• ×

10:34 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

شهر القران

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله الكريم المنان، الذي أكرمنا بالقرآن،وجعله ربيعا لقلوب أهل البصائر والعرفان، ويسّره للذكر حتى استظهره صغار الولدان، محفوظ بحفظ الله من الزيادة والتبديل والنقصان، أحمده على ذلك وعلى غيره من نعمه التي لا تحصى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ننال بها الغفران، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى الآل والأصحاب والأعوان وسلم تسليما كثيرا أما بعد فاتقوا الله عباد الله ..
في ليلة السابع عشر من رمضان والنبي في الأربعين من عمره أذن الله عز وجل للنور أن يتنزل، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي r يقول له: اقرأ! فقال النبي r: ((ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ * ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلاْكْرَمُ  [العلق:1-3]. فرجع بها رسول الله r يرجف فؤاده)) رواه البخاري.وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الكريم في هذا الشهر العظيم.. فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء.
ومن قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولاً آخر، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر ]إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ( [القدر:1]. ]إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ( "وأي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن؟ نعمة لا يسعها حمد البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة ]ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا( [الكهف:1].
إنها منة الله على الإنسان في هذه الأرض، وشهد شهر رمضان هذا النزول الفريد لكتاب الله، فأصبح شهر القرآن ]شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ( [البقرة:185].

نعم السمير كتـاب الله إن له حلاوة هي أحلى من جنى الضـرب
به فنون المعاني قد جمعن فما تفتـر من عجـب إلا إلى عجـب
أمر ونهي وأمثال وموعظـة وحكمـة أودعت في أفصـح الكتب
لطائف يجتنيهـا كل ذي أدب وحكمـة أودعت في أفصـح الكتب
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كان رسول الله r أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) [متفقٌ عليه].
قال ابن رجب: دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له. [لطائف المعارف:354]. وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين. متفقٌ عليه.
قال رحمه الله: وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً مما يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر: ]إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً( [المزمل:6]. وقد كان للسلف رحمهم الله اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره.وكان الزهري إذا دخل رمضان يقول: إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام.. وكان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم.
وقال عبد الرزاق و سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.وكانوا يحرصون على كثرة ختم القرآن كل ثلاثة أيام في رمضان بل أقل ربما ختموه في يوم وليلة..
وروى البخاري في صحيحه، عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله r: ((وخيركم من تعلم القران وعلمه))، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها قالت: قال رسول الله r: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق، له أجران)) رواه البخاري ومسلم، وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله r يقول: ((اقرؤوا القران فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)) وعن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي r قال: ((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم.
أيها الأخوة.. القرآن مناط سعادتكم وهو المخرج من الفتن، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم، فأقبلوا على تعلمه وتعليمه وتلاوته والتفكر فيه، وعلموه أولادكم ونشئوهم على تلاوته وحبه حتى يألفوه ويتحلَّوا به، فيطهر أخلاقهم، ويزكي نفوسهم ويكونوا من حملة القران وأهله.
عباد الله .. إن أكثر الناس اليوم انشغلوا عن تعلم القرآن، فالكبار انشغلوا بالدنيا، والصغار انشغلوا بالدراسة النظامية في المدارس، التي لا تعطي لتعليم القرآن وقتاً كافياً ولا عناية لائقة ولا مدرسين يقومون بالواجب نحوه، وارع مما أدى إلى جهل بعضنا بالقرآن وابتعادهم عنه، حتى تجد أحدهم يحمل أكبر الشهادات الدراسية وهو لا يحسن أن يقرأ آية من كتاب الله على الوجه الصحيح ((يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا))
قال ابن كثير رحمه الله: "وترك تدبره من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدل عنه إلى غيره، من شعر أو قول أو غناء أو لهوأو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه".
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "هجر القرآن أنواع، أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وان قرأه وآمن به، الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه، الخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: ]وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً( وإن كان بعض الهجر أهون من بعض".و فضائل القرآن كثيرة قال r ((البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان)) رواه مسلم..وسورة البقرة وآل عمران تظللان صاحبهما يوم القيامة وقل هو الله احد تعدل ثلث القرآن.. وخير سورتين قرأهما الناس قل اعوذ برب الناس و قل أعوذ برب الفلق هكذا .. بين عليه الصلاة والسلام و الإكثار من القراءة مطلوباً في رمضان إلا أنه لا ينبغي أن يطغى على الفهم والتدبر، فلا يكن هم المرء كثرة الختم دون أن يعقل مما قرأ شيئاً.
وفي رمضان يجتمع الصوم والقرآن، فتدرك المؤمن الصادق شفاعتان، يشفع له القرآن لقيامه، ويشفع له الصيام لصيامه، قال r: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان)) رواه [أحمد]. وعند ابن ماجه عن ابن بريدة عن أبيه: قال r: ((يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول: أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك)).
"واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه، جهاد بالنهار على الصيام وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بحقوقهما وصبر عليهما وُفي أجره بغير حساب"
ومن صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة التراويح، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن، وكأنها شرعت ليسمع الناس كتاب الله مجوداً مرتلاً، ولذلك استحب للإمام أن يختم فيها ختمة كاملة لغرض القرآءة للقرآن وليس غرض الختمة ودعائها الذي تحدث عنه بعض العلماء ..

