• ×

06:51 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الحج أشهر معلومات

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمدُ للهِ أَمرنا بطاعتِه،ونهانَا عن معصيتهِ،أحمدُه سبحانَه،وأشكرُه على جزيلِ نعمته،وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وعدَ المتّقين جزيلَ فضلهِ والخلودَ في جنّتِه،وأشهدُ أن سيدَنا ونبينا محمّدًا عبدُه ورسوله،أنار للسالكين طريقَ سنّتِه،صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وجميعِ أمّته.
أما بعد:فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
أيها الناس..شرع الله العباداتِ لحِكَمٍ عظيمة ومصالحَ عديدة،والحجُّ في حياةِ المسلمين مدرسةٌ عظيمةُ العطاء واسعةُ الأثر بليغةُ العبرة،موسمٌ تسمو فيه الأرواح وتشرِقُ النفوس.الحجُّ ملتقًى كبيرٌ يفِدُ إليه الحجّاجُ من أنحاءِ المعمورةِ إلى الأرضِ المقدّسةِ،ألوانٌ مختلفةٌ وأجناسٌ متعدِّدة وألسُنٌ متباينة،يقولُ الله تعالى(انظرُوا إلى عبادِي،أتَوني شُعثًا غُبرًا))..يحكي القرآنُ دعاءَ إبراهيم: رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ويستجيبُ الله دعاءَ خليله،وتمضي الأفئدةُ تهوي إلى هذا المكان لتعمِّره،مُلبِّين مكبّرين خاضعين متذلِّلين،جموعٌ لا تُعَدُّ ولا تُحصى،تطوفُ وتَسعى،ويستمرُّ الطوافُ لا ينقطعُ مهما بلغَ حرُّ النهار أو بردُ الليل،ويبقى البيتُ العتيقُ مفتوحًا ليلاً ونهارًا.
أَفئِدَةٌ تهوِي إِلى المَسجِدِ الحَرَامِ،وَبَيتٌ هُوَ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ وَأَمنٌ،وَأَمَاكِنُ مُقَدَّسَةٌ وَمَشَاعِرُ مُعَظَّمةٌ،وَأَعمَالٌ فَضِيلَةٌ وَمَنَاسِكُ جَلِيلَةٌ،تَوحِيدٌ وَمُتَابَعَةٌ،وَصَبرٌ وَمُصَابَرَةٌ،وَصَلاةٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ، وَحَلقٌ وَتَقصِيرٌ وَرَميٌ لِلجِمَارِ، وَوُقُوفٌ وَمَبِيتٌ وَدُعَاءٌ، وَعَجٌّ بِالتَّلبِيَةِ وَالتَّكبِيرِ، وَثَجٌّ لِدِمَاءِ الهَدَايَا وَالأَضَاحِي وَالفُدَى، وَإِطعَامٌ لِلبَائِسِ الفَقِيرِ،َأُخُوَّةٌ جَامِعَةٌ وَأَخلاقٌ عَالِيَةٌ، وَشُهُودُ مَنَافِعَ عَدِيدَةٍ وَحُصُولُ خَيرٍ عَمِيمٍ.


قف بالأباطح تسري فِي مشارفهـا
مواكبُ النور هامت بالتقى شغــــــــــــفا
مـن كل فـجٍ أتـت لله طـائعةً
أفواجها ترتَجي عفوا الكريم عفا

صوب الحطيم خطت أو المقام مشت
مثل الحمائم سربًا بالحمى اعتكفا

في الحجّ يشهَدُ الحاجّ مهبطَ الوحي،ويترسّمُ خطواتِ النبي ،يستروحُ الذكرياتِ والمعاني،ويرى التأريخَ أمامَه على أرضِ التاريخ،كلُّ حبَّةِ رملٍ في هذه البقاع تحملُ تأريخًا مُشرقًا وتنطقُ بحضارةٍ أضحى عطاؤُها للبشريةِ مُتحقِّقا.
على المسلمِ التوبةُ النصوحُ وتجديدُها عندَ الدخولِ في هذه المناسك،يعاهِدُ ربَّه على عبادته،يطيعُه ولا يعصيه،يؤدّي الصلوات،يتركُ السيّئات،يبتعِدُ عن المحرّمات،فالحجُّ ملاذُ كلِّ المسلمين،العابدون يزدادون قربًا من مولاهم،والعصاةُ يستروِحون عَبَق الرحمات،في هذه الأجواءِ الإيمانية الآمنةُُ يقرّون بذنوبِهم،يلتمسُون عفوَه ومغفرتَه ورحمتَه ورضوانَه، لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ
وفي سياقِ آيات الحجِّ يقول تعالى: وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ العملُ كلُّ العمل في هذه الدنيا يُراد به وجهُ الله،فمن شروط قَبول الأعمال تحقيقُ الإخلاص لله،أي:أن يقصد ـ الحاجُّ بعمله ـ وجهَ الله،لا رياءَ ولا سُمعة ولا مباهاةُ،وأن يبتغيَ برحلتهِ المباركةِ وجهَ اللهِ للفوزِ بنعيمِ الجنّة. وكلَّ حركةٍ ومشهَدٍ ونفقةٍ في رحلة الحجّ تُقرّبه إلى الله وتزيدُ في حسناتِه،قال (الحُجَّاج والعُمّار وفدُ الله،إن دعوْهُ أجابَهم،وإن استغفروه غفرَ لهم)) أخرجه ابن ماجه ولذا كان يسأل ربَّه الإخلاصَ قائلاً كما في حديث أنس>مرفوعًا(اللهم حجّة لا رياءَ فيها ولا سُمعة))،ولذلك كانت التَّلبِيَةُ التي يُرَدِّدُها الحَاجُّ مِن حِينِ إِحرَامِهِ إلى أَن يَرمِيَ جمرَةَ العَقَبَةَ،وهي تَذكِيرٌ لِلأُمَّةِ بالتوحيد لَتُحَافِظَ عَلَيهِ وَتَغرِسَهُ في النُّفُوسِ وَتَبُثَّهُ في الجُمُوعِ،وَتَستَشعِرُهُ في عِبَادَاتِها جمِيعِها،((لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ،إِنَّ الحَمدَ وَالنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلكَ،لا شَرِيكَ لَكَ))،َتَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّركِ، وَإِقرَارٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ، وَحَمدٌ لَهُ عَلَى نِعمَةِ الهِدَايَةِ لِلإِسلامِ.قال(خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ،وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي:لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)).فعلى الأمة أَن تستَحضِرَ تَوحِيدَ اللهِ رَبِّ العَالمينَ،ويُخلِصُوا لَهُ العَمَلَ دُونَ سِوَاهُ،فَلا يَسأَلُونَ إِلاَّ اللهَ،وَلا يَستَغِيثُونَ إِلاَّ بِاللهِ، وَلا يَتَوَكَّلُونَ إِلاَّ عَلَى اللهِ، وَلا يَطلُبُونَ العَونَ وَالمَدَدَ وَلا يَلتَمِسُون النَّصَرَ إِلاَّ مِن عِندِ اللهِ،وكم للنية الخالصةِ في الحجّ من أثرٍ عظيم في زكاةِ النفس وفلاحها، تأمّل هذا الفضل العظيم في قوله (الحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))والإخلاصُ في العمل ليس بالأمر الهيّن،فهو أهم من العمل ولاشك،ولا يتخلّص الإنسانُ من الشيطان إلا بالإخلاص، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ وبعد الإخلاص يتّبعُ الحاج في حجه ويتأسى بفعل النبي حَيثُ كَانَ يَقُولُ عِندَ كُلِّ مَنسَكٍ مِن مَنَاسِكِ الحَجِّ(خُذُوا عني مَنَاسِكَكُم))،وَهُوَ من قال(مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)). فَمَا أَسعَدَ الأُمَّةَ حِينَ تَقتَدِي بِه وَتَمتَثِلُ أَمرَهُ! مَا أَعظَمَ بَرَكَتَهَا حِينَ تَتَأَسَّى بِهِ وَتَسِيرُ عَلى نَهجِهِ وطَريقَتِهِ!
وفي آيات الحجّ يقول تعالى: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ فخير ما يتزوّد به الحاجّ في التقوى. والتقوى غايةُ الأمر وجِماع الخير،هي فعلُ الطاعات واجتناب المحرّمات يستصحبُ الحاج التقوى في قلبه وفي كلّ خطوة في السرّ والعلَن،في الحِلّ والحرم،في نفسه ومع غيره،ومن التقوى كفُّ الأذى عن الناس بالقول أو الفعل(والمسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده))
قال تعالى: ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ تعظيمُ أعمال الحجّ ومناسك الحجّ من تقوى القلوب،يكون ذلك بإجلالها بالقلبِ ومحبّتها وتكميل العبودية فيها،وفي الحديث أن رسول الله قال(لا تزال هذه الأمّة بخيرٍ ما عَظَّموا هذه الحُرْمَةَ حقَّ تعظيمها ـ يعني الكعبة ـ،فإذا ضيّعوا ذلك هلكوا)) أخرجه ابن ماجه
كَيفَ كان الحجُّ قديماً عباد الله حين يتعرّضُ الحجاج والزوار لمخَاطِرَ عَظيمةٍ وهم يأتون من أفريقيا وآسيا فيتعرضون للسرقات والموت و عدد من المخاطر التي ربما حالت دون وصولهم بينما الآن نرى هذه النعم العظيمة التي تستحق الشكر لسرعةِ وصولِ الحجاج من أقاصي الدنيا و سهولته بالإضافة إلى الأمن الذي يحيط بلاد الحرمين بحمد الله..
وفي آياتِ الحجّ يقول تعالى: وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً إنّ هذا النداءَ يُبرِز عالميّة الإسلام، فهو يدعو الأنام كلَّهم إلى الإسلام ليحرِّرهم من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضِيق الدنيا إلى سَعَة الآخرة، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ فالإسلامُ دينٌ عالمي،فقد جمع بين أبي بكر القرشي وصهيبٍ الروميّ وبلال الحبشيّ وسلمان الفارسيّ وغيرهم من شتّى القبائل والبلدان،وقال (وكونوا عبادَ الله إخوانًا)) متفق عليه
إن الناظرَ إلى شعائر الحجّ يجدها تدعو إلى محوِ فوارق اللون واللغةِ والجنس، تجلّى ذلك واضحًا في خطبة يوم عرفة بإعلان مبادئ وحقوقِ الإنسان. دينٌ عالميّ؛ لأنه من عند الله وفيه من الكمال والشمول ما لم يوجد في غيره.
لك الدين يارب الحنيف جمعتهم
لبيتٍ طهورِ الساح والشرفات في عرفات

أرى الناسَ أفواجاًً ومن كلِّ بقعةٍ
اليكََ انتهوا من غربةٍ وشتاتِ

تساووا فلا الأنساب فيها تفاوتٌ
لديكََ ولا الأقدارُ مختـــــلفات

فَقُل لِرَسولِ اللهِ : يا خَيرَ مُرسَلٍ
أَبُثُّكَ مـا تَـدري مِنَ الحَسَراتِ

شعوبُك في شرق البلاد وغربها
كأصحاب كهف في عميق ســـبات

بأيمانهم نوران ذكرٌ وســنةٌٌ
فَما بالُهُم في حالِكِ الظُلُماتِ

فَقُل : رَبِّ وَفِّقْ لِلعَظائِمِ أُمَّتي
وَزَيِّنْ لَها الأَفعالَ وَالعَزَماتِ

تصطفّ هذه الجموع المباركةُ في هذه البقاع الطاهرة من آفاق الدنيا كلِّها قائلةً: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، تجمعهم أخوّةٌ إيمانية صادقة ووحدة صافيةٌ ومساواة عادِلة، ذابت بينهم الفوارق العِرقية وتبدّدت كلُّ مظاهر الاعتزاز بالجنس أو اللون.
أما معيارُ المفاضلةِ والتكريم: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ فالتقوى هي النسَب،وهي التي ترفع صاحبَها وتُعلي قدرَه،لا فضلَ لعربي على عجميّ ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى،قال سيّد البشر (ليس منا من دعا إلى عصبية،وليس منا من قاتل على عصبيّة،وليس منا من مات على عصبيّةٍ)) أخرجه أبو داود
وفي سياق آيات الحجّ يقول تعالى: لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ في الحجّ منافعُ دينيّة ودنيوية، فهو أعظم فرصةٍ لحلّ مشكلات المسلمين وجمع كلمتهم ولَمِّ شملهم وإحياء مبدأ التراحم والتكافُل والقضاء على الفُرقة والتمزُّق. هذه الوحدَة هي سرّ قوّة الأمّة ورقيِّها وسعادتها، وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا حذّرنا سبحانه من الفُرقة فقال: وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
لقد أدرك أعداءُ الإسلام أثَر وحدةِ المسلمين في القوّة والمنَعَة،فعملوا على إيقادِ نار العداوة والبغضاء بين المسلمين في كلّ عصرٍ وحين،وهذه مأساةُ المسلمين الكبرى في واقِعهم المعاصِر.وفي الحجّ يتعلّم المسلمُ الرفقَ بإخوانه المسلمين.
وكان يقول في منصَرَفه من عرفةَ إلى مزدلفة: ((السكينة السكينة)) التراحمُ يُثمِر محبّةً وألفة ومودّة،والقَسوة تولِّد أحقادًا وكراهية،ومن الرفقِ أن يُعين أخاه ويفسح له الطريق، يحترمَه ويحبّه، لا يظلمه ولا يؤذيه، قال (مثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطُفهم مثَل الجسد الواحد،إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسّهر والحمّى)) أخرجه مسلم
كانت هاجَر عليها السلام تسعى بين الصفا والمروة سبعَ مرّات بتصميم وثباتٍ وعدَم يأس، اتخذتِ الأسبابَ، وبذلت جُهدًا مضنيًا مع توكُّلٍ على الله، فالفرج بيده سبحانه وحدَه، مالكِ الملك مقدِّر الأقدار، الجوارحُ تعملُ بالأسباب والقلبُ يناجي ربَّ الأربابِ، هي بهذا ترسم الخُطى في كلِّ عصرٍ ولكلّ جيل لشحذِ الهمّة وبذل الجهد لطرق أبواب الخير مرّةً وثانية وثالثة، بتصميم لا يتردّد وعزمٍ لا يلين مع صدقٍ في التوكُّل على الله سبحانه.
وفي سياق آيات الحجّ يقول سبحانه: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
إن هناك فريقين:فريقًا همُّه الدنيا،يجمع حُطامَها بحرصٍ وتعلُق،يذكرها حتى حين يتوجّه إلى الله بالدعاء،فقد امتلأت نفسُه بحبِّها،وأحاطت به من كلّ جانب،هؤلاء قد ينالون نصيبَهم في الدنيا ولا نصيبَ لهم في الآخرة،وفريقًا أفسحُ مجالاً وأوسعُ أُفُقًا وأكبَر نَفسًا؛لأن همَّه الآخرة ورضوانُ الله، يريد الحسنةَ في الدنيا،ولكنه لا ينسى نصيبَه في الآخرة،هؤلاء لهم نصيبٌ لا [يبطئ] عليهم،فالله سريعُ الحساب وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا
الخطبة الثانية
الحمد لله و حد ه و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد..
فاتقوا الله معاشر المسلمين،ثم كونوا على علمٍ أنكم في عشر ذي الحجة وهي أيامٌ مباركات،روى البخاري أنه rقال عنها(ما من أيام هي أفضل العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)) يعني عشر ذي الحجة،فقالوا:يا رسول الله،ولا الجهاد في سبيل الله؟!قال(ولا الجهاد في سبيل الله،إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء)).وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن عشر ذي الحجة هي المقصودة في قوله تعالى)وَالفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ(وقد قال ابن كثير:"وبالجملة فهذه العشر قد قيل:إنها أفضل أيام السنة،كما نطق بذلك الحديث،وفضله كثير على فضل عشر رمضان الأخير؛لأن هذا يُشرع فيه ما يُشرع في ذلك من صيام وصدقة وغيرها،ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه".
أيُّها الإخوة..إن الأعمال في هذه العشر تتنوع ما بين صوم وصدقة وتوبة نصوح وإكثار من التحميد والتهليل والتكبير،كما أن فيها الأضحية والحج،يقول المصطفىr(ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهنَّ من هذه الأيام العشر،فأكثروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد))رواه أحمد فلنحرص على الإكثار من ذكر الله فيها بالتكبير في الطرقات والمساجد والبُيوت،وهو التكبير المطلق،والذي من صفاته:الله أكبر الله أكبر،لا إله إلا الله،والله أكبر الله أكبر،ولله الحمد.وعند البخاري أنَّ أبا هريرة وابن عمر رضي الله عنهما كانا ينزلان إلى السوق،فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
وقد ثبت عند أبي داود والنسائي أن النبيrكان يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر. فلا حرج أن يُصام منها ما يُستطاع إن لم يكن كلّها،وبالأخص يوم عرفة،كما أن السنة قد دلت ـ يا رعاكم الله ـ على أن من أراد أن يضحي وقد دخلت عليه العشر فلا يأخذ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئًا حتى يضحي،كما جاء عند مسلم في صحيحة ولعلّ الحكمة أن يشارك أهل الأمصار الحجاج .
عباد الله..صِلوا الأرحام،وأحسنوا إلى الوالدين والإخوان في هذه الأيام،وأكثروا من الصدقات والإحسان إلى الفقراء،وعمّروا لياليها بطلب علم أو قيام ليل تكونوا من الفائزين بإذن الله..واحرصوا فيها وقد عافاكم الله لمصابِ إخوانكم في عددٍ من بقاع الأرض الذين يعانون من الظلم والطغيان..فنسألك يا الله أن تنصر إخواننا المظلومين في أرض سوريا،اجبر كسرهم،اشف مريضهم،تقبل شهيدهم،اعلِ كلمتهم،وانتقم لهم من الطغاة النصيريين واجمع كلمة إخواننا المسلمين في اليمن ومصر وتونس وليبيا على كلمة الحق والدين وإقامة شرعك المتين..اللهم اكتب المغفرة والرحمة لولي عهدنا الأمين وامنن بالصحة والعافية على ولي أمرنا خادم الحرمين ووفقه وولي عهده الجديد وانفع بع البلاد والعباد واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يا أرحم الراحمين..
أيها الإخوة..ستقام صلاة الاستسقاء في الجامع الكبير يوم الاثنين القادم وعددٍ من المواقع المحيطة..ووقت الصلاة تمام الساعة السادسة وخمسة وعشرون دقيقة..سائلين المولى عز وجل أن يتقبل من الجميع ...
الاستغاثة
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

 0  0  1113
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 06:51 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.