• ×

03:01 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

معان من الحج

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمدُ ِللهِ وحده مُجزلِ العَطَايا والمواهبِ،وأشهد أن لا إله إلا الله يَفتحُ بَابَه لِكُلِّ راغِب وتَائب،وأَشهد أَن مُحمّدا عَبدهُ ورسولهُ،شَهادةَ طَامِعٍ في رَحمةِ ربِهِ وراغب صلى الله وسلم عليه وعلى الآل والصاحب وسلم تسليما أَمَّا بَعدُ:فاتقوا الله عباد الله
أَيُّها المُسلِمُونَ..أَفئِدَةٌ تهوِي إِلى المَسجِدِ الحَرَامِ،وَبَيتٌ هُوَ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ وَأَمنآ،وَأَمَاكِنُ مُقَدَّسَةٌ وَمَشَاعِرُ مُعَظَّمةٌ،وَأَعمَالٌ فَضِيلَةٌ وَمَنَاسِكُ جَلِيلَةٌ، تَوحِيدٌ وَمُتَابَعَةٌ،وَصَبر وَمُصَابَرَةٌ،وَصَلاةٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ،وَحَلقٌ وَتَقصِيرٌ وَرَميٌ لِلجِمَارِ،وَوُقُوفٌ وَمَبِيتٌ وَدُعَاءٌ،وتَّلبِيَة وَتَّكبِيرِ،وَثَجٌّ لِدِمَاءِ الهَدَايَا وَالأَضَاحِي،وَإِطعَامٌ لِلبَائِسِ الفَقِير..أُخُوَّةٌ جَامِعَةٌ وَأَخلاقٌ عَالِيَةٌ،وَشُهُودُ مَنَافِعَ عَدِيدَةٍ وَخَيرٍ عَمِيمٍ..
مَعَاني الحج كُلَّمَا كَانَت حَاضِرَةً في قَلبِ المُسلِمِ وَفَقِهَهَا فُؤَادُهُ وَامتَثَلَهَا في حَيَاتِهِ كَانَ إِلى اللهِ أَحَبَّ وَأَقرَبَ، وَبِالأَجرِ أَحظَى وَأَجدَرَ،وَبِتِلكَ العِبَادَاتِ أَكمَلَ استِفَادَةً وَأَتَمَّ نَفعًا وشارك الحجاج شعائرهم ولو لم يكن معهم..فَمِن المعاني الجَمِيلَةِ للحجِ مع تعب السفرِ والعَناء وبذل المال أَنَّهُ سُبحانَه لم يَشرَعْ لِعِبَادِهِ أَيَّ عِبَادَةٍ لِيُحرِجَهُم أَو يُضَيِّقَ عَلَيهِم،أَو لِيُكَلِّفَهُم مَا لا يُطِيقُونَ،وَإِنما شَرَعَ لهم ما شَرَعَ لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ وَأَسرَارٍ جَلِيلَةٍ وَمَنَافِعَ مُتَعَدِّدَةٍ بالدنيا،وأَهَمُّهَا وَأَعظَمُهَا مَا هُوَ في الآخِرَةِ،مِنَ الفَوزِ الكَبِيرِ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ(( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ))وقال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ*وَجَاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيم).
وَلِلحَجِّ مِنَ الحِكَمِ وَالأَسرَارِ وَالمَنَافِعِ النَّصِيبَ الكَبِيرَمَ((وَأَذِّن في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ))قال ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهماعن الآيَةِمَنَافِعُ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ،أَمَّا مَنَافِعُ الآخِرَةِ فَرِضوَانُ اللهِ جَلَّ وعَلا،وَأَمَّا مَنَافِعُ الدُّنيَا فَمَا يُصِيبُونَ مِن مَنَافِعِ البُدنِ وَالذَّبَائِحِ وَالتِّجَارَاتِ).
وَإِنَّهُ لَو وَعَى المُسلِمُونَ هَذَا المَعنى العَظِيمَ لمعاني عباداتهم لَمَا تَوَانى عَن الطَّاعَةِ مُتَوَانٍ وَلا تَكَاسَلَ في العِبَادَةِ مُتَكَاسِلٌ،وَلَمَا أَخَّرَ الحَجَّ مُؤَخِّرٌ وَلا سَوَّفَ في أَداءِ الفريضَةِ والتوبة مُسَوِّفٌ،لَكِنَّهَا الغفلة بمتاع الدنيا فعميت الأَبصَارُ وَشُغِلَتِ البَصَائِرُ عَن البَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ، وَالمُتَّقِينَ إِلى اللهِ يَسِيرُونَ وَفِيمَا عِندَهُ يَطمَعُونَ وَبِمَوعُودِهِ يُؤمِنُونَ،((قُلْ مَتَاعُ الدَّنيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظلَمُونَ فَتِيلاً))
