• ×

10:12 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الوداع في الحج

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله؛أعطى كلَّ شيءٍ ثم هدى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى؛وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى؛صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأصفياء والتابعين ومن تبعهم إلى يوم القضاء وسلم تسليماً أما بعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى..
يا راحلين إلـى منـى بقيـادي
هيجتمُوا يوم الرحيـل فُـؤادي

سرتم وسارَ دليلُكم يا وحشتـي
الشوقُ أقلقني وصوتُ الحـادي

ويطيب لي مابين زمزم والصفا
عند المقام سمعت صوت منادي

من نال من عرفات نظرةَ ساعةٍ
نالَ السرورَ ونالَ كـلَّ منـادي

عباد الله..كلما جاء شهر ذي الحجة نتذكر ذلكَ السيلَ البشري الذي يُقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينةِ إلى مكةِ حاجين يعودُ بهم صلى الله عليه وسلم..إلى مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة فطافوا البيتَ ثم سَعوا وفي اليومِ الثامن توجهّوا وهم يتجاوزون المائة ألف إلى مِنى ثم في التاسعِ إلى عرفة يُلبُّون ويهللون ويكبرون ومعالم الحج ووقفاتها كثيرة،إلى جانب أداء المناسك لكن خطبته صلى الله عليه وسلم بعرفة لخصت أموراً هامة فالخطابة كانت ديوان العرب وميدانهم بالحروب والأسواق والشعر مثلها للحماسة والبيان وبيان الحق والبرهان ولذلك اعتمدها الإسلام عبادة وبيان فكانت في الحج والجمعة والحروب وإعجازا للقرآن..أعجز الله بها العرب وقادة البيان ومن هنا اختصر صلى الله عليه وسلم تعاليم الإسلام في خطبته للحجاج بيوم عرفة..
ومعاني خطبة عرفة الجامعة ومبادئها البليغة،خاطب بها صلى الله عليه وسلم المسلمين في حجة الوداع بيوم عرفة والتي نحتاجها بشدّةٍ اليوم،فلقد أعلنَ صلى الله عليه وسلم في عرفة تلك المبادئ التي لم تكن شعاراتٍ انتخابية يرفعُها أو يتاجرُ بها،بل كانت مبادئَه منذُ فجرِ دعوته يومَ كان وحيداً مضطهداً،وهي مبادئه يومَ كان قليلاً مستضعفاً،لم تتغيرْ في القلّةِ والكثرة،والحربِ والسلمِ،وإعراضِ الدنيا وإقبالِها،يُرسّخها في نفوس أصحابه في خطبة حج الوداع،لينقلوها إلى العالم فيسعدَ بها،ولقوَّتِها وصدقِها لم تذبلْ مع الأيام،ولم تمتْ مع تعاقبِ الأجيال،وإنما هي راسخةٌ تتجدَّدُ في الأقوالِ والأعمالِ،مبادئُ سُكبت مع عباراتها دموعُ الوداع،ولذلك سُمّيت خطبةُ الوداع التي نتأمّلُها اليوم مع منظر الحجيج،وفيها حذّر عليه الصلاة والسلام من الشرك،الذي يفتك بالإنسانية،فالمعنى الأصيل الذي تدورُ عليه أحكامُ الحج وتقومُ عليه أحكام الدين كلُّها وحدانيةُ الله سبحانه وتعالى ونبذ الشرك..وفي خطبةِ الوداع يقول صلى الله عليه وسلم(فإن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام،كحرمة يومكم هذا،في بلدكم هذا،في شهركم هذا))مبادئ خالدة لحقوق الإنسان،لا يبلغها منهجٌ وضعي،ولا قانون بشري، فلصيانة الدماء قال تعالى(وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ))ولصيانة الأموال((وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا))ولصيانة الأعراض((ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ))..يحترمُ الإسلامُ حقَّ الحياة احتراماً كبيراً،حياةً طاهرةً صالحة،لا حياةَ الفجورِ والفتنة،ولا حياة الظلم والعدوان،ولا حياة الحرمان من النعم والسعادة حياةٌ ذات تشريعٍ عادلٍ وتنظيمٍ مستقيمٍ..
