عباد الله اتقوا الله تعالى و توبوا إليه ..
ابتلاه الله عز وجل في جسده و ماله و ولده ، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليماً سوى قلبه كما ورد في الأثر ، و لم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه و ما هو فيه ، إلا أن زوجته حفظت وده بإيمانها بالله تعالى و رسوله ، فكانت تخدم الناس بالأجرة ، و تطعمه و تخدمه ، و تقوم على شؤونه نحوا من ثماني عشرة سنة ، و قد كان قبل ذلك في مالٍ جزيل و أولادٍ و سعةٍ طائلةٍ من الدنيا ، فسلب جميع ذلك حتى رفضه القريب و البعيد سوى زوجته رضي الله عنها فإنها كانت لا تفارقه صباحأً و لا مساءً إلا وقت خدمتها للناس و تعود إليه في أقربِ وقتٍ ممكن ، إنه نبي الله أيوب الذي ابتلاه الله بالمرض .. ولما طال زمن المرض به عليه الصلاة و السلام اشتد عليه الحال و تم الأجل المقدر ، تضرع إلى الله رب العالمين ليرفع عنه البلاء فهو أرحم الراحمين ، و هكذا يجب على المسلم أن يدعوا ربه عند نزول البلاء و المرض عليه مع بذل الأسباب و عدم الاعتماد على الوسائل إنما عليه بذل الأسباب (( و أيوب إذا نادى ربه أني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر و ءاتيناه أهله و مثلهم معهم رحمةً من عندنا و ذكرى للعابدين ))
و إذا أراد الله أن الداء و المرض عن عبده فهو القادر سبحانه دون من سواه لأنه الذي أنزله عز وجل لحكمة يعلمها سبحانه و تعالى .
فلما دعا أيوب عليه الصلاة و السلام ربه استجاب له و أمره بأخذ الأسباب حيث أمره أن يقوم من مقامة و يضرب برجله الأرض و يسعى و يركض و يغتسل و يشرب من الماء الذي نبع من الأرض بقدرة الله عز وجل حتى ذهب عنه المرض الذي كان يشكو منه و قام سليماً معافى بإذن الله تبارك و تعالى ..
عباد الله
الدنيا دار بلاءٍ و أمراضٍ ، وظلٌ زائل و متاعٌ منتهي ، ما من إنسانٍ في هذه الدنيا إلا و لا بد أن يواجه فيها مرضاً و عافية و سروراً و فرحاً و حرناً و سراء و ضراء ، كل هذا لماذا ؟ لأن الله هو الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسنُ عملاً و هو العزيز الغفور ..
و الابتلاءات سنةٌ ربانية في هذه الدار ، لتكون داراً للامتحان في الشهوات و الفقر و المرض و الخوف و النقص في الأموال و الأنفس و الثمرات كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال و الأولاد و الصحة ..قال تعالى ((و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون ))
و من جملة الابتلاءات : الأمراض حيث يبتلي الله به من يشاء من عباده و يراها الناس اليوم تحدث للقريب و البعيد و بعضنا لا يعرف التعامل معها ..
واعلم أيها المسلم أن الله سبحانه و تعالى لا يقضي شيئًا كونا و شرعا إلا و فيه الخير والرحمة لعباده ، و للأمراض و الأسقام نسأل الله أن يعافينا و إياكم منها فوائد عظيمة و حكم بالغة لو تأملها المسلم حق التأمل لأدرك بيقين أن المرض نعمة و منحة من الله ساقه إليه ، فمن ثمرات المرض و حكمه أن الله يستخرج من المريض عبودية الضراء و هي الصبر ، و هذا لا يتم إلا بأن يقَلِب الله الأحوال على العبد حتى يتبين صدق عبوديته لله تعالى قال صلى الله عليه و سلم ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكن خيراً له ، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ))رواه مسلم ..
و المصائب و الآم ملازمة للبشر و لا بد لهم منها لتحقيق العبودية لله قال تعالى (( و لنبلو نكم بشيءٍ من الخوف و الجوع و نقصٍ من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين ))
قال بعضهم : لولا حوادث الأيام لم يُعرفْ صبر الكرام و لا جزع اللئام ، قال شيخ الإسلام : (فمن ابتلاه الله بالمر ، بالبأساء و الضراء فليس ذلك إهانةً له بل هو ابتلاء و امتحان ،فإن أطاع الله في ذلك كان سعيداً ، و إن عصاه في ذلك كان شقياً )
عباد الله
و من فوائد المرض تكفير الخطايا و السيئات التي يقترفُها العبد ، فإن المرض قد يكون عقوبة على ذنب و قع من العبد لقوله تعالى (( وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير ))و قال ما اختلجَ عرقٌ و لا عينٌ إلا بذنب ، و ما يدفع الله عنه أكثر وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خيرٌ له من عقوبة الآخرة حتى تُكفَّر عنه ذنوبه ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما من مسلمٍ يصيبه أذىً من مرضٍ فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحطُّ الشجرةُ و رقهَا)) رواه البخاري ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ما يزال البلاء بالمؤمن و المؤمنة في نفسه و ولده و ماله حتى ما يلقى الله و ما عليه خطيئة رواه الترمذي و مسلم ..
و من فوائد المرض كتابةُ الحسنات و رفع الدرجات فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله طرقَه و جعٌ فجعل يشتكي و يتقلب على فراشِه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي إن الصالحين يُشدَّد عليهم و إنه لا يُصيبُ مؤمناً نكبةً من شوكةٍ فما فوق إلا حُطت عنه بها خطيئة و رُفع له درجة
و قد يكون للعبد المنزلة العظيمة عند الله و لم يكن له من العمل الذي يُبلِّغه تلك المنزلة فيبتليه الله بما يكره حتى يكون أهلاً لتلكَ المنزلةِ فيصلُ إليها ، لقول النبي إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعملٍ ، فما يزالُ الله يبتليه بما يكره حتى يُبلغه إياها
و المرضُ يا عبادَ الله سببٌ في دخول الجنة لأن الجنة لا تُنال إلا بما تكرهه النفس لقول النبي

و المكاره تشمل مجادة النفس في القيام بالطاعات و اجتناب المحرمات و الصبر على المصائب و التسليم لأمر الله فيها ، لقوله عليه الصلاة و السلام فيما يرويه عن ربه عز وجل إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه أي عينيه- فصبر عوضته منهما الجنة رواه البخاري
و قوله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاءً إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبَه إلا الجنة رواه البخاري ، ومعنى احتسبه أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله .
و في المرض سبب للنجاة من النار فلقد عاد عليه الصلاة و السلام مريضاً و معه أبو هريرة في دَعَكٍ كان به فقال له أبشر فإن الله عز وجل يقول : هي ناري أسلِّطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة و الدعك هي الحمى ..
و من حكمة المرض أنه يرد العبد الشارد عن ربه إليه ، و يُذكرُه بمولاه بعد الغفلة ، و يكُّفه عن معصيةٍ بعد الانهماك فيها فإن الصحة و الملذات و المال و الشهوات قد تُطغى العبد فينهمك في المعاصي و الغفلة ، فإذا ابتلاه الله بمرض أو غيره و استشعر ضعفه و ذله و فقره إلى خالقه و مولاه تذكر تقصيره في حقه عاد إلى ربه نادماً ذليلاً متضرعاً ..
عاد سلمان رضي الله عنه مريضاً فقال له (( أبشر فإن مرض المؤن يجعله الله كفارة و مستقيا ، و إن مرض الفاجر كالبعير عَقَلَه أهلُه ثم أرسلوه ، فلا يدري لم عُقل و لم أُرسل ))
و المعنى أن الفاجر لم يُؤثِّر عليه المرض فلم يرجعْ إلى ربه و لم يعرف أن المرض نزل به لإيقاظه من الغفلة و إرجاعه إلى الحق ، و قال شيخ الإسلام رحمه الله مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله و قال سفيان ما يكره العبد خير له مما يحب لأن ما يكرهه يهجيه للدعاء ، و ما يحبه يلهيه .
و في المرض يتذكر العبد نعمَ الله السابقةَ والحاضرةَ ، فكم منحك الله أيها المريض من نعمةٍ و كم دفع عنك من مكروه و كم أنستنا النعم و الصحة فضل الله ، ولكن المرض يذكر أيام الصحة .
قال ابن القيم رحمه الله: (لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً أو آجلاً) فلولا الله سبحانه وتعالى يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ولقد كان الصالحون يفرحون بالمرض والبلاء ويعدونه نعمة كما يفرح الواحد منا بالرخاء قال : ((وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)) قال بعض الحكماء: (رب محسود على رخاء، وهو شقاؤه، ومرحوم من سقم، هو شفاؤه، ومغبوط نعمة هي بلاؤه) وقال ابن القيم رحمه الله: (ولو رزق العبد من المعرفة حظاً وافراً لعد المنع نعمة، والبلاء رحمة، وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية، ولتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى، وكان في حال القلة أعظم شكراً من حال الكثرة).
أيها المسلمون: وكلما كان العبد أتقى لله كلما كان البلاء عليه أشد لقوله : ((إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط)) رواه الترمذي، ولما كان الأنبياء والصالحون هم أحبُّ الخلقِ إلى الله تعالى كان بلاؤهم أشد من غيرهم فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال: ((الأنبياء ثم الأقل فالأقل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابةً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتليَ على حسب دينه، فما يبرحُ البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)) رواه الترمذي وهو صحيح.
وهذا نبيكم سيّدُ الخلق أجمعين صلوات ربي و سلامه عليه كان أشدَّ الناسِ بلاءً حيث يشتدُ عليه المرض أكثر من غيره حتى قالت عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيتُ أحداً أشد عليه الوجع من رسول الله)) رواه البخاري ومسلم. وقال أبو سعيد: دخلتُ على النبي وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك؟ قال: ((إنا كذلك يُضعفُ لنا البلاء ويُضعف لنا الأجر، قلت يا رسول الله: أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياء ،قلت: ثم من؟ قال: الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يُجد أحدُهم إلا العباءَة يحويها (يجمعها)، وإن أحدهم ليفرحُ بالبلاء كما يفرحُ أحدكم بالرخاء)).
ثم أبشر يا من أصيب بمرض فمنعك هذا المرض من الطاعات، وحبسك عما كنت تعمل من الصالحات، أبشر فإن أجرك جار وعملك مستمر قال : ((إذا مَرِضَ العبدُ أو سافَرَ كُتِبَ له مثلَ ما كان يعملُ مقيماً صحيحاً)) رواه البخاري.
وعليك أيها المريض بالصبر، فإن الصبر على المصائب واجب باتفاق الأئمة والصبر نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر. ويتحقق الصبر بثلاث أمور بحبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى للخلق، وحبس الجوارح عن فعل ما ينافي الصبر من لطم الخدود وشق الجيوب ونتف الشعور، ولأهمية الصبر ومنزلته من الدين وحاجة المؤمن إليه جاء ذكره في القرآن في تسعين موضعاً كما قال الإمام أحمد رحمه الله: (فإن الله مع الصابرين ويحبهم ويجزيهم أجرهم بغير حساب) قال تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال إنما يغرف لهم غرفاً، نعم فلقد ذهب الصابرون بخير الدنيا والآخرة لأنهم نالوا من الله محبة الله.
وقيل لرسول الله : أيُّ الإيمانِ أفضل؟ فقال: ((الصبر والسماحة)) و ليس الصبر كصبر البهائم الذي لا يصحبه احتساب الأجر عند الله، أو يصحبه السخط وعدم الرضى.
و إنما الصبرُ المأجورُ صاحبه هو الذي لا بد أن يتدّبرَ فيه أموراً منها أن يعلم أن المرضَ مقدرٌ من عندِ الله قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وأن يتيقن أن الله أرحم به من نفسه ومن والدته والناس أجمعين، وأن يعلم أن ما أصابه هو عين الحكمة من الله، وأن الله أراد به خيراً لقوله : ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) رواه البخاري، وأن ما أصابه علامة على محبة الله له، وأن يعلم أن الجزع لا يفيده، وإنما يزيد آلامه ويفوت عليه الأجر، قال علي بن أبي طالب: (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور) ثم تذكر الموت وسرعة الإنتقال عن هذه الدار قال : ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات، فما ذكره عبد قط في ضيق إلا وسعه عليه، ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقها عليه))، وأن تعلم أن الدنيا دار الإبتلاءات والأسقام والأحزان، وأنها حقيرة عند الله، وأن تعلم أن وراء هذه الدار داراً أعظم منها وأجل قدراً، وأنك لابد مرتحل إليها إن كنت من أهلها، وهي الجنة التي أعدها الله لأوليائه التي تزول فيها الأكدار والأسقام والأحزان.
وعليك أن تتسلى بالنظر إلى من هو أشد منك بلاءً وأعظم منك مرضاً، وأن تنظر وتتذكر أن مصيبتك ليست في دينك، فكل مصيبة ليست في الدين فهي هينة لقوله : ((ولا تجعل مصيبتنا في ديننا)) رواه الترمذي.
ويحصل الصبر بالتصبر لقوله : ((ومن يتصبر يصبره الله)) ثم انتظر الفرج فإن فيه تهويناً، ومعونة على الصبر، وتصور انجلاء الشدائد وانكشاف الهموم قال ابن القيم رحمه الله: إنتظار روح الفرج معنى راحته ونسيمه ولذته، فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة، ولا سيما عند قوة الرجاء أو القطع بالفرج، فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته ماهو من خفي الألطاف وما هو فرج معجل، ثم دع عنك (لو) فإنها تفتح عمل الشيطان، فإذا أصبت بمرض لسبب من الأسباب فلا تفتح على نفسك باباً للشيطان فتقول: لو فعلت كذا لكان كذا مما فيه اعتراض على قدر الله وقضائه، وإنما عليك بالتسليم والاطمئنان بأن ما أصابك لابد من حصوله، وأن ماشاء الله لابد أن يقع وفق مشيئة الله قال : ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله ما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)) رواه مسلم.
وأخيراً اعلم أيها المريض أن الله هو الشافي وأنه سبحانه هو مسبب الأسباب، وأنه سبحانه بيده الدواء قال : ((لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء يبرأ بإذن الله عز وجل)) رواه مسلم.
واعلم أخي أن فعل الأسباب بالتحاليل الدورّية كل سنة أو كثر لا ينافي التوكل على الله بل هو من فعل السبب لدفع الأمراض قبل وقوعها بإذن الله و من ذلك تأتي هذه الحملة التي تقوم بها محافظتنا لمرضٍ ينتشر بين النساء و هو سرطان الثدي حيث يسعون لتوعية مجتمعنا و نسائنا بالتحليل لمنع وقوعه بإذن الله الذي يمكن عند الاكتشاف المبكر لهذا المرض نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه و يرضاه ..
