أيها المسلمون...نفتتح عاماً هجرياً جديداً يذكرنا بسيرة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابـه التي نقف على وقائعها لاسيما في الأزمات نتحدث عن قصة الهجرة لنطبقه على ما نراه من أحداث في غزة و نقتدي من خلالهـا برسولنـا في إيمانه وصبره وفي جهاده وأخلاقه وفي ثباته وتضحيته وفي صفاته كلها فالعقيدة أغلى من الأرض و التوحيد أسمى من الديار ..
جاءت هجرته رسول الله r بعد الرسالة بثلاثة عشر عاما، بعد أن جاهد من أجل إبلاغ دين الله سبحانه ومن أجل أن يهديَ قومه والناس إلى طريق الله سبحانه صابرا محتسبا، يُؤذى في سبيل الله ويرى أصحابه يؤذون ويعذَّبون ويقتلون ولا يزداد مع ذلك إلا صبرا ويقينا وطاعة لله سبحانه، وقد جاء الإذن بالهجرة إلى يثرب بعد أن بايع سكانها الأوس والخزرج رسول الله rعلى الإيمان وعلى حمايته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم وكان ذلك حين جاؤوا مكة حاجين فكانت هذه البيعة مقدمة للهجرة المباركة.
أذن الله لنبيه بالهجرة بعد أن أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يبلغ رسالة ربه ويدعو إليه على بصيرة فلم يجد من أكثر قريش وأكابرهم سوى الرفض لدعوته والإيذاء الشديد له و لمن معه حتى آل الأمر بهم إلى تنفيذ خطة لقتله r ..
اجتمع كبراؤهم في دار الندوة وتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله rحين رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة وأنه لا بد أن يلحق بهم ويجد النصرة والعون من الأنصار الذين بايعوه وحينئذ تكون له الدولة على قريش فقال عدو الله أبو جهل: الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا ثم نعطي كل واحد سيفا صارما ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف - يعني عشيرة النبي - أن يحاربوا قومهم جميعا فيرضون بالدية فنعطيهم إياها.
يا طيريداً ملأ الــــدنيا اسمُه و غدا لحناً على كلِّ الشفاه
وغدت سـيرته انشــــودةً يتلقـــاها رواة عن رواه
ليت شعري هل درى من طاردوا عابدوا اللات و أتباع مناة
طاردت في الغار مـــن بوأها سؤدداً لا يبلغ النجم مداه
و هكذا يخطط أعداء الله للقضاء على رسول الله وبهذا القدر من المكر والخديعة ولكنهم يمكرون ويمكر وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين فأعلم الله نبيه r بما أراد المشركون وأذن له بالهجرة وكان أبو بكر قد تجهز من قبل للهجرة إلى المدينة و حينما يستأذن النبي r يقول له : ((على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي)) فتأخر أبو بكر رضي الله عنه ليصحب النبي r. تروي عائشة رضي الله عنها: فبينما نحن في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة في منتصف النهار إذا برسول الله rعلى الباب متقنعا فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر فدخل النبي عليه الصلاة والسلاموقال لأبي بكر: ((أخرج من عندك)) فقال: إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي فقال النبي r: ((قد أذن لي في الخروج)) فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله قال: ((نعم)) تقول عائشة فبكى أبي من الفرح ، رضي الله عن أبي بكر الصديق و أرضاه يبكي من الفرح لأنه يرافق رسول الله صلى الله عليه و سلم في رحلة للمخاطر قد تذهب بها روحه .. فقال أبو بكر يا رسول الله: فخذ إحدى راحلتي هاتين فقال النبي عليه الصلاة و السلام : ((بالثمن)) عن عبد الله بن عديّ بن حمراء الزّهريّ أنّه قال: رأيتُ رسول الله rواقفًا على الحَزْوَرَة فقال: ((والله، إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت)) و في رواية أنّه عليه الصلاة والسلام رسول الله قال لمكّة لما هاجر : ((ما أطيَبَك من بلدٍ وأحبّك إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ))
قال ابن إسحاق: فلما كانت عتمة من الليل اجتمع المشركون على بابه يرصدونه متى نام فيثبون عليه.. فأتى الفدائي علي بن أبي طالب رضي الله عنه لينام مكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمام أعينهم و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم موقناً بربه واثقاً بأمله من بيته يذر على رؤوسهم التراب وهو يتلو قوله تعالى: } وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَـٰهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ { [يس:9].
