• ×

10:36 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الدعاء

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله رب العالمين ، أمر بالدعاء ، ووعد بالإجابة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، توعد المجرمين بالعقاب، ووعد المتقين بالإثابة ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ..أما بعد فاتقوا الله عباد الله ..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ
إذا امتلأ القلب إيماناً، عرف صاحبُه ملجأَه ودواءَه ومفزعه وشفاءه. و الحياةُ قدطبُعت على كدرٍ، هموم وغموم، إلا أن الله تعالى لطيف بعباده رحيم بخلقه، فتح لهم باباً يتنفسون منه الرحمة، وتنزل به على قلوبهم السكينة والطمأنينة، ألا وهو باب الدعاء و الالتجاء إليه فالمؤمنون يلجؤون إلى حصن الإيمان وسلاح الدعاء، يدركون أن الخلائق فقراء إلى الله هَلْ مِنْ خَـٰلِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ
أَيُّهَا المُسلِمُونَ
لِلنَّاسِ حَاجَاتٌ هُم لها طَالِبُونَ، وَمَطَالِبُ إِلَيهَا يَطمَحُونَ، وَأُمنِيَّاتٌ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيهَا وَرَغَبَاتٌ يَسعَدُون بتَحقِيقِهَا، مَرِيضٌ يَرجُو الشِّفَاءَ أو حسن الخاتمة ، وَمُبتَلًى يَطلُبُ العَافِيَةَ، وَفَقِيرٌ يَأمَلُ الغِنى، وَمُضَيَّقٌ عَلَيهِ يَتَلَمَّسُ السَّعَةَ، وَثَمَّةَ مَهمُومٌ نَاءَت بِهِ المُشكِلاتُ، وَمَدِينٌ أَثقَلَت كَاهِلَهُ الحُقُوقُ، وَمَطلُوبٌ أَقَضَّ مَضجَعَهُ الدَّائِنُونَ، وَتَرَى كُلَّ هؤلاءِ يَتَلَفَّتُونَ يَمنَةً وَيَسرَةً وَيَتَفَكَّرُونَ، وَيَفزَعُونَ إِلى مَن يَظُنُّونَ فِيهِ خَيرًا، وَيُلقُونَ بِحَاجَاتِهِم إِلى مَن يَأمُلُونَ عِندَهُ قَضَاءً، وَكَثِيرًا مَا يَغفَلُونَ في هَذَا عَن بَابٍ وَاسِعٍ مِن أَبوَابِ الفَرَجِ، بَابٌ أَوسَعُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ، بَابٌ مَا طَرَقَهُ مُحتَاجٌ إِلاَّ قُضِيَت حَاجَتُهُ، وَلا وَلَجَهُ مُضطَّرٌّ إِلاَّ نُفِّسَت كُربَتُهُ، ذَكَرَهُ الكَرِيمُ في ثَنَايَا آيَاتِ الصِّيَامِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وَدَعَا إِلَيهِ الرَّحِيمُ عِبَادَهُ وَرَغَّبَهُم فِيهِ وَدَلَّهُم طَرِيقَهُ، يَقُولُ تعالى في ثنايا آيات الصيام: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ . فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَا أَكرَمَ الخَالِقَ وَأَقرَبَهُ وَأَرحَمَهُ! وَمَا أَغفَلَ الخَلقَ وَأَضعَفَهُم وَأَبعَدَهُم! يَدعُوهُم مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَيَفتَحُ لَهُمُ البَابَ وَيُرشِدُهُم لِلطَّرِيقِ، ثم يُعرِضُونَ عَنهُ وَيَذهَبُونَ إِلى غَيرِهِ، وَيَسلُكُونَ سُبُلاً لا يَدرُونَ مَا نِهَايَتُهَا، يُدَبِّجُونَ خِطَابَاتِ الشَّكوَى لِمَخلُوقِينَ مِثلِهِم مُحتَاجِينَ، وَيَنثُرُونَ مَاءَ الوُجُوهِ لَدَى مَن لا يَملِكُ لَهُم ضَرًّا وَلا نَفعًا، وَيُذِلُّونَ النُّفُوسَ أَمَامَ مَن لا يُغنِي عَنهُم قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا، وَمَعَ هَذَا لا يُكَلِّفُ أَحَدُهُم نَفسَهُ أَن يَجأَرَ إِلى اللهِ بِدَعوَةٍ، أَو يَرفَعَ إِلَيهِ كَفَّ ضَرَاعَةٍ، أَو يَهمِسَ إِلَيهِ في جُنحِ الظَّلامِ بِحَاجَةٍ.
فكم من بلية ومحنة رفعها الله بالدعاء، ومصيبة كشفها الله بالدعاء؟ وكم من ذنب ومعصية غفرها الله بالدعاء؟ وكم من رحمة ونعمة ظاهرة وباطنة استجلبت بسبب الدعاء؟ روى الحاكم والطبراني بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع فيما نزل وفيما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يـوم القيامة))
والدعاء قربة الأنبياء: إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ و لا يهلك مع الدعاء أحد، ولا يخيب من لله رجا وقصد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يَصْرف عنه من السوء مثلها)) قالوا: إذاً نكثر؟ قال: ((الله أكثر)) رواه الإمام أحمد والحاكم. وفي كتاب ربنا أكثر من ثلاثمائة آية عن الدعاء.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ
إن التضرع إلى الله، وإظهار الحاجة إليه، والاعتراف بالافتقار إليه، من أعظم عرى الإيمان، وبرهان ذلك الدعاء والإلحاح في السؤال.
طرقت باب الرجا والناس قد رقدوا
وبت أشكو إلى مولاي ما أجد

