• ×

03:04 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

قضية الأرهاب

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله، شرح صدور أوليائه للإيمان والهدى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً كرم رسولاً، وشرف عبداً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، صلاة وسلاماً دائمين سرمداً، و سلم تسليماً ..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله

أيها المسلمون، الابتلاء سنة من سنن الله في هذه الحياة، فدار الدنيا دار بلاء، وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ وهذا الابتلاء ميدان تظهر فيه مكنونات النفوس، ومخفيات الصدور، لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيّبِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ والمؤمن الصادق شاكر في السراء، ثابت في الضراء.
في حكمة الابتلاء تستيقظ النفوس، وترقّ القلوب، وتصدق المحاسبة، و يتجلى الثبات فَلَمَّا تَرَاءا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ
وإن الاستقامة على الحق، وملازمة العمل الصالح، من أعظم أسباب الثبات في الأزمات والملمات، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً
و إذا أطلت الفتن برأسها، وادلهمّت الخطوب بويلاتها عرف معنى الثبات يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَاء
إن الأمم الكبيرة قد اعتادت عبر التاريخ أن تجعل من الفواجع والمحن مناسبةً لمراجعة النفس، ومحاسبة الذات. وإن من العقل والأناة في غمرة المحن أن تصغي الأمة لناصحيها، وأن تفتح قلبها للمخلصين ، وأن تكون مستعدة لسماع الحق ولو كان مراً، وأن تتقبل النصح ولو كان مؤلماً.
إن قضية الإرهاب و الإفساد في الأرض التي أقضت المضاجع و أثرت سابقاً في بلادنا ، كانت سبباً في كثيرٍ من مشكلاتنا التي وقعت و مكنت الكثير من المتربصين بنا ليبثوا أفكارهم المشبوهة و فتنهم المحيطة بالشباب و المرأة مستغلين موضوع الإرهاب لنشر فتنهم .
و لا بد من التأكيد أن الإرهاب شرّ يجب التعاون على اجتثاثه واستئصاله، كما يجب منع أسبابه وبواعثه، عانت منه دول، وذاقت من ويلاته مجتمعات بدرجات متفاوتات، الإرهابيون يرتكبون فظيع الجرائم عندما يقدمون على قتل الأبرياء، وتدمير الممتلكات، ويفسدون في الأرض. الإرهاب شر، وخراب وفساد كله ..ومن ذا الذي لا يدين الإرهاب ولا يمقته ولا يحذّر منه.
إنها عمليات إرهابية تتجاوز حتى مصلحة منفّذيها، فضلاً عن أنها تكلفهم حياتهم وأرواحهم حين يصبحوا أدواتٍ لتنفيذ مخططات الغير و سبباً بالمكر بالإسلام و أهله ..
إنها عمليات تتجاوز حدود المشروع والمعقول، وتتجاوز تعاليم الأديان، و الأعراف، والنظم والقوانين.
الإرهاب أيها الإخوة إزهاق للأرواح المعصومة، وإراقة للدماء المحترمة، من غير سبب مشروع و سعي في الأرض بالفساد .
الإرهاب لا يعرف وطناً ولا جنساً، ولا ديناً ولا مذهباً، ولا زماناً ولا مكانا، المشاعر كلها تلتقي على رفضه واستنكاره، والبراءة منه .
أيها الناس، والمسلم حين يُدين الإرهاب، فإنه لا يستمدّ موقفه هذا وإدانته تلك من إعلام الإثارة والتهويل و لا من سوء الظن بالمتمسكين بالدين و مشاريع الدعوة و التعليم التي هي من الإرهاب براء ، ولا من الفلسفات الاعتذارية التي تغلب على تفكير بعض قاصري النظر، ولكنها إدانة من مسلم منطلق من إسلامه الذي يمنع قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ويقرن ذلك قرآنه بحق الله في إخلاص التوحيد، والخلوص من الشرك، وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاًً
والإسلام يؤكد كل معنى الحماية و اللعزّل و الضعفة ممن ليسوا أهلاً للقتال، وليسوا في حال قتال. وابن آدم الأول قابيل حين قتل أخاه ظلماً فباء فإثمه وإثم أخيه، قال فيه : في الحديث الصحيح ((لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ منها لأنه كان أول من سن القتل))
عباد الله، و حين نقف مع العالم كله في هذا الشجب والإدانة والاستنكار للإرهاب ومحاربته، فإنما نشارك في ضبط المسار، وترشيد الوجهة، والبعد عن صراع الحضارات و إثبات براءة الإسلام من تصرفات بعض غلاته و المكفرين .
لكنها فرصة مناسبة لمراجعة الأوضاع، والنظر في السياسات و حقوق الإنسان، وضوابط الحرية، ومقاييس العدل، والتعامل مع كل هذه المبادئ، كقيم جوهرية، وحقائق ثابتة، بعيداً عن الانتقائية المصلحية و الأسرية و القبلية .
المطلوب نظرٌ شمولي يتوجه إلى معالجة مشكلة الإرهاب ، لا إلى مشكلات ، تكون أكبر منه علاج بعيدٌ كل البعد عن عقلية الانتقام والقتل والتدمير، وإثارة نزاعات حضارية ودينية وعرقية، تضع العالم كله في ميدان حرب أو حروب لا نهاية لها، بل تقودها إلى جرائم تولّد جرائم و احتلالٍ للبلدان ، إن الأمر يحتاج إلى معاملات سليمة لا إلى حروب جديدة. يجب أن يسود العقل والمنطق والنظام، لا بد من تجاوز العواطف وردود الأفعال من أجل قرارات حكيمة لا تبنى على الثأر والانتقام . حذار أن يدفع الإرهابيون عقلاء الأمم ليفكروا بالطريقة الإرهابية نفسها، التي تعتمد على الكراهية والتمييز والانتقاء، حذار من تسميم العقول، وتسميم الخطاب، و التفكير ..و الحذر الحذر من النيل من الإسلام و شرائعه و التلاعب بالفتاوى و مبادئه استغلالاً لحصول الإرهاب . كما يفعله بعض من كتابنا و مثقفينا اليوم في الصح و القنوات الذين أشبهوا المنافقين في استغلال أزمة الإرهاب لتشويه الخيرين و النيل من تعاليم الإسلام المتين .
أيها العقلاء الفرق كبير بين تحرّي العدل والعدالة، وطغيان عقلية الثأر والانفعالية، والبون واسع بين الرؤية الشمولية للإصلاح أو إفساد الدين و الأخلاق فذلك ربما تضاعف من ظاهرة الإرهاب، وتزيد من شراستها، وتغلغلها، الحذر من الوقوع في فخّ الإرهاب عند علاجه يجب أن تصدر الأحكام بأناة وهدوء، وتحرٍ وتعقل، فلا تلقى باللائمة إلا في مكانها، وإذا لم يحافظ العقلاء وأصحاب القرار على جوهر الدين و الأخلاق في أيام المحن والأزمات فقد تتحول محاربة الإرهاب إلى إرهاب.
أيها الناس، وفي هذا الصدد ينبغي التعاون الصادق من الجميع لتجفيف منابع الحقد والكراهية، وعلاج مسببات ما يدفع لمثل هذا السلوك المشين ، من غضب عارم، وعنصرية ضيقة، وإزالة المناخ المسموم ، الذي لا بد أن تتولد من خلاله ما نخشى ونحاذر.
لا بد من إلجام بعض الأبواق الإعلامية التي تستبطن الخطابات العنصرية و التي تثير العقلاء ، وتحاول أن تنال من بعض الثوابت و تركز اهتمامها على مصادمة دين الناس و تمسكهم و أخلاقهم و حجاب نسائهم ثم نريد بعد ذلك محاربة الإرهاب؟! فكيف يحصل ذلك ؟!إن مثل هذه التصرفات لا يمكن ضبط حساباتها، ولا تقدير ردود أفعالها وأخطارها، إنها ردود أفعال شنيعة تطيش في كل اتجاه و تثير من بضاعته قليلة في العلم و العقل
يجب نزع فتيل شحن النفوس بالكراهية، وملء الصدور بالفتن و الشبهات فذلك يعمي الأبصار والبصائر، لمن تدبّر عواقب الأمور، ونظر في عقبى النتائج.
