الحمد لله من اعتصم بحبله و فقه و هداه ، و من اعتمد عليه حفظه و وقاه ، أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره ، و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و لا نعبد إلا إياه و أشهد أن سيدنا محمداً عبده و رسوله و مصطفاه ، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و التابعين و من سار على نهجه و هداه و سلم تسليماً ..
ففي يوم بدرٍ سار رسول الله فلما جاءَ أدنى ماءٍ من بدرٍ نزل عليه فقالالحبابُ بن المنذرِ : يا رسول الله أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه ولا نقصُرَ عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة فقال : " بل هو الرأي والحربُ والمكيدة " قال الحبابُ : يا رسول الله فإن هذا ليسَ بمنزلٍ ولكن انهض حتى تجعل الآبار كلَّها من وراءِ ظهركِ ثم غوِّر كل بئرٍ بها إلا واحداً ثم احفر عليه حوضا فنقاتلُ القومَ ونشربُ ولا يشربون حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله:" قد أشرت بالرأي " ففعل ذلك .
و ياله من موقفٍ عظيمٍ من رسول الله يَدْلُ على التواضعِ ، وقبولِ الرأي الصوابِ و الحوار و الشورى ..
أيها الإخوة المؤمنون..
إن المتأمِلَ لكثيرٍ من مشكلاتِنَا عند وقوعها وصعوبةِ حَلِها بعد وقُوعِها يجده راجعاً لفقد شيءٍ مهمٍ وأساسي في تعاملاتِنا فيما بيننا ألا وهو فقد الحوار و الاعتراف برأي الآخر ..
نعم .. الحوارُ والجدال بالتي هي أحسن الذي يكونُ سبباً بإذن الله لمعرفةِ المشكِلةِ ثم حَلِّها أو تلافي وقوعِها أصلاً.. الحوارُ الذي باتَ شِبهَ مفقودٍ في تعاملاتِنا شعوباً و ساسةً و علماءَ و مثقفين و أفراداً و أزوجاً و أُسراً و أقارب حتى بات منطق فرعون مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ منهجاً لكثيرنا في تعامله و حواره ..وما رأينا هذا الخلافَ والتنازُعَ الذي أصبحَ واضحاً بين العلماءِ في مسائلَ تَهُمُ الناسَ و عباداتهم أو تجاوزٍ لبعضِ الكُتَابِ في الصُحُفِ و الإعلامِ أو تَطاولٍ من عامةِ الناسِ على ثوابتِ الدينِ والمجتمعِ إلا لضعفِ فهمِ الدينِ وتطبيقهِ و مَعرِفَةِ فقهِ الواقعِ أولاً ثم لفقد الحوار والتفاهم الذي يوصلنا إلى الحقيقة و يهدينا إلى الحق ثانياً .. وحينما نَتَأملُ عدداً ِمنْ نُصُوصِ القرآنِ والسُنَةِ التي بُنيَت عليها العقائِدُ والأحكامُ تَجِدُهَا اتخذت الحوارَ مَنهجاً ربانياً للتطبيقِ والإقناعِ فهذا ربُّنا جلَّ وعلاَ يُحَاورُ الملائكةَ في اتخاذهِ خليفةً وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ -الآيات- وحتى إبليس حينما يرفض السجودَ يُحاورُه فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ
فالحوارُ منهجٌ شرعي و حقٌ لكلِّ صاحبِ رأي موافقٌ أو مخالفٌ و من يرفضُ الحوارِ و لا يطبقهُ يُخَالفُ السُنَنَ الربانية ..فالاختلافُ في آراءِ الناسِ ورؤاهم أمرٌ طبيعي و إن كان الأصلُ هو الحقُ و الائتلاف و عدمُ الاختلافِ ..لكننا ينبغي ألا نجعلَ من هذا الاختلافِ سبباً للتفرقِ و التنازع فالخلافُ بالرأيِّ مدامَ منضبطاً بأمور الشرعِ و الفطرةِ ولا يُفسدُ للودِ قضية فنحن نختلفُ في الطبائعِ و النظرةِ لكننا نفترق و نأتلفُ على الحقِ الذي يجمعنا ..
والحوارُ هو الوسيلةُ الأمثلُ للوصولِ للحقيقةِ ولذلكَ اتخذهُ الأنبياءُ في دعوتِهم ووسيلةً يتخذها المفَكِرِ والعالم ..
فهذا نوحٌ عليه السلام يجادلُ قومَهُ َقالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين
وكانت وصيةُ الله لنبيهِ محمدٍ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
وهذا يوسفُ يحاورُ صاحبي السجن مستغلاً مرافقته لهما و حينما سألاه عن الرؤيا فيقولُ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ و استمر عليه الإسلام يحاروهما في بيانِ عقيدةِ آبائهِ و أجدادهِ من الأنبياء بطريقةٍ مقنعةٍ و مؤثرةٍ على صاحبي السجن مقروناً بمنهجِ الأنبياءِ بثباتهِ على مبدئهِ و خُلُقِهِ و أمانتهِ و صدقهِ في معاملته ..
و هذا موسى عليه الصلاة و السلام يوصيه ربه اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
و يحاورهُ فرعون قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى
ويحاور الله من في قلبه شك بقدرة الله الذي مر على قريةٍ فأماته الله مائةَ عامٍ ثم بعثَهُ فحاورهُ حتى قال أعلمُ أن الله على كلِّ شيءٍ قدير ..
و يحاورُ نبيُّ الله سليمان الهدهد حتى يغيبُ مُعرفَ سببَّ غيابه و ناقشه و أرسله إلى بقليس بالرسالة
و قد ورد لفظ الحوار في القرآن في قوله تعالى فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ و قال تعالى قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ
وللحوارِ جوانبَ شتى منها دعوةُ الناسِ إلى الإسلامِ والسُنَةِ ودعوةِ من ضلَ عن سبيلِ اللهِ أو انحرفَ عن الحقِ وكذلكَ الحوارُ لفصلِ الخلافِ في أمورِ الاجتهادِ والوصولِ إلى الحقيقةِ فهي مطلبُ الجميعِ ..و للحوار أثرٌ إيجابي في تحصين النشئ عن الانحرافِ الفكري و له أثره في بناءِ العلاقاتِ و جمع الكلمة و نبذِ الفرقةِ و التنازع و له دوره في إعمال الفكرِ و التفكيرِ الذي أوصى به الله ..
إلا أن ذلكَ لا يمكنُ أن يتحققَ مالم يُصاحب الحوارَ قواعدَ مهمةٍ تَضبط هذا الحوارَ وتَجعلُ لهُ فائدةً و منفعة ..