يرعى الإسلامُ حقَّ الإنسانِ في حِفظِ حياتهِ لتكونَ حياةً كريمةً،يحوطُها الأمنُ والاستقرارُ والاطمئنانُ،يبني الإسلامُ الأمنَ في نفس المسلم،لتُبنى بها حياته،فيقيمُ العدلَ بين الناسِ على شرعِ الله،ويبني القوةَ والسلطان،الذي يقيم شرع الله في الأرض،ويبني العلاقاتِ الكريمةِ بينَ الناسِ بروابط إيمانية،تحمي الأمن وتصونه،أخوةٌ لله لها حقوق وعليها مسؤوليات،أرحامٌ توصلُ في الله،برُّ الوالدين وحسنُ الجوار،خِطبةٌ وزواج،ثم تعارفٌ بينَ الشعوب ليكونَ أكرمُ الناس أتقاهم لله..فأين من ذلك كلّه من ديانات تزعم إقامة الخلق وتغذية الروح وأين هي من أعراف السياسات اليوم التي تبنى على المصالح أو من عصبية قبلية عليها يوالي بعضهم ويعادي؟
ومن مبادئِ حقوقِ الإنسان في الإسلامِ أنه لا يجوزُ أن يؤذى إنسانٌ في حضرةِ أخيه،ولا أن يُهان في غيبته،إيذاءٌ للجسمِ أو للنفسِ بالقولِ أو الفعلِ،ومن ثم حرّمَ الإسلامُ ضرب الآخرين بغير حق، ونهى عن التنابز والهمز واللمز والسخريةِ والشتم ولو كان غاضباً،روى البخاري أن رجلاً أقيم عليه الحدُّ مراراً في شُربِ الخمر،فأُتي به يوماً،فأُمر به فجُلد،فقال رجلٌ من القوم:اللهم العنْه ما أكثَر ما يؤتى به،فقال صلى الله عليه وسلم(لا تلعنُوه،فو الله إنه يُحب الله ورسوله))فلم تمنع معصيتُه تلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من ذكرِ شيءٍ من فضلهِ وهذا ميزانُ العدلِ والحق..ولم يكتفِ الإسلامُ بحمايةِ الإنسان وتكريمهِ حالَ حياته،بل كفلَ له الاحترامَ والتكريم بعد مماتِه،فأمرَ بغسلهِ وتكفينهِ وإكرامه،والصلاةِ عليه ودفنِه،وعدم ذكر مساوئه،روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال(لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا،واذكروا محاسن موتاكم))
أيها المسلمون..إن الحضارةَ الحديثة،الماديةُ البحتةُ أعلنت مبادئَ لحقوق الإنسان،وهيئات ومنظمات لكنها قاصرةٌ ضعيفةٌ،تُسيرهُا المصالحُ الأرضيةُ،وتقودُها العنصريةُ المقيتةُ،وهي لا تملك عقيدةً تُرسِّخُها،وأحكاماً تحرسُها،ولذا فهي تُنتهك في أَرقى دولِ العالم تقدُّماً وحضارةً مادية،ثم أين حقوقُ الإنسانِ في فلسطين التي انتهكت مقدساته،واغتُصبت أرضه؟!،أين تلكَ المنظمات والأخلاق عما يحصلُ للمستضعفين في سوريا منذ ثلاث سنين ما بالها لم تتنصرْ لهم؟؟!أين حقوقُ الإنسانِ وأخلاقُه تُدمّر،وقيمُه تُحطّم،وإنسانيته تُنتهك في حربٍِ إعلاميةٍ لا فضيلةً تحرسُها،ولا قيماًَ توجهُّهَا؟!أم أنَّها مصالحُ تُحركُ تلكَ المنظمات ليحارِبُوا إقامةَ الحدودِ الشرعيةِ في بلادِنا وتطبيقَ أحكامِ الإسلامِ. وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع(ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)) رواه مسلم لقد كانت الدماءُ في الجاهليةِ رخيصةً،وكانت النفسُ الإنسانية هينةً،كان القتلُ تجارةً، تقوم الحرب لسنوات لأتفه الأسباب،إذ لم تكن لهم رسالةٌ للحياة،ولا عقيدةٌ تطهّرِهُم من هذه الأرجاسِ،فجاءَ الإسلامُ ليغير هذه المبادئ،وليضع للحياة أسساً،يحترم النفسَ الإنسانيةَ،ويجعل قتلها دون مبرّر جريمةً في حقِّ البشرية،قال تعالى(مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً))لقد كانت العصبيات قبل البعثة عميقةَ الجذورِ،قوية البنيان،فاستطاعَ صلى الله عليه وسلم أن يجتثّ التمييز العنصري بكلِّ صورهِ وأشكاله،من أرضٍ كانت تحيي ذكره،وتهتف بحمده،وتتفاخر على أساسه فكانَ شعارُهم:
ألا لا يجـهلن أحد علينا
فنجهلَ فوقَ جهلِ الجــــاهلينا

