• ×

05:36 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الخطبة الثانية الخاصة بالأمن

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
خطبة يوم الجمعة الموافق 24/4/1428هـ بجامع السلام بمحافظة عنيزة للشيخ عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي
الحمد لله له الحمد في الأولى و الآخرة نحمده و نشكره على نعمه الظاهرة و الباطنة و أشهد ألا إله إلا الله و حده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده ورسوله هدى بإذن ربه القلوب الحائرة صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين و سلم تسليماً أما بعد ..
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى و توبوا إليه ..
اللهم لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ..اللهم إياك نعبد ولك نصلي و نسجد و إليك نسعى و نحفد نرجو رحمتك و نخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق ..
أيها المؤمنون ..
تحدثنا في الجمعة الماضية عن أهمية الأمن و حاجة الأمم له و خطورة إفساده بأفعالٍ إرهابية أو إجراميةٍ متنوعة الفساد و ذلك عطفاً على ما حصل من فئات إجرامية و ترويعٍ للمسلمين و عصيانٍ للولاة و نبذ لرأي العلماء المحققين ، في بلدنا هذا خاصة و بعض بلاد المسلمين ..
و نكمل حديثنا السابق اليوم بالحديث عن مفهوم الأمن و حقيقته علنا أن نكون مساهمين فاعلين في صنعه و المحافظة عليه ..
أيها المسلمون ..
القاعدة المقررة تقول: إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولأجل أن نعرف حقيقة الأمن وصورته فلابد أن تكون هذه المعرفة متصفة بالشمولية، وأن لا تكون ضيقة العطن، مستهجنة الطرح، من خلال قصر بعض الأفهام حقيقة الأمن على ناحية حماية المجتمع من الجرائم فحسب، وأن يقصر مفهوم حمايته على جناب الشرط والدوريات الأمنية في المجتمعات بعامة. كلا، فالحديث عن الأمن ليس مقصوراً على هذا التصور البسيط، إذ الحقيقة أشد من ذلك والخطب أعظم.
بل إن المواطن نفسه رجلاً كان أو امرأة ينبغي أن يكون رجل أمن، ورجل الأمن ما هو إلا مواطن صِرْف.
فإذا استحضرنا هذا التصور بما فيه الكفاية، وجب علينا بعد ذلك أن نعلم شمولية الأمن، وأنه ينطلق بادي الأمر في عقيدة المجتمع، وارتباطه الوثيق بربه، والبعد عن كل ما من شأنه أن يوقع أفراده في الخوف بدل الأمن، والزعزعة بدل الاستقرار.
فأول الواجبات الأمنية : البعد عن الشرك بالله في ربوبيته، أو ألوهيته، أو حكمه، أو الكفر بدينه، أو تنحية شرعه عن واقع الحياة، أو مزاحمة شرع غير شرعه معه بالغة ما بلغت المبررات المغلوطة. ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
الأمن بهذه الصورة هو المطلب الأول، وهو الذي تتحقق به الصلة بالله جل وعلا، والتي بسببها يعم الأمن إرجاء المجتمعات، وتتحقق وعد الله لها بقوله: ((وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور:55]. فكان الجواب التالي لذلك يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً [النور:55].
والشرك هنا غير مقصور على مجرد عبادة الأصنام، كما يتصوره البعض، فيخرجون معنى هذه الآية عن صور شتى في هذه الأزمنة.
فكلمة شَيْئاً نكرة في سياق النهي؛ فتعم جميع صور الشرك مهما قلّت، ألا تسمعون قول الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
وقد ذكر الإمام أحمد -رحمه الله -: أن الفتنة هنا هي الشرك.
ثم إن مما ينبغي علينا اتجاه مفهوم الأمن ألا نُنحيَه عن مراكز القوى في مجتمعاتنا، أو نتجاهل أثر هذه المراكز في تحقيق معنى الأمن بصورته الأساس.
فهناك ما يسمى بالأمن الغذائي، وما يسمى بالأمن الصحي الوقائي، وهناك ما يتعلق بالضوابط الأمنية في مجال التكافل الاجتماعي، وتهيئة فرص العمل والإنتاج، والقضاء على البطالة المسببة للخلل والفوضى، إضافة إلى النواحِ الأمنيةِ المنبثقةِ من دراسةِ الظواهرِ الأسريةِ وما يعتريها من ثقوبٍ واهتزاز في بُنيتها التحتية، لأن الأمن بين الجنسين وبالأخص بين الزوجين هو سبب ولاشك من أسباب أمن العشيرة، وأمن العشيرة أمن للأمة، المؤلفة من العشائر، المؤلفة من الأزواج..و لذلك فإن الاهتمام بالأسرة و التربية من الأولويات الشرعية و الأمنية و إذا أعددت الأسرة و حمايتها أنجحت الأمن و يتفرع من ذلك الانتباه للشباب و الأولاد و حتى البنات في رفقتهم عن السوء أو إدمانٍ لمواقع مشبوهةٍ للإنترنت و غيرها ..
كما يجب علينا أن لا نغفل عما لا يقلُّ أهميةً عن ما مضى، بل إنه في هذه العصور يعد هاجساً أمنياً لكل مجتمع، ألا وهو الأمن الفكري، الأمنُ الفكري الذي يحمي عقولَ المجتمعات ويحفظها من الوقوع في الفوضى، والعَبِّ من الشهوات بنهم، أو الولوغِ في أتون الانسلاخ الأخلاقي الممزِّقِ للحياءِ الفطري والشرعي.
الأمنُ الفكري عبادَ الله ينبغي أن يُتَّوجَ بحفظ عنصرين عظيمين؛ ألا وهما: عنصر الفكر التعليمي، وعنصر الأمن الإعلامي، إذ يجب على الأمة من خلال هذين العنصرين ألا تقع في مزالق الانحدار والتغريب، والتي هي بدورها تطمس هويَّةَ المسلم، وتفقده توازنه الأمني والاعتزاز بتمسكه بدينه ، فيكون سبباً في التغرير لهؤلاء الشباب لإنخراطهم في مهاوي الإرهاب ، إذ إن الأمن على العقول، لا يقلُّ أهميتُه عن أمنِ الأرواحِ والأموالِ، فكما أن للبيوت لصوصاً ومختلسين، وللأموالِ كذلك؛ فإن للعقولِ لصوصاً ومختلسين.
بل إن لصوص العقول أشد خطراً، وأنكى جرحاً من سائر اللصوص.. و يؤثرون بطرح شبههم و أفكارهم على المجتمع من خلال الإعلام أو التعليم ..
فحمايةُ التعليم بين المسلمين من أن يتسللَّ لِواذاً عن هويته، وحمايةُ التعليم في إيجادِ الآلية الفعالة في توفيرِ سُبل العلم النافع؛ الداعي إلى العمل الصالح، والبعد عن التبعيةِ المقيتةِ، أو التقليلِ من شأنِ العلومِ النافعةِ، والتي لها مساس أساسٌ في حياة الأمم، من الحيثيةِ الشرعيةِ الدينية، التي يعرفُ بها المرء ربَّه، و واجبه المفروضَ عليه، أو التهوينَ من شأنِ علومِ الدين أو استثقالِها على النفوسِ، لمن شأن ذلك كله أن تضعف المجتمعات بسببهِ، وأن تندرسَ معالمُ الأمنِ الفكري فيه إبّان عصر التحكم المعرفيِّ، والاتصالاتِ العلميةِ والثقافيةِ التي غلبت على أدوارِ الأُسرِ والبيئات، التي تنشدُ الصلاحَ العام.
أما الفكرُ الإعلامي عباد الله فهو مقبضُ رَحى المجتمعات المعاصرة، وأقنومَها الأساس، به يُبصرُ الناس وبه يُغرَّبوُن، به تخدم قضايا المسلمين وتنصرُ، وبه تطمسُ حقائقها وتهدر.
بالفكر الإعلامي تُعرفُ المجتمعاتِ الجادة من المجتمعات المستهترةِ، المجتمعات المثلى من المجتمعات الناكبة.

فما يكون في الفكر الإعلامي من اعتدالٍ وكمالٍ، يكون كمالاً في بنية الأمن الإعلامي واعتدالاً، وقرةَ عينٍ لمجموع الأمَّةِ بأكملِها، وما يطرأ عليهِ من فسادٍ واعتلالٍ فإنه يكون مرضاً للأمة، يوردها موارد الهلكة والتيه.. و إن نظرةً واحدةً إخوتي إلى القنوات الإعلامية اللاأخلاقية في عالمنا العربي و ما أكثرها مع الأسف نراها خللاً أمنياً كبيراً فيما تعرضه من مجون و انحلالٍ و هذا مؤذنٌ بفسادٍ عظيم ..
وحاصل الأمر عباد الله أنه ينبغي علينا جميعاً، أن ننظر إلى الحقيقة الأمنية من أوسع أبوابها، وأقربِ الطرقِ الموصلةِ إليها، بل لا نُبعدُ النجعة إن قلنا : ينبغي على المسلمين جميعاً ألا يغفلوا جانبِ أسلمةِ الأمنِ الفكري.