و إذا العناية لا حظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ
ثم خرج رسول الله r وأبو بكر فأقاما في غار جبل ثور ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وكان غلاما شابا ذكيا واعيا فينطلق في آخر الليل إلى مكة فيصبح مع قريش فلا يسمع بخبر حولهم إلا وعاه حتى يأتي به إليهما حين يختلط الظلام فجعلت قريش تطلب النبي r من كل وجه وتسعى بكل وسيلة ليدركوه حتى جعلوا لمن يأتي بهما أو بأحدهما ديته مائة من الإبل ولكن الله كان معهما يحفظهما بعنايته ويرعاهما برعايته ومن كان الله معه حتى إن قريشا ليقفون على باب الغار فلا يرونهما. قال أبو بكر رضي الله عنه قلت للنبي r ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا فقال: ((لا تحزن إن الله معنا ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)) و كان أبو بكر يدخرون الغار بيديه و رجليه خشية أن يخرج شيء يؤذي رسول الله r. حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين إلى المدينة على طريق الساحل فلحقهما سراقة بن مالك المدلجي على فرس له فالتفت أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال النبي r: ((لا تحزن إن الله معنا)) فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله r غاصت يدا فرسه في الأرض حتى مس بطنها الأرض وكانت أرضا صلبة فنزل سراقة وزجرها فنهضت فلما أخرجت يديها صار لأثرهما عنان ساطع في السماء مثل الدخان قال سراقة: فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله r فناديتهم بالأمان فوقف ومن معه فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع وقال للنبي r : إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك. فقال: ((لا حاجة لي في ذلك)) وقال: ((أخف عنا)). ووعده بسواري كسرى فرجع سراقة وجعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده وقال: كفيتم هذه الجهة فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر رجل ينطلق على فرسه طالبا للنبي r وصاحبه ليظفر بهما فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار فلم ينقلب حتى عاد ناصرا معينا مدافعا يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من إبله وغنمه ويرد عن جهتهما كل من أقبل نحوها وهكذا كل من كان الله معه فلن يضره أحد وتكون العاقبة له.
ولما سمع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار بخروج رسول الله r إليهم كانوا يخرجون صباح كل يوم إلى الحرة ينتظرون قدوم رسول الله r وصحبه حتى يطردهم حر الشمس فلما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله r وتعالى النهار واشتد الحر رجعوا إلى بيوتهم وإذا رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة ينظر لحاجة له فأبصر رسول الله r وأصحابه مقبلين يزول بهم السراب فلم يملك أن نادى بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم يعني هذا حظكم وعزكم الذي تنتظرون فهب المسلمون للقاء رسول الله r معهم السلاح تعظيما وإجلالا لرسول الله r وإيذانا باستعدادهم للجهاد والدفاع دونه رضي الله عنهم فتلقوه مستبشرين بظاهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين ونزل في بني عمرو بن عوف في قباء وأقام فيهم بضع ليال وأسس المسجد ثم ارتحل إلى المدينة والناس معه وآخرون يتلقونه في الطرقات قال أبو بكر رضي الله عنه : خرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون: الله أكبر جاء رسول الله الله أكبر جاء محمد. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه شهدت يوم دخل النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فلم أرَ يوماً أحسن منه و لا أضوأ منه و إني لأسعى بين الغلمان وأنا يومئذ غلام والناس يقولون: جاء محمد جاء محمد. هكذا يردد الناس هذه الكلمات فرحا بمقدم رسول الله r الذي هو أحب الناس إليهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور . فيا له من مقدم ملأ القلوب فرحا وسرورا وملأ الآفاق بهجة ونورا ..كيف لا يفرحون بمقدم رجلٍ يجلب لهم العزة و الأخوة في دين الله و توحيده ..
فقدم رسول الله r المدينة وكل قبيلة من الأنصار تنازع الأخرى زمام ناقته وكل يقول: عندنا يا رسول الله في العدد والعدة والمنعة ورسول الله r يقول: دعوها فإنها مأمورة وإنما أنزل حيث أنزلني الله عز وجل. فلما انتهت به إلى مكان مسجده بركت فلم ينزل عنها حتى وثبت ورسول الله r قد أطلق لها الزمام فسارت غير بعيد ثم التفتت خلفها فعادت إلى مكانها الأول فبركت فقال النبي r: ((هذا إن شاء الله المنزل)) وكان هذا المكان لغلامين يتيمين فدعاهما رسول الله r فساومهما ليشتريه منهما فيتخذه مسجدا فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما وقال: ((أي بيوتنا أقرب))؟ قال أبو أيوب: أنا يا رسول الله هذه داري فقال له: ((فانطلق فهيئ لنا مقيلا)) ثم جاء عبد الله بن سلام وكان حبرا من أحبار اليهود فقال: أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بالحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني أسلمت فإنهم إن علموا به قالوا فيّ ما ليس فيّ فأرسل النبي r إلى اليهود فأتوا إليه فقال النبي r: ((يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق)) قالوا: ما نعلم ذلك قال


فاتقوا الله عباد الله واهجروا المعاصي لتقوموا بإحدى الهجرتين ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ومن اتقى وأحسن كان الله معه و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه : إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
تمر أمة الإسلام هذه الأيام بمرحلةٍ حرجةٍ وتجتاز منعطفاً خطيراً يمثل تهديداً لوجودها المادي والمعنوي بين أمم الأرض وبين شعوب العالم، ولابد للأمة أن تثبت وجودها، لابد للأمة أن تتدارك حالها حتى لا يكون ما تمر به في هذه الأيام سُبّة في جبين كل من ينتمي إليها، وحتى لا يستحي الإنسان من الإعلان على أنه مسلم أو عربي، ولن يكون تدارك حال الأمة إلا بالرجوع إلى خالقها ومولاها لطلب العون والنصر والتأييد منه، فلا ملجأ إلا إلى الله ولا ملاذ إلا إليه ولا مهرب إلا إلى الله ((وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ)) [آل عمران:126].
ماذا أقول و قلبي بات يعتصر مما يدور و ما يجري و يتفــطر
ماذا أقول و أعـماقي ممزقه و الصمتُ ران كأن الحال يحتضر
ماذا أقول و سمعي به صممٌ و العين تدمى و ماء العين ينحدرُ
نعتذر إلى الله نعتذر إلى التاريخ الذي يشهد علينا ..
عذراً يا غــزة..عذراً يا غـــزة
عذرا يا نزار ريان ويا أطفال غزة ويا من أريقت دماؤهم وهدمت منازلهم عذرا فالحياء يتملكنا والخجل يمنعنا...
غزة التي أهينت و أريقت دماؤها في التراب وتفرج القاصي والداني على اليهود، أحفاد القردة والخنازير وهم يقتلون الشيوخ والنساء والأطفال في فلسطين بدم بارد، ويهدمون المباني فوق رؤوس أصحابها ويدمرون المؤسسات والمساجد، بكى الأطفال وذهل الشيوخ واستنجدت الحرائر الطاهرات و الزوجات و الأمهات وهن يواجهن صلف ورعونة وفحش الصهاينة، ولكن لا مجيب بل إنهم محاصرون من دول الجوار فأين الدين ؟! أين نخوة العرب؟! أم أن حسَّ الكرامة انطفأ و لو كان سهماً واحداً لا تقيته و لكنه سهمٌ و ثان و ثالثُ ومن يهن يسهل الهوان عليه فالجرح بميت إيلام...
جرح غـزة يدمى على مرأى منا و الله المستعان ..تجري دماء المسلمين كأنها نهرٌ يشقُ مساره لا يركد ..
عاث اليهود عليهم لعائن الله - في فلسطين فسادًا، وازدادوا لما رأوا من هوان المسلمين طغيانًا وعنادًا. فهل عجزت أمة الإسلام أمة المليار أن تخمد شرذمة جبانة حقيرة، لو نفخت فيهم لطاروا كالفقاعة من هوائها، ولو بصقت عليهم لغرقوا في مياهها؟! لكن:
تسعة الأصفـار تبقى أمة تلهو وتلعب
أَدُمى نحن؟! رجـال من عجين نتقولب
أم ظهور ومطايا كل من يرغب يركب؟!
دمُنا يرخص كالماء ولا كالْمـاء يُشرب
إن تكن تعجب من كثرتنا فالجبن أعجب
قد يخيف الذئب من أنيـابه مليار أرنب
إن اليهود قوم مكر و خداع كما وصفهم الله و كما رأينا موقفهم مع عبد الله بن سلام حينما أسلم .. و إن صراعنا مع اليهود صراع عقدي، وأكبر جريمة في هذا العصر أن يبعد القرآن الذي حدد صفات اليهود و تعاملهم حتى مع الله ! عن ساحة المعركة، ولن تتذوق الأمة طعم العز وتشرب كأس النصر إلا إذا وضعت القرآن منهاج حياتها وحكماً فيصلاً في جميع شؤونها وعلاقتها مع الأعداء والأصدقاء، ولما نُحِّي القرآن جانباً تجرعنا مرارات الذل، حتى الشجب والاستنكار حرمنا منه..