أولها وأهمها تحديدُ نُقطةِ البيان أو الخلافِ فالحوار لا بد أن يكون له هدف و موضوع و رغبة في الوصول إلى النتيجة و ليس لقطع الوقت و تمضيته أو طلباًَ للإثارة ..ثم لا بد من إحسانِ الظنِ مِنْ كُلا الطرفين والابتعادِ عن إساءَةِ الظنِ تِلكُمُ الآفةُ التي أصبحت مصدراً لكثيرٍ من مشكلاتِنا اليوم ..و سَبَباً لبعضِ العدواتِ ..و انظراً مثالاً لحُسنِ الظنِ في تعامل الإمام الشافعي رحمه الله حيث كان يقول: "ما ناظرت أحداً قط إلا أحببت أن يُوفَّقَ و يُسدَّدَ و يُعان و يكون عليه رعايةٌ من الله و حفظ ، و ما ناظرت أحداً إلا و لم أبال بين الله الحقَ على لساني أو لسانه "
ولابدَ أن نعرفَ أن هناكَ أموراً لا يُقبلُ الخلافُ فيما بين المسلمينَ عليها وهي من الثوابتِ التي لا حِوارَ على إِثباتِها أو نفيها مع وُجودِ نصوصٍ شرعيةٍ وصريحةٍ وصحيحةٍ تثبتها و هذه النصوص هي مرجعنا في نقاشها .. وهذه النصوص هي مرجعنا في نقاشنا لكن الحوارَ في الفروعِ أو ما اختلفت النصوصُ وآراء العلماء عليه أما غير المسلمين فإن الحوارَ معهم يكونُ في جميعِ الجوانبِ التي تَردُّ على شبههم وبالجدلِ بالتي هي أحسنُ من غيرِ ضعفٍ أو تنازلٍ كما نراه يفعلُ معهم مِنْ يدعو إلى تَقَارُبِ الأديانِ و يعترف بديانتهم وبعضها وثني أبو بوذي يراه دينناً يعترف به فهذا لا يجوز فإن الدين عند الله الإسلام و الحوار مع أهلِ الكتابِ يكونُ كما وضحه الله جلَّ و علا قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
أيها الأحبة :
لابد للمحاورِ من التواضعِ قولاً وفعلاً وتجنُّب الإعجابِ بالرأيِّ والغرورِ فالتواضعُ في قبولُ الحقِ مِنْ أي أحدٍ وعدمِ ازدراءِ الآخرينَ لمظهرهم أو قِلةَ مكانَتِهِم أو حتى ضَعَفِ ديانتِهم وغير ذلكَ وصدقِ رسولِ اللهِ في قولهِ الكِبرُ بَطْرُ الحقِّ وغمطُ الناس كذلكَ من مهماتِ الحوارِ الإصغاءُ وحُسنُ الاستماعِ و عَدمُ رفعِ الصوتِ فبعضُ الناسِ لا يسمعُ لا نفسَه أو يرفعُ الصوتَ لحدِّ اللُجاجِ والمخاصمة وهذا ليس بحوار وانظر إلى حوالنبي مع عتاةِ المشركين َكيف يسمعُ مِنهم بِكُلِّ حُسنٍ وإصغاءٍ ثم يقولُ أفرغتَ يا أبا الوليد فيردُ عليه حجته بالقرآن ..
ولابد كذلكَ من العدلِ والإنصافِ وأن تبحثَ عن الحقيقةِ ومحبَتِها وليسَ البحثُ عن معايب الناسِ وزلاتِهم وكذلك أن تتركِ التعصُبِ لرأيكِ حتى ولو كانَ الحقُ معك كما تراه و تظنه ..فإن ذلك يؤثر على طرحكَ له واحترمِ آراءِ الناسِ واجتهاداتِهم فقد نَجِدُ البعضَ منا حينما يعتقدُ الحقَّ يريدُ فرْضَهُ على الناسِ من رأيٍّ أو مذهبٍ أو غيرِ ذلك وهذا لاشكَ أنه ليسَ لأحدٍ يروى عن الإمامِ مالكٍ رحمه الله " أنه لما ألِّف الموطأ , مكث أربعين سنةً يؤلِّفهُ وقُرئ عليه آلاف المرات , وعَرَضهُ على سبعينَ من العلماءِ فأقرأوه عليه وتعبَ فيه أيَّما تعب ومع ذلكَ لما بلغ الخليفةَ المنصور كتابَ مالك وأعجبَه , وقال : إننا نريدُ أن نُعَمِمَهُ على الأمصارِ , ونُأَمُرَهُم بإتباعِه , قال له الإمامُ مالك : لا تفعلْ رحمك الله سبقت منهم أقاويل , وسمعوا أحاديثَ ورووا روايات , وأخذَ كلُّ قومٍ بما سبقَ إليهم وما أتوا به , وعملُوا بذلك ودانُوا به , كل ذلك من اختلاف أصحاب رسول الله ثم من بعدَهم من التابعين , وردُّ الناس عما اعتقدوُه ودانوا به [يقصد المذاهب الفقيه الأخرى ]أمرٌ صعبٌ شديدٌ فدع الناسَ وما هم عليه ودْع أهلَ كلِّ بلدٍ وما اختاروا لأنفسِهم "
أيها الإخوة المؤمنون.
