الحمد لله رب العالمين ، و العاقبة للمتقين ، و لا عدوان إلا على الظالمين ، و أشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له قيوم السماوات و الأرضين ، و أشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء و المرسلين ، صلى الله و سلم وبارك عليه و على آله و أصحابه أجمعين و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين و سلم تسليماً ..
أما بعد..
فأوصيكم أيها الناس و نفسي بتقوى الله و تذكر نعمته و شكرها..
قف بالأباطح تسري في مشارفها مواكب النور هامت بالتقى شعفاً
من كل فج أتت لله طائعــــــــــــةً أفواجها ترتجي عفو الكريم عفـــــا
صوب الحطيم خطت أو بالمقام مشت مثل الحمائم سرباً بالحمى اعتكفا
إلى المشاعر تعلوا الدهر سيرتها قدسية النفح للتاريخ حين وفـــى
أيها الأخوة المؤمنون
الحرماني الشريفان في الإسلام ظلا ملتقى الجموع المسلمين بما حوته أمكنتها من مقدسات وعبادات وتاريخ و مآثر ..فالحرم المكي بيت الله المعظم وقبلة أهل الإسلام تتوجه إليه القلوب و تفد إليه الوفود من كل فج عميق في كل وقت وحين ليشهدوا منافع لهم وما برح هذا البيت المشرف بحفظ الله يطاول الزمان ، شامخ الأركان في منعةٍ من الله و أمان ((أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ))
وكذلك مكانة المسجد النبوي في الإسلام الذي بناه رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مقدمه من هجرته إلى المدينة وبارد عليه الصلاة و السلام ببنائه لتظهر فيه شعائر الإسلام التي طالما حوربت ،و لتقام فيه الصلوات التي تربط المرء برب العالمين ، و تنقي اللب من أدران الأرض و دسائس الحياة الدنيا و لتنطلق منه كتائب المسلمين الناشرة لدين الله و ليربي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته ولؤمهم فيه بالقرآن أناء الليل و أطراف النهار ..هذه مكانة الحرمين في الإسلام ..و استمرت هذه المكانة لهما و التعظيم لأمكنتهما على امتداد التاريخ الإسلامي وزاد من عظم هذه المكانة لهما الأجر العظيم المتحقق للقادم إليهما سواءً في مكة حين الحج و العمرة و الصلاة بالمسجد الحرام تعادل مائة ألف صلاة ..
أو في المسجد النبوي حيث الصلاة فيه توازي ألف صلاة فيما سواه وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه و سلم وزيارة مسجد قباء و غير ذلك من الفضائل و هي ميزات عظيمة تحقق للعبد بزيارته هذه الأمكنة الشريفة ففي الحج و العمرة يتطهر المرء من ذنوبه و يرجع منها كيوم ولدته أمه و إن ما نشاهده اليوم إخوتي من نعمةٍ عظيمة في سهولة الوصول إلى الحرمين الشريفين و عدم المشقة لهي نعمة تستحق منا الشكر خصوصاً عن المقارنة بما كان عليه الأولون من صعوبة و خطورةٍ في الوصول إلى الحرمين أو حينما نشاهد كثيراً من الناس الذين أتوا من بلاد بعيدة و قد بذلوا أموالهم للوصول إليهما مع ما واجهوه من مشقة بعد مسافة و هذه و الله نعمةٌ عظمى حبانا الله إياها تستحق منا الشكر و مواصلة الزيارة ..
كما أن الزائر إلى الحرمين الشريفين يلاحظ كثرة المرتادين و الزائرين إليهما هذا العام خصوصاً ..و هذا بيان لرغبة الناس و لله الحمد بالتزود من الأجر و حب استغلال الأوقات و الأعمار خلال الإجازات و لعل في ذلك الرد على مشجعي السياحة الخارجية و الداعين إليها الذين يبذلون أموالهم بالسفر إلى بلدان إن لم تسبب لهم و لأولادهم و نسائهم الضرر فإنها لا شك لا تجلب لهم النفع وهل المتعة يا ترى التي يجدونها توازي أجر صلاةٍ واحدة في الحرمين الشريفين عدا عن الطاعات القربات و الطاعات الكثيرة فيهما ..
أيها الأخوة..
هذا اليوم نقف مع بعض المشاهد من خلال الحرم المكي و المسجد النبوي نؤكد من خلالها على أهمية مكانتهما و أمكنتهما ..فأولى وقفاتنا مع الحرم المكي هي في أهمية التوحيد و مكانته في الإسلام حيث أن تلك العبادات التي خص الله بما مسجده الحرام في مكة أو في المشاعر المقدسة من حجٍ و عمرةٍ و طوافٍ و سعي أن كل تلك العبادات إنما وضعت لتعظيم الله وحده ..
فهذا البيت الحرام من أجل تحقيق التوحيد و محاربة الشرك و البراءة من أهله فالحاج و المعتمر يحقق التوحيد بداءةً حين قدومه و تلبيته (لبيك اللهم لبيك-لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك )
أما وقفتن الثانية في مكة فهي مع ما تراه و لله الحمد من حال عظيمة للتضرع إلى الله في بيته العظيم رفع تلك الأيدي المتوضئة و الوجوه المطمئنة و القلوب الخاشعة التي تتضرع إلى الله في طوافها أو سعيها