أَيُّهَا الإِخوةُ المؤُمنون..السُنَّةُ النَّبَوّيَةُ هي التَشريعُ الثَاني في دِينِنَا الإِسلامي بعد كتاب الله جلَّ وعلا..ومِمَا يَحفَظُهَا مَعرِفَةُ من نقلَها إِلى النَّاسِ كَآفَةً،وحَفِظَهَا وبلَّغهَا عَليه،وهُم صَحَابَةُ رسول الله الذين وَعوْها وَأَدُّوْهَا نَاصِحِينَ مُحسِنِينَ فَأَكمَلُوا بِهَا الدّينَ وثَبَّتَ بِهم حُجَّةَ اللهِ تَعَالى عَلى المسلمينَ،فَهُم خَيرُ القُرُونِ،وخَيَرُ أُمَّةٍ أُخرجت للنَّاسِ..ثَبَتتَ عَدالَةُ جَمِيعَهُم بِثَنَاءِ اللهِعَليهمِ وثَنَاءُ رَسُولِهِ ولا أَعدل مِمّن اِرتَضَاهُ اللهُ لِصُحبَةِ نَبِيّهِ ونُصرَتِهِ،ولا تَزّكِيةَ أَفضَلَ مِن ذَلكَ قال تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود فَتَعَالُوا لِنَتَحَدثَ عَن فَضلِ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ في زَمنٍ بِتنَا نَسمَعُ هُنا وهُناك من يزعم أَنّهُ كَاتِبٌ أَو مُثقفٌ صَحفيٌّ يُريدُ النَّيلَ من صحابة رسول الله أَو يتحدثَ عنهم في رأَيِهِ فيهم كَما يَزعُم..
عِبَاد الله..أَبرُّ هَذِهِ الأُمَّة قُلُوباً،وأَعمَقُهَا عِلمَاً،وأَقَلُّهَا تَكَلُّفاً،وأَقوَمها هَدياً،وأَحسَنُهَا حَالاً،اِختَارَهُم الله لِصُحبَةِ نَبِيّهِ وإِقَامَةِ دِينَه،كما قَالَ اِبن مَسعودٍ {فَحُبُّهُم سُنّةٌ،والدُّعَاءَ لَهمْ قُربَةٌ،والاقتِدَاءُ بِهمْ وَسيلة}..هُم صَفوَةُ خَلقِ اللهِ تَعَالى بَعدْ النَّبِيِينَ عَليهم الصَلاةُ والسَلامُ،رَوَى الطَبَريُّ عَن اِبنِ عَباسٍ رَضي الله عَنهُمَا في قولِ اللهِ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى قَالَ


مَن صَحِبَ النَّبيَّ أَو رَآهُ مِن المسلمين فَهُوَ مِن أَصحَابِه وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلأوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنْصَـٰرِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ وقال عزّ وجلّ: لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وفيهم يقول


إِنَّ الخَيرَ كُلَّ الخَيرِ فِي مَا كَانَ عَليهِ أَصحابُ مُحمدٍ حَفِظَ اللهُ بِهم دينه السُنَّةَ،وحَمِلُوا أَمَانَةَ الخِلافَةِ والجِهَادِ،وعَمِلُوا عَلى نَقلِ الأُمَمِ إِلى الإِسلامِ،يُعَرِّبُونَ أَلسِنَتَهَا،ويُطهِّرونَ نُفُوسَهَا،ويَدّلُّونَها طَريقَ الله المستقيمِ،بَاركَ اللهُ فِي أَوقاتهم،وأَتمَّ عَلى أَيدّيهِم مَا لم يَتحقّقَ لِغيرهم،فَرضِيَ اللهُ عَنهم وأرضاهم..
نَصَروا رسولَ اللهِ في غَزّوَاتِه وحُرُوبِهِ،بايَعوا عَلى بَذلِ أَنفُسِهِم في سَبِيلِ اللهِ،أخرج البخاريّ عن أنس قال:خَرجَ رَسُولُ اللهِ إِلى الخَندَقِ فلم خرج إلى الخندق فَإِذَا المُهَاجِرُونَ والأَنَصَار يَحفِرُونَ فِي غَداةٍ بَارِدَةٍ،فَلَمّا رَأى ما بِهِم مِن النَصَبِ والجُوعِ قَالَ

يُحِبُونَهُ ويُعَظِمُونَهُ سُئِلَ عليُّ بن أبي طالب ))كَيفَ كَان حُبُّكُم لِرسُولِ الله؟قال:كان والله أَحَبَّ إِلينَا مِن أَموالِنَا وَأَولادِنَا وَآبَائِنَا وَأُمّهَاتِنَا وَمن المَاءِ البَارِدِ عَلى الظَمأ))
سَأَلَ أَبُو سُفيَان بن حرب وَهُوَ عَلَى الشِّركِ حِينَذَاكَ زيدَ بن الدّثِنّة حِينَمَا أَخرَجَهُ أَهلُ مَكَّةَ مِن الحَرمِ لِيقْتُلُوهُ وقد كَان أَسيرًا عِندَهُم:أَنشُدُكَ بِاللهِ يِا زَيدُ،أَتُحِبُّ أَنَّ مُحُمّدًا الآن عِندنَا مَكَانَكَ نَضِربُ عِنُقَه وَأَنَّك فِي أَهلك؟قَالَ:واللهُ،مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا اَلآنَ فِي مَكَانِهِ الذي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوكَةً تُؤذِيهِ وأَنَّي جَالسٌ فِي أَهلي،فَقَالَ أَبُو سُفيَان

حَكَّمَ الصَحَابَة رَضِيّ الله عَنهُم رَسُولَ الله فِي أَنفُسِهُم وأَموالِهم فَقَالوا:هَذِهِ أَموَالِنَا بَينَ يَدَيك فَاحكُم فِيهَا بِمَا شِئت،هَذِهِ نُفُوسُنَا بَينَ يَديكِ لَو اِستعرضتَ بِنَا البَحرَ لَخُضنَاهُ نُقَاتِلُ بَينَ يَديكَ ومن خَلفِك، وعَن يَمِينِكَ وعَن شِمَالِكَ..يقَول عَمَرو بن العَاص

نَحنُ نُحِبُّ أَصحَابَ رسُولِ الله ولا نَذْكُرُهُم إِلا بِالخيرِ،ونَشهَدُ لِجَمِيعِ المُهَاجِرينَ والأَنصارِ بِالجَنَّةِ والرِّضوانِ ثُمَّ نتَرحّم عَلى جَميعِهم صَغِيرهُم وكَبِيرهُم أَوّلِهم وآخرُهم وذِكرُ مَحَاسِنُهم ونَشرِ فَضَائِلهِم والاقتداءِ بِهَديِهم والاقتفَاءِ لآثَارِهم،نَكُفَّ عَمَّا شَجَرَ بَينَهم..فهم سَبَقُوا النَّاسِ بِالفضلِ،غَفَر الله لَهُم،وأَمرَ بِالاستِغفَارِ لَهُم والتَقَرُّبَ إِليهم وبِمَحَبَّتِهِم،فَرَضَ ذَلكَ عَلى لِسَانِ نَبيِّه فَلا يَتَتَبّعُ هَفواتِ أَصحابِ رسول الله وزَللَهم إِلاّ مَفتُونُ القَلبِ فِي دِينهِ..ومَا يُروى في بعض ِكُتُبِ التَاريخِ مِنهَا مَا هُوَ كَذِبٌ،ومنها ما قد زِيّدَ فيه ونقص فَغُيِّر عن وجههِ،والصَحِيحُ مِنهُ هُم فِيهِ مَعذُورُون،إِمَّا مُجتَهِدُونَ مُصِيبُونَ،وإِمَّا مُجتَهِدُونَ مُخطِئُون فلا يتحدث الإنسان بنقدٍ أو ملاحظة..
إِخوةَ الإِسلامِ،أَفضلُ الصَّحَابَةِ الخُلفَاءُ الأَربعة،ثُمَّ بَقيّةُ العَشرةِ المُبشّرينَ بِالجنَّةِ،قال










أَمَّا عُثمَان بنُ عَفَّانٍ فَقد جاءَ إِليهِ بِأَلفِ دِينَارٍ في ثَوبِهِ لِيُجَهِّزَ جَيشَ العُسرةِ،قَال:فَصَبّحَ في حِجر النَّبِيِّ ،فَجَعَلَ النّبِيَّ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ ويَقُولُ

وفي عليًّ قَالَ في غَزّوَةِ تَبوك



إِخوةَ الإِسلامِ،الصَحَابَةُ كُلُّهُم مِن أَهلِ الجَنَّةِ كما،قال تعالى: لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَـٰتَلَ أُوْلَـئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَـٰتَلُواْ وَكُلاً وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ اللهم إنا نسألك محبة صحابة نبيك واتباع سنته والاقتداء بهديه وارض عن صحابته يا أرحم الراحمين..
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
من الوَعيدِ الشَدّيدِ فيمَن آذَى أَصحابَ النَّبِيِّ قولُه



