أَيُّهَا المؤُمِنُونَ،إِنَّ اللهَ تَعَالى جَعَلَ رمضان لِلنَاسِ شَهرَاً لِلطَاعَاتِ ومَوسِمًا لِلتَقَرُّبِ إِليهِ بِسَائِرِ القُرُبَاتِ مِن صِيامٍ وقيامٍ وذِكرٍ وقِرَاءَةٍ لِلقُرآنِ واِستِغْفَارٍ وصَدَقَةٍ وَخُلُقٍ حَسَنٍ..وإِنَّ مِنْ خَصَائِصِ رَمَضَانَ أَنّهُ يُوَفِّرُ لِلمُؤْمِنِ الجَوَّ الرّوحَانِيَ بِمَا فِيهِ مِنْ عِبَادَاتٍ مُتَنَوِعَةٍ لا تُتَاحُ فِي غَيرهِ مِن الشُهُورِ.
مـرحباً أهلا وسهلا بالصيام
يـا حبيباً زارنا في كل عام
فاغفر اللهم ربـي ذنبنــا
ثم زدنا من عطاياك الجسام
يَحِلُّ رَمَضَانُ ضَيفَاً عَلى المسلِمِينَ فَيَنَالُونَ مِن بَرَكَاتِهِ المتَنَوِعَةِ،وتُتْحِفُهُم رَحَمَاتُهُ،وتَغْمُرُهُم نَفَحَاتُهُ الإِيمانِيةُ إِلا أَنَ بَعضَ النَّاسِ ـ وخِلَافاً لِمَا شُِرعَ مِن أَجْلِهِ رَمَضَان ـ لا يُعِطُونَهُ حَقَهُ،ولا يُقَدِرُونَهُ حَقَّ قَدْرِهِ،ولا يُؤْدُونَهُ كَمَا هُوَ مَطلُوبٌ،بَل يَفْتَقِدُ صِيَامُهُم إِلى مَا يَجْعَلُهُ صَحِيحاً كَامِلاً،وتَظْهَرُ عَلَيهِم فِيهِ سُلُوكِيَاتٌ خَاطِئْةٌ،ومُمَارَسَاتٌ سَيئْةٌ تُعَكِرُ صَفوَ صومهم،وتفوِّتُ عَليهِم الأَجرَ العَظِيمَ،وتُوقِعُهُم فِي الإِثمِ المبينِ،يَفْعَلُونَها إِرَضَاءً لأَنْفُسِهِم،وإِتِبَاعَاً لِرَغَبَاتِهِم،وتَلَبِيَةً لِشَهَوَاتِهِم،وهذا ما يَدُلُّ عَلى فَهْمٍ خَاطِئٍ لأَهدَافِ وَمَقَاصِدِ الشَعَائِر الدِينِيَةِ عَامَةً،وجَهْلِنَا بِأَهْدَافِ الصِيَامِ وسُنَنِهِ وآدَابِهِ خَاصَةً،وبِقِيمَةِ هَذا الشَهَرِ وَفَضْلِهِ عَلى سَائِرِ الشُهُورِ،وتَفريطٍ فِي فَوَائِدهِ وعَوَائِدِهِ..التي وَضْحَهَا رَبُنَا جَلَّ وعَلا((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
أَغْلَبُ النَّاسِ ضَعُفَ عِنْدَهُم مَعنَى الصُومِ ومَفْهُومُهُ،وأَصْبَحُوا يَنْظُرُونَ إِلى الصِيَامِ كَإِحِدى العَادَاتِ الاِجتِمَاعِيةِ التي تَعَوَّدُوا اِسْتِقْبَالَهَا وَإِحْيَاءَهَا كُلَّ عام،دُونَ أَن يَتَأَمَلُوا فِي مَقَاصِدِهِ وَأَبْعَادِهِ،ولا أَن تَظْهَرَ عَلَيهِم فَوَائِدُهُ وَآدَابُهُ،فغَابَ تَأْثِيرُهُ فِي حَيَاتِهِم وَوَاقِعِهُم وفِي حَالِهِم مَعَ رَبِهِم سبحانه.
