الحمد لله له الحمد في الأولى و الآخرة نحمده و نشكره على نعمه الظاهرة و الباطنة و أشهدُ أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله هدى بإذنه ربه القلوب الحائرة صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين و سلَّم تسليماً أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى و توبوا إليه ..
أظلمت الدنيا و كانت نهاراً ..و اسودت الأجواء حتى باتت ظلاماً ، و اغبّر الهواء فصار تراباً فوجلت النفوس المؤمنة و خاف الكبير و الصغير و توقف المسير ..كل ذلك إخوتي بسبب ظلمتين أو ثلاثاً حلّت بنا في الأيام الماضية أرعبت القلوب كيف لا و الريح الصرصر العاتية عاقب الله بها أقواماً ..كيف لا نخاف ما حدث و كثيرٌ من الناس لا هون سائرون في غيهم أو لهوهم و كأن ما حدث لا يعنيهم في الوقت الذي كان بعضهم و لله الحمد يتنادون بالاستغفار و الآخرون يدعون العزيز الغفار (اللهم إنا نسألك خير هذه الريح و خير ما أرسلت إليه و نعوذ بك من شرها و شرِّ ما أرسلت إليه اللهم اجعلها رياحاً و لا تجعلها ريحاً )) كما ورد في الحديث ..كيف لا نخاف و هذه عقوبات الله تصيب الأمم حولنا من ريحٍ عقيم و خسفٍ أليم و زلزالٍ عظيم و غرق و خوفٍ لئيم و غير ذلك من آيات الله الكبرى و عقوباته العظمى التي يخوف بها عباده يا عباد فاتقون ..((فارتقب يوم تأتِ السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذابٌ أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون )) فناسب إذاً أن نقف مع هذا الحدث الذي مر بنا و أذهبه ربنا بهذه الأمطار العظيمة التي نسأل الله أن يبارك بها و ينفع فيها البلاد و العباد ..
عباد الله
إن في المشاهدة و المعاينة لعبرةً للمعتبرين ، و ذكرى للذاكرين ، إن مشاهدة و معاينةَ آياتِ الله الكونية العظيمة المخيفة لتغني عن و عظ الواعظين و تذكير المذكرين ، و نصح الناصحين ، إنها لأكبر زاجر ، و أبلغُ واعظ ، و أفصحُ ناصح .
إن هذه الآيات الكونية العظيمة المهيلة رسولٌ من رب العالمين ، يحذرُ الناس من غضب الله تعالى ، و ينذرهم بسخطه ،إنها تنبيء بغضب الرب ، و تنادي بسخطه ، نسأل الله السلامة و العافية .
إن هذه الزلازل المخيفة التي تصيب بلادنا و ديارنا من حين لآخر في هذه السنوات الأخيرة لتدعو كل مؤمن صادق في إيمانه أن يقف و قفة طويلة ، يحاسب فيها نفسه ، و يراجع فيها أعماله ، و يدقق فيها النظر فيما بينه و بين الله تعالى ، و في الذين بينه و بين عباد الله تعالى فليس بيننا و بين الله نسب حتى تكون هذه العقوبات لمن حولنا و نسلم نحن منها ما لم نطبق شرع الله العظيم و لا تحسبوا عباد الله أن هذه الفتن الزلازل ، و هذه البلابل و القلاقل ، و لا تحسبوا أنها تقع سدى ، و لا تظنوا أنها ظواهر طبيعية عادية كما يقوله المغفلون المغرورون المخدوعون الذين لبس عليهم بظاهر من العلوم و هم عن الآخرة غافلون ، الذين أمنوا مكر الله ، و زعموا رضاه ، ألم يسمعوا إلى الجبار عز وجل : أفأمن أهل القرى أن يأتيهم باسنا بياتنا و هم نائمون ((أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى و هم يلعبون )) أفأمنوا مكر الله فلا يأ من مكر الله إلا القوم الخاسرون )) أولم يسمعوا إلى قوله سبحانه (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير * و لقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير ))
فأولئك الذين لُبَّس عليهم و غُرَّر بهم نقول : اتقوا الله تعالى حق التقوى ، اتقوا الله و أسلموا له . و لا تنصبوا العداء و الحرب بينكم و بين الله عز و جل .