كما أن في تطبيق مبادئ العدالة، وحفظ حقوق الإنسان والناس و محاربة الفساد العام و الخاص وحقوق الشعوب، والتزام المعايير الثابتة، والموازين المنضبطة، في نظام عام قوامه العدل، والنزاهة، واحترام الشعوب، و خصوصياتهم، وحسن الاستماع إليهم حل لكثير من المشكلات.
إن الحلول الأمنية وحدها، والقنوات الاستخبارية بمجردها، والقوة الضاربة بمفردها لا تكفي للحماية وتحقيق الأهداف ومعالجة الإرهاب و لِلَّهِ ٱلأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وكفى به ولياً ، وكفى به نصيرا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَـٰهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأيْمَـٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَـٰنَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية ( تابع لبيان هيئة كبار العلماء)
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده أما بعد فاتقوا الله عباد الله ..
أيها الناس، إذا كنا نتحدث عن الإفساد و المفسدين فإنه يجب الترفع عن إلصاق التهم بجنسية أو جنسيات، أو ديانة أو مذهب، فالإرهاب لا جنسية له ولا دين، ولقد صدر السلوك الإرهابي من أفراد وجماعات على مختلف الديانات والجنسيات، وإن أهل الإسلام ودوله ليرفضون ويستنكرون توجيه الاتهام للإسلام و استغلاله لتمرير المخططات ..
إن جريمة الإرهاب و تمويله بأي نوعٍ محرمة بالكتاب و السنة و من خلال قواعد الشريعة و مصالحها قال تعالى ( و تعانوا على البر التقوى و لا تعانوا على الإثم و العدوان ) و قال سبحانه (و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد )) و في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعن الله من آوى محدثاً ) قال ابن حجر ( و فيه أن المحدث و المؤوي للمحدث في الإثم سواء) . و من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية أن للوسائل حكم الغايات ، و لما جاء من الشريعة من الأمر بحفظ الحقوق و العهود في البلاد الإسلامية و غيرها .
و إن جريمة تمويل الإرهاب لا تشمل دعم سبل الخير التي تعني بالفقراء في معيشتهم و علاجهم و تعليمهم لأن ذلك مما شرعه الله في أموال الأغنياء حقاً للفقراء
ومع الأسف فإن كثيراً من أجهزة الإعلام العالمية تلوك مثل هذه الاتهامات، وترددها من غير بينة ظاهرة، وحين يثبت على أحد بعينه فليس من العدل ولا من الإنصاف اتهام دينه وبلده، فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَـئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ
وقبل ذلك وبعده ـ أيها الناس ـ، فيجب التوجه نحو حلّ القضايا العالقة والساخنة بعدالة وإنصاف، ويجب التفريق بين تعمد قتل الناس المسالمين، والسكان الآمنين، وبين حق الدفاع عن الحقوق المهضومة، والقضايا المنتقصة، ورفع المظالم الواقعة، والتوجه الجاد نحو تحديد المصطلحات بدقة و تجرد .
نسأل الله عز و جل لهذه البلاد المباركة و عموم بلاد المسلمين الخير و الصلاح و الحفظ و جمع الكلمة ، و أن يصلح حال البشرية أجمعين بما يحقق العدل و ينشر الفضل .
وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ
ثم صلوا أيها المؤمنون وسلموا على نبيكم المبعوث رحمة وهدى للعالمين، فقد أمركم بذلك ربكم...


 0  0  932
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:04 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.