إننا إذا عَرَفْنا أهميةَ الحوارِ وما فائِدتُه لابد من الاهتمامِ بِهِ والعنَايةُ بتطبيقهِ لجميعِ ممارساتنا ولحلِ مشكلاتنا إلا أنَّ أهميةَ الحوارِ تَعظُمُ في و حلقات العلم مدارسنِا من خِلالِ التعلِيم وإصلاحِ الطلبةِ والطالباتِ و الوصولِ لتعليمٍ أمثل يفيدُ صاحبه و مجتمعه ..وذلك بأن يكونَ الشيخ و المعلمُ قدوةً صالحةً لهم في تقبُلِ الحوارِ والنقاشِ وجميعِ ما يُطرحُ من أسئِلةِ ويبني الثقةَ ويُعزِزُها بينهُ وبين تلاميذهِ ويدربَهُم على التآلفِ وتقبُلِ الحقِ مِنْ الآخرِ وحُسنِ التعامُلِ مع المخالفِ واتخاذِ قراراتِهِم بأنفُسِهِم وتحمُل مسؤولية أفعالهم خطأً كانت أو صواباً ..وتنميةِ روحِ المنافسةِ والمبادرةِ فيما بينهم ولن يتمَّ كلُ ذلكَ إلا بثقافةٍ مطبقةٍ للحوارِ في المدارسِ وحِلَقِ العِلِمِ التي تُعِدُّ التلاميذَ وتُخَرجُ لنا طلبة العلمِ الذينَ يُفقِّهونَ الناسَ في أمورِ دينهم في المسائلِ والنوازلِ في فهمِ واقعها والتطورِ العلمي الذي يناسب كلَّ عصرٍ ويلتزمُ بالثوابت ..
و على هذا كان علماءُ الأمةِ رحمهم الله في تربيتهِم لطلابِهم الذينَ ما فتئوا أن برزوا في الأُمةِ و أصلحوا أحوالها و غرسوا مبادئ عظيمة للحوار و الإصلاح ..
كذلكَ إخوتي فإنَ للحوارِ أهميةٌ كُبرى في منازلنا ومع أُسَرِنا الزوجُ مع زوجتِه والأمُ والأبُ مع أولادهِما والأقاربُ والجيرانُ فيما بينهم فإنَ هذا له أكبرُ الأثرِ بإذنِ اللهِ على التربيةِ وحُسنِ المُعامَلةِ ولِذلكَ رأيناها مَنهَجَاً..نبويا لرسول الله حين يأتِيهِ ذلكَ الشابُ بمشكلتهِ التي تؤرقه فيقولُ له يا رسول الله ائذنِ لي بالزِنا فيحاورهُ عليه الصلاةُ والسلامُ مُتَقَبِلاً لسؤالهِ و مشكلتِه التي يعيشُها ..أترضاه لأُمِكَ ؟ أو لأُختِكَ ؟ أو لبنتكَ ؟ وهو يقول لا حتى أقنعه بحرمة ذلك .
فنحنُ بالحوارِ مع أولادِنا لابدَ أن نقفِ على أخطائِهم ونُنَاقشها معهم ونُعَلِمهُم عاقبة تِلكَ الأخطاءِ ومخاطرِ العلاقاتِ المحرمةِ أو الصداقاتِ السيئةِ و نربيهم على ثقافةِ العملِ الجادِ و العلم النافع و طلب الرزق .. وكلٌّ حَسَبَ عُمرهِ فمحاورةُ الصغيرِ تختلفُ عن الكبيرِ و مع الأنثى غيرَ الذكرِ و هكذا .. و كثيراً ما يقع الابنُ أو الابنة في خطاءٍ يجر إليهِ لا يدركُ عاقبتهُ قد يكونُ سبباً لاستغلالِ أهلِ السوءِ لذلكَ الخطأ أو وسيلةً لابتزازهِ و الحوارُ معهم يُنهي جميعَ هذه المشكلاتِ قبلَ و قُوعِها و بَعد وقوعها بحلها و تخفيف ضررها ثم لا بدَ من حثِهِم أولاً وأخيراً على تقوى الله والمحافظةِ على الصلاةِ والارتباطِ بالمساجدِ وحِِلَقِ الخيرِ والتعليمِ والرِفقةِ الصالحةِ وعدمِ جَلبِ المحُرمِاتِ وتَهيئَتِهَا لهم بلا ضَوابِطَ ولا مَوانِع كما يفعلهُ بَعضُ الآباءِ و الأولياءِ هَداهُم الله .. فهذا كمن ألقاهُ باليم مكتوفاً وقال لهُ إياك إياك أن تبتلَ بالماء ..
إن للحوار أثرهُ الكبير في التربية و بناء المنازل و الأسرٍ على الحُبِّ و التفاهم و الإصلاح و التراحم ..
ويجبُ أن نحرصِ إخوتي على فهم نفسيةِ الأطفالِ وكيفيةِ تربيتهم والاستعانةِ بالمختصينَ في ذلك فما يصلحُ لجيلٍ قد لا يناسبُ الجيلَ الذي بعده فكما أن الأزمان تتغير فإن الأساليبَ تتطور و ليقترن حوارنا مع أولادنا و أسرنا بإظهارِ العاطفةِ الجياشةِ تجاه الأولاد و الزوجات وأن نُكثرَ من اللجوءِ إلى اللهِ بالدعاءِ لهم بالصلاحِ والهدايةِ وبالتوفيقِ بعد بذلِ السَبَبِ والجُهدِ و أكثر من ملاطفةِ المرأة والأولادِ فإن ذلك يَبثُ الحنانَ في الأسرةِ كما كان يفعلُهُ قدوتنا حينَ كانَ يُقَبِلُ الصبيانَ و يحملهم و يُراعي النساءَ و يعطفُ عليهم و يُطالبُ بالرفقِ بِهِنَ .. و إن ما نراهُ من مُشكلاتٍ أُسريةٍ بين الأزواجِ أو بينَ الآباءِ و الأُمهاتِ و الأولادِ أو بينَ الأقاربِ حتى و صلت إلى المحاكمِ و الشرط و لا حول و لا قوة إلا بالله كُل ذلك راجٌع إخوتي و لا شك إلى فقد الحوارِ و ضعفه فيما بينا أضف إلى ذلكَ ما تراه يظهر من تراشُقٍ و سِبَابٍ بات مُعلناً في الصحفِ و القنواتِ بين المثقفين تجاهِ أهل العلمِ أو خلافاتِ لا تورثُ إلا مزيداً من الفرقةِ و التنازع و إلا لو علميّةٍ توجد ممارساتٍ غريبةٍ على مجتمعنا جلسنا مع بعضنا البعض بكلِ صدقٍ و إخلاصٍ و حسنِ ظنٍ و تحاورنا حول المشكلةِ أياً كانت لاستطعنا بإذن اللهِ الوصولَ إلى الحلولِ المناسبة .. إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ..
كما أننا نَحتاجُ إلى تفعيلِ الحوارِ قَولاً و عَملاً في مؤسساتِنا الرسميةِ دُولاً و شُعوباً و مُؤسسات و ألا يكونَ حِوارَنا و تَشاورَنا شِعاراتٍ لا تُنفذ و مجالسَ لا تُطبق بل تكونُ وسيلةً لتطبيقِ أن أمرهم شورى بينهم كما فعله قدوتنا رسول الله مع صحابته فنسمع من الناس قولهم و شكايتهم لاسيما من ولاّه الله مسؤولية في عنقه تلقى عليهِ أن يسمعُ من الناسِ آراءِهم و حاجاتِهم و يُحاورهم لإصلاحها ..
