• ×

10:01 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

موعظة يوم البعث والنشور

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور وأشهد ألا إله إلا الله يُجدِّدُ الأيامَ والشهور،ويصرِّفُ الأعوامَ والدهور،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،الشافعُ المشَّفعُ يومَ النشور،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..فاتقوا الله عباد الله ..((وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))يارب إن كانت ذنُوبنا كبيرةً بجانبِ نهيك فإنَّها صغيرةً بجانبِ عفوِك..ربنا اكشفْ عنَّا العذابَ إنا مؤمنون،وأفرغْ علينا صبراً وتوفنا مسلمين يا أرحمَ الراحمين..قيل لأعرابي:كيف تدعو ربك؟فقال:أقول:اللهم انك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك,فلا تحرمنا الجنة ونحن نسألك..كانت قريشٌ بمكةَ تنكرُ التوحيدَ والبعثَ فركز عليهما القرآن وكان العاصُ بنُ وائلٍ السهمي يؤذي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يأتي إليه مرةً بعظمٍ قديم ففتَّه بينَ يديه ثم قال:يا محمد أتزعمُ أنَّ هذا العظمَ يُبعثُ بعدَما أرِم فقال عليه الصلاة والسلام:نعم يبعثُ اللهُ هذا ويُميتُك ثم يُحيك ثم يدخلُك النار((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ))
عباد الله..تمرُّ بنا الجنائزُ محمولةً..منقولةً إلى مثواها ومصيرها..فكم من أَقوامٍ أَمَّلوُا طويلاً وعاشوا قصيراً؟!منظرٌ رهيبٌ..ومشهدٌ مهيب..تقشعرُّ منه الأبدان،وترتَجِفُ له القلوب..فهل نحن معتبرون؟!
إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا
وفي كل يومٍ واعظُ الموتِ يندبُ

ونفوسٌ أخرى تمر بها الجنائز فيكونُ الأثر قليلاً،ثم سَرْعَان ما يطْغَى على النفوسِ لهوُ الحياةِ فتسهى ثم تنسى،وتذهلُ ثم تغفل..فهل الموتُ نهايةُ الحياة؟!وهل سعيُ العالمين نهايتُه أن يُهال عليه التراب؟!ذلكم هو ظنُّ الذين كفروا الذين يرون الموت نهايةَ الحياة((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ))..
حديثنا عن المسألة الكبرى بعدَ الإيمانِ باللهِ،وتوحيده،تكفَّل بها الوحي،وبرهن عليها القرآن،وبلَّغها الرسل..ما نتحدث عنه موعظةً للقلوب وذكرى للنفوس..فالإيمان به ركنٌ من أركان الإيمان..فاستحضروا قلوباً خاشعةً لتجدّدوا إيمانكم..فهو اليوم الآخر..حيث البعثُ والنشور والخروجُ من الأجداثِ والقبور،والوقوفُ بين يدي الكبير المتعال للحسابِ والجزاءِ وعرضِ الأعمال،ثم المصيرُ إما إلى جنةٍ أو نار((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ))ما من شيء في دعوة الرسل استبعدهُ الكفارُ وأنكرْتهُ الملاحدةُ واستهزَأَت به الزنادقةُ جيلاً إثر جيل أشدُّ من إنكارِهم لليومِ الآخر((وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)) ((وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَءنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ))هذا هو افتراؤهم وهذا هو عجبهم!!ويتولَّى القرآنُ الردَّ والبرهان،يتطاولون على الله بعنادهم،فيأتي الدليلُ ناصعًا بينًا ((وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)) ((فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً))سبحانَه لا إله إلا هو
ما في الوجود سواك ربٌ يعبدُ
كلا ولا مولَى سواكَ فيقصدُ

يا من له عنت الوجود بأسرها
ذلاً وكلُّ الكائناتِ توحِّدُ

أنتَ الإله الواحد الفرد الذي
كلُّ القلوبِ تُقرُّ له وتشهدُ

خلقَ آدمَ من عدم،وخَلَق حوَّاء من غيرِ أم،وخلقَ عيسى بكلمةٍ ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه،وقالَ له:كن فيكون..مسكينٌ واللهِ من يُحَاولُ الإنكارَ ويتسابقُ خلفَ الأفكار ويُحجَبُ عن الأبصار (( بَلْ يُرِيدُ الأِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ))وما كان هذا الضلالُ إلا لإتباعِ الهوى وتعطيلِ العقل((فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى))فهل يسيغُ العقل أن قومًا أحسنُوا وأصلحوا وأنفقوا وجاهدُوا ثم لا ينالون أجرَ ما قدَّموا؟!!ثم هل تقبلُ عدالةُ ربِّ العالمين أن من ظلم وطغى وتجبر وآذى وعذَّب وشرَّد واضطهدَ أن يبقى في أمنٍ من سوء العاقبة؟لابد من موقفٍ ويومٍ يُجزى فيه المحسنُ على إحسانِه،والمسيءُ على إساءتِه،هذا هو نهجُ العقلِ والإيمانِ،والعلمُ والحكمةُ برهان ((أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ*وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ))فالحكمة تقتضي أن يُسألَ الإنسان كما أُعطي،ويُحاسبُ على ما عمل


ولو أنا إذا مُتنا تُركّنا
لكانَ المَوْتُ غايةَ كُلِّ حَيِّ

ولكنا إذا متنا بُعثنا
ونُسألُ بعدَه عن كلِّ شي

مسكين والله من ينكر شيئًا من عجائبِ يومِ القيامة لمخالفتِه قياسَ عقله وإدراكه ثم يصدق شيئاً من عجائب الدنيا وتقنيات العصر التي ما كان يعقلها لو لم يشاهدها..وقد قيل للكفار والمنكرين ((قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً))إن الذينَ لا يُؤمنونَ بالآخرةِ والذينُ يكذِّبون بيومِ الدين يعيشونَ في بؤسٍ وشقاء لا أملَ لهم ولا رجاءَ،لا يرجون عدلاً في الجزاء ولا عِوَضًا عما يلاقونَ في الدنيا من عناء..لا يعدُو نظرهُم الحياةَ الدنيا ومتعتهم بها،فهم من ضيقٍ إلى ضيق..ومن بؤس إلى مسكنة..ولو أظهروا غير ذلك..لقد ضلَّوا وأضَلُّوا،بما نسُوا يومَ الحساب،وما اجترأُوا على حرماتِ الله وأفسدُوا في أرضِ الله،وما ظلمَوا وتظالموا إلا لأنَّهم كانوا لايرجون حسابًا ((إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))أما المصدِّقُون بيومِ الدينِ،والذين هم مِنْ عذاب ربهم مشفقون،فاستقامُوا على الحقِّ والتوحيد،ونبذُوا الشركَ وأصلَحُوا عملهم،وأَخلصُوا لربِّهم((فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً))يحملهم إيمانهم باليوم الآخر والتصديق بلقاء ربِّهم على الصبرِ،والبذلِ والإحسانِ،لا يبتغون من غير الله جزاءً ولا شكورًا((يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً))هذا هو الإيمان نسألُ الله من فضله.. يومُ البعثِ أَيُّهَا المسلمون يومٌ مشهود تعدَّدَتْ أسماؤُه لعظيمِ أهوالهِ وأعمالهِ فهوَ يومُ الحشرِ والنشور،ويومُ الفصلِ والقيامة،ويومُ الدينِ والحساب،ويوم ترجفُ الراجفة،تتبعهَا الرادفة،حينَ تحِقُّ الحاَّقةُ،وتقَع الواقعةُ والقارعةُ،وتجيءُ الصاخَّةُ والطامَُّةُ،يومُ الآزفةِ إذ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين، ذلكَ يومُ الخروج،يومَ تُبْلَى السرائرُ،وتتكشَّفُ خبيئاتُ الضمائر((لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ))وحينئذٍ يكونُ كلُّ إنسانٍ حسيبَ نفسِهِ ورقيبَ عملهِ ((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً))تشهدُ عليه صحائفُه،وتحكمُ عليه أعمالُه وتنطقُ عليه جوارحه ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) ((حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) . إنه يومٌ يجمعُ اللهُ فيه الأولين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ أجسامُهم عاريةٌ وأقدامُهم حافيةٌ وقلوبُهم وَجِلَةٌ خائِفَة مُهطعين إلى الداعِ يقولُ الكافرون:هذا يومٌ عسر قال صلى الله عليه وسلم يقولُ الله:يَا آدَمُ قُمْ فَابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ،فَيَقُولُ:َلبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ،وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ،وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟قَالَ:فَيَقُولُ اللَّهُ:مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ،قَالَ:فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الْمَوْلُودُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ قَالَ:فَيَقُولُونَ:وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟فَقَالَِ صلى الله عليه وسلم:"تِسْعَمِائَةً وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ،وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ "قَالَ النَّاسُ:اللَّهُ أَكْبَرُ،فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ،وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ "ولأَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ))متفق عليه ..نسأل الله أن يرحمنا بواسع رحمته..يومٌ تكونُ فيه السماءُ كالمُهل والجبالُ كالعهن ولا يسألُ حميمٌ حميماً بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ ضَحِكَ حتى بدت ثناياه فقال عمر:ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟فقال صلى الله عليه وسلم:رجلان من أمتي جثيا بين يدي ربِّ العزة فقال أحدُهما:ياربِّ خذ لي مظلمتي من أخي فقال الله:أعطِ أخاك مظلمته قال:يارب لم يبقْ من حسناتي شيء؟قال:يارب فليحملْ من أوزاري..قال:ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال:"إن ذلك ليومٌ عظيمٌ يحتاج الناس أن يُحمَلَ عنْهُم أوزارُهم))..أخرجه الحاكم وصححه..
إنه يومُ الحسابِ إخوتي كلُّنا نُؤمنُ به غيرَ أنَّنا غافلون عن الاستعدادِ له مُعرضُون في دنيانا الدنيئةِ وبلذائِذها منغمسون..يومٌ توضعُ فيه الموازينُ لأعمالِ العبادِ من خيرٍ وشرٍ..تدنُوا فيه الشمسُ مقدارَ ميلٍ فيُظلُّ الله من يشاءُ بظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه..يكونُ الصراطُ أدقُّ من الشعرة..وأحدُّ من السيف ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول:يا ربِّ سلِّم سلِّم فيكونُ أوَّلَ من يجوزُ عليه وفي حافته كلاليبُ تنزِعُ الناسَ فمخدوشٌ ناج ومكردسٌ في النار عياذاً بالله..يومٌ يبلغُ فيه العطشُ كلَّ الناس فيرِدُ رسولُ الله الحوضَ المورود طولُه مسيرةُ شهرٍ وعرضُه مسيرةُ شهرٍ يصبَّان فيه من الكوثر من شَرِبَ منه شربةً لم يظمأْ بعدَها أبداً فيرِدُ عليه المؤمنون من أمته صلى الله عليه وسلم ورسول الله قائمٌ عليه ينظرُ من يَرِدْ فيُقْتَطَعُ ناسٌ دونَه فيقولُ((يا ربِّ أمتي فيقالُ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدَك ما زالوا يَرجِعُون على أعقابِهم))متفق عليه ..نسألُ الله السلامة..و والله يا عباَد الله لو أدركَ كلُّ واحدٍ منا أهميةَ يومَ البعثِ وعاقبتَه وهَولَه لأعدَّ لذلك اليوم عِدّتَه ولما طغَى هؤلاءِ المتجبِّرون الذين نراهم اليوم يُهلِكُون شعوبهم ويقصفونهم ويذيقونهم صنوفَ الأذَى والعذاب والسجنِ والإقصاءِ ويمارسون التكفير والتصنيف والإيذاء وكأنَّهم مخلدون في هذه الأرض..لو أدركنا حقيقة اليوم الآخر لما ظلمنا بعضنا ولأحسنا خلقنا فأين من يتكبر على عباد الله وفي الحديث((يُحشرُ المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان)). رواه الترمذي

واذكـرْ مناقشـةَ الحسـابِ فـإنـه
لابَدَّ يُحصـي مـا جنيـتَ ويَكتُـبُ

لـم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ
بـل أثبـتـاهُ وأنــتَ لاهٍ تلـعـبُ



فاتقوا الله عباد الله،واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله،يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية،يوم ينفخُ في الصورِ فتأتون أفواجًا حُفَاةً عُراةً غرلاً،في موقف يُذيبُ هولهُ الأكباد،تذهلُ فيه كلُّ مرضعةٍ عما أرضعت،وتضعُ كل ذاتِ حملٍ حملها،وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد،يجمعُ الله الأولينَ والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الداعي،ويُنفِذُهم البصرَ،يجمعُ الله فيه بين كلِّ عاملٍ وعملَه،وبين كل نبيٍّ وأمَّتهَ،ومظلوم ومظلمتَه ((الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ))الأبصارُ شاخصةٌ،في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سنة،يفرُّ المرء من أخيه،وأمِّه وأبيه،وصاحبته وبنيه،لكلِّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه،أهوالٌ شداد،وأحوالٌ عظام..يوم القيامة تُبدَّل الأرض غير الأرض والسموات،فالسماءُ فُرجت وكُشطت وانشقَّت،وفُتحت فكانت أبوابًا،والشمس كُوِّرَت وخَسَفَ القَمر وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ والنجومُ انكَدَرت،وطُمست أما الأرض فسُجِّرت بُحارُها تسجيرًا،ودُكَّت جبالهُا دكًا ونُسفَت نَسْفًا وسُيَّرت فكانت سرَابًا،وزُلزِلَت الأرضُ زلزالَها،وأَخرجت أثقالها،وحدَّثت أخبارها،وألَّقت ما فيها وتخلَّت..سألت عائشةُ رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم((أينَ يكونُ الناسُ يومَ تُبدّلُ الأرض غيرَ الأرض والسموات؟قال:"على الصراط))وفي حديث ثوبان:"إنهم يكونون في الظلمةِ دونَ الجسر"رواه مسلم وحينئذٍ يحشرُ المتقون إلى الرحمن وفدًا فنعم المُوفِدُ ونعم الوافدون،ويساقُ المجرمون إلى جهنَّم ظمأى عطشى،يتمثَّلُ لهم السرابُ كالماء وما هو إلا الحرُّ والسعير،والنارُ والزفير،عياذًا بالله من غضبه وأليم عقابه..فمتى يستفيقُ مَنْ لم يستفقُ اليوم؟!ومتى نتوبُ وواعظُ الموتِ يُذكِّرُنا كلَّ يوم؟!ومتى نحاسب أنفسَنا قبل يوم العرض؟!((أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ*إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ*فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ))اللهم اختم لنا بخاتمة الإيمان والصفح والغفران..واسترنا يوم العرض وآمنا يوم البعث النشور أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية .. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ..أما بعد
ألا فاتقوا الله رحمكم الله،وأعِّدوا العدةَ ليومِ العرضِ والحسابِ وقراءةِ الكتاب،وجواز الصراط،وإثقالِ الميزان فالساعةُ آتية لا ريبَ فيها لا تأتيكم إلا بغتة،ولا يُجلِّيها لوقتها إلا الله جل جلاله..وهو عسيرُ على الكافرين وعلى عظم أهواله يسيرٌ على المؤمنين ..
اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادة لا إله إلا أنت ياحي ياقيوم خَفِّفْ عنا أهوالَ ذلك اليوم واجعلنا فيه من السعداء الناجين..وألحقنا ووالدينا وذرارينا بالصالحين يارب العالمين..
اللهم نَّجنا وبيِّضْ وجوهَنا وأحسنْ خاتِمتَنا،وخَفّفْ حسابَنا..اللهم لا تجعلنا من أهل الفضائح والنكبات،وأهل البوار والخسارات برحمتك يارب الأرض والسموات..اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان انصرهم على عدوك وعدوهم..اللهم كن لإخواننا في سوريا عجل بنصرهم يا قويُّ يا عزيز..
الاستغاثة
و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

 0  0  1614
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 10:01 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.