عرف السلف الصالح رضوان الله عليهم ورحمهم الله فضل الصحابة الكرام،وبيَّنوا ذلك، وردوا على كل من أراد انتقاصهم رضي الله عنهم بمجملهم من أبي بكرٍ وعائشة وعُثمان ومُعاوية وزيدٍ وبلالٍ رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين..
قال الإمام أحمد رحمه الله:"إِذا رَأيتَ رَجُلاً يَذكُرُ أَصحابَ رَسُولِ الله بِسُوءٍ فَاتْهِمُهُ على الإسلام"ولا يجوزُ لأُحدٍ أَن يَذكُرَ شَيئًا مِن مَسَاوِّيهِم،ولا يَطعنَ عَلى أَحدٍ مِنهُم بِعَيبٍ ولا نَقصٍ،فَمَن فَعَلَ ذَلكَ فَقد وَجَبَ عَلى السُلطَانِ تَأديبه وعقوبتهِ،ليسَ له أَن يَعفُو عَنهُ،بل يُعَاقِبُهُ ويَستَتِيبُهُ،فَإِن تَابَ قَبلَ منه،وإن أبى أعاد عليه العقوبة))وقال بشر بن الحارث رحمه الله:"مَن شَتَم أَصحابَ رسول الله فَهُوَ كَافِرٌ وإِن صَامَ وصَلى وزَعمَ أَنَّهُ من المسلمين"
ولعلَّ كَثيراً مِن الكُتَّابِ يَستَسهِلُونَ اليوم النَيلَ والحديث في أصحابِ رسول الله في الصُحُفِ والقَنَواتِ ويُنَاقِشُونَ أُمُوراً عَن الصَحَابة والخِلافَاتِ بَينَهُم وكَأَنَّ الموضوعَ خَاضِعٌ لِوجهاتِ نَظَرِهِم القَاصِرة وآراؤُهُم النّاقِصة يقول أبو زرعة الرازي:"إِذَا رَأيت الرّجُلَ يَنتَقِصُ أَحداً مِن أَصحابِ رسولِ الله فاعلم أَنَّهُ زِنديقٌ،وذلكَ أَنَّ الرسولَ حَقٌّ والقرآنَ حَقٌّ،وإنّمَا أَدّى إِلينَا القُرآنَ والسُّنَةَ أَصحابُ رسول الله وهؤلاءِ يُريدُونَ أَن يَجرَحُوا شُهُودنا ليُبطِلُوا الكِتَابِ والسُنَّة،والجُرح بهم أولى))
وقال الإِمامُ مُحَمد بن السَّمَاكِ رحمه الله لمن انتقص الصحابة:"علمتَ أن اليهودَ لا يسبونَ أصحابَ موسى ،وأن النَّصَارى لا يسبون أصحاب عيسى،فما بالكـ يا جاهل سببت أصحاب محمد؟
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي
رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه
لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ
وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل
وقال ابن الصلاح:"إِنَّ الأُمَّةَ مُجمِعةٌ على تعديلِ جميعِ الصَحَابَةِ,حَتى ومَن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يُعتد بهم في الإجماع".
وإذا تكلمَ العلماءُ عن فضل الصحابةِ يتكلمون عنهم في كتب العَقَائِد رَفعًا لِشأَنِهم وعلوًّا لمنزلتهم،وتحذيراً من خطر النيل منهم قال الطحاوي رحمه الله:"ونُحِبُّ أَصحابَ رَسُولِ الله ،ولا نُفرِّطُ في حُبِّ أَحد منهم،ولا نَتَبَرأُ مِن أَحدٍ مِنهُم،ونُبِغِضُ من يبغضهم وبغيرِ الحق يَذكرهم،ولا نذكرهم إلا بخير،وحبّهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
أَيُّهَا الإخوة..إنَّ ما ذكرناه عن فضل صحابة رسول الله رسالةٌ لمِذهبٍ رافضيٍّ اِتخذ سَبَّ الصحَابة وأُمهاتِ المؤمنين والنَيلِ منهم مَذهباً بَاطِلاً ومَنهَجاً ثَأرياً كَما يزعمون يُضِلُونَ بِه أَبتْاعهم نسأل الله أن يهديَّ ضَالهم ويَكفيّ الأُمَّةَ شَرّهم..وهي رسالةٌ لِكُلِّ إِنسانٍ أَن يَنتَبِهَ من الحديث عن صحابة رسول الله بنقدٍ أو لمزٍ أو يتجرأ على ذلك لما علمناه..
وفي الختام لا نقول إلا كما قال الله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ اللهم ارض عن أصحاب نبيك أجمعين واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى يارب العالمين ..
اللهم يا من أجاب نوحاً حين ناده..يامن كشف الضر عن أيوب في بلواه..يامن سمع يعقوب في شكواه ورد إليه يوسف وأخاه وبرحمته ارتد بصيراً وعادت إلى النور عيناه..يا مالك الملك يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعالاً لما تريد نسألك اللهم فرجاً من عندك قريبا لإخواننا المستضعفين في أرض الشام..طال بهم البلاء واشتدت بهم البأساء..ولا ناصر ولا مغيث لهم إلا أنت يارب رب الأرض والسماء اللهم أرحم ضعفهم اللهم تولى أمرهم اللهم أجبر كسرهم اللهم ارحم شهيدهم واشفي مريضهم وفك أسيرهم..أنس وحشتهم ..كن معهم ولا تكن عليهم..احرسهم بعينك التي لا تنام احفظهم بركنك الذي لا يرام وبعزك لذي لا يضام ياذا الجلال والإكرام..اللهم إليك نشكو ضعف قوتهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس يا أرحم الراحمين إلى من تكلهم إلى عدو يتجهمهم أم إلى قريب ملكتهم أمرهم إن لم يكن بك سخط عليهم فلا نبالي إلا إن عافيتك اقرب لهم.. اللهم انتقم لهم من بشار اللهم اللعناً كبيراً اللهم اقتله شر مقتل..اللهم عليك به وجيشه وزرمته ياقوي يا عزيز ولا حول ولا قوة إلا بك..
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد...