الحمدُ للهِ وَ لا نَعُبُدْ إِلا إِياهُ ، مُخلصِينَ لَهُ اَلْدينَ ، رَبُّ اَلْسَمواتِ وَ الأَرضِ رَبُّ اَلعَالَمينَ .. وَ أَشهَدُ أَلا إِله إِلا اللهُ وَ حدهُ لا شَريكَ لَهُ إِلهُ الأَوَلِينَ وَ الآخرينَ ، وَ أَشهَدُ أَنَ مُحَمَداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، بَلَغَ البَلاغَ المبينَ e وَبَارَكَ عَليهِ وَ عَلى آلهِ الطَيبينَ وَ أَصحَابِهِ اَلغُرِ الَمَيامين وَسَلَمَ تَسلِّيماً كَثيراً إِلى يَومِ الْدينِ ..أَمَا بَعدُ فَاتقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ..
تَحَدَثَنَا الأُسبُوعَ اَلماضيَ عَن مُوسَى عَليهِ اَلْسلامُ وَ اليومَ نُكِمِلُ مَسيرةَ الحديثِ العَطِرَةِ بِالنَّبيِّ الَكَرِيمِ عِيسَى بن مَرّيَمَ فَالأَنَبِيَاءُ كَمَا قَال عَنهُم رَسُولُنَا اَلَكَريمُ eإِخوةٌ تَجمَعُهُم عَقيدةٌ وَاحِدةٌ .. وَ إِنَمَا الاختِلافُ حَصَلَ بِتَحريفِ أَتبَاعِهِم ..فَاليَهُودُ غَضِبَ اللهُ عَليهم وَ النَصَارى مِن الْضَالينَ وَ نَحنُ مِن النَاجِينَ بِإِذِنِ اللهِ إِن اِتَبَعَنَا عَقِيَدَةَ الإِسلامِ وَ مَنهَجَ مُحَمَدٍ وَ أَصحَابِهِ ..
أيها الإخوة .. يَحَتَفِلُ الْنَصَارى هَذِهِ اَلأَيَامَ بِمِيلادِ اَلَمَسيحِ عِيسى بن مَريم عَليهِ الْسَلام الذي وُلِدَ قَبلَ أَكثَرِ مِنْ أَلفي سَنَةٍ عَلَى أَرضِ فِلَسطِينَ وَ يَضَعُونَ شَجَرَ اَلْصَنَوبَرِ وَ غَيرهَ لِلمِيلادِ وَ التَي يَزعُمُونَ أَنَ اَلمَسيحَ وُلدَ عِندهَا بَينَمَا هِيَ اَلْنَخلَةِ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ( )وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاًوَ يُشَارِكُهُم بَعضُ ضِعَافِ اَلمَسلِمِينَ وَ بُلدَانُهُم بَل وَ يَشتَرِكُونَ مَعَهُم بِالتَهَنِئَةِ وَ الاحتِفَالِ ..