ومِن أَشهرِ هَذِهِ العَادَاتِ وَأَكْبَرِهَا ضَرَرًا عَلى الصَائِمِينَ،وَأَثَرِهَا في إِفسَادِ صَومِهِم وتَحَرِيفِ مَعنَى الصَومِ أَنَّهُ حين يَفرح برمضان غالبُ الناسِ ترى بعضهم يَسْتَاءُونَ وَيَغْضَبُونَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَان،وكَم يَتَمَنَونَ مُرُورَ سَاعَاتِهِ وأَيَامِهِ بِسُرعَةٍ،وَيَتَرَقَبُونَ خُرُوجَهُ بِتَلَهُفٍ؛لأَنَّهُم يَرونَ أَنَ فِيهِ حِرْمَانًا لأَنَفُسِهِم مِن شَهَوَاتِهَا ومَلَذَاتِهَا،وَقَطْعًا لِمَأْلُوفَاتِهَا وَكَبْحًا لِرَغَبَاتِهَا،يُسَبِبُ لَهُم التَعَبَ والإِعْيَاءَ وَالعَطَشَ،مِمَا يُقَلِلُ مِن عَطَائِهِم،ويُضْعِفُ جُهْدَهُم فِي أَعمَالِهِم،فَتَرى أَنْفُسَهُم قَلِقَةً،وصُدُورَهُم حَرِجَةً ضَيقَةً،وُوجُوهُهُم عَابِسَةً لاسِيمَا مَن كَانَ فِي وَظِيفَةٍ يَسْتَقِبِلُ فِيهَا النَّاسَ،يَشكُونَ وَيَتَأْلَمُونَ،وَلا يَصُومُونَهُ إِلا مُجَارَاةً وتَقْلِيدًا لِلنَّاسِ،فَهُم يُفَضِلُونَ عَليهِ غَيرهُ مِن الشُهُورِ،ويَرونَه ضَيفَاً ثَقِيلاً يَتَمَنَونَ رَحِيلَهُ سَرِيعَاً،قَالَ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ

لكن غَالَبَ النَّاسِ بِحَمدِ اللهِ يَفْرَحُ ويُسَرُّ بِقُدُومِ رَمَضَان،ويَسْتَبِشِرُ بِحُلُولِهِ،ويَسعدُ بِأَيَامِهِ العَظِيمَةِ،ويَنعَمُ بِلَيَالِيهِ الكَرِيمةِ،وتَطِيبُ نَفْسُهُ بِمَنَافِعِهِ الجسِيمَةِ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))ويَعْقِدُونَ العَزمَ عَلى صِيَامِهِ أَحسنَ صِيام وَإِكرامِه غَايةَ الإِكرامِ،ويَحَرِصُونَ أَن لا تَفُوتَهم فُرَصُهُ وفَوائِدُهُ،ويَستَعِدُّون لِذَلِكَ،وَإِذَا أَتَمَ صَومَ رَمَضَان تَمنَى تكراره بِشَوق.
أَمَا فَهمُ بَعضِ النَّاسِ لِرمَضان فَهُو أَنَّهُ شَهرٌ لِلأَكلِ والشُربِ والسَهَرِ،فَتَرَاهُم يَسْتَعِدُّونَ لَهُ قَبلَ حُلُولِهِ بِإِعدَادِ أَنواعِ الحلَويَاتِ والمأَكُولاتِ واِدِّخَارِ بَعضِ الأَطْعِمَةِ التي
قَد تَنفَدُ في رمضان وتَرَى الزِحَامَ الشَدِيدَ والتَنَافُسَ البَئِيسَ فِي شِرَاءِ الأَطعِمَةِ وَصُنعِ المأَكُولاتِ،وكَأَنَّهُ سيحلُّ مَوسِمُ جُوعٍ وقَحْطٍ، ويَزْعُمُ البَعضُ أَنَ الصِيَامَ يَقْطَعُ عَنْهُم أَكلَهُم وشَهَواتِهُم فِي النّهَارِ،فَتَرَاهُم إِذَا جَاءَ الإِفْطَارُ مَلأُوا الموائِدَ بِأَنواعِ المأَكُولاتِ والمشرُوبَاتِ،فَتُصبحُ لَيَالي الصِيَامِ ِلمزِيدِ استِهْلاكٍ وإسرافٍ وتسابقٍ في الأَسوَاقِ والمتَاجرِ عَلى السِلَعِ والمشتَرَياتِ،فَتَنْفَدُ السِلعُ،وأَغْلَبُ النَّاسِ تتضَاعَفُ مِيزَانِيةُ إِنْفَاقِهِم في هَذَا الشَهرِ،فَهُنَاكَ إِحصَائِيَةٌ أَنَ (80%) من مَدْخُولِ الفَردِ الشهري هنا يَذْهَبُ لِحَاجِيَاتِ رَمَضَان وَقَد يَلَجَأُونَ إِلى مُدْخَراتِهِم