وقلت يا أملي في كل نائبة
يامن عليه لكشف الضرِّ اعتمدُ

وقد بسطتُ يدي بالذلِّ مفتقراً
إليك يا خيرَ من مُدَّت إليه يد

فلا تردنَّها يارب خائبةً
فبحرُ جودِك يروي كلَّ من يرد


الدُّعَاءَ عباد الله عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ وَقُربَةٌ جَلِيلَةٌ، لا يَدَعُهَا إِلاَّ عَاجِزٌ، وَلا يَغفَلُ عَنهَا إِلاَّ مَحرُومٌ، صَحَّ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: ((الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ))، وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ: ((يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى: أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني))، وقال : ((إِنَّ اللهَ تعالى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَستَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا صِفرًا خَائِبَتَينِ)).
وَإِذَا لم يَكُنْ رَمَضَانُ هُوَ شَهرَ الدُّعَاءِ وَفُرصَةَ الابتِهَالِ وَالنِّدَاءِ فَفِي أَيِّ شَهرٍ يَكُونُ ذَلِكَ؟! إِذَا كَانَ اللهُ حَيِيًّا كَرِيمًا يَستَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيهِ يَدَيهِ أَن يَرُدَّهُمَا صِفرًا فَكَيفَ بِمَن شَفَتَاهُ مِنَ الصَّومِ ذَابِلَتَانِ وَبَطنُهُ خَالٍ طَاعَةً لِرَبِّهِ وَقَدَمَاهُ مَصفُوفَتَانِ قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا؟! كَيفَ بِهِ إِذَا رَفَعَ كَفَّيهِ وَنَاجَى رَبَّهُ عَلَى تِلكَ الحَالِ؟!
فَهَلُمَّ ـ عِبَادَ اللهِ ـ إِلى اللهِ في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ، فَبَينَ أَيدِيكُم الثُّلُثُ الأَخِيرُ مِنَ اللَّيلِ و حين القيام ، حَيثُ يَنزِلُ رَبُّ العَالمينَ إِلى السَّمَاءِ الدُّنيا نُزُولاً يَلِيقُ بِذَاتِهِ سُبحَانَهُ، وَيُنَادِي خَلقَهُ: هَلْ مِن سَائِلٍ فَأُعطِيَهُ، هَل مِن مُستَغفِرٍ فَأَغفِرَ لَهُ، هَل مِن تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيهِ، هَل مِن دَاعٍ فَأُجِيبَهُ، وَفي هَذَا يَقُولُ : ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبدِ في جَوفِ اللَّيلِ الآخِرِ، فَإِنِ استَطَعتَ أَن تَكُونَ مِمَّن يَذكُرُ اللهَ في تِلكَ السَّاعَةِ فَكُنْ))، وَيَقُولُ عليهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((إِنَّ في اللَّيلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ خَيرًا مِن أَمرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعطَاهُ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ في كُلِّ لَيلَةٍ)). وَبَينَ أَيدِيكُم السُّجُودُ في الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ وفي قِيَامِ اللَّيلِ، وَأَقرَبُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِن رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَيَقُولُ : ((وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجتَهِدُوا في الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَن يُستَجَابَ لَكُم)). وَبَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَقتٌ لِلدُّعَاءِ المُستَجَابِ، يَقُولُ : ((إِذَا نَادَى المُنَادِي فُتِحَت أَبوَابُ السَّمَاءِ وَاستُجِيبَ الدُّعَاءُ))، وَيَقُولُ : ((الدُّعَاءُ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ مُستَجَابٌ، فَادعُوا)). وَفي آخِرِ سَاعَةٍ مِن يَومِ الجُمُعَةِ وَقتُ إِجَابَةٍ، قَال : ((يَومُ الجُمُعَةِ ثِنتَا عَشرَةَ سَاعَةً، مِنهَا سَاعَةٌ لا يُوجَدُ عَبدٌ مُسلِمٌ يَسأَلُ اللهَ فِيهَا شَيئًا إِلاَّ آتَاهُ اللهُ، فَالتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعدَ العَصرِ)).
فَيَا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ، أَينَ أَنتُم عَن هَذِهِ الفُرَصِ الكَبِيرَةِ لِلدُّخُولِ عَلَى مَلِكِ المُلُوكِ؟! وَاللهِ، لَو فَتَحَ مَلِكٌ مِن مُلُوكِ الدُّنيَا لِلنَّاسِ بَابَهُ يَومًا لِيَرفَعُوا إِلَيهِ حَاجَاتِهِم وَيَبُثُّوهُ شَكَاوَاهُم لَوَجَدتَ الزِّحَامَ عَلَى بَابِهِ كَثِيفًا، وَلأَلفَيتَ الحَاضِرِينَ إِلى قَصرِهِ لَفِيفًا، فَكَيفَ وَمَلِكُ المُلُوكِ هُوَ الذي يَفتَحُ البَابَ في كل ليلةٍ و دائماً ؟! كَيفَ وَهُوَ سُبحَانَهُ القَرِيبُ المُجِيبُ؟!