و ما كان للظلمِ أن ينتشرَ و للطغيانِ أن يَستمِرَ و أن يبغي الباغونَ على الضعفاءِ و أن تضيعَ أموالُ الناسِ و الأُمةِ و مصالِحُهم إلا من جَراءِ فقدِ الحوارِ و التناصُحِ بالحسنى ..و لذلك رأينا أن أبا بكر الصديق حينما تولى الخلافة و عمر بن الخطاب جعلوا شعار و لا يتهم " فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأتُ فقوموني ..أطعيوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم "
نسأل الله جلا و علا أن يهدينا لأحسن الأخلاق و أن يجنبنا سيئها و أن يؤلف بين قلوبنا و يجمع كلمتنا على الحق و يبعد عنا التنازع و الشقاق و ما ساء من الأخلاق ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا
بارك الله لي و لكم في الفرقان العظيم ..و نفعنا و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
أيها الإخوة المؤمنون :
نعمة السيارات نعمة عظيمة من الله بها علينا في هذه الأزمان قربت البعيد و خدمت المحتاج و نقلت المسافر ..و لكن بهذه النعمة حينما تنقلب إلى نعمة في مجتمعنا ..نعم نعمة فقد بينت إحصائيات أجريت مؤخراً الأخطار الجسيمة الناتجة عن الحوادث المرورية التي تتزايد بإطرادٍ مذهل في بلادنا حتى أصبحنا ثاني بلد في العالم بكثرة حوادث السيارات مشيرةً إلى أن التهور في القيادة و عدم الالتزام بالقواعد المروية تأتي في مقدمة أسبابها .. كما أوضحت تلك الإحصائيات أن تكلفة تلك الحوادث بلغت عندنا ما يقارب تسعة و أربعين مليار ريال ..أي ما يعادل نحو 5% من الناتج المحلي و إذا تجاوزنا الخسائر المادية إلى الخسائر البشرية لرأينا أرقام ضحايا السيارات كضحايا الحروب و الأوبئة إذ يموت في كلِّ ساعة فردٌ واحد و يجرح أربعة منهم ضحايا تمثل شلل دائم و كل ذلك من تهاون الناس بهذه الوسيلة بالتهور بالقيادة و عدم اهتمام الشباب خاصة بقواعد المرور و الالتزام بالإشارة المرورية واحترامها
أيها الإخوة المؤمنون :
إن عامةَ أسبابَ الحوادثِ يمكن تلافيها بإذن الله ، و منها عدم تسليم السياراتِ لصغار السن و تجنب السرعةِ الزائدةِ عن حدِ السيطرةِ على المركبةِ.. ومنها أيضاً الصيانةُ الدوريةُ للمركبةِ وتعاهدها وتعاهد إطاراتها وعامة أمورها فهو أدعى للسلامة من الحوادث.
بالإضافة إلى الالتزام بالإشارات المرورية فما وضعت إلا لضبط السير وتلافي الحوادث، وأكثر الحوادث هو بسبب تجاهلها..وكذلك في إيجاد العقبات الرادعة لمن يخالف أنظمة المرور لا سما الشباب المستهترين فيتسبب لنفسه و غيره بالموت و الإعاقة ..
وأسباب السلامة كثيرة وأصحاب الاختصاص من رجال المرور وغيرهم يعرفون منها ما لا نعرف ويرشدون بما يرون أنه أدعى لإبعاد الناس على الحوادث ومن طلب أسباب السلامة وجدها، والعاقل من وعظ بغيره ..و المجنون من لم تنفعه المواعظ و تردعه الحوادث التي نراها هنا و هناك ..
نسأل الله أن يحفظنا من كلِّ شرٍ و سوء ..
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.