أيها المسلمون،ربُّنا الله عزَّ شأنُه خلقَ فسوَّى،وقدَّر فهدَى،خلقَ كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا،((وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ))هذا خلقُ الله،هذا تقديرُه وتدبيرُه في انتِظامٍ واتِّزانٍ،وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ))هكذا وضع الله الأرض بنظام موزون دقيق وحذرنا من الفساد فيها والإفساد عليها لأن انضِباطَ المسار وتوازُنَ المسيرة وتهذيبَ السلُوك وعلوَّ الذوقِ من أُصول الحياة السعيدة، وأُسُسِ التعامُل في دين الإسلام، وأكملُ المؤمنين إيمانُا أحسنُهم خُلُقًا. الاعتِدالُ والتوازُن والنظام والانضِباطُ والالتزامُ كلُّ ذلك تعكِسُه تدعو إليه النفسُ البشرية السويَّة، فتجعلُ ما يصدُرُ عنها من أفعالٍ وتصرُّفاتٍ موافقةً للحق، مُجانِبةً لما يُستقبَح، مُراعِيةً للمشاعِر حذرة من الفساد والإفساد
التزامٌ في إعطاء الحقوق،وإقامة النظام الذي يصلح المجتمع ويؤدب الخارج عليه وتوازُنٌ ومُوازنةٌ بين الحقوق والمسؤوليات.
أيها الإخوة في الله،النظامُ والانضِباطُ وحُسنُ الترتيبِ وسلامةُ التقدير وجمالُ الذوقِ،كلُّ ذلك يحفَظُ الفردَ كما يحفَظُ الجماعةَ، ويُعينُ على تحمُّل المسؤولية وعلى أدائها،ويُثبِّتُ العلاقات الاجتماعية ويُنظِّمُها..وهذا هو الإصلاح الذي ضد الفساد..
التعامُل المُنظَّمُ والتقديرُ الصحيحُ والمحافظة على البيئة ومقدرات الأرض والإنسان يهَبُ الحيأت طعمآ ولا يحققه إلا وعيٌ عميقٌ،وعزمٌ صادقٌ،وإصرارٌ لا يعرِفُ الكسلَ،ليس بالقوة تتحقَّقُ الآمال، ولكن بالعزيمةِ والإصرارِ وحُسن الأدبِ..فالفساد مهلك للأمة والفوضى خسارة للأجيال والمال والإفساد باعث على إثارة الشرور في الأمة..وجحود بنعمة الله لهذا النظام الذي وضعه على الأرض وهذه النعمة التي أعطاها الله للإنسان لبيئة صالحة للعيش فيها ونعمة نتقلب فيها فهل يا ترى..يفقه شبابنا ذلك ويعون بأفعالهم حينما يسعون لخراب البيئة من حيوان وشجرٍ وأرضٍ وأذية لإنسان ويثيرون الفوضى ويمارسون الجنون أنهم يفسدون في الأرض ويشوهون أهلهم ومجتمعهم..شباب يعبثون بسياراتهم ويسدّوا الطرقات ورقص وطرب وتعد على الناس وسرقة للممتلكات ومن يراهم بتصرفاتهم يشك بجنونهم أو أنهم مخمورون أو مسحورون وأفعالهم ما لا تتقبله نفس ولا يتسع له صدر بل هو ما يأباه العقل الوافر ويلفظه ويمجه الذوق السليم من إفساد للبلاد والعباد...
وَجَدُوا فُرصَةً مُوَاتِيَةً لِلتَّفَلُّتِ مِن بَعضِ أَحكَامِ الشَّرعِ وَالتَّحَلُّلِ مِن قُيُودِ الأَنظِمَةِ،وَمُخَالَفَةِ القَوَانِينِ العَامَّةِ وَالخُرُوجِ عَلَى الآدَابِ المُتَّبَعَةِ،ويتفاخرون بذلك ويعتبرونها بطولات لهم يصورونها وينشرون مقاطعها في ضعفٍ لتطبيق نظام وغفلةٍ عن الرقيب وَرَاحُوا يُعَبِّرُونَ عَن رَغبَةٍ جَامِحَةٍ في العَبَثِ وَالتَّخرِيبِ، وَأَبَوا إِلاَّ أَن يُظهِرُوا سُوءَ مَا تَنطَوِي عَلَيهِ نُفُوسُ بَعضِهِم تُجَاهَ الوَطَنِ وَأَهلِهِ،وَإِلاَّ فَإِنَّ مَن يزعم محبة الوَطَنَ والأرض حَقِيقَةً وَيُرِيدُ لَهُا وَلأَهلِهِ الخَيرَ وَالنَّمَاءَ لا تَرَاهُ إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى أَمنِهِ وَاستِقرَارِهِ،نَاصِحًا لِقَادَتِهِ،عَامِلاً بما يُسَنُّ مِن أَنظِمَةٍ ظَاهِرَةِ المَصلَحَةِ،مُقَدِّرًا لما يُبذَلُ لِلبِنَاءِ وَالتَّقَدُّمِ،مُظهِرًا عَنْ وَطنِهِ الصُّورَةَ الجَمِيلَةَ أَمَامَ الآخَرِينَ، مُبدِيًا لِلعَالَمِ وَجهَهُ الحَسَنَ، فَلا يُخَالِفُ وَلا يَعصِي،وَلا يُحدِثُ بَلبَلَةً وَلا يَبعَثُ فَوضَى،وَلا يُفسِدُ صَالِحًا وَلا يُخَرِّبُ عَامِرًا.