فإن الله سبحانه يا عباد الله ذو انتقام . إنه سبحانه قويٌ عزيز . إنه سبحانه فعال لما يريد ، و هو كل شيء قدير .إنه سبحانه شديد المحال .إنه لا يعجزه شيء في الأرض و في السماء و هو السميع العليم .إنه هو الرزاق ذو القوة المتين .
إنه سبحانه و تعالى : أهلك عادا الأولى ((و ثمود فما أبقى * وقوم نوحٍ من قبل إنهم كانوا هم أظلم و أطغى *و المؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى* فبأي آلاء ربك تتمارى )). وكم ضرب الله من مثل في القرآن يبين فيه العقوبات الإلاهية للشعوب و ألأمم التي جانبت شرع الله و حاربته .
أيها المسلمون يقول الله تعالى في كتابه الكريم ((وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كلِ مكان فكفرت بأنهم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما يكون يصنعون * و لقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون * ))في هاتين الآيتين الكريمتين ، يعرض القرآن الكريم ، مثلاً مضروباً ، مَساقاً للعظة و العبرة ، لقرية من القرى كانت تنعمُ بأمن و استقرار ، و طمأنينة و رغد من العيش ، يأتيها رزقها من كل مكان ، لا يعرف أهلها الجوع و الخوف ، و الفاقة و الحرمان ، فهم في أوج لذاتهم ، و غاية سعادتهم لكن أهل القرية المغفلين ، ظنوا أنَّ ذلك بسبب حسبهم على انتهاكِ محارم الله ، و تجاوزِ حدوده سبحانه ، مغتربين بإمهال الله لهم ، و صبره على انحرافهم و ظلمهم و بغيهم ، فبدلا من أن يشكروا ربَّهم ، و يعترفوا بإحسانه إليهم و تفضله عليهم و يلتزموا حدوده ، و يعرفوا حقوقه ، إذا بهم يتنكرون للمنعم العظيم ، و يتجرءون في سفه و غرور ، على العزيز الحكيم ، فماذا كانت النتيجة ، و ما النهاية و العاقبة ، بعد ذلك الإهمال ، و الصبر الجميل ؟! إن القرآن الكريم ، يختصر العقوبة المدمرة ، و النهاية الموجعة ، في كلمتين اثنتين ، ((فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ))
إذا فرغد العيش ، و سَعة الرزق ، يتحول في طرفِةِ عين ، و لمحة بصر ، جوعا يذهبُ بالعقول ، و تتصدعُ له القلوبُ و الأكباد ، و إذا البطون الملأ ، و الأمعاء المتخمة ، يتضورُ أصحابها جوعاً و يصطلون حسرةً و حرمانا ، و إذا ألأمنُ الذي كانوا يفاخرون به الدنيا ، و ينسون في عجب و غرور ، المتفضلَ به سبحانه ، و المنعم به جلَّ جلاله ، إذا به ينقلبُ رعباً و هلعاً ، لا يأمن المرءُ على نفسه و عرضِه فضلاً عن ماله و مُلكِه، فانتشر المجرمون و القتلةَ ، يسفكون دماءَ الناس ، و ينتهكون أعراضهم ، و يحوزون أموالهم ، و أصبح باطن الأرض ، خيرا من ظاهرها ، و تلك القرية البائسة المشؤومة ..
و القرآن الكريم ، حين يعرض بوضوح و جلاء ، مآل تلك القرية ، الظالم أهلها ، و يقرر أن ما أصابهم هو بسبب ما اقترفته أيديهم ، من التمردِ و الجحودِ ، و نكران الجميل ، حين يعرض القرآن ذلك كلِّه ، فهو إنما يخاطبنا نحن الحاضرين ، و يخاطبُ غيرَنا ، حتى يرثَ الله الأرض و من عليها.. يحذرنا أن نقعَ في ذات الخطأ ، الذي وقعوا فيه ، فنؤولُ لذاتِ المآل الذي آلوا إليه ، و لقد ذاقت هذه الأمة عبر تاريخها ألواناً من العقوبات المدمرة ، التي يشيب من هولها الوالدان ، و لولا أن الذي سطرها في كتبهم و نقل لنا أخبارهم في مصنفاتهم ، هم أئمة الإسلام المحققون ، كابن كثير و الذهبي ، و غيرهما ، لظننا ذلك ضرباً من الخيال و التهويل .
فإليكم طرفاً ، مما حدث لهذه الأمة إما نذر بالعقوبات أو تكفيراً عن السيئات لعلنا نتعظ و نعتبر ، و نلجأ إلى ربنا ، إذ لا ملجأ من الله إلا إليه .
سبعون ألفاً ، و في اليوم الثاني ، إحدى و سبعون ألفاً ، و في الثالث ثلاثةٌ و سبعون ألفاً ، و أصبحَ الناسُ في اليوم الرابع موتى إلا قليلٌ من آحاد الناس ، قال أبو النفيد ، و كان قد أدركَ هذا الطاعون ، قال : كنَّا نطوفُ بالقبائل و ندفنُ الموتى ، فلما كثروا لم نقو على الدفن ، فكنا ندخلُ الدارَ ، و قد مات أهلها ، فنسد بابها عليهم ، و في أحداث سنة تسع و أربعين و أربعمائة ، من الهجرة ، ذكر ابن كثير رحمه الله خبر الغلاء و الجوع الذي أصاب بغداد ، بحيث خلت أكثر الدور ، و سدت على أهلها الأبواب ، لموتهم و فناءهم ، و أكلّ الناسُ الجيفَ و الميتةَ ، من قلِّةِ الطعامِ ، و وجد مع امرأةٍ فخذُ كلب قد أحضَر ، و شوى رجلٌ صبية فأكلها ، و سقط طائر ميت ، فاحتوشته خمس أنفس ، فاقتسموه و أكلوه ، و ورد في كتاب من بخارى ، أنه مات في يوم واحد ، ثمانية عشر ألف إنسان ، و الناس يمرون في هذه البلاد ، فلا يرون إلا أسواقاً فارغة ، و طرقاتٍ خالية ، و أبواب مغلقة ، و جاء الخبر من أذريبيجان ، أنه لم يسلم من تلك البلاد ، إلا العدد اليسير جداً ، و وقع و باء بالأهواز و ما حولها ، حتى أطبق على البلاد ، و كان أكثر سبب ذلك الجوع ، فكان الناس يشوون الكلاب ، و ينبشون القبور ، و يشوون الموتى و يأكلونهم ، و ليس للناس شغل في الليل و النهار ، إلا غسلُ الأموات و دفنُهم ، و كان يدفن في القبر الواحد العشرون و الثلاثون ، و ذكر ابن كثير رحمه الله في أحداث سنة اثنتين و ستين و أربعمائة من الهجرة ، ما أصاب بلاد مصر ، من الغلاء الشديد ، والجوع العظيم ، حتى أكلوا الجيف و الميتة و الكلاب ، فكان الكلب يباع بخمسة دنانير ، وماتت الفيلة ، فأكلت ميتاتها ، و ظهر على رجلٍ يقتل الصبيان و النساء ، و يدفن رؤوسهم و أطرافهم ، و يبيع لحومهم ، فقتل و أكل لحمه ، و كانت الأعراب يقدمون بالطعام و يبيعونه في ظاهر البلد ، و لا يتجاسرون على الدخول ، لئلا يخطف و ينهب منهم ، و كان لا يجسر أحد أن يدفن ميته نهاراً ، و إنما يدفنه ليلاً خفية ، لئلا ينبش قبره فيؤكل ، و في سنة ثلاث و تسعين من جمادى الآخرة ، أتى عارض يعني سحاب- فيه ظلمات متكاثفة ، و برق خاطفة ، و رياحٌ عاصفة ، فقوي الجو بها ، و اشتد هبوبها ، فرجفت لها الجدران و اصطفقت ، و تلاقت على بعدها و اعتنقت ، و ثارت السماء و الأرض عجاجاً حتى قيل : إن هذه على هذه قد انطبقت ، و يحسب إلا أن جهنم ، قد سال منها واد ، و عاد منها عاد ، وزاد عصف الريح ، إلى أن أطفأ سرج النجوم ، و مزقت أديم السماء ، فكنا كما قال الله تعالى ((يجعلون أصابعهم في آذانه من الصواعق)) و يردون أيديهم على أعينهم من البوارق ، لا عاصم لخطف الأبصار ، و لا ملجأ من الخطب ، إلا معاقل الاستغفار ، و فر الناس ، نساءً و رجالاً و أطفالاً ، ونفروا من دورهم ، خفافاً و ثقالاً ، لا يستطيعون حيلةً و لا يهتدون سبيلاً ، فاعتصموا بالمساجد الجامعة ، و أذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة ، و بوجوهٍ عانية ، و نفوسٍ عن الأهل و المال سالية ، ينظرون من طرف خفي و يتوقعون أي خطب جلي ، و قد انقطعت عن الحياة علقهم ، و عميت عن النجاة طرقهم ، و وردت الأخبار ، بأنها قد كسرت المراكب في البحار ، و الأشجار في القفار ، و أتلفت خلقاً كثيراً من السفار ، (إلى أن قال ) ، و لا يحسب أحد أني أرسلت القلم محرفاً ، والعلم مجوفاً فالأمر أعظم ، و لكن الله سلم ، انتهى كلامه رحمه الله
أيها المسلمون :إن هذه العقوبات المهلكة و الكوارث المفجعة ، ليست ضرباً من الخيال و ليس فيها شيء من التهويل و المبالغة ، فالله يقول ((و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليمٌ شديد))لكن الذي نشأ منذ نعومة أظفاره ، في بحبوحةٍ من العيش ، لم يذق مرارة الجوع ، و طرفة عين ، حري به أن يعجب مما يسمع كل العجب ، لكن سلوا الآباء و الأجداد ممن بعضهم معنا الآن الذين اصطلوا بنار الجوع ، و لهيب الظمأ ، دهراً طويلاً و ارتعدت فرائصهم و قلوبهم من قطاع الطريق ، و عصابات السطو ، في وضح النهار ، يتضح أنه ليس في الأمر غرابة من قريب أو بعيد فاعتبروا يا أولي الأبصار .
أيها المسلمون
إن للعقوبات أسباباً كثيرة ، ورد ذكر بعضها في الكتاب و السنة ، و جامعها المعاصي و الذنوب و التكذيب و لإعراض أو التكفير عما وقع من الناس ، فمن أسباب العقوبات المدمرة ، و الفواجع المهلكة ، إقصاء الشريعة ، عن الحكم و التشريع ، أو تطبيقها على أضيق نطاق ، مع المنة و الأذى ، و الله يتوعد الأمة ، إن هي فعلت ذلك بالخزي و النكال في الحياة الدنيا ، و لعذاب الآخرة أشد و أبقى ، أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة و يومَ القيمة يردون إلى أشد العذاب و ما الله بغافلٍ عما تعلمون ..
و من أسباب العقوبات في الدنيا قبل ألآخرة ، إشاعة الفاحشةِ في الذين آمنوا ، و في ذلك يقول ربنا جل و علا ((إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ شديدٌ في الدنيا و الآخرة و الله يعلم و أنتم لا تعلمون ))
و من إشاعة الفاحشة الدعوة إلى الاختلاط ، و نزع الحجاب و إخراج المرأة من بيتها بشتى الدعاوى الباطلة و عرض الفساد و الفن الرخيص ، و بث السموم و ألأفكار المستوردة ، ننا لا يستطيع المقام لسرده ، و في ألثر ((و ما أعلن قوم الفاحشة ، إلا عمتهم الأوجاع و الأسقام التي لم تكن في أسلافهم ))
و من أسباب العقوبات ، منع الزكاة ، تلك التي لو قام أثرياء المسلمين بأدائها ، لما و جدت بين المسلمين فقيراً و لا محتاجاً ، و اسمع إلى عقوبة الأمة ، حين تبخل بزكاة أموالها ، قال عليه الصلاة و السلام (وما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا)) و قد يستخف أقوامٌ بهذه العقوبة و يستطرفونها لأنهم اعتادوا تدفق المياه و وفرتها في بيوتهم ، لكنهم لو قلبوا النظر يمنة و يسرة ، في البلاد التي أصابها القحط و الجفاف ، لعلموا أنهم كانوا واهمين ، وعن الصراط لناكبين .