وقد كان النبي r يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره [لطائف المعارف:356]. ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة قال: أتيت النبي r في ليلة من رمضان فقام يصلي، فلما كبر قال: الله أكبر، ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران، لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها ثم ركع يقول: ((سبحان ربي العظيم)) مثل ما كان قائماً ثم رفع رأسه فقال: ((سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد)) مثل ما كان قائماً ثم سجد يقول: ((سبحان ربي الأعلى)) مثل ما كان قائماً ثم رفع رأسه فقال: ((رب اغفر لي)) مثل ما كان قائماً ثم سجد يقول: ((سبحان ربي الأعلى)) مثل ما كان قائماً ثم رفع رأسه فقام، فما صلى إلا ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة .
وكان عمر قد أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر، وفي رواية أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها [لطائف المعارف:356]. وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال وبعضهم في كل سبع منهم قتادة، وبعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي. كل هذا التطويل والقيام من أجل تلاوة القرآن وتعطير ليالي شهر القرآن بآيات القرآن فقارنوا هذا بحال بعضنا و بعض أئمتنا هذه الأيام مع ما نسمعه من قصر في صلاة التراويح و القيام..قصرٌ يخل بأداء هذه السنة كما وردت عن النبي صلى الله عليه و سلم و السلف الصالح و الله المستعان وذلك حين نرى بعض الأئمة يتسابقون لسرعة إنهاء التراويح بقصر القرآءة ثم يطيلون القنوت مع هذا القصر ومن يصلي معهم ليس لهم أعمال مهمة أو بهم تعب يعجزهم ولكن الهمم ضعفت نسأل الله التوفيق والهداية والإعانة ..
عباد الله .. إذا كان هذا شأن القرآن في رمضان فما أجدر العبد المؤمن أن يقبل عليه بكثرة قراءته و ختمه، ويديم النظر فيه بفهم معانيه و تدبره و كذلك الاستعانة على حفظه و مراجعته

أخي الكريم.. ها قد عرفت من فضل القرآن ما قد عرفت، وعلمت من ارتباط هذا الشهر الكريم بالقرآن العظيم ما قد علمت، فلم يبق إلا أن تشمر عن ساعد الجد، وتأخذ نفسك بالعزم، وتدرع الصبر، وتكون مع القرآن....
عباد الله .. هذا شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع، وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع ولاعين تدمع ولا صيام يصان عن الحرام فينفع ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع". فاقرؤوا القران يا عباد الله بتدبر وتفهم، وإذا مررتم بآية رحمة فاسألوا الله من فضله، وإذا مررتم بآية وعيد فتعوذوا بالله من عقابه، وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ]إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَـٰرَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ( [فاطر:29، 30]

اللهم اجعلنا من أهل القرآن و خاصته ..اللهم اجعلنا له من التالين و لآياته من المتدبرين العاملين ..اللهم ذكرنا منه ما نسِّنا و علمنا منه ما جهلنا ..و اجعل القرآن ربيع قلوبنا و نور صدورنا و جلاء همومنا و أحزاننا يا أرحم الراحمين..


الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد..
إن مما يحزن القلب ويدميه أنه لا زال في الأمة من يفسد ويكفر ويفجر ويروع ويسفك الدماء ويتطاول بتعديه هذا على ولاة الأمر بل والعلماء والدين من أفعالهم براء ويتطاولون على المسؤولين وولاة الأمر ورجال الأمن بإجرامهم هذا وتعديهم حتى وصل الحال إلى التعدي مسئول الأمن بالبلاد البارحة في خيانة واضحة الثقة المعطاة لإحداث الفوضى والفساد والتعدي على الدماء والسؤال الملح الدائم من يقف خلف أمثال هؤلاء ؟! من جعلتهم صخرا في خاصرة الأمة والدولة والدين ليحققوا بأفعالهم هذه وتطرفهم وضلالهم كل ما يصبوا إليه حاقد أو عدو يريد بدولتنا المسلمة الشر والفساد وأن تنحرف عن منهج الكتاب أو السنة الذي أسست عليه.. وهذه مصيبة عظمى نسأل الله أن يكفينا وبلادنا وولاة أمرنا شر هؤلاء الغلاة المرجفين ومن يؤيدهم ويرسل لهم الرسائل التفجيرية من الخارج لإحداث الفوضى والفتن في البلدان فالله اكفنا شرهم وغلوهم ونسأله جل وعلا على أن يحفظ علينا ديننا وأمننا وولاة أمورنا ويكفينا شر الأشرار وكيد الفجار وارهاب الغلاة المتطرفين من أصحاب الفكر الضال والمنحرف الذين أفسدوا الدنيا والدين وروعوا البلاد والعباد بأفعالهم وتطرفهم وإفسادهم ونشر فسادهم وأن يردنا جميعنا إلى الحق ويرينا إياه ويرزقنا إتباعه إنه سميع مجيب....

 0  0  1112
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 10:34 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.