فالإسلام هو دين السلام ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ))[آل عمران:85].
ولله، ما أعظم قول النبي لعظيم الروم: ((أدعوكَ بدعايةِ الإسلام، أسلم تسلم، أسلم تسلم)).
و اعلموا أن من أهم الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنية من كافة جوانبها كذلك ، دون كلفةٍ أو تجنيدٍ وإعدادٍ؛ هو الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، والنصحُ للهِ ولرسولهِ ولكتابهِ ولأئمةِ المسلمين وعامتهم.
فإن ذلكَ عمادُ الدين الذي فُضلت به أمة الإسلام على سائرِ الأمم، والذي يسدُّ من خلاله خوخات كثيرة من مداخلِ الشر على العباد.
بالنصح والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر تتكاتفُ الجهود، ويُلَمُّ الشعثُ، ويُرأبُ الصدع، وتُتَّقى أسبابُ الهلاك، وتدفعُ البلايا عن البشر.
وبفقد ذلك أو تزعزعه من نفوس الناس، يعني بداهة حلول الفوضى، وانتشار اللامبالاة المولدة للأمن العكسي، وهو الأمن من مكر الله، أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ [الأعراف:99].

بالأمر والنهي عباد الله يصلح المجتمع، ويقوم الفرض الكفائي الذي يسقط التبعة والإثم عن بقية المجتمع، وإلا يتحقق فينا قول الباري جل شأنه: ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) [هود:117]. ولم يقل وأهلها صالحون؛ لأن مجرد الصلاح ليس كفيلاً بالنجاة من العقوبة الإلهية الرادعة.
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بين المسلمين، إنما هم في الحقيقة يقومون بمهام الرسل في أقوامهم وذويهم.
فبقدر الاستجابة لنصحهم تكون الحجة والنجاة، والعكس بالعكس((وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَـٰلِمُونَ)) [القصص:59].
إن انعدامَ النصحِ بين المسلمين سمةٌ من سماتِ اليهودِ، ومعرةٌ من معراتهم الخالدة، فقد كانت مواقفهم في الصيد يوم السبت عن طريق الحيلة مشهورة، حتى أعلن الفسقة منهم بصيده؛ فنهضت فرقةٌ منهم ونهت عن ذلك، وجاهرتَ بالنهي واعتزلت، وفرقة أخرى لم تعص ولم تنه، بل قالوا للناهين: ((لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا)) [الأعراف:164].
فلما لم يستجبِ العاصون أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فنص الله على نجاة الناجين بقوله: ((فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء)) [الأعراف:165]. وسكت عن الساكتين.
روى ابن جرير بسنده عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما والمصحف في حجره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس؟ جعلني الله فداك، فقال: (هؤلاء الورقات)، وإذا هو في سورة الأعراف، فقال: (ويلك، تعرف القرية التي كانت حاضرة البحر؟ فقلت : تلك أيلة، فقال ابن عباس : لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت! نخاف أن نكون مثلهم، نرى فلا ننكر، فقلت: أما تسمع الله يقول: فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ؟ [الأعراف:166]. فسري عنه، وكساني حلة).

إذاً ينبغي لأفراد الناس عموماً، وأهل العلم بخاصة؛ أن يقوموا بواجب النصح لمجتمعاتهم وأسرهم ومنتدياتهم، على الوجوه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، حكمة، وموعظة حسنة، ومجادلة بالتي هي أحسن، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.. و هكذا نبني لبنة أساس في بناء أمننا في مجتمعاتنا ، الإنسان في نفسه و الولي من أبٍ أو أمٍ في الأسرة و المسؤول في عمله و الموظف في دولته كلهم يقومون بواجب التناصح فيما بينهم بالوسائل الشرعية ..
ثم إنه لا يمنع من التمادي في الوعظ والنصح والإصرار عليه عدم قبول الحق منه؛ لأنه فرض فرضه الله علينا جميعاً، قُبل أو لم يُقبل، فإن هذا هو الذي يحفظ للأمة كيانها بأمر الله، وبه تكون المعذرة إلى الله، ويكون الخروج من التبعية وسوء المغبة.
والله الهادي إلى سواء السبيل..اللهم إنا نسألك الأمن و الإيمان و السلامة و الإطمئنان لبلادنا و سائر بلاد المسلمين ..اللهم من أردنا و بلادنا و أمننا و ديننا بسوءٍ فأشغله بنفسه و اجعل كيده في نحره ، و اكفنا شر الأشرار و كيد الفجار إنك على كل شيءٍ قدير .