عِبَادَ اللهِ ..إِذَا أَهمَلَ الإِنسانُ عَقلَهُ تَاهَ فِي ضَلالِ اَلَجَهَلِ وَ أَودَت بِهِ اَلخُرَافَةُ إِلى اَلمهَالِكِ العَظِيمَةِ .. وَ مِن ظُلمَاتِ اَلخرافَةِ تَنشَأُ الأَديانُ المحرَفةُ ..النَصَارى هُم الذينَ يَقُولُونَ بِعَقِيدَةِ صَلبِ اَلمسيحِ عَليهِ اَلْصَلاةُ وَالسَلامِ حَيثُ عُلِّقَ عَلى اَلْصَليبِ وَ دُقَة يَداهُ بِالمسَامِيرِ ، وَ جَعَلَ يُنَادِي عَلى اَلْصليبِ يَا إِلهي لِمَ تَتُرُكُنِي ؟ كُلُ ذَلكِ كَمَا يَزعمونَ كَي يَفتَدي خَطَايَا بَنِي آدم )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ(
أَمَا كِتَابُ اَلْنَصَارى الإنجيلُ فَهُم يُخبرونَ وَ يُثبِتُونَ قَبلَ غَيرهِم تَعَرُضَهُ لِلتَحَرِيفِ وَ اَلْتَشويهِ ، وَ يَمَتَلِكُونَ أَعدَادَاً مُتَنَوِعَةً مِنْ نُسَخِهِ اَلمحرَفَةِ ..وَ لَم يُكتب إِلا بَعدَ ثَلاثِمِائةِ سَنَةٍ بَعدَ الميلادِ حَيثُ أَرَادَ قُسطنطينُ حَاكِمُ رُومَا أَن يَجمعَ بَينَ وَثَنيةِ الْرُومَانِ وَ اَلْنصَرانيةِ فَدَخَلَ عَليهَا تَحريفٌ كَبير ، وَ تَأَليهُ عِيسَى وَ غَيرَ ذَلكَ.. ) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ(
وَ تَتَنوعُ الخُرافَةُ فِي الْدِيَانَةِ اَلْنَصَرَانية لِتصبِحَ اَلكَنَائِسُ مُتُفَنِنَةً فِي الأَسَالِيبِ التي يَعبثونَ بِهَا بِعُقُولِ الَبَشَرِ كَتَوزيعِ صُكُوكِ الْغُفَرانِ التَي تُدِخِلُّهُم اَلَجَنَةِ وَ تَغِفِرُ لَهُم اَلْذُنُوبَ .. وَ الاعترافُ بِالخطَايَا مَهمَا كَبُرت لَدى الكَاهِنِ تَغَفِر لَهُم فِعلَهم..
إِنَّهَا اَلْنَصرَانيةُ اَلَحُبلَى بِكُلِ خُرافةٍ وَ ضَلالٍ سَطَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَديثهِ عَنهُم فِي اَلَقُرآنِ بَيانُ عَقيدتِهِم الَفَاسِدَةِ ، وَ رَدَ عَلى ضَلالَهُم وَ سَمَاهُم كَافِرينَ فِي حِينِ أَنَ بَعضَ اَلمَسلمينَ يَتَحَرجُ ِمنْ ذَلِكَ فَلا يُكَفِرهُم أَو يَدعونَ لِلتَقَارُبِ مَعهُم )لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ(
اَلْنَصرانِيةُ أَصبَحَتَ خُرَافَةً أَغَارة على نبوة عيسى بن مريم عليه السلام فبدلتها و ردت نهارها ليلاً و سلامها ويلاً ، و جعلت الوحدة شركةً بعقيدة التثليث التي يدينون بها تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً فواجبٌ عباد الله أن نؤكد نحن المسلمين على معرفةِ نبي الله عيسى عليه السلام و عقيدته التي بعث بها و دعوته لقومه لأننا نؤمن به في حين أنهم لا يؤمنون بمحمدٍ e ولا رسالته و الواجب على المسلم أن يتعرّف على هذا النبيّ عيسى عليه السلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، حتى نستطيع دعوة العالم للتعرّف على نور الإسلام وشموليته وأنه دين الحق الذي نزل لهداية البشرية جمعاء.