و من أسباب العقوباتِ كذلك : موالاة الكفار و التقربِ إليهم بالمودة و المحبة، وقد وضح القرآن الكريم أنه لا يتولى الكفار ، و يتقرب إليهم إلا منافق ظاهر النفاق قال تعالى ( بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً )) و قد حدثنا التاريخ عن عقوبات حصلت لبعض الأمم التي والت الكافرين ، كما حصل في بلاد الأندلس عندما ولى أمراء الطوائف النصارى ، فنفض الصليبيون البساط من تحت أقدامهم ، و ألقوا بهم في مزبلة التاريخ ، و أصبحت هذه البلاد ..حسرة في نفسِ كل مسلم ، حين يذكر ما فيها من حضارة و آثار للمسلمين ، ثم يذكر أولئك الأوباش ، الذين أضاعوا الفردوس المفقود ، بسبب ولائهم لأعداء الله و أعداء الإسلام و المسلمين .
و من أسباب العقوبات كذلك ، ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ،و الذي بتركه تستفحل الفاحشة و تعم الرذيلة ، و يستطيل الشر ، و تخرب البلاد و العباد ، و اسمع لعقوبة الأمة ، حين تتخلى عن فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، ففي المسند و غيره من حديث حذيفة رضي الله عنه قال عليه الصلاة و السلام ((و الذي نفسي بيده لـتأمرون بالمعروف ، و لتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم )) ألا فض الله أفواها ، و أخرس ألسناً وشك أقلاماً ، تريد لهذه الفريضة أن تموت .
و من أسباب العقوبات كذلك .انتشار الظلم في المجتمع ، و غياب العدل فيه ، فيأكل القوي الضعيف ، و ينهب الغني الفقير ، و يتسلط صاحب الجاه و المكانة على المسالم المسكين ، و حين تسود هذه الأخلاق الذميمة ،و الخصال المنكرة ، و تجد من يقول للظالم : أنت ظالم ، فقد آن أوان العقوبة ، و اقترب أجلها لو كانوا يفقهون . فعند الترمذي و أبي داود قال عليه الصلاة و السلام (إن الناس إذا رأوا الظالم ، فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ))
و من أسباب العقوبات ، فشو الربا و انتشاره ، حيث تعاطاه الكثيرون ، و ألفه الأكثرون ، و قل له الناكرون ، و الله يقول : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و يقول سبحانه : يمحق الله الربا و يربي الصدقات و الله لا يحب كل كفارٍ أثيم ))و ذهاب بركة المال ، و محق عائده و نتاجه ملموس مشاهد ، يعترف به المرابون و المساهمون بالربا ، ضمنا و تصريحاً ، و العالم الإسلامي اليوم يعاني الأزمات الاقتصادية الخانقة لتورطه بتعاطي الربا ، و إعراضه عن الشرع المطهر ، و استخفافه بالوعيد الإلهي لأكلة الربا ، و مدمنيه .
و من أسباب العقوبات كذلك ، ظهور المعازف و شرب الخمور ، و قد انتشر الغناء بين الناس حتى عد أمراً معروفاً ، و استمع يا رعاك الله إلى العقوبة المتعودة لأهله ، قال عليه الصلاة و السلام ((في هذه الأمة خسف و مسخ و قذف ))فقال رجلٌ من المسلمين : يا رسول الله ! و متى ذلك ؟ قال : ((إذا ظهرت القيان و المعازف و شربت الخمور )) و من أسباب العقوبات الإسراف و التبذير في المأكولات و المشروبات و البذخ في الزينات و الحفلات و كذلك قطع رحم القرابات ..
أيها المسلمون :
أسباب العقوبات كثيرة ، و الموضوع متشعب و طويل ، لكن الإشارة ما يغني عن العبارة ، و ما لا يدرك كله ، لا يترك جله .
و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..