لـمَّا أبعدنا القرآن عن ساحة المعركة مع العدو أهاننا العدو، نقبّل يديه فيركلنا برجليه، نقبل رأسه فيبصق في وجوهنا، نقول له: أنت راعي السلام. فيقول لنا: أنتم إرهابيون خاضت حماس كل ما طلبوه منها دخلت الانتخابات وأقامت الحكومة وخاضت اللعبة السياسية فعاقبوها بالحصار لأنها فازت بالتصويت ..حاربها الخونة الذين كانوا يقتاتون طوال السنين باسم الجرح الفلسطيني وصار بها كل من لا يريد دولة إسلامية بالجوار .. أما أمريكا راعية السلام فها هي ثمار سلامهم نراها في غزة ..أين عدالتهم التي ينادون بها ؟ كيف زال قناعهم عن وجه قبيح يمتلئ حقداً على المسلمين .. هاهي ثمار بوش و زبانيته أخزاه الله في غزة و العراق و بلاد الأفغان ..رأينا سلامهم قذائف على رؤوس الأبرياء .. و انعداماً للأمن و حصاراً عن أبسط و سائل العيش و مولاة لليهود قال تعالى } وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى ٱلأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ { [الأنفال:73]. و نحن نواليهم و ربنا يخاطبنا بقوله } يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ {
أمن يهودٍ تريدون السلام لـــكم أين السلام و هم ليست لهم قيمُّ
فالشر منطقهم و الغــدر شيمتهم و الخبث ديدينهم إن العداة همُ
ثم أيها المسلمون، إن الدين دين الله، والأرض لها يورثها من يشاء من عباده، وليس سبحانه عاجزًا عن أن يرسل على يهود ومن أعانهم جندًا من جنوده يبيدهم ويفنيهم، لكنه سبحانه يُكرم من يشاء بخدمة هذا الدين ونيل شرف نصرته، فإن أبى الجيل استبدل قومًا غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم ..وإن يكن من خير نرجوه مثل هذا الحدث فهو أنها اذكت روح المقاومة والجهاد وعدم اقتناعها بالسلام الكاذب...
عباد الله ما أحوجنا و نحن في هذا الزمن ..زمن الهزائم و الانكسارات و الجراحات إلى تعلم فن صناعة ألأمل ..و كم كان في هجرة النبي r الأمل الكبير في بعث دين الله من جديد..
فمن يدري ؟ ربما كانت هذه المصائب باباً إلى خيرٍ مجهول ، و رب محنة في طيها منحة أو ليس قد قال الله تعالى } و عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم {
إن اليأس و القنوط ليسا من خلق المسلم قال } و لا تأيسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله إلا القوم الكافرون {
و لنا في مناظر صبر هؤلاء الأبطال في غزة و فلسطين وثباتهم ما يؤيد ذلك ..
و لا بد أن نعلم إخوتي أن هؤلاء الصهاينة المعتدين و الصيبين المحتلين لا ينفع معهم السلام الهزيل المشروط بل لا بد من جهادٍ و مقاومة تعيد العزة و الكرامة و تحرر الأرض و المقدسات و الله ثم و الله ما أصابنا هذا الذل و الهوان إلا حين تركنا الجهاد أو قام بتشويهه فئة من الغلاة المكفرين صورة الجهاد ..أصابنا الهوان حينما رضينا أن يسمى الجهاد المشروع تطرفاً و إرهاباً ..و ضيقنا على الجمعيات الخيرية و أموالها رضوخاً لهؤلاء الصهاينة الصليبيين و صدق رسول الله r } إذا تبايعتم بالعينة و اتبعتم أذناب البقر ورضيتم بالذل و تركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تحدثوا توبة {
و الهزيمة هزيمة الإيمان في القلوب و ضياع الكرامة من النفوس .. }و إن تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئا {إن العين لتدمع وان القلب ليحزن على هذا الذل الذي نعيشه .. نرى صور الأطفال والرجال والنساء ودمائهم وبيوتهم المهدمة يصرخون بلا مجيب ينادون بلا سماع آآه من حرقة في القلب لهذه المناظر المفجعة والصور الدامية ماذا فعلنا لهم ماذا قدمنا لهم
ثم رسالة إلى قادتنا و زعمائنا في عالمنا الإسلامي وهم الذين يقع على عاتقهم الكثير أننا بقدر ما نُرضي الله و نحكم بشرعه بقدر ما يوفقنا ويسددنا سبحانه، بقدر ما نعتز بديننا وانتمائنا بقدر ما ننصر، وبقدر ما نتبع أهواءنا وسنن وعادات الذين كفروا بقدر ما نخذل ونذل، فعندما كان رجال من هذه الأمة مخلصين لربهم وحريصين على مصالح قومهم كتب الله على أيديهم الفتح وأيدهم بنصره، ففي مثل هذه الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية كان الصليبيون في القرن السادس الهجري يعيثون فساداً في بيت المقدس، وجاءت رسالة إلى صلاح الدين مكتوبة على لسان المسجد الأقصى تقول هذه الرسالة:
يـا أيها الملـك الـذي لمعالم الصلبـان نكـس
جاءت إليك ظلامــة تسعى من البيت المقدس
كـل المساجد طهرت وأنا على شرفـي أنجس
فانتفض صلاح الدين وجدّ ونسي الهزل، ونذر نفسه لتخليص الأقصى من براثن الصليبيين، فأعلنها حرباً لإعلاء كلمة الله وإنقاذ مقدسات المسلمين و نشر العلم و حلقاته وكتب الله على يديه النصر، وبقي الأقصى معززاً مكرماً إلى أن عاد المسلمون إلى اللهو والعبث وتركوا تعاليم دينهم وراءهم ظهرياً، واستبدلوا بالإيمان النفاق، وبالسنة البدعة، وبمكارم الأخلاق سفاسفها، عندها و صلنا إلى هذا الهوان و المذلة حتى الاستنكار و التنديد و فتح المعابر يستكثره بعض زعماؤنا و لا حول و لا قوة إلا بالله ..
ثم يجب إخوتي ألا نغتر بمن يتاجر بقضايانا كهؤلاء الرافضة و زعمائهم و آياتهم الذين ما كان تاريخهم القديم و الحديث إلا خنجراً في خاصرة المسلمين و تمكيناً للعدو و جعجعة إعلامية لا تفيد القضية و إلا ماذا فعلوا للجولان و في لبنان و كيف توالوا الصليبين في العراق و بلاد الأفغان ..
و إن كنا نأسف على دورٍ ضعيف لعددٍ من علماء المسلمين و هيئاتهم العلمية و جامعاتهم الإسلامية التي غالباً ما تكون مشاركتها ضعيفة و قراراتها شبه معدومة ..في مثل هذه القضايا المصيرية التي تهم المسلمين ..فترى بعضهم بعيدين كل البعد عن فهم هذه القضايا و استيعاب خطرها المحدق بديننا و أمتنا ..خلافاً لما يجب على العالِم الرباني الذي يشارك الأمة في جميع قضاياها العلمية و السياسية و الاجتماعية ..و هذا ما رأيناه في تاريخٍ عطر للإمام مالك .. و ابن حنل ..و العز بن عبد السلام ..و ابن تيمية .. وعمر المختار ..و عز الدين القسام ..
أما دورنا إخوتي فعظيم اتجاه ما يحصل فيجب ألا يكون حماسنا مجرد ردة فعلٍ لما يحصل لا تلبث أن تنطفئ جذوتها ..، فهمُّ المسلمين يجب أن يكون حاضراً دائماً ..في قلوبنا و عقولنا نعرف همومهم و قضاياهم و حاجاتهم ..و أنتم يا من منَّ الله عليكم بالمال قدموه لإخوانكم المنكوبين في غزة ..قدم دعمك لهم فهم في أمس الحاجة ..الندوة العالمية ..و هيئة الإغاثة ..كلها جهات رسمية تستقبل تبرعاتكم فالجهاد بالمال قدم في القرآن وهو ما نستطيعه .. وقد دعاكم ولي أمر هذه البلاد وفقه الله إلى حملة إغاثة لأهل غزة هذا اليوم فاروا الله من أنفسكم خيرا بدعم إخوانكم و حذارِ ثم حذارِ ممن يمارس طبع المنافقين بأن يخذل عن دعم إخوانه المسلمين بشتى الأوهام و الانتقادات التي لا تفيد فالوقت وقت نصرة و عمل و هذا أقل الواجب .
ثم عليكم إخوتي بالدعاء لنصرتهم هذا الدعاء الذي بخل به بعضنا في قنوته في صلاته أو في سجوده و نوافله ..فو الله لا نقاوم حرب الإبادة هذه ..و هذا التكالب العالمي وهوان المسلمين إلا باللجوء إلى الله و الإنطراح بين يديه نخلص له النية و نحدد الحاجة و الله المستعان و عليه و حده التكلان ..