عباد الله .. من أركان الإيمان في ديننا الإسلامي أن نؤمن بالرسل عليهم صلوات الله قال الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ وهذا الأدب الرباني يتأدب به كل مسلم، حيث ينظر لجميع الأنبياء نظرة احترام وتقدير ومحبة؛ لأنهم جميعا جاؤوا برسالة واحدة فالأنبياء كلهم إخوة في الدعوة إلى الله. وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ
و عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل }شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا { أما مريم البتول عليها صلوات الله و سلامه فلها من الحب والاحترام في الإسلام الكثير ، فسورة كاملة في القرآن تسمى باسمها مريم، تتحدث عن عفتها وطهارتها وحوالي ثلاثة و ثمانون آية من سورة آل عمران لها و لابنها : }وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ{ وهي الصديقة في أقوالها وأفعالها } وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ َ{ وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((خير نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد)) رواه البخاري ومسلم، وهذا لفضلهما، وعن أبي هريرة مرفوعا: ((كل مولود من بني آدم يمسه الشيطان بإصبعيه إلا مريم بنت عمران وابنها عيسى عليهما السلام)) رواه البخاري، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: }فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{
ولادة المسيح عليه السلام كانت معجزة حيث ولد من أم بدون أب، كانت ولادته بكلمة (كن)، لذلك ينسب إلى أمه فيقال: عيسى ابن مريم عليه السلام }إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ *وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ *قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{
و تكلم الله في القرآن عن معجزة ولادته كمثل آدم خلقه الله فقال له كن فيكون ..نعتقد أن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله ، فلم يدّع عيسى في يوم من الأيام أنه إله أو ابن الإله، حاشا لله، بل كانت أول كلماته في المهد: }إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا{ و من العجب أن من يراجع الأناجيل الأربعة بوضعها الحالي رغم ما اعتراها من التحريف ورغم افتقارها للتوثيق بالسند الصحيح المتصل لن يجد فيها ما يصرح بأن المسيح عليه السلام إله أو ابن إله، بل إنها تحتوي على نصوص كثيرة تدل بصراحة على أنه بشر، وقد وصف بالإنسان أو ابن الإنسان أكثر من سبعين مرة في الأناجيل..فكيف جعلوه ابناً لله تعالى الله عما يقولون ..
نعتقد ونجزم أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام لم يقتل ولم يصلب، بل ألقى الله الشبه على رجل آخر فصلب مكانه: }وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بل رفعه الله إليه و كان الله عزيزاً حكيما{
وقد أنكر كثير من النصارى بعد حادثة الصلب أن يكون المسيح نفسه هو الذي حوكم إلا أن أكثر النصارى اليوم برهبانهم يؤمنون بأن عيسى صلب ، والأناجيل الأربعة فيها تضارب كثير حول حادثة الصلب، مما يؤكّد الحق الذي نزل في كتاب الله عز وجل عن هذه الحقيقة .. و التشويه الذي طال دين النصارى فضلوا عن الحق ..
عباد الله .. في الليلة التي عُرِج فيها بالنبي r رأى عيسى عليه السلام فنعته لأمته، فجاء في نعته أنه رجل رَبْعةٌ، ليس بالطويل ولا بالقصير، عريض الصدر، أسمر وفي سمرته حمرة، وهو جَعد أي: الخشن شعره و من الإيمان أن من أشراط الساعة الكبرى نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان لتواتر النقل عن رسول الله r بذلك و يجب الإيمان به لأنه معلوم من الدين بالضرورة ، وشعره يقول تعالى: } وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا {
يقول العلامة ابن كثير رحمه الله: "والضمير في قوله: }قَبْلَ مَوْتِهِ { إلا ليؤمنن بعيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم؛ لأنه يضع الجزيةَ ولا يقبل إلا الإسلام"
قال ابن عباس: قبل موت عيسى، والله إنه الآن لحي ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون. ونقله عن أكثر أهل العلم، ورجحه ابن جرير وغيره".
وأما الأدلة من السنة النَّبوية فأكثر من أن تحصر في هذا المقام، ولكني أذكر منها ما يلي:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا))، قال أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: }وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا { أخرجه البخاري ومسلم. فبين النبي عليه السلام في هذا الحديث أنه ينزل آخر الزمان، فيسود العدل ويدعو إلى الإسلام . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ((كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟!)) أخرجه البخاري ومسلم.
ومنها حديث حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ عليه السلام عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: ((مَا تَذَاكَرُونَ؟)) قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: ((إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ)) أخرجه مسلم.
أما عن كيفية نزوله إلى الأرض آخر الزمان فقد بينها e بقوله ..
((يَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ ـ أي: حبَّات الفضة، تشبيهًا لقطرات الماء التي تنحدر منه ـ كَاللُّؤْلُؤِ فَلا يَحِلُّ ـ أي: لا يمكن ـ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ)) أخرجه مسلم.
و قال عليه الصلاة و السلام ((لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلاً، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلاصُ فَلا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ)) أخرجه مسلم.