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحَمدُ لله عَلى إحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لهُ عَلى تَوفِيقهِ وامْتِنَانِهِ، وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَريكَ له، وأشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى الله عَلَيهِ وعَلى آلهِ وصَحْبِهِ، وسَلَّمَ تَسْليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا الله ـ عِبادَ الله ـ حَقَّ التَّقْوى.
ثُمَّ اعلَمُوا أنَّ الأمنَ هَوَ مَطْلَبٌ أكَيدٌ لجَميعِ النَّاسِ، وكذَلِكَ لا يَقُومُ الأمنُ ويَستَقِرُّ إلاَّ بِتَعاونِ الجَميعِ، وإنَّ الوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ أنْ يَسعَى جَاهِدًا لِتَحْقيقِ الأمنِ في بَلَدِهِ، ويَكُونُ ذَلِكَ عَنْ طَريقِ أمْرَينِ:
الأوَّلُ: السَّمْعُ والطَّاعَةُ لِوُلاَةِ الأمُورِ الذِينَ لَهُمْ بَيعَةٌ فِي عُنُقِ المُسْلِمِ، ويَكُونَ ذَلِكَ في المَنْشَطِ والمَكْرَه، فَهَذا الأمْرُ مِنْ آكَدِ مَا يَنْبَغِي السَّعْيُ إليهِ، إذْ هُوَ أصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، يَقُولُ البربَهَاريُّ رَحمه الله: "مَنْ وَليَ الخِلافَةَ بإجْمَاعِ النَّاس ورِضَاهُمْ فهُوَ أميرُ المؤْمِنينَ، لا يَحلُّ لأحَدٍ أنْ يَبيتَ لَيلَةً ولا يَرَى أنْ لَيسَ عَليهِ إمامٌ، برًّا كَانَ أو فَاجِرًا، هَكَذا قَالَ الإمَامُ أحمدُ"
ويَدُلّ على ذَلِكَ أيضًا مَا رَواهُ مُسْلِمٌ أنَّ عبدَ الله بنَ عُمرَ جَاءَ إلى عبدِ الله بنِ مُطيعٍ حينَ نزع البيعة زَمَنَ يَزيدِ بنِ مُعاويَةَ، فقَالَ عبدُ اللهِ بنَ مُطيعِ: اطْرَحُوا لأبي عَبدِ الرَّحمنِ وِسَادةً، فقَالَ: إنِّي لم آتِكَ لأجْلِسَ، أتَيتُكُ لأحَدِّثَكَ حَديثًا، سَمِعتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: ((من خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ الله يَومَ القيَامَةِ لا حُجَّةَ لهُ، ومَنْ مَاتَ ولَيسَ في عُنُقِهِ بَيعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهليَّةً)).
ويَقُولُ ابنُ حَجَرٍ رَحمه الله: "قَدْ أجمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ المتَغَلبِ والجِهَادِ مَعَهُ، وأنَّ طَاعَتَهُ خَيرٌ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيهِ، لما فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وتَسْكينِ الدَّهْمَاءِ".
وإنَّمَا يبرُزُ تَطبيقُ المؤمِنِ لهَذَا الأصْلِ وقتَ الفِتَنِ والنَّوازِلِ، فَوقْتُ الرَّخَاءِ كُلٌّ يَدَّعِي السَّمْعَ والطَّاعَةَ.
الثاني: لُزُومُ طَاعَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَهِيَ مِنْ أهمِّ مُقَوِّمَاتِ الأمنِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82]. وقد حَثَّ النبيُّ صلى الله عليه و سلم عَلَى العِبادَةِ والإكْثَارِ مِنَ الطَّاعاَتِ وَقْتَ الفِتَنِ، عَنْ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((العِبَادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إليَّ)). يَقُولُ النَّوَويُّ رَحِمَهُ اللهُ: "المُرَادُ بالهَرْجِ هُنَا الفِتْنَةُ واخْتِلاطُ أُمورِ النَّاسِ، وسَبَبُ كَثرَةِ فَضلِ العِبَادَةِ فيهِ أنَّ النَّاسَ يَغْفَلُونَ عَنْهَا ويَشْتَغِلُونَ عَنْهَا ولا يَتَفَرَّغُ لهَا إلاَّ أفْرَادٌ"
فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، والزَمُوا طَاعَتَهُ والتَّقَرُّبَ إليهِ، وكُونُوا قَائِمينَ بالأمْنِ سَاعِينَ إليهِ، وإيَّاكُمْ والنِّزَاعَ والشِّقاقَ ومُخَالَفَةَ أمْرِ الجَمَاعَةِ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبدِكَ ورَسُولِكَ مُحمَّدٍ...

 0  0  907
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 05:36 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.