لا تسألـن ابن آدم شيئـا وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وابن آدم حين يسال يغضب
أَلا فَأَكثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ في شَهرِ البَرَكَاتِ، وَارفَعُوا إِلى اللهِ جَمِيعَ الحَاجَاتِ، وَأَلِحُّوا بِالمَسأَلَةِ في شَهرِ النَّفَحَاتِ؛ فَإِنَّ مَن أَكثَرَ طَرقَ البَابِ فُتِحَ لَهُ، وَرَبُّ العَالمينَ يُحِبُّ مِن عَبدِهِ أَن يُلِحَّ عَلَيهِ في الدُّعَاءِ، وَيَغضَبُ ممَّن تَرَكَ سُؤَالَهُ وَأَعرَضَ عَن رَحمَتِهِ، قال : ((إِنَّهُ مَن لم يَسأَلِ اللهَ يَغضَبْ عَلَيهِ))، وَاحذَرُوا العَجَلَةَ وَاستِبطَاءَ الإِجَابَةِ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ وَحُصُولِ اليُسرِ، فَقَد قال : ((يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ، يَقُولُ: دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي))، وَيَقُولُ : ((اُدعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ)).
إخوة الإسلام، لقد مر على الأمة أزمات وابتلاءات ومآزق، فكان اللجوء إلى الله هو سبيل النجاة، والله تعالى يبتلي الناس لترق قلوبهم، ويلجؤون إليه بصدق وتضرع: وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ولقد كان بعض المشركين الأوائل، إذ نابتهم النوائب واشتد عليهم الخطب، عرفوا أي باب يطرقون، وأين يلجؤون ويهرعون، فدعوا الله مخلصين له الدين، وهذه أمة الإسلام اليوم أحوج ما تكون إلى ربها ولطفه ونصره وعطفه، والله سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو وحده الذي يسمع دعاء الداعين أينما كانوا، وبأي لغة تكلموا، لا يشغله سمع عن سمع، ولا يتبرم بكثرة الداعين وإلحاح الملحين، هو سبحانه الذي لا تشتبه عليه الأصوات، ولا تختلف عليه الحاجات، يعلم ما في الضمائر وما تنطوي عليه السرائر، وهو الذي ينفع ويضر على الحقيقة، دون أحد من الخلائق.
يامن يرى مافي الضمير ويسمع ... أنت المــعدُّ لكل ما يتوقع
يامن يرجــى للشدائد كلها ... يامن إلـيه المشتكى والمفزع
يامن خـزائن رزقه في قول كن ... امنن فإن الخير عندك أجمـع
دعاء الله حبل ممدود بين السماء والأرض، يقدره حق قدره عباد الله المخلصون، هو الربح ظاهر بلا ثمن، وهو المغنم في الدنيا والآخرة بلا عناء، هو التجارة الرابحة، يملكها الفقراء كما يملكها الأغنياء على حد سواء، يتفاوت الناس في هذه العبادة بين مُقِل ومستكثر، بين حاضر القلب وشارد الذهن، بين خاشع متأمل لما يقول، وبين قاسي القلب لا يتأثر ولا يلين، وهو طريق للفلاح في الآخرة، وهو سبب من أسباب السعادة في الدنيا بإذن الله، ذلكم هو الدعاء بل هو العبادة، وهل علمت ـ أخا الإسلام ـ أن المقصر في الدعاء من أعجز الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)) هذا فضل الدعاء وأهميته.
وَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَلِمَاذَا تَركُ الدُّعَاءِ وَالانقِطَاعُ؟! لِمَاذَا الغَفلَةُ وَالإِعرَاضُ؟! لماذا رَفعُ الحَاجَاتِ لِغَيرِ اللهِ؟!
يَا مَرِيضًا عَبَثَ بِهِ الدَّاءُ وَالأَلَمُ، يَا فَقِيرًا استَبَدَّت بِهِ الدُّيُونُ، يَا مَهمُومًا، يَا مَغمُومًا، يَا مُحتَاجًا، يَا مُضطَّرًّا، أَينَ أَنتُم عَنِ الدُّعَاءِ؟! أَينَ أَنتُم عَنِ التَّضَرُّعِ؟! أَينَ أَنتُم عَن قَرعِ أَبوَابِ السَّمَاءِ في هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ؟! أَلا فَادعُوا اللهَ مُوقِنِينَ، وَالجَؤُوا إِلى الرَّحِيمِ مُستَسلِمِينَ، وَارغَبُوا إِلى الكَرِيمِ مُخلِصِينَ، اُدعُوا دُعَاءَ المُضطَّرِّينَ، وَأَلِحُّوا إِلحَاحَ المُحتَاجِينَ، فَوَ اللهِ لا غِنى لَكُم عَن رَبِّكُم طَرفَةَ عَينٍ، أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُم خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ .
أَتَهـزَأُ بِالدُّعَـاءِ وَتَزدَرِيـهِ وَمَا تَدرِي بمَا صَنَعَ الدُّعَـاءُ
سِهَامُ اللَّيلِ لا تخطِي وَلَـكِنْ لَهَـا أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ انقِضَـاءُ
اللهم أجب دعاءنا و رفع مسألتنا و استجب لنا يا أرحم الراحمين ((وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ))



الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده .. و بعد ..
إذا عرفنا أهمية الدعاء فلا بد أن نتعرف على آدابه فمنها أن يبتدئ الإنسان بحمد الله و الثناء عليه و سؤاله بأسمائه الحسنى و صفاته العظمى ..
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو ويقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحدا. فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد سألت الله تعالى بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)) رواه أبو داود ..و يختم الدعاء بالصلاة و السلام على رسول الله ففي صحيح الجامع (كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي ) و يختار الإنسان الأوقات المناسبة للدعاء في جوف الليل و دبر الصلوات المكتوبات و في الجمعة و السفر و غير ذلك ..
و من المهم حضور القلب و خشوعه و معرفة ما يدعو به عند الدعاء ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) و لا يقبل الله دعاء قلبٍ غافلٍ لاه .
كذلك يستقبل القبلة و يتيقن الإجابة و عدم التكلف فيه و عدم استعجال الإجابة و يبتعد عن أكل الحرام .. و حيث إننا هذه الأيام في رمضان فمن المناسب تذكر الأئمة و المصلين في قنوت الوتر بهذه الآداب للدعاء و عدم التكلف و الإطالة على الناس فتجد بعضهم يقصر القراءة في ركعات التراويح و يطيل في القنوت أولا يعتمد الدعاء المؤثر و هذا خطأ .
اللهم أنت نور السموات و الأرض و من فيهن و أنت قيوم السموات و الأرض و من فيهن أنت القابض الباسط .. الخافض الرافع .. المعز المذل .. الرحيم الرحمن .. نسألك اللهم رحمةً ترحمنا بها في رمضان و مغفرةً تغفر بها ذنوبنا ..و نسألك أن تعتق رقابنا من النار ..اللهم لا تعذبنا فأنت علينا قادر ..و لا تؤاخذنا بذنوبنا و لا بتقصيرنا يارب العالمين .
اغفر ذنوبنا ..و استر عيوبنا ..و تقبل صيامنا ..و اجعلنا فيه من المقبلوين ..اللهم استعملنا في طاعتك ..و أبعد عنا معصيتك ..اللهم أعز الإسلام و انصر المسلمين ..و احم حوزة الدين ..ووفق ولاة أمور المسلمين للحكم بشريعتك و القيام بطاعتك ..برحمتك يا أرحم الراحمين ..
و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين

 0  0  879
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 10:36 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.