أَو إِلى الِاقْتِرَاضِ،وَأَكثَرُ الموظَفِين يَشْتَكُونَ مِمَا يُحْدِثُهُ لَهُم هَذَا الشَهر مِن كَثْرَةِ مَصْرُوفَاتِهِم ودُيون تَمْتَد بِهم فَهَذَا الإِسرافُ وكَثْرَةُ الإِنفَاقِ وَالاسْتِهْلاكِ المنْتَشِرِ بَينَنَا لَيسى مِن مَقَاصِدِ الصِيَامِ لأَنَّهُ شَهرُ الرَّخَاءِ والاقْتِصَادِ والتَقَلُلِ والزُهْدِ وَالتَقَشُفِ وتَرّشِيدِ النَفَقَاتِ وَالاكْتِفَاءِ بِالضَرُورِيَاتِ،وشَهَرٌ لِحُلُولِ البَرَكَاتِ مِن الأَرضِ والسَمَاوَاتِ،شَهْرُ غِذَاءِ الأَرواحِ والقُلُوبِ لا الأَبْدَانِ والأَجسَادِ


مِن عَادَاتِ بَعضِ الصَائِمِينَ فِي رَمْضَان تغيّر نفسياتهم فهم يَغْضَبُونَ لأَتْفَهِ الأَسبَابِ،فَيَسُبُّونَ وَيَشْتُمُونَ،ويَتَشَاجَرُونَ ويَتَخَاصَمُونَ بِسَبَبِ اِنْقِطَاعِهِم عَن الأَكلِ وَالشُربِ وهَذَا سُلوكٌ يَتَنَافَى مَعَ أَخلاقِ رمضان فالمفروض بِالصَائِمِ أَن يُمْسِكَ لِسَانَهُ عَن اللّغْوِ وَيَصُونهُ عَنِ البَذَاءَةِ،يقول الله عزَّ وجلَّ عَن الصِيَامِ

فَيَنْبَغِي لِلصَائِمِ أَن يُمْسِكَ لِسَانَهُ عَنِ القَولِ الذي لا يُرضِي الله،ولِيَكُن عَفُوًّا صَفُوحًا حَلِيمَاً،ولا يستَخِفُّه أصحاب اللسان الآثم فيهلك مع الهالكين و يَكونُ سَمحَاً كَرِيماً بِخُلُقِهِ تَمَثُلاً لِخُلُقِ رَمَضَان وتَعامُل الإسلام .
ومِن التعامل الخطأ مع رَمضان عِند النَّاسِ أَنَّهُ شَهر السَمَرِ وَالسَهَرِ إِلى سَاعَاتٍ مُتَأَخِرَةٍ مِن الليلِ،فَأَغْلَبُهُم يُحِيُونَ لَيَالِي رَمَضَان فِي الملاهي والمقَاهي وفي الشَوارعِ والأَسوَاقِ والمتنزهاتِ،وفي الغَفلَةِ والقِيلِ والقَال والغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ والخوضِ في البَاطِلِ،وأَمَامَ شَاشَاتِ التِلفَازِ لِمُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَةِ والانِتِقَالِ مِن وَاحدةٍ إِلى أُخرَى بَحثًا عَن أُغْنِيَةٍ أَو مُسَلسَلٍ أَو مُسَابَقَةٍ،أَو يَنْشَغِلُ بَعضُ الشَبَابِ في هَذِهِ الليالي الفَاضِلة في شَبَكَةِ الإِنترنتِ فِي مَواقعِ التَحَدُثِ الفَارِغِ والصُورِ المتَبَادَلَةِ،وآخرونَ يَلجأونَ إِلى لَعِبِ الوَرقِ في الاستراحَاتِ،الشَيء الذي يَجعلَهُم يُعوِّضونَ سَهَرَهُم بِالليلِ بِنَومِ النَّهَارِ،مِمَا يُضِرُ بِأَعمَالِهِم،خَاصَةً الموظفينَ مِنهُم،فَتَرَاهُم في مَكَاتِبِهِم مُتَكَاسِلِينَ،تَظْهَرُ عَلَيهِم عَلاماتُ الخمُولِ وَالإِرهَاقِ وَالإِعيَاءِ،مِمَا يُقَلِلُ مِن عَطَائِهِم في العَمَلِ وإِخلاصِهِم فِيهِ،فَيُخِلِّونَ بِهَا ولا يُؤَدُونَهَا عَلى الوَجْهِ الأَكْمَلِ،وَيُعَطِلُونَ مَصَالِحَ النَّاسِ،ويَردُونَهُم يَومًا بعد يَوم بِدعوَى تَعبِ الصَومِ حَتَى أَصبَحَ مَفهُومُ شَهرِ رَمَضَان أَنَّهُ لَيسَ شَهَراً لإِنجازِ الأَعمَالِ وَتَخلِيصِهَا.