فإذا نزل يدعو عليه السلام إلى دين الإسلام و هذا معنى قوله تعالى وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ و قوله ((و يضع الجزية)) أي لا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام و يكسر الصليب إبطالاً لعقائد النصارى و يقتل الخنزير و يحكم بالعدل و يقتل المسيح الدجال في اللد بفلسطين ، فيطعنه عليه السلام برمحه..و يدعو الله أن يخلِّص الناس من شر يأجوج ومأجوج
و يقوم بالحج أو العمرة أو يجمع بينهما؛ لقول النبي r: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا)) أخرجه مسلم
و الحكمة من نزوله عليه السلام ..إبطال عقيدة التثليث والصلب بكسر الصليب ودعوته للإسلام، و إبطال دعوى اليهود أنهم قتلوه، وإبطال دينهم بدعوته للإسلام، فينزل ويقتل زعيمهم الدجَّال ، و أن الله تعالى قد قضى وقدر أنَّ كلَّ مخلوقٍ لا بد أن يُدفن في الأرض، قال تعالى: }مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى { و الله و أعلم ..
و لكن ما حال الناس إذا نزل فيهم عيسى عليه السلام؟
قال e: ((ثُمَّ يُقَالُ ـ بعد هلاك يأجوج ومأجوج ـ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى إنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ)) أخرجه مسلم
و مدة مكوثه في الأرض سبع سنين كما ثبت ذلك في صحيح مسلم ..وفي مسند الإمام أحمد: ((فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ)). و على الصحيح أنه لما رُفع عيسى uكان له من العمر ثلاث وثلاثون سنة، ثم ينزل فيمكث سبع سنين، فتكون جملة السنوات التي مكثها أربعين سنة..
أيها المسلمون.. إن نصرنيةً هذا إضلالها عاش معها المسلمون عبر تاريخها حروباً طويلة بدأت مع الروم ثم الحروب الصليبية المتعددة ..ثم الاستعمار و جلبهم لليهود ، و التلاعب بالمصطلحات ، و استغلال الإرهاب ، و إسقاط الدول و صدق الله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
هذا شيء من صفات نبي الله عيسى uالذي يدعي الإيمان به برسالته اليوم أكثر أهل الأرض من النصارى إلا أنهم حرفوها و لذلك نحن أولى بعيسى عليه السلام منهم لأن ديننا استكمالاً لدينه و دعوته التي شُوهت و إن معرفة ذلك لتوضح لنا خطأ ما يعتقده البعض بالتقارب مع هؤلاء النصارى في عقيدتهم المحرفة .. التي يسعون بالتبشير بها و نشرها عبر الأرض لاسيما في العالم الإسلامي عبر قنواتهم الفضائية و أنشطتهم الإغاثية استغلالاً لفقر المسلمين و جوعهم و قد تحقق شيءٌ من أهدافهم مع الأسف فواجبٌ علينا جميعاً نشر الدعوة لدين الله الإسلام في الأرض فالعالم أحوج ما يكون إلى مبادئ الإسلام و أحكام القرآن و السنة لتحميه من الزيغ و الضلال الذي يعيشه و هذا باعتراف من درسه منهم و عرف مبادئه ..كما أننا حين نرى اتفاقهم مع هؤلاء اليهود الذين يستقبلونهم وهم الذين حاربوا عيسى عليه السلام و دعوا إلى قتله ، ولا زالوا يتبرأون من دينه دعوته إلا أن ذلك كله يثبته القرآن بأنهم أولياء بعض ضد المسلمين ..
و مما يؤسف له مشاركة بعض بلداننا و شعوبنا المسلمة باحتفالاتهم بوضع أشجار الميلاد في مدن الإسلام و كأنهم يطلبون رضاهم و لن يرضوا عنهم و كذلك لا بد من تأكيد مبادئ الولاء و البراء التي نسيت و تجوهلت من خلال التشويه و الإرهاب و المجاملة ..
نسأل الله جلَّ و علا أن يرينا الحق حقاً و يرزقنا اتباعه و يرينا الباطل باطلاً و يرزقنا اجتنابه و أن يظهر الحق و يبطل الباطل و ينصر دين الإسلام و أمة الإسلام على من يكيد لها السوء إنه سميعٌ مجيب ..