وَإِنَّهُ لَو لم تَكُنِ المُحَافَظَةُ عَلَى مُقَدَّرَاتِ البلاد التي نعيش فيها دِينًا وَلا مِن كَرِيمِ الأَدَبِ لَكَانَتِ الوَطَنِيَّةُ الصَّادِقَةُ دَاعِيَةً إِلَيهَا وَمُنَادِيَةً بها، انظروا إلى جُدرَان المَدَارِسِ لَوحَاتٌ لما فَحُشَ مِنَ الكَلامِ وَسَاءَ من قبل طلابنا، وَأَبوَابُهَا مِنَ الدَّاخِلِ مَخلُوعَةٌ،وَمَقَابِضُهَا مُكَسَّرَةٌ،وَنَوَافِذُهَا مُهَشَّمَةٌ،وَحَمَّامَاتُهَا مُعَطَّلَةٌ بعل بعض طلابها،وَفي الشَّوَارِعِ قِيَادَةٌ جُنُونِيَّةٌ وَرَفعٌ لِلغِنَاءِ،وَفي الأَسوَاقِ تَطَفُّلٌ وَمُلاحَقَةٌ لِلنِّسَاءِ،وعبثٌ بالسيارات وإزهاقٌ للأرواح بمناسبة وغير ما مناسبة وكأن الشباب يرون هذا التفلت فرصة للتعبير عن شعورهم
فهل هذا يليق؟وأَينَ الدين والخلق والتربية..
مَتى يَعرِفُ شَبَابُنَا أَنَّ هذه الأرض لنا جميعا نحافظ عليها ونشكر الله على نعمها ونصبر على لأوائها ونحميها من ِتَصَرُّفَاتٍ شَبَابِيَّةٍ هَوجَاءَ وَحَرَكَاتٍ صِبيَانِيَّةٍ رَعنَاءَ! كيف كانت بلادنا بالسابق خوفآ وجوعآ وفرقة واليوم تتقلب بالنعم! فَمَا أَحرَى البِلادَ بِأَن تَتَذَكَّرَ يَومًا أَنَّهَا كَانَت في نِعمَةٍ فَلَم تَرعَهَا، وَأَنَّهَا سَمَحَت لِلسُّفَهَاءِ بالإفساد فيها بِالجَهَالاتِ وَالحُمقِ وَالطَّيشِ وَحُبِّ الفَوضَى التي إن سكتنا عنها ستكون سبباً في محق البركة وذهاب النعمة..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ،إِنَّ نِعَمَ اللهِ تُحِيطُ بِالعِبَادِ في هَذِهِ البِلادِ مِن كُلِّ جَانِبٍ،وَتُصَبِّحُهُم وَتُمَسِّيهِم جَوًّا وَبَرًّا وَبَحرا،وَيَتَقَلَّبُونَ فِيهَا قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم،قَد أَحدَثَ اللهُ لَهُم مِنَ النِّعَمِ مَا لم يَكُنْ لأَسلافِهِم،وَزَادَ لَهُم في الفَضلِ بِمَا حُرِمَهُ السَّابِقُونَ،أَمنٌ وَإِيمَانٌ،وَرَاحَةٌ وَاطمِئنَانٌ،وَسَكِينَةٌ وَرِضًا وَصَلاحٌ،وَشِبَعٌ وَرِيٌّ وَرَاحَةُ بَالٍ،وَقَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَهُ صِحَّةٌ في الأَبدَانِ وَسَلامَةُ عُقُولٍ،وَعَافِيَةٌ مِنَ البَلاءِ وَهُدُوءٌ وَاستِقرَارٌ..فلا أقل لهذه النعمة من أن نحافظ عليها من الفساد الذي ينغص عليها ويذهبها..والذي يمارسه بعض شبابنا بغلة وباستهتارمنظم ..فإن الفسادَ في الأرض إجرام!نهى عنه ربّنا جلّ وعلا،وتتابعت رسُل الله وأنبياؤه ينهَون عنه،قال نبيّ الله صالح عليه السلام لقومه




الفسادُ في الأرض خُلُق اللئام من البشر،والله لا يحبّ المفسدين ولا يصلِح عملَهم،

أيّها المسلم،وإذا تدبرنا كتابَ الله نرى فيه تحذيرًا عن أنواع الفساد؛ليكون المسلم على حذرٍ من أيِّ نوع من أنواعها. يُبيَّن الله في كتابه أنّ الكفرَ به والصدَّ عن سبيله بالفسق والفجور من الفساد: ((ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ))والفساد خلق للمنافقين((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ))ومن الفسادِ في الأرض الصدُّ عن سبيل الله واتّخاذ ذلك عِوَجا،قال تعالى عن شعيب عليه السلام أنّه قال لقومه: ((وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ))ومن الفسادِ في الأرض العدولُ عن الحقِّ بعد معرفتِه،((فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ))مِن الفساد في الأرض سرقةُ الأموال الخاصّة والعامّة، والتعدي على الأراضي وحقوق الناس بغير حق((قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِى ٱلأرْضِ وَمَا كُنَّا سَـٰرِقِينَ))من الفساد في الأرض البدعُ المخالفة لشرع الله، في الحديث

يعرض اليوم في قنوات عربية بالرقص والغناء ويمارسه شباب فوضوي لا يقدرون نعمة ولا وطناً ولا مجتمعاً إن مقاومة الفساد والفوضى التي يمارسها شبابنا مسؤولية دولة ونظام رادع يطبق بلا محاباةٍ ولا مجاملة وبدقة متناهية تحمي المجتمع والأرواح والأعراض من هؤلاء المفسدين كما هو مطبق في دولٍ أخرى والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا إذا خرج هؤلاء الشباب ومن يريد الإفساد خارج حدود البلاد لا يجرأون على مثل هذه الممارسات..ولاشك أن النظام الصارم المطبق هو الذي يمنعهم ويُخيفهم..وهو ما نحتاج إلى التعاون على تطبيقه..نحتاج إلى قضاءٍ يكون رادعاً في الحكم والشرع لمثل هذه التصرفات من سرقةٍ وإفسادٍ وعبثٍ بالسيارات..وهو ما أعلن تنفيذه بعدد (22) قضية عبث بالسيارات نُظرت خلال عام في المحاكم بمنطقة القصيم متقدمةً على غيرها وهذه إيجابية بتطبيق أحكام الشرع على المفسدين ،كذلك يشترك البيت والأب والأم والمدرسة وعموم المجتمع في حمايتنا من هذه الفوضى وذلك العبث الذي يمارسه هؤلاء فهم يخرجون من تلك البيوت والآباء والأمهات والمدارس ويشترك الإعلام في تلك التوعية والتحذير من هذا الفساد الخطير وفوضى الشباب الذي سيودي بنا جميعاً إن لم نتدارك الأمر نسأل الله أن يحمي البلاد والعباد من كل شر وفتنة وفساد وأن يصلح شبابنا ويوفقهم لكل خير فليحذَر المسلم أن يكونَ من أهلِ الإفساد من حيث لا يشعر،فا الله جلّ وعلا رتّب على الفساد عقوبةَ عظيمة، قال تعالى: ((وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ)) أقول ما تسمعون.....
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد.. أيها المسلمون.. إذا تكلمنا عن شباب مفسد فإن ذلك لا يُعمم فهناك من شبابنا من نفاخر بهم بحفظ القرآن والعلم الشرعي والمخترعات وجميل الأخلاق ومسؤوليتنا إبراز وتكريم هؤلاء الجادين ومنجزاتهم ليكونوا قدوات لغيرهم لا أن نهملهم
وينبغي أن نعلم أنّ من أسبابَ الفساد ذنوبَ العباد ومعاصيهم،((ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ)) ((وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ))وإنّه لا نجاةَ للعباد إلا إذا حارَبوا الفساد،سواء كان اعتقاديّاً أو فكريّاً أو عمليّاً،بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلأرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ))إنّ المؤمنَ يفرح للمؤمنين بالطمأنينة والأمن والاستقرار،وغيرُ المؤمن يسوؤه ذلك، امتلأ قلبه حقدًا على أهل الإسلام،وكراهيةً لنعم الله على المسلمين،فسعى في الأرض فسادًا والعياذ بالله،دلَّ ذلك على فسادِ الدين وقلّة الخوف من الله،والاستهتار بنعم الله والاجتماع على فعل الفساد ونشر الفوضى وذلك الهلاك فليحذر شبابنا ذلك ،وإنّما النجاة في التمسُّك بصراط الله المستقيم، ((وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ))
اللهم أصلح شبابنا وشباب المسلمين،وأملأ قلوبهم بالإيمان واليقين،واجعلهم سنداً وقوّة لهذا الدّين،واجعلهم قرّة أعين لأهاليهم وأمّـتهم يا ربّ العالمين..اللهم بصّرهم بمكائد المفسدين، وجنّـبهم مخططات المنافقين،وأملأ قلوبهم بالغيرة والحمية لهذا الدّين..اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان..اللهم انصرهم في بلاد الشام..اللهم يا جبار عليك ببشار..اللهم سلط عليه جنداً من جندك..