إذا بلغَ الرضيعُ لنا فِطاماً
تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا

فأعلن صلى الله عليه وسلم مبدأَ الإسلامِ فقال في عرفة(كلكم لآدم،وآدم من تراب،إن أكرمكم عند الله أتقاكم،ليس لعربي على أعجمي،ولا أعجمي على عربيٍّ،ولا لأحمرٍ على أبيضٍ،ولا أبيض على أحمر، فضلٌ إلا بالتقوى))وبهذا تتلاشى جميعُ الفوارقِ والقيمِ الأرضيةِ الجوفاء،فليسَ العبرةُ في التفاضل بحمرةِ لونِ الإنسانِ أو سوادِه،ولا بنسبهِ أو مالهِ أو منصبهِ فالميزان هو التقوى وفي أعقاب الزمن ينبري أقوامٌ من بني جلدتنا لإحياء العصبيات الجاهلية والقبلية،ويهتفون بها،ويتفاخرون على أساسها بشتى الدعوات والمناسبات والولائم والقصائد،يمنحونها الاستمرار،ويقول صلى الله عليه وسلم عن العصبية القبلية(دعوها فإنها منتنة))وفي خطبةِ الوداع قال صلى الله عليه وسلم(إن ربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع،ربا عمي العباس بن عبد المطلب،فإنه موضوع ٌكله))فلم يُحرّم الله الربا إلا لعظيمِ ضررهِ،وكثرةِ مفاسده،فهو يفسدُ ضميرَ الفرد،ويفسدُ حياةَ الإنسانية بما يشيعُ من الطمع والشره والأنانية،يميت روحَ الجماعة،ويُسَّببُ العداوة،ويزرع الأحقاد في النفوس،لذا أعلن الله الحرب على أصحابه ومروِّجيه،حرباً في الدنيا؛غلاءً في الأسعار،أزمات مالية،وأمراضٌ نفسيةٌ انعدمت معها معاني التعاون والإيثار،وأما في الآخرة فعذابٌ أليم((ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرّبَوٰاْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسّ))ويعتبرُ النظامُ الربوي مسؤولاً عن كثير من الأزمات المالية والاقتصادية التي عمت الأفراد والجماعات والدول في عالمنا اليوم مما جعل أوروبا اليوم تبحث عن حلول لأزمتهم ويلجأون إلى الصين وغيرهم هرباً من أزمة مالية تخيفهم وهذا من آل الربا..
وفي خطبة الوداع يقول صلى الله عليه وسلم(فاتقوا الله في النساء،فإنكم أخذتموهنَّ بأمانِ الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكمُ عليهن ألا يُوطأن فُرُشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهنَ ضرباً غيرَ مبرح ولهنَّ عليكم رزقُهن وكسوتُهن بالمعروف))لقد حفظَ الدينُ الحنيف للمرأةِ حقوقها،وكرّمها أماً وزوجةً وبنتاً،عُني بها منذ أولِ نَفَسٍ لها في الحياة إلى أن تسلم روحها إلى خالقها وبارئها،جعل جسدها حُرمة لا يجوز النظر من أجنبي إليه،بعد أن كان للجميع حقاً مشاعاً،أعطاها حقَّ الإرث،وحقَّ العلم،سوَّى بينَها وبينَ الرجلِ في الأجرِ والثوابِ والتكاليفِ العبادية((مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً))إننا لن نتحدث عن حقوق المرأة في الإسلام بنظرياتٍ جوفاء،ومؤتمراتٍ رعناء،بل ندعو الجميعَ لقراءةِ سِيرِ المؤمنات، خديجة وسُمية وأسماءَ،عائشةُ وحفصةُ والخنساء،فاطمةُ وزينبُ والرميصاء،نفتحُ لهم صفحاتٍ من التاريخ مشرقة، ليعيشُوا مع المرَأة المسلمة مُثُلاً حيةً،وقدواتٍ فذة،ندعو للتأمل ليروا كيف رفع الإسلام المرأة،طهر مشاعرها، أدّب سلوكها،سما بمقاصدِها وأمنياتها،وهي شواهدُ صادقةٌ وبراهينُ ساطعةٌ على ما لهنَّ من نبلٍ ورفعةٍ وشأن،والذين نصَّبُوا أنفسَهم هداةً مصلحين ومُحررِّين