفاسق فسقه ، ومن المجاهرة تلك الصور الفاضحة و الكلمات الخادشة للحياء و الشرف عبر عروض و برامج كثير من القنوات الفضائية و الوسائل الإعلامية التي أصبحت بحق تخون الأمة في أشد أوضاعها تأزماً الآن بعرض برامج الغناء و الفسوق الماجن كثيرٌ من و اضعي تلك المنكرات و البرامج و المهرجانات و من يرعونها و يقيمون لها الحفلات قد باعوا دينهم بعرضٍ من الدنيا أو أنهم من غير المسلمين و يضرون لنا الشر و دخيلة السوء و الإفساد فلا يستغرب منهم إذاً وقوعهم في هذه المنكرات ودعوتهم لها لكننا نستغرب و حق لنا ذلك كيف تستشري مثل هذه المنكرات وتجد من يرعاها و يحمس أهلها في بلاد الإسلام و في أوساط مجتمعاتٍ إسلامية محافظة و كيف يتقبلها بعضهم ثم لا يلبثون أن يقعوا في براثينها
0
0
944
04-12-1435 08:34 مساءً