وَمِن مَعَاني الحَجِّ السَّامِيَةِ وَدُرُوسِهِ العَظِيمَةُ هَذِهِ التَّلبِيَةَ التي يُرَدِّدُها الحَاجُّ مِن حِينِ إِحرَامِهِ إلى أَن يَرمِيَ جمرَةَ العَقَبَةَ، وَتَلهَجُ بها الأَلسِنَةُ في مَوَاقِفَ كَثِيرَةٍ وتفرك بها الألسن وَلا تَمَلُّ مِن تَردَادِها ، وفي هَذِهِ التَّلبِيَةِ النَّبَوَيِّةِ الكَرِيمَةِ تَذكِيرٌ لِلأُمَّةِ بِأَعظَمِ مَا لديها لتَهتَمَّ بِهِ وَتُحَافِظَ عَلَيهِ وَتَغرِسَهُ في النُّفُوسِ ، وَتَستَشعِرَهُ في عِبَادَاتِها جمِيعِها، ذَلِكُم هُوَ توحِيدُ للهِ وعبادته ((لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ، إِنَّ الحَمدَ وَالنِّعمَةَ لَكَ وَالمُلكَ، لا شَرِيكَ لَكَ))،استِجَابَة للهِ بَعدَ استِجَابَة، وَتَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّركِ،وَإِقرَارٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ،وَحَمدٌ لَهُ عَلَى نِعمَةِ الهِدَايَةِ لِلإِسلامِ،((وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للهِ))وقال صلى الله عليه وسلم(خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ،وَخَيرُ مَا قُلتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِن قَبلِي:لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ)) إِنَّهُ تَذكِيرٌ لِلأُمَّةِ جمِيعًا أَن يَستَحضِرُوا مَا عَقَدُوا عَلَيهِ قُلُوبُهُم مِن تَوحِيدِ اللهِ رَبِّ العَالمينَ،إِنَّهُ تَوجِيهٌ لهم أَن يجعَلُوا حَجَّهُم للهِ وَحدَهُ،ويُخلِصُوا لَهُ العَمَلَ دُونَ سِوَاهُ،وَمِن ثَمَّ فَلا يَسأَلُونَ إِلاَّ اللهَ،وَلا يَستَغِيثُونَ إِلاَّ بِاللهِ،وَلا يَتَوَكَّلُونَ إِلاَّ عَلَى اللهِ،وَلا يَطلُبُونَ العَونَ وَالمَدَدَ والنَّصَرَ إِلاَّ مِن عِندِ اللهِ،مُستَيقِنِينَ أَنَّ الخَيرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللهِ،وَمَرجِعَ الأُمُورِ كُلِّها إِلَيهِ،لا مَانِعَ لِمَا أَعطَى وَلا مُعطِيَ لِمَا مَنَعَ،وَلا يَنفَعُ ذَا الجَدِّ مِنهُ الجَدُّ. إذا استيقن المسلم ذلك وتمسّكَ به فليبشر((الَّذِينَ آمَنُوا وَلم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُّهتَدُونَ ))
نَتذكَرُ الأمن وكَيفَ كان الحج قديماً حين يتعرض الحاج والزائر لمخَاطِرَ عَظيمةٍ يأتون من أفريقيا وآسيا ويجلسون سنوات طوال في طريق الحج حتى أنّ بعضهم جلس أكثر من عشر سنين في سفره للحج يعمل ليجمع النفقة ثم يواصل حتى يكمل الحج ذهاباً وإياباً فيتعرضون للسرقات والموت وعدد من المخاطر التي ربما حالت دون وصولهم بينما الآن نرى هذه النعم العظيمة التي تستحق الشكر لسرعة وصول الحجاج من أقاصي الدنيا وسهولته بالإضافة إلى الأمن الذي يحيط بلاد الحرمين بحمد الله وهذه النعم التي يعيشها الحجاج حتى وصل ببعضهم إلى حد الترف المذموم بأنواع المأكولات والسكن والتنقلات مما يحيد بمعنى الحج فنحمد الله أن هيّأ لحجاج بيته الكريم وزوار المسجد النبوي هذا الأمن الوارف والنعم العظيمة وقارنوها بالسابق لتعرفوا الفرق..ونسأله تعالى أن يديم هذه النعم علينا وعلى بلاد المسلمين ..
جاء مسافرا للحج وكان الشوق يداعبه إلى البقاع المقدسة فلما قطع الصحراء وأصبح على بعد خمسين ميلاً من المدينة هب النسيم رطباً عليلاً معطرا برائحة طيبة ومكة فازداد شوقه للوصول،لكن أصيب بمرض أعاقه عن المأمول؛فقال وهو يحتضر:

يا راحــــلين إلـى منـى بقيـادي
هيجتموا يوم الرحيـل فـــــؤادي

سرتم وسار دليلكم يا وحشتـي
الشوق أقلقني وصــوت الحـادي

ويلوح لي ما بين زمزم والصفا
عند المقام سمعت صوت منادي

من نال من عرفات نظـــرة ساعة
نال الســـرور ونال كل مــراد

تالله ما أحــلى المبيت على منـى
في ليل عــيد أبـرك الأعيـــاد

ضحوا ضحاياهم فســال دماؤهــا
وأنا المتيم قد نحـــرت فـؤادي

عباد الله وَمِن مَعَاني الحَجِّ الكَرِيمَةِ وَدُرُوسِهِ البَالِغَةِ أَن تَعلَمَ الأُمَّةُ وَتَستَيقِن أَنَّهُ لا سَعَادَةَ لها في الحياة وَلا نجاحَ في الآخرة إلا بِاتِّبَاعِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَالاقتِدَاءِ بنهجهِ في العبادات وَقَد كَانَ صلى الله عليه وسلم في كُلِّ خطوَةٍ في حَجَّتِهِ يُؤَصِّلُ ذلك في نُفُوسِ المُسلِمِينَ وَيَغرِسُهُ في قُلُوبِهِم فيَقُولُ عِندَ كُلِّ مَنسَكٍ مِن مَنَاسِكِ الحَجِّ(خُذُوا عني مَنَاسِكَكُم))،وَهُوَ الذي قَد قَالَ(مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ))فَمَا أَسعَدَ الأُمَّةَ حِينَ تَقتَدِي بِه وَتَمتَثِلُ أَمرَهُ! مَا أَعظَمَ بَرَكَتَهَا حِينَ تَتَأَسَّى بِهِ وَتَسِيرُ عَلى نَهجِهِ وطَريقَتِهِ!((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا)) ((وَإِن تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبطِلُوا أَعمَالَكُم )).
أيها الأحبة ..وممَّا يجِبُ التَّنبِيهُ عَلَيهِ أن البعض سيتوجه إلى حجَّ الفريضة ولم يعلم كيف يؤديها وهذا خطأ فعليه أَن يُولِيَ هَذَا الأَمرَ في الحَجِّ كَبِيرَ عِنَايَتِهِ،فَلا يُقدِمْ عَلَى عَمَلٍ إِلاَّ عَن عِلمٍ وَمَعرِفَةٍ،وَلا يَشرَعْ في الحَجِّ إِلاَّ بَعدَ تَفَقُّهٍ في أَحكَامِهِ،وَأَن يحرِصَ عَلَى تَعَلُّمِ صِفَتِهِ وَمَا يَلزَمُهُ لأَدَائِهِ كَمَا أَدّاهُ الحَبِيبُ صلى الله عليه وسلم ولا يبحث عن الرخص لاسيما الفريضة وَإِنَّ الأَمرَ في ذَلِكَ لَسَهلٌ مُيَسَّرٌ،وَوَسَائِلُ العِلمِ مُتَعَدِّدَةٌ ومُتَنَوِّعَةٌ،وَأَهلُ العِلمِ كَثِيرُونَ مُنتَشِرُون،فَلَم يَبقَ إِلاَّ الاجتِهَادُ والسؤال،أَمَّا التَّخَبُّطُ
وَالاستِحسَانَاتُ الشَّخصِيَّةُ و تَقلِيدُ الآخَرِينَ فِيمَا يَفعَلُونَ دُونَ وَعيٍ أَو إِدرَاكٍ فَضياع للفريضة وإذا وقع في أمرٍ أو خطأٍ شك فيه فليسأل في حينه قبل رجوعه حتى يستطيع التعويض أو الكفارة فإن بعض الناس يخطئ بالحج ثم لا يسأل حتى يرجع لبلده..
وَمِنَ الدُّرُوسِ العَظِيمَةِ في الحَجِّ لُزُومُ الاعتِدَالِ وَالتَّوَسُّطِ في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَمُجَانَبَةُ الغُلُوِّ أَوِ الجَفَاءِ، وَالحَذَرُ مِنَ الإِفرَاطِ أَوِ التّفرِيطِ،فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قَالَ:قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ العَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ(اُلقُطْ لي حَصًى))فَلَتقط لَهُ سَبعَ حَصَيَاتٍ وسطى هُنَّ حَصَى الخَذفِ،فَجَعَلَ يَنفُضُهُنَّ في كَفِّهِ وَيَقُولُ(أَمثَالَ هَؤُلاءِ فَارمُوا))ثم قَالَ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِيَّاكُم وَالغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُمُ الغُلُوُّ في الدِّينِ))فَالاعتِدَالُ مَطلُوبٌ في الأُمُورِ كُلِّهَا،وَالتَّوَسُّطُ محمُودٌ فِيهَا جمِيعِها وَالبُعدُ عَنِ الغُلُوِّ وَالجَفَاءِ،بِالأَخذِ بِحُدُودِ القُرآنِ وآثَارِ السُّنَّةِ،وَالسَّيرِ على مَا فيهِمَا مِنَ الهَديِ وَالبَيَانِ((وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُوانُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا))
وَمِن مَعَاني الحَجِّ العَظِيمَةِ وُجُوبُ تَعظِيمِ الشَّعَائِرِ وَالحُرُمَاتِ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ )) ((ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ ))فَتَعظِيمُ الشَّعَائِرِ وَالحُرُمَات مِن تَقوَى القُلُوبِ وَخَشَيتِها لِخَالِقِهَا وَمَولاهَا،وَكُلَّمَا خَلا قَلبٌ مِن ذَلِكَ كَانَ أَبعدَ مَا يَكُونُ مِن تَعظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ وَالوُقُوفِ عِندَ حُدُودِهِ،ولِهَذَا كَانَ خَيرُ زَادٍ يَحمِلُهُ الحَاجُّ وأعظمُهُ وأكملُهُ زادَ الخَشيَةِ وَالتَّقوَى،قال تعالى(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى واتقونِ يَا أُولي الأَلبَاب))
وَمِن مَعَاني الحَجِّ والأُصُولِ المُعتَبرَةِ فيه مَا يَظهَرُ في رَميِ الجِمَارِ فِيهِ مِن تَذكِيرِ بني آدَمَ بِأَلَدِّ أَعدَائِهِم وَأَعتى خُصُومِهِم وَتَحذِيرِهِم مِن الشيطان والبراءة منه ((إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ ))
من معاني الحج تذكر الجمع العظيم بيوم عرفة وخطبته صلى الله عليه وسلم بالناس وذلك اليوم وتعظيمه له فيوم عرفة أفضل الأيام عند الله فيه يفاخر الله بعباده يقول لملائكته..((انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي ويخافون عذابي..أشهدكم أني قد غفرت لهم))..ولذلك فإنه يُسن لمن لم يشارك الحجاج حجتهم من أهل الأمصار أن يشاركهم بصيام يوم عرفة فإنه يكفر السنة التي قبلها والتي بعدها كما في الحديث
وَمِن مَعَاني الحَجِّ السَّامِيَةِ التي يشترك بها الحجاج وغيرهم تَذكِيرُ المُسلِمِينَ بِأَنَّ مِن أَجَلِّ أَهدَافِ العِبَادَاتِ ذِكرَ اللهِ عز وجل بها،لا أَدَاؤُها عَادَاتٍ مُجَرَّدَةً مِن رُوحِهَا وَلُبِّهَا،خَالِيَةً مِن مَعنَاهَا وَمغزَاهَا،أَوِ المُضِيُّ فِيهَا رِيَاءً لِلنَّاسِ وَطَلَبًا لِلسُّمعَةِ عِندَهُم وليقال عنه يا حاج كما يفعل البعض((لِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللهِ في أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ ))وقال سُبحَانَهُ(وَاذكُرُوا اللهَ في أَيَّامٍ مَعدُودَاتٍ ))وقال سُبحَانَهُ(فَإِذَا أَفَضتُم مِن عَرَفَاتٍ فَاذكُرُوا اللهَ عِندَ المَشعَرِ الحَرَامِ وَاذكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُم))((فَإِذَا قَضَيتُم مَنَاسِكَكُم فَاذكُرُوا اللهَ كَذِكرِكُم آبَاءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرًا ))وقال تعالى(ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاستَغفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))
تِلكَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ جُملَةٌ مِن مَعَاني الحَجِّ الكَرِيمَةِ وَأُسُسِهِ العَظِيمَةِ، يَجِدُها مَن تَتَبَّعَ أَدِلَّتَهُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّ المُتَأَمِّلَ لَيَجِدُ مِن أَمثَالِها كَثِيرًا كُلَّمَا أمعن النَّظَرَ وَرَدَّدَ التَّدَبُّرَ، فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَحَقِّقُوا مَا شُرِعَتِ العِبَادَاتُ مِن أَجلِهِ، فَإِنَّ اللهَ سُبحَانَهُ قَد بَيَّنَ لَنَا في مَعرِضِ الحَدِيثِ عَنِ الحَجِّ أَنَّ النَّاسَ مُختَلِفُونَ((فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا وَمَا لَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وَمِنهُم مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُم نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ))وَالمُوَفَّقُ مَن فهم مقصود العبادات وعرفه وعمل بنيةٍ صَالحَةٍ خَالِصَةِ وَمَالٍ حَلالٍ وَنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ،وَعَطَّرَ لِسَانَهُ دائماً بِذِكرِ اللهِ،وَصَاحَبَ عِبَادَتَهُ إِحسَانٌ وَنَفعٌ لِعِبادِ اللهِ، فَكُونُوا في حَجِّكُم وحياتكم عامة كَذَلِكَ،وَأَخلِصُوا في دِينِكُم للهِ،وَاجتَهِدُوا في الأَعمَالِ الصَّالحةِ((وَسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ))اللهم تقبل من حجاج بيتك حجّهم واجعله مبرورا وسعيهم مشكورا واحفظ أمنهم وصحتهم وسهّل دروبهم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب..
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
فاتقوا الله عباد الله..واغتنموا عَشْر ذي الحجة بصالح الأعمال،والتوبة إلى الله،والإكثار من الصدقة والاستغفار،والعمل الصالح وقراءة القرآن والتكبير والتهليل..لقوله صلى الله عليه وسلم(ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام)) يعني:أيام العشر،قالوا:يا رسول الله،ولا الجهاد في سبيل الله؟!قال(ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))
أيها الإخوة المؤمنون ..ومن أفضل الأعمال أيضاً نحر الأضاحي..إذا طابت بها النفس وطابقت الشروط المعروفة..وكثير من الناس يتخلى عن الأضحية وهو قادر بالرغم من تأكيد سنيتها..والبعض يتذمر في المجالس من أسعار الأضاحي وغلائها ولو جاءه ضيف لمناسبة لذبح له وهو لا يبالي فكيف بهذه الأضحية وأنت تذبحها لله فلتطب نفساً بإخراجها ووقت الأضحية المحدد شرعاً من بعد صلاة العيد إلى غروب الشمس إلى ثالث أيام التشريق،ومن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا ظفره غير أن من خالف ذلك فلا علاقة للأضحية وكمال أجرها بعمله ومخالفته،وبعض الناس اليوم يترك الأضحية حتى لا يخالف بسنة الإمساك عن حلق الشعر وقص الأظافر وهذا خطأ وتفريطٌ بالأجر ..
واحرصوا عباد الله على شهود صلاة العيد بالمصليات والمساجد المحددة فإن شهود صلاة العيد قال بوجوبها عدد من أهل العلم لما في حضورها من إقامة شعيرة كبرى من شعائر الإسلام ..ودخول الإمام لصلاة العيد في تمام الساعة السادسة وخمس وعشرون دقيقة..في المصليات الكبرى إضافةً إلى بعض الجوامع..وحيث إن العيد يوافق يوم الجمعة فإن من شهد صلاة العيد فلا يلزمه أن يشهد صلاة الجمعة ويصليها ظهراً والأفضل حضور الجمعة وينبغي التنبه أن بعض الناس يظن أنه بشهود صلاة العيد تسقط عنه صلاة الظهر وهذا خطأ عظيم..
نسأل الله جلَّ وعلا أن يتقبل منا ومنكم وأن يعيد علينا مواسم الخير..ويتقبل من الحجاج حجهم و من المضحين ضحاياهم..وأن يعيد على أمتنا مواسم الخيرات وهي ترفل بثوب العزة والمنعة..ونسأله تعالى أن يقبل العيد على إخواننا بالشام وقد تخلصوا من طاغيتهم وهم آمنون في أهليهم وأولادهم إنه سميع مجيب ..
الله أكبر الله أكبر
الاستغاثة

 0  0  862
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:01 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.