وإِنَ رَمَضَانَ يَشهَدُ تَغِيِيراً لِحَقِيقَتِهِ وتَشْوِّيهًا لِصُورَتِهِ لَدى المجتمعَاتِ مُؤَخَراً مِن طَرفِ الإِعلامِ والقَائِمِينَ عَليهِ،حَيث يَعمَلُونَ عَلى تَضِلِيلِ النَّاسِ وَإِخفَاءِ حَقِيقَتِهِ فِي نُفُوسِهِم،إِذ يَملأُونَ بَرنَامجَ هَذا الشَهرِ بِالسَهَراتِ وَالمسَابَقَاتِ والمسرَحِيَاتِ والأَفلامِ ومُخْتَلَفِ الفُكَاهَاتِ،وكَأَنَّ رَمَضَان يَجْمَعُهُم لِذَلِكَ وتَفْتَحُ المقَاهِي أَبوابَهَا مُبَاشَرَةً بَعد الإِفطَارِ وعَلى مَدارِ الليلِ لِجَلبِ النَّاسِ وَإِتْحَافِهِم وَإِمْتَاعِهِم بِسَهَراتِ رَمَضَان الغِنَائِيَةِ المسليِِّةِ بِالتَدخِينِ والشيشةِ طَلبًا لِلربحِ والتَسلِيَةِ،ضَارِبِينَ بِعَرضِ الحائِطِ حُرمَةَ رَمضان،حَيثُ تَخْتَلِطُ أَصواتُ المؤَذِنِينَ والمقْرِئِينَ بِأَصَواتِ المطربِينَ والفَنَانينَ،وتَضِييعٌ لِصَلاةِ الصُبحِ أَو صَلاةِ الظُهرِ عَدا عَن مُمَارَسَاتٍ فَوضَوِّيَةٍ لِلشَباب فَجرَ رَمضَان بِالعَبَثِ بِالسيَارَاتِ التي أَحدثت بَعضَ الوَفِيَاتِ ولاحول ولا قوة إلا بالله..
وَهَذا مُنْكَرٌ وضَلالٌ عَظيمُ وفَهمٌ سَقِيمٌ مَع العِلمِ أَيُّهَا الأَحبةِ أَنَّ لَيَالِي رَمَضَان أَفضلُ مِن نَهَارِه كما بَينَ ذَلكَ عَدَدٌ مِن العُلَمَاءِ فَيَنْبَغِي لَهُم أَن يُشغِلُوا أَنْفُسَهُم بِذِكر اللهِ وَالاسْتِغْفَارِ وقِراءَةِ القُرآنِ والاستماعِ لِدُرُوسِ الوَعظِ وَالعِلمِ والنَدَوات،ومُتَابَعَةِ البَرامِجِ النَافِعَةِ فِي القَنَواتِ الفَضَائِيةِ،لفهم أَحكَامِ الدينِ وآدَابِ الصِيَامِ..
وتَأَمّلوا ـ حفظكم الله ـ وَأَنتمُ في رِحابِ هَذا الشهر،تَأَمّلُوا أَحوالََ كَثيرٍ مِن الاجتَمَاعَاتِ التي يَجْتَمِعُ لَهَا بَعضُ النَّاس فِيمَا يَضرّ ويُهلكَ ويُفسِدُ الدّينَ من الغِيبَةِ وَالنَمِيمةِ والمسالِكِ المحرَّمَةِ،اِنقلبَت عَليهم حَيَاتُهُم لِيَكُونَ نَهارُهُم نَومًا وَلَيلُهُم نَهَارًا في غَيرِ طَاعَةٍ وَلا فَائِدَةٍ،تَجَمّعُاتٌ لَيليَّةٌ،وتَضيِيعٌ للأُسَرِ وَالوَاجِبَاتِ،وَوُقُوعٍ في المنهيّات والمهلكات.
كَذَلِكَ مِمَا نُلاحِظُهُ في تَعَامُلِنَا فِي رَمَضَان شهر القرآن أَنَّ بَعضَ النَّاسِ لا يَهْتَمُ بِتَدَبُرِ القُرآنِ أَثنَاءَ قِراءَتِهِ..فَقط يُريدُ أَن يُنْهِيَ أَجزاءَ القُرآنِ بِسُرعةٍ لِكَي يَخْتِمَهُ عِدْةَ مَراتٍ بِدُونِ تَدْبُرٍ وَيَغفَلُ عَن فَهمِ مَعنَى الآياتِ وتَدبُرِهَا وَهُوَ المقصودُ(( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ))وَمِن الممارسَاتِ كَذَلِكَ نَرَى البَعضَ اليَومَ هَدَاهُم اللهُ مَعَ شَعِيرَةِ صَلاةِ التَراوِيحِ وَالقِيَامِ يَبْحَثُونَ عَمَنَ يُقْصِرُ الصَلاةَ ويَسْتَعِجِلُ بِهَا ولا يُقيمُ سُنَنِهَا كَمَا وَردتَ وَكَأَنَّهَا هَمٌّ عَليهِمِ يُرِيدُونَ إِنَّهَاءَها بِسُرَعَة..مِمَا يُفْقِدُ الصَلاةَ خُشُوعَهَا وَرَوحَانِيَتَهَا. انظروا كيف انتشر الفتور في عبادات رمضان بعد مضي اسبوع من رمضان فقلت المواظبة على التراويح وقل الماكثون بالمسجد لتلاوة القرآن وهذا من الخسران..
مَعَاشرَ المسلمِينَ،هَذِهِ إِِشَارَاتٌ وَوَقَفَاتٌ لأَحَوالِ بَعضِ الصَائِمينَ وكَيفَ يَتَعَامَلُونَ معَ رمضان..فَهل نُدْرِكُ ونَحنُ نَتَأَمَّلُ ذلك أَنَنَا في أَمسِّ الحاجَةِ إِلى تَغييرِ فَهمِنَا لِعِبَادَتِنَا ومُمَارَسَاتِنَا،فَنحنُ أُمّةٌ القُرآن وأُمَّةُ مُحَمّد صَلى الله عَليهِ وَسلّم أُمَّةُ رمضان.
ومنهجُ التغييرِ وَالإِصلاحِ يَتَمثَّلُ في آيةٍ جامعة((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) وفي النداء الرمضانيّ الصادح: ((يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)).
إنّ عَلَى المسلم الصَادِقِ الجادّ أَن يُدْرِكَ الغَايَةَ مِن هَذِهِ الحياةِ والوَظِيفةَ في هَذِهِ الدُنيا،فيحفظُ وقتَه ويَسْتَغلُّ فَاضِلَ أَوقَاتِهِ ويُروّض نفسه على ملازَمَة الأعمال الصّالحة والنَّيةِ الصَادِقَةِ وتحَرِّي السنّة وصِدق المتابعة لهديِ المصطفى صلى الله عليه و سلم
ولنَا أَمثلةٌ في مُجْتَمَعِنَا لعُبّادٍ فُضلاء يَسْتَغِلُونَ الشَهر في اِجتهِادِ الطَاعةِ وبَذلِ المعرُوفِ والصَدَقَةِ مُحَقِقِينَ مَعنَى التَقَوى مِن خِلالِ الصَومِ نَسأَلُ اللهَ أَن يَتَقَبَلَ مِنَا ومِنهم .
أيُّهَا الأَحبة..رَمَضَانُ فُرصةٌ حَقِيقِيّةٌ لاخْتِبَارِ النَفسِ في التّغييرِ نحوَ الأَفضلِ والأَحسنِ..وهَذَا لَيسَ صَعباً لِمن أَخلصَ نيّتَهُ وَصَدُقَ في عَزِيمتِهِ..رَمَضَانُ شَهرُ الاجْتِهَادِ بِهِ يَجْتَهِدُ فِيهِ العَبدُ لِيَفُوزَ بإِدرَاكِ فَضلِ العُمرِ ولَيلَةِ القَدرِ للوصولِ إِلى أَسَمَى المراتِبِ وَأَعلى المطَالِبِ؛تَوبَةٌ وإِقلاعٌ وعَزمٌ عَلى الإِصلاحِ والإِحسانِ،وتأمّلوا حَثَّهُ صَلَى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ

إِخوتي،أَروا اللهَ مِن أَنَفُسِكم خَيرًا؛صِيامُ نَهَارٍ وقِيامُ لَيلٍ واِعتِكَافٌ وقراءةُ قرآنٍ وذِكرٌ وصَدَقات ودُعاءٌ ومُحَاسَبَةٌ ومُرَاجَعَةٌ ونَدمٌ وتَوبَةٌ وعَزمٌ عَلى فِعلِ الخيراتِ((يا باغيَ الخير أقبِل،ويا باغيَ الشرّ أقصِر)).أَقولُ مَا تَسمعون ..
الخطبةُ الثَانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..فاتقوا الله عباد الله ..
رَمضَانُ مَوسِمٌ عَظِيمٌ وَزَمَنٌ شَرِيفٌ مِن أَزمِنَةِ النَفَحَات،يغتَنِمهُ الأَتْقِيَاءُ الصَالِحُونَ لِلاستِزَادَة مِن صَالِحِ العَملِ،ويُلقي بِظِلِّهِ الظَلِيلِ عَلى العُصَاةِ الغَافِلِينَ والمقَصِّرِينَ فَيَتَذَكّرونَ وَيَندَمُونَ وَيَتُوبُونَ، فَالسعيدُ السَعيدُ مَن كَانَ شَهرُهُ مُجَدِّدًا لِلعَزمِ وَالطَاعَةِ وَحَافِزًا لِلتمسّكِ بِحَبِلِ اللهِ وَفُرصَة لِلتزوّد بِزَادِ التَقَوى،وَاِسْتَغَلَهُ بِصِلَةِ الأَرحامِ وَالصَدَقَاتِ وَالاستفَادَةِ مِن الأَوقاتِ والحذرِ مِمَنَ يُفْسِدُونَ عَليهِ الصِيَامَ إِمَا بِفَسَادِ القَنَواتِ أَو كَثرةِ السَهَراتِ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا))
ألا فاتقوا الله رحِمكم الله،واعلموا أنّ إدراكَ هذا الشهر والإحسان فيه نعمةٌ عظيمة وفضلٌ من الله كبير،لا يحظى به ولا يوفَّق إلا مَن منَّ الله عليه بجودِه وإحسانه وفتَحَ عليه أبوابَ الخيرات، فتنافسوا ـ رحمكم الله ـ في الطاعاتِ،وازدادوا من الصالحات،وجِدّوا بالصيام والقيام،وتعرَّضوا لنفحاتِ ربِّكم تقبّل الله منا ومنكم وسائرَ الطاعات،وجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.
اللهم أنت ربنا ومولانا،نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت أن تلطف بأهل سوريا الأحرار وتحفظهم وتحقن دماءهم وتكشف غمتهم..اللهم أنصرهم بحلب ودمشق وسائر أرض الشام..ونسألك بأنك أنت القوي أن تقويهم وتربط علي قلوبهم وأن ترحم شهدائهم وتشفي جرحاهم وتؤمن روعاتهم وتبدلهم من الخوف أمناً عَاجِلاً غَير اجل يارب العالمين..
اللهم يامن تعز وتذل من تشاء يامن تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء اللهم إنا نستقوي بك على طاغية الشام ومن عاونه وعلى البوذيين الذين يعتدون علي المسلمين في بورما اللهم لا ناصر لهم إلا أنت فامنن عليهم بنصرك وتحرير أرضهم يا قوي يا عزيز اللهم وفق ولاة أمور المسلمين وهيئهم للحكم بشرعيتك..وابتاع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم..
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،،،