ومُثقفين وملأُوا الجرائدَ والقنوات بنظرياتهم الفجة وتعليقاتِهم عن قضايا المرأة وإصلاحِ وضعِها زاعمين أنهم سيقودُون المرأةَ إلى السبيلِ الأقومِ ويصفُون غيرَهم من دعاةِ الحشمةِ والعفافِ بالسفهِ والتأخرِ والجمودِ والتحجرِ،وإذا أمعنتَ النظرَ في مطالباتِهم وجدَت شذوذاً في التفكير والسلوك،وانحرافاً عن الحقوقِ التي تحتاجُها المرأة فعلاً من كرامةٍ وصيانة فاختصروا حقوق المرأة بقيادةٍ للسيارة أو بكشفٍ للوجه أو بمشاركتِها في السياسة والفن والسفر بلا محرمٍ وإلغاءِ قوامةِ الرجل..فأين ذلك من مصلحة المرأة؟!إلا أنهم أرادوا بمطالبتهم تلك سلبها قيمتها،والحرةِ عزتَها،والعفيفةَ عفافَها وشرفَها وهذا ما آلت إليه دعواتُ التحريرِ في عددٍ من البلدانِ التي اختصرَت المرأةَ في استغلالِِ مفاتنهِا والتلاعبَ بالأعراض..إننا نرى إكراماً للمرأة لدينا برعايتهم وخدمتها،ثم يأتي من يختصر كل ذلك بهذه المطالبات،رغم أننا لا ننكر أن هناك على قلتهم من يهين المرأة ويغتصب حقّها وهذا مما ينبغي علاجه
وفي خطبة الوداع قال صلى الله عليه وسلم(وقد تركتُ فيكم ما لن تضلُّوا بعدَه إن اعتصمتُم به كتاب الله))إن الذي خلقَ الإنسانَ أعلمُ بما يصلحُه ويحقّقُ سعادتَه،ألا وهو الاعتصام بالكتاب والسنة،قال تعالى(إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ))أي يهدي للتي هي أقوم في شؤون المعاملات،ويهدي للتي هي أقوم في شؤون القضاء،ويهدي للتي هي أقوم في شؤون الحكم والسياسة، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون المال والاقتصاد، ويهدي للتي هي أقوم في شؤون التربية والتعليم، ويهدي للتي هي أقوم في الأخلاق، قال تعالى(مَّا فَرَّطْنَا في ٱلكِتَـٰبِ مِن شيء))فمن أراد العزةَ ففي هداية القرآن(وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ))ومن كان يريد الأمن والسلام ففي هداية القرآن((ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ))ومن أراد الرخاء الاقتصادي وتجنب الغلاء والتضخم ففي هداية القرآن(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ))وفي القرآن مبادئُ الكرامة الإنسانية،وتقريرُ حقوق الإنسان،(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً))ومنذ كان المسلمون السابقون والسلف الصالح يأخذون أنفسَهم بتعاليم القرآن كانوا أئمةً يهدون الناسَ بأمرِ الله،أقامُوا دولة الإسلام الرحيمة،ومنذ تخلُّوا عن هذه الآداب صارُوا شِيَعاً وأحزاباً يضربُ بعضهم رقاب بعض،ويلعن بعضهم بعضاً،وهذا ما حذّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع،((ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))ومنذ تركوا هذه الهداية،ضاعت المقدسات،وانتهكت الحرمات،وسالت الدماء هينة رخيصة..وأصبح يُنال من شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاته الرسمية من خلال حربٍ إعلامية شعواء تعتمد على الكذب والافتراء وليس هدفها معاجلة الأخطاء..
هذه خطبةُ الوداع نداءٌ يُوجَّه إلى أُمةِ الإسلامِ بمناسبةِ الحجِ،لتحقيق المراجعة المطلوبة،والاستقامةِ على الطريقِ،والاستجابةِ لنداءِ سيدِ المرسلين الذي كان يقول عندَ كلِّ معلومة((اللهم هل بلغت اللهم فاشهد وحين قال لهم فما أنتم قائلون إن سُألتم عني قالوا نقول:نشهدُ أنَّك قد بلغتَ وأديت ونصحَت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات](( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ))أقول ما تسمعون .....
الخطبة الثانية
الحمد لله وحد ه والصلاة والسلام على من لا نبي بعده و بعد..
فاتقوا الله معاشر المسلمين،واعلموا أنكم مقبلون على أيامٍ فاضلة هي أيام عشر ذي الحجة روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ!وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟!فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،إَِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ))أخرجه الترمذي.وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن عشر ذي الحجة هي المقصودة في قوله تعالى(وَالفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ))وقد قال ابن كثير:"وبالجملة فهذه العشر قد قيل:إنها أفضل أيام السنة،كما نطق بذلك الحديث،وفضّله كثير على فضل عشر رمضان الأخير؛لأن هذا يُشرع فيه ما يُشرع في ذلك من الأعمال الصالحة من صيام وصدقة وغيرها،ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه". إخوة الإيمان،إن الأعمال في هذه العشر تتنوع ما بين صدقةٍ وتوبةٍ نصوح وإكثارٍ من التحميد والتهليل والتكبير،كما أن فيها الأضحية والحج،يقول صلى الله عليه وسلم(ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهنَّ من هذه الأيام العشر،فأكثروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد)) رواه أحمد..فلنحرص على الإكثار من ذكر الله فيها بالتكبير في الطرقات والمساجد والبُيوت،وهو التكبير المطلق،والذي من صفاته:[الله أكبر الله أكبر،لا إله إلا الله،والله أكبر الله أكبر،ولله الحمد]والجهر بذلك وإعلانه.وهكذا جاء عند البخاري أنَّ أبا هريرة وابن عمر رضي الله عنهما كانا ينزلان إلى السوق،فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما..وهذه سنةٌ واردة،وبالأخص يوم عرفة،لما له من الأجر العظيم،كما جاء عند مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال:سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة،قال(يكفر السنة الماضية والباقية))..كما أن السنة قد دلت ـ يا رعاكم الله ـ على أن من أراد أن يضحي وقد دخلت عليه العشر فلا يأخذ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئًا حتى يضحي،كما جاء عند مسلم في صحيحه وهي سنة لا تمنع من الأضحية وأجر الأضحية تام بإذن الله
عباد الله،صِلوا الأرحام،وأحسنوا إلى الوالدين والإخوان في هذه الأيام،وأكثروا من الإحسان إلى الفقراء،وعمّروا لياليها بطلبِ علمٍ أو قيامِ ليلٍ تكونوا من الفائزين بإذن الله..اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أرض الشام سدد رميهم واجمع كلمتهم وتقبل شهداءهم, اللهم أرنا في الطاغية وأعوانه عجائب قدرتك اللهم لا ترفع له راية واجعله لمن خلفه عبرة وآية..اللهم احفظ على بلادنا أمنها واستقرارها ..

 0  0  798
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 10:12 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.