عباد الله
اعلموا بأن الدواء مجرد سبب للشفاء، والشافي حقيقة هو الله سبحانه، فلا تتداوا بمحرم، ولا تتمنوا الموت، ولا تستعجلوا الإجابة، وألحّواَ على ربكم بكثرة الدعاء والإستغفار والصدقة، واعلموا بأن الله لا يخيب رجاء من دعاه ولاذ بجانبه مخلصاً صادقاً، فإن الله حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين، وكونوا على يقين بالإجابة لقوله : ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
وعليكم بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة فإن أعظم ما يتداوى به العباد هو كلام الله الذي فيه الهدى والشفاء والتنفيس والتفريج قال تعالى: وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين . فاحمدوا الله و اشكروه على ما أنتم فيه من نعمٍ لا تستطيعون عدها .. اللهم رازقنا شكر نعمتك و اجعل ما أصبتنا فيه من عللٍ سبباً لرجوعنا إليك و رضاك عنا أقول ما تسمعون و أستغفر الله لي و لكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
إن من تذكر نعمة الله بالصحة و السلامة يزور الإنسان المرضى و يداوم على ذلك ليس من يعرفهم كما يظنه بعض الناس بل حتى من لا يعرفهم لأن زيارة المريض تدعو الصحيح المعافى في بدنه للتذكر والشكر لله على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، وبها يعلم أنه لو كان ساجداً وقائماً طوال حياته لله رب العالمين لم يؤدِّ مقابل نعمة من النعم التي أنعم الله بها عليه. و زيارتهم تُذكر الموت فلا يسرحُ الشخص و يمرح في هذه الدنيا دون وتكون الزيارة أكثر اعتباراً وتذكراً عند زيارة المرضى في المستشفيات والمصحات العامة عموماً وعند قرب الموت ودنوّ الأجل ولدور النقاهة والإعاقة خصوصاً لأصحاب الأمراض المزمنة أو المروعة نتيجة الحوادث المتعددة الأسباب، في تلك الدور مرضى قارب بعضهم عشرين عاماً ومنهم أقل أو أكثر، كثير منهم صابرون محتسبون، وقليل منهم من يجزع ويتسخط، ففي زيارتهم العبر والدروس الكثيرة لأهل الصحة والعافية والأمراض الخفيفة والعابرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشيةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة)). والخريف: هو الثمر المخروف المجتنى. وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع))، قيل يا رسول الله: وما خرفة الجنة ؟ قال: ((جناها)). أي ما يجتنى من الثمر. وعلى الزائر لأخيه المسلم أن يتجنب كثرة الأسئلة التي تقلق المريض عن صحته و مرضه بل المشروع أن يدعو الله بالدعاء المأثور الوارد في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلاً من حمل الورود والهدايا التي انتشرت عند أبواب المستشفيات والتي حملها لنا الجاهلون بتعاليم الإسلام وطبقناها كأنها سنة وخصال حميدة وتركنا تعاليم ديننا الذي فيه الخير والبركة وأخذنا بعادات وتقاليد أعداء الإسلام والمسلمين، و ابتعدنا عن الاقتداء برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم و اتباع هديه وطريقته!!
وعلى المسلم أن يطيّب خاطر المريض ويدعو له ويمسح بيده اليمنى عليه، ومن المأثور ما وردت به الأحاديث من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان إذا دخل على مريض يعوده قال: ((لا بأس، طهور إن شاء الله)). وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عاد مريضاً لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك إلا عافاه الله من ذلك المرض)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا عاد أحدكم مريضاً فليقل اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً أو يمشي لك إلى صلاة)) ومن الأدعية المأثورة أيضاً التي يدعو بها المريض لنفسه أو الزائر قوله صلى الله عليه وسام: ((اللهم رب الناس أذهب البأس، أشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً)). وإذا رأى المسلم مبتلىً فعليه أن يدعو له ولنفسه لئلا يبتليه الله بما ابتلاه به أو أكثر فعليه أن يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به _ أو مما ابتليت به كثيراً من خلقك _ اللهم عافه ولا تبتليني. والأدعية كثيرة من أرادها فليرجع إليها في مظانها ..
نسأل الله أن يشفي مرضانا و مرضى المسلمين و يجنبنا الأوبئة و الأمراض و يعافينا منها ..
وصلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين ..
عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي