• ×

02:27 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

من يسرق منا رمضان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله سهل لعباده طرق العبادة ويسر،أحمده سبحانه وأشكره،شرع مواسم وهيأ مناسباتٍ يُنيب فيها العبدُ إلى ربه ويتطهر وأشهد ألا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهد أن سيدنا مُحَمداً عبدهُ ورسولهُ،نبيٌ غُفرَ لهُ ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب ومعشر وسلم تسليماً
أما بعد..فيا عباد الله اتقوا الله تعالى واحمدوه واشكروه على أن بلغكم شهر رمضان..رمضانُ النورِ والذكر،والخير والطهر،فيه ليلة القدر،فيه عز الفتحِ،وفيه نصر بدر،وفي ختامه بهجةُ العيدِ وفرحةُ الفطر ..
أيها المسلمون..كان نبينا محمد يُبشِّرُ أصحابَه بقدومِ رمضان..بأنها شهرٌ للرحمة والمغفرة والعتق من النار ليستعدّ الناسُ فيه للعملِ الصالحِ المبرور ولكننا رأينا قبل أيام وقبل بداية رمضان بشائرَ تَسرقُ منا رمضان وتفسدهُ علينا..نعم إخوتي..من هم أولئك الذين يسرقون من المسلمين رمضان؟!يسرقون أجر رمضان من الناس ثم يُعلنُون على صحفِ الجرائدِ سرقاتِهم تلكَ لهذهِ اللحظاتِ المباركة في هذا الشهرِ العظيم..وكيف واتتهم الجراءةُ ليسرقُوا هذا رمضان بعد خرابٍ طوالَ العامِ الذي لم يكفهم فجلَبوه إلى رمضان لعلكم إذاً عرفتم هؤلاء السارقين؟!إنَّهم من اعتدَى على الأُمةِ قبلَ وبعدَ وأثناءَ رمضان فانبرُوا بقنواتِهم الفضائيةِ المهترئةِ،وباسم الترفيهِ عن الصائمين بطرح برامجَ ومسلسلاتٍ لهم تتنافسُ فيما بينَهم لإفسادِ رمضان وجوِّه الروحيِّ على عباد الرحمن الذين رضُوا بها فشاهدُوها مضيعين معنى الصومِ الحقيقيِّ وهو التقوى فمن لم يدع قولَ الزور والعمل به فليسَ للهِِ حاجةٌ في أن يدَع طعامهَ أوشرابَه.
أَيُّهَا الأخوة..في رمضانَ يُعطى السائلُ ويُغفرُ للتائبِ تتصلُ القلوبُ ببارئِها،تمتلئُ المساجد يروَّادِها هذا مُصلٍّ وهذا ذاكرٌ،وآخرُ يتلوا كتابَ ربِّه،كُلُّهم يرجونَ الأجرَ والتخلُّصَ من أوزارِ الذنوبِ..ترى هؤلاءِ وتحمدَ الله..ترى كثرت الناس في المساجد وتحمد الله على ذلك..لكنكَ تحزنُ وأنتَ ترى بالمقابلِ فئاماً من الناس يستقبلون رمضانَ انتظاراً لأن تتسلَّطَ عليهم القنواتُ الفضائيةُ ببرامجها التافهة التي تحملُ شراً وفسقاً ورقصاً وعرياً والأعظمُ استهزاءً بدينِ الله وشرائعهِ وتشويهاً للتاريخِ ومراجعهِ..فما الذي دهى القوم؟!قد يكون هدف هذه القنوات مادياً لجلب المال أو للإفسادِ ولكن كيف بخسارةِ من أضاعَ فُرصةَ رمضانَ العظيمةِ بالمغفرةِ والرحمةِ والعتقِ من النار؟!ليُحَصِّلَ بدلاً منها وزراً وإثماً ثم ألم يكفِ هذه القنوات ورجالِها ما أفسدوه في المجتمع خلال العام؟!ليعتدوا على رمضان!!..كيف جعلوا من شهر التقى والعفاف موسمَ حياةٍ لاهيةٍ وسمرٍ عابثٍ أين هم من النداء الرمضاني{يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاءُ من النار في كل ليلة} فلا حول و لا قوة إلا بالله.
أَيُّهَا الصائمون..البرامجُ الفضائية تَنشَطُ في رمضان بشكلٍ عجيب..ويتضاعفُ جهودُ المحطاتِ وقنواتُ البثِّ يقودها مَردةُ شياطينِ الإنسِ ممن يتسمى بأسماءٍ إسلامية وينتسبُ لنا لكنه سخرَ قنواته وبرامجه التي لاهدف لها إلا إزالةَ الأجرِ والثواب الذي حصل عليه العبد في نهار رمضان فتأتي هذه البرامج وتقضي عليه بالليل..إن لم تفسدُه خلال النهار..فانشغلَ الكثيرون حتى في نهار رمضان عن الذكرِ والاستغفارِ وقراءةِ القرآن،وجلسوا أمام هذه الشاشات واكتفوا من الصيام بالإمساك عن الطعام فقط..ليَتَفرَّغُوا لمتابعةِ مسلسلاتٍ دراميةٍ تافهةٍ ،ومكررةٍ أو للاستهزاءِ بالدين والسخريةِ من أهلهِ بعد الإفطار من أهله..وقَليلٌ منها مفيد ضائع وسط الضحل..وتعالوا إلى حديثٍ صريحٍ نناقشٌ فيهِ بعض تلك البرامج.
هل ينكر أحدٌ منا..هل ينكر أحدٌ منا..أن الله حرم علينا معاشر الرجال النظر إلى المرأة الأجنبية،المتبرجة بلا حجابٍ والقليل من الثياب؟؟هل ينكر أحدٌ منا أن الإسلام قد حرم علينا الاستماع إلى الغناء وآلات الطرب واللهو ولا يمكن أن تخلو برامج هذه القنوات من أصوات الموسيقى المحرمة..كل هذا أَيُّهَا الأحبة لو سلمنا بأن ما يعرض على الناس هو النساء والموسيقى ولكن الواقع أن الأمر أعظم من هذا واعذروني أن أخدُشَ سمعَ أولئك الذين عافاهُم اللهُ من مشاهدةِ هذا البلاءِ ولكن الوعيَ له تبعاتُه فاسمَعُوا وعُوا.
إِن الذي يُعرضُ على الناسِ الآنَ في رمضان وما يسمى بالبرامج الرمضانية..الشركُ والكفر بالله تعالى،يعرضُ على الناسِ السحرَ والشعوذةَ والزندقةَ،ويعرضُ على الناسِ..تمثيلياتُ الجنسِ ومسلسلاتُ العشقِ والغرام والكذبِ والسيئِ من الأَخلاقِ،يعرضُ على الناسِ الزنا الصريح،يعرضُ على الناس صورُ الجريمةِ وأساليبُ النصبِ والاحتيالِ،يعرضُ على الناس..التهوينُ بحجابِ المرأةِ والاستهزاءُ بعباءتِها ونقابِها وعاداتِ المجتمعِ وتقاليدهِ،يُعرضُ على الناسِ الخمرُ والمخدرات..قنواتٌ غنائيةٌ تبُثُّ على مدارِ الساعة أغانٍ يستحي الإنسانُ من وصفِهَا فكيفَ بِصورِهَا وكلامِهَا ورقصِها وهي لاتستحي أن تتوقَّفَ حتى في رمضان..تُرى هل تبلَّدت أحاسيسُ الناس؟!وهل ماتت الكثيرُ من الفضائلِ الإسلاميةِ في نفوسِهم حتى صارُوا يتقبَّلون أن ينظروُا في الشاشةِ رجلاً يحتضن بنتاً شابةً على أنَّهُ أبيها؟!!ونحن مطالبون أن نأخذَ الأمرَ بعفويةٍ وطبيعيةٍ يدعونَنا إليها ..
وصرنا لا نُنكرُ وجودَ رجلٍ وامرأة يمارسونَ وضعَ الزوجين ونَصفُهم بالتمثيلِ المبدعِ الراقي،وصرنا لا ننكرُ على أن تَظهرَ المرأةُ حاسرةَ الرأسِ،كاشفةً جسمها..ثم تهريجٌ وإضحاكٌ غيرُ منضبطٍ واستهزاءٌ بالشعوبِ واللهجاتِ وانتقادٌ واستهزاءٌ لما حَسُنَ من العادات ..
برامجُ تجعلُ من العَادةِ مَناظرُ اِحتساءِ الخمرِ والتدخين والاغتصابِ والسرقاتِ والقتلِ،والسبابِ بأقذعِ الألفاظ،وتقبَّلنا كل هذا على أساس أنه تمثيل..تقبَّلنا كل هذا ونجلس بأولادنا وبناتنا وأسرنا على أنه تمثيل،وكلنا متفقون جمعياً على أنه حرام مضادٌ لأمرِ الله فهم يستهزؤن بدينِ اللهِِ حين يُظهرون رجالَ الدين على أنَّهم من كل شرٍ قريب ويُظهرُون أنفسَهم بهيئاتهم المزريةِ على أنَّهم المصلحون المجددون بتلك البرامج..يصنعون لنا في تلك المسلسلات المأساة الكاذبة والبكاء والنحيب في حين أن حوادث أُمتنا كلُّهَا مأساةٌ وحالُ كثير منها بكاء ونحيب على أرض الواقع..
أيها الصائمون..فهل يتناسبُ كلُّ ما ذكر مع رمضان؟!شهرُ جمعِ الحسناتِ وشهرُ نزولِ الرحماتِ والبركاتِ كيف تتنزلُ الرحماتُ على البيوتِ؟!كيف يمكنُ لنا متابعتُهَا في وقتٍ تحاصرُ فيهِ مُدنُ إخواننا في سوريا وتراقُ دماؤُهم على يدِ الطغاةِ النصيرين ونرى حالَ ليبيا واليمن..ونرى ضعفَ وهُزالَ إِخوانَنَا الجياعَ في أرض الصومال وباقي أفريقيا ثم نجدُ من الوقتِ والمرحِ ما نضحكُ به ونملأُ به الموائدَ وننسَى حالَهم فإلى الله المشتكى من قسوةِ قلُوبِنَا..ما هذه التناقضات بين ما تعلَّمْناه من دينٍ وعرفْنَاه من خلقٍ وتعودنا عليه في مواسمِ العباداتِ وبين هذه الممارسات التي نعيشُها..نمسكُ عن الطعامِ والشرابِ ولا نمسكُ عن النظرِ والاستماع للمحرمات ومن كان لا يعرف الصيام إلا بهذه الصورة مخطئٌ جاهل..فالصيام صيام الجوارح كلها لغرض التقوى.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فهل مشاهدةُ هذه البرامج تُكسبُ التقوى؟!إنها تقضي على البقيةِ الباقيةِ من إِيمانِ العبد..كيف نرضى لأنفسنا أن نرتكب المحرَّم ونعتبرهُ لا بأس به ونحن صائمون؟!إنها لمن المتناقضات ..
وإذا كان لا بد من هذه البرامج..إذا كان بعض الناس يرى أنه لا يمكنه الاستغناء عنها وهي في حياته مثل بمثابة الماء والهواء كما هي حال البعض هدانا الله وإياهم وعافاهم فلا أقل فلا أقل من أن تتركها في رمضان لكي لا تجرحَ صيامَك و تُنقصَ الأجر .
فاتقوا الله أيها الصائمون يا من ابتلي بمشاهدة هذه المحرمات ومتابعتها إننا نخاطبُ الإيمانَ الذي في قلوبكم ونخاطبُ الصيامَ الذي تصومون أن تتقوا الله جل وتعالى وأن يستحي الواحدُ منا من ربِّه فلا يعصيه ويخالفه وهو صائم أو مفطر ولا يعصيه بنعمه التي أنعمها عليه ونشكره سبحانه أن بلغنا رمضان حين حال الموت لبعض من ماتوا قبله فلم يدركوه ؟!
يا عبد الله..يا عبد الله...يا من أيامُ عمرِه في حياتهِ معدودة..يا كثيرَ التفريطِ في قليلِ البضاعة..يا شديدَ الإسرافِ يا قويَّ الإضاعة..كأنَّي بكَ عن قليلٍ تُرمى في جوفِ قاعة..مسلوباً لباسَ القدرةِ وبأسَ الاستطاعة..وجاءَ مُنكرٌ ونكيرٌ في أفظعِ الفظاعَة..وأمسيتَ تجني ثمارَ هذهِ الزراعة..وتمنيتَ لو قَدِرْتَ على لحظةٍ لطاعة..وقلتَ:ربِّ ارجعون ومالكَ كلمةٌ مُطاعة..يا متخلِّفاً عن أقرانِه قد آن تلحقُ بالجماعة..وتعلنَ التوبةَ عن تلك الآثامِ في هذه الساعة.
أيها المسلمون الصائمون..إننا نخاطبُ الإيمان الذي في قلوبِكم أن تَحفَظُوا نعمةَ البصرِ ولا تطلقُوها في النظرِ إلى ما حرَّم الله فإن النظرَ سهمٌ من سهامِ إبليس..


كلُّ الحوادثِ مبدؤُها من النظـرِ
و معظمُ النارِ من مستصغرِ الشررِ

كم نظرةٍ فعلت في قلب صاحبها
فعلَ الســهامِ بلا قوسٍٍ و لا وترِ

و المرءُ ما دامَ ذا عينٍ يقلِّبـُـها
في أعين الغيد موقوفٌ على الخطر


يســـرُّ مقلتَه ما ضرَّ مهجتَه
لا مرحباً بسرورٍِ عادَ بالضــررِ


إن من غَضَّ بصرَه عما حرَّمَ اللهًُ عليه أطلَق اللهُ نورَ بصيرتَه وقلبَه،فرأَى به ما لم يَرهُ من أطلقَ بصرَه في محارمِ الله وهذا أمرٌ يُحسِّهُ الإنسانُ من نفسه.
ثم بعد هذا كلَّه أَيُّها الآباءِ ما ذنبُ الأولادِ أن نربِّيهم منذُ الصغرِ والنساءِ المحصناتِ في البيوتِ على مسلسلاتِ الخلاعةِ والمجونِ ويكبرونَ على التناقضات؟!فيترَّبى الطفلُ منذُ الصغرِ والمرأةُ في المنزلِ وعندَهم ألا مانعَ من النظرِ إلى النساءِ والاختلاطِ المحرم ولا مانعَ من رؤيةِ الفواحشِ،لا مانعَ من رؤيةِ مناظرِ الخمورِ والدعارةِ،نجلب له تلك القنوات ونجعله يشاهد ذلك ثم نعلِّمُه أن لا مانعَ من أن يصومَ ويُمسكُ عن الطعامِ والشرابِ ثم يشتكي الواحد منا بعد ذلك من ولده أنه وقع في هذه البلوى أو تلك أو يشكوا ذلك من أذية امرأته أو خطئها ..
أيها المسلمون..هذه القنواتُ دخلَت في حياةِ الناسِ في كلِّ شيء،غيَّرت ترتيبَ وجباتِ الطعامِ عند بعضِ الناس..صارت الوجباتُ ملتزمةً بمواعيدِ البرامج دونَ اهتمامٍ بحاجةِ الجسمِ للطعامِ..هذا عدا عمن ابتلي بإدمان الانترنت ومطالعته حتى في رمضان..
لقد غيَّر هذه القنوات ببرامجها طَريقةَ تجمع الناس،لقد كان هناك تزاورٌ بينَ الجيرانِ في السابق يهنئون بعضهم في رمضان،وكانت هناك أحاديثُ جميلة،وتسامرٌ نظيف واهتمامٌ بمشاكلِ البعض،إحياءٌ لليل رمضان بقراءة القرآن.أم اليوم فالناس يتنافسون أيهم الذي يخرج مبكراً من صلاة التراويح..كان هناك تزاور بين الناس يجلسون للحديث وسماع الكلمات والمواعظ..أما الآن فكلُّ ليلِ الأُسرِ مشغولٌ بمتابعةِ القنوات، و تعدَّى الأمرُ حتى إلى العجائزِ وكبارِ السن والله المستعان..
بل إن الأسرةَ الواحدةَ،واسألوا أنفسكم أَيُّها الآباء،ويا من غَفَلَ عن بيتهِ وأولاده،على كمْ مرةٍ تلتقي في الأسبوع بكاملِ أفرادِ البيتِ،على غير الطعامِ و على غير التلفازِ؟!لتناقِشُوا أمراً معيناً أو مشكلةً حادثة،أو على الأقل تَجلسُ معهم أَيُّها الأب لكي يكتَسِبوا من أخلاقِك،ومتى سوف يتعلمون منك التعقل والحكمة والاتزان؟!ومتى يقتبسون من أفكارك وآرائك أَيُّهَا الوالد؟!هل تابعنا أولادنا في نهار رمضان كم قرؤوا القرآن؟!كم صفحة أنهوها ؟! أو كم جزءً حفظوه؟!هل نحثهم على الصدقة في رمضان؟!
هذه القنوات لم تترك وقتاً للقاء الأسري،ولا للتجمع العائلي ولا التوجيه الأبوي..وليس هناك مجالٌ لتبادلِ الخبراتِ والتجاربِ،فأين حالنا هذا عن حال سلفنا وقدواتِنا في رمضان حين كانوا يقيمونَ ليلهُ بالقرآنِ ويصومون النهار ويجرِّدُون فيه السيوف ويبعثون الجيوشَ لنصرةِ الإسلام..؟!أين هدوءُ ليالي رمضان التي كنَّا نعرفُها قديماً،حين كان لليل رمضانَ جوُّه الخاص،وشفافيتُه الفياضةُ وروحانيتُه الخاصة،بين قارئٍ لكتابِ الله ومستغفر بالأسحار،وقائم يُصلِّي لصدرِه أزيزٌ كأزيزِ المرجلِ من البُكاءِ الكلُّ في هدوءٍ وسكينةٍ فجاءت هذه القنوات فصرنا نسهر عليها،وبلينا بكثرةِ الذهابِ للأسواقِ في رمضان،وحُرمَ الناسُ تلك السكينةُ وذاكَ الهدوء،بتلكَ البرامجِ الفضائية والمشاهدِ الفكاهية المستهزئة،والأدهى من ذلك كلِّه،أن يُخدعَ الناسُ في رمضان ببعض الأفلام التي تخصصت في رمضان..فيقولون لنا يسمونها مسلسلات الدينية أو أفلام إسلامية،فالفاسقين من الممثلين الذين كانوا في شعبان وقبل شعبان يمثلون أفلامَ الخلاعةِ والتفاهةِ،إذا جاءَ رمضانُ مثلوا أدوارَ الصحابةِ في تمثيلياتِهم هذه..فهذا خالدُ بن الوليد وعمرُ بن عبد العزيز وآخرُ هارونُ الرشيد وغيرهم من أماجد تاريخنا،وقد مثلوا هؤلاء الممثلين قبلَ ذلك أدوارَ الفسق والفجور..والممثلةُ الساقطةُ الراقصة التي كانت في شعبانَ تُقَبلُ على شاشاتِ التلفازِ ويمارسُ معها الفساد والفجورُ،ويعلن ذلك على رؤوس الأشهاد في الصحف تخرجُ في رمضان بحجابٍ وجلبابٍ لتُمثِّلَ دورَ الصحابيات،أو زوجةَ أحد الشخصيات الإسلامية،بلغةٍ عربيةٍ ركيكة وكأنَّهم يستهزؤن بنا وبتاريخنا وبصحابتنا،وبأمجادِ تاريخنا فأي مغالطةٍ أَعظمُ من هذا؟!وكثيرٌ منا ينظرُ ويتقبلُ الأمرَ بشكلٍ طبيعي فهل ماتت الغيرةُ عندنا حتى على أصحاب رسول اللهe؟!وإذا كان هناك برامجُ وأخبارُ صادقةٌ وتحاليلٌ وحوارُ،فإنِّها مع الأسف ضاعت تلك البرامج النظيفة وَسَطَ هذا الركامِ النتنِ لتلكَ البرامجِ التي يتابعها كثرةٌ من الناس في غفلةٍ عظيمة.
فلنتق الله أََيُّهَا المسلمون،ولنعرفْ لرمضانَ حقَّهَ وحرمتَه ولنتركِ المعاصي والذنوبَ،ولنتبْ إلى الله توبةً صادقةً في هذا الشهر فإنَّها واللهِ فرصةُ،والمحروم من حُرمَ ذلك.احرصُوا على المفيدِ النافع من البرامجِ وتجنبوا الضار،وإنَّّها مسؤوليةٌ عُظمى على عاتقِ الأنظمةِ والشعوبِ في نبذِ هذه البرامج ومحاسبةِ أهلها والتضييقِ عليهم بدلاً من أن تُفَتَحَ لهم قنواتُنا ليبثُّوا فسادَهم وتتركَ لهم جرائدُنا ليُعلنُوا بها فاحشتَهم بل الأدْهى والأمر حينَ يُكرَّمُون وتصرفُ لهم الأوسمةُ والجوائز وأثرهُم في الأُمةِ أعظمُ ممن يفسدُ الأمنَ ويسرقُ المال فكيف يُكرَّمُون وهم أفسدُوا الأمنَ الأخلاقيَّ والأمنَ الفكريَّ وألهو الشعوب عن قضاياهم الكبرى المصيرية؟!وبذلوا الأموال الطائلة لهذا الإفساد في وقتٍ تذبحُ فيه كرامةُ الأمةُ..نحن نتكلم عن كل ذلك في وقتٍ تذبح فيه كرامة الأُمةِ،وتراقُ دماها وتدنسُ مقدساتُها،الناس يقتلون في بعضِ مدننا الإسلاميةِ في حماة في حمص وغيرها وفي ليبيا وغيرها من البلدان الناس يقتلون وتراق دماؤهم ونحن لنا من الوقت ما ننتج هذه البرامج،وتجلس أسرنا جميعاً لكي نشاهدها..جثثُ أَبناؤنا على الطرقات،يُنتهكُ أعراضُ النساء في بعض تلك البلدان بفعلِ بعضِ الظلمةِ والطغاةِ وأمنهم،ونحن نبذل لتلك القنوات الأموال الطائلة وأصحابها يبذلون تلك الأموال لشراء تلك البرامج التي تفسد على الناس صيامهم،ولكنهم ينفقونها ثم تكون عليهم حسرة،وسبباً لإفساد الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(6)وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(7) بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وحَده والصلاةُ والسلام على من لا نبي بعده ..أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى و توبوا إليه واعلموا أن رَّبكم بفضلهِ وَمنِّه قد جعلَ شهرَ رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته فبادروا وفَّقَكم الله إلى الخيرات وأصلحُوا من أحوالكم فالمسؤوليةُ عُظمى والمحاسبةُ دقيقة..أوصى أبو ذرٍ>أصحابه يوماً فقال:{وصوموا يوماً شديد الحر لحر يوم النشور،وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور وتصدَّقُوا بصدقةِ السرِّ ليوم العسر}ولما قيل للأحنفِ بنِ قيس: إنكَ شيخٌ كبير والصومُ يُضعفُك قال:{إني أُعِدُّ لسفرٍ طويل والصبرُ على طاعةِ الله أهونُ من الصبر على عذابِ الله}فانظر لآثارهم وأفعالهم يا عبد الله واقتدِ بهؤلاء.استكثروا من الطاعات والنوافل من بعد الفرائض استغلالاً لشهر كم واسعْوا في قضاءِ حوائج المحتاجين وتفقَّدُوا أحوالَ المساكين في شهر رمضان اقتداءً برسولنا إنه شهرُ القرآن عباد الله..فيه تصفوا القلوبُ وتزكوا النفوس بالإقبالِ على الصلاةِ وقراءةِ القرآن من صامَه إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدَّمَ من ذنبهِ..ومن قامَه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه..بشَّر بقدومهصحابتَه فقال:{أتاكُم رمضانُ شهرُ بركةٍ يغشاكُم اللهُ فيه فيُنزلُ الرحمةَ ويَحُطُّ الخطايا،ويستجيبُ الدعاءَ ينظرُ تعالى إلى تنافسِكم فيه ويُباهي بكم ملائكتَه فأرُوا اللهَ من أنفسِكم خيراً فالشقيُّ من حُرِمَ فيه رحمةَ الله }
اللهم لك الحمد كلُّه.. اللهم لك الحمد كلُّه..ولك الشكر كلُّه أن بلَّغتنا رمضان..اللهم كما بلغتنا إياه فامننْ علينا برضوانِك فيه وأعتقْ رقابَنَا ورقابَ والدينا وأبنائنا من النار..اللهم وفقنا للصيامِ والقيامِ على الوجهِ الذي يرضيك عنا ورزقنا فيه الجد في العملِ والقوةَ في الطاعةِ وحُسن العِبادة وأَدخلْنَا بِرحمتِكَ في عبادِك الصالحين..اللهم واجعلْه شهرَ خيرٍ وبركةٍ ونصرٍ وعزةٍ لأمتنا المسلمةِ وانصرْ إخواننا المستضعفين في كل مكان..اجبر كسرهم وقوِّ عزائمَهم وفُكَّ حصارهم..اللهم انصر إخواننا المسلمين في سوريا وليبيا واليمن ومصر انصرهم في هذا الشهر الكريم في أرض حمصَ وحماة المحاصرات تقَّبلْ شهيد هم واشف مريضهم..اللهم وقد قصرت أيدينا عن نصرتهم،وتخاذل كثير منا عن الوقوف معهم..وتكالب الطغاة وأمنهم عليهم..لا نملك حولاً ولا طولاً إلا مدَّ أيدينا بالضراعة إليك بأن تثبتهم على الحق وتنصرهم نصراً مؤزراً..اللهم وعليك بعدوك وعدوهم من الصهاينة الحاقدين والنصارى الصليبين والمنافقين المتخاذلين ممن تكالبوا على الإسلام والمسلمين عليك بهم فإنهم لا يعجزونك..

 0  1  1308
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:27 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.