أما بعد فاتقوا الله عباد الله،وسارعوا إلى مغفرة ربكم ومرضاته.
عباد الله..قلبُ المؤمنِ مُعلقٌ بينَ الخوفِ والرجاءِ..وتحدثنا في جمعتِنا الماضية عما نخافُه وهو غضبُ الله والنارُ وأهوالُها..نَسألُ الله النجاةَ منها ووالدينا..فتعالوا اليوم نتكلم عما نرجوه برحمة الله وكلٌ منا يتمناه ولكن هل اجتهدنا لأجله؟والخوف والرجاء مرتبطان وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46)فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
أيها المسلمون..الحديثُ عن النعيمِ المقيمِ،والإيمانِ الراسخِ بالنزلِ الكريم من الغفورِ الرحيمِ هو سلوةُ الأحزان،وحياةُ القلوب،وحادي النفوس ومُهِّيجِها إلى ابتغاءِ القرْب من ربِّها ومولاها.الحديثُ عن النعيمِ والرضوان لا يسأمهُ الجليسُ ولا يملُّه الأنيسُ وإذا رأيت أجمل بقاعَ الأرض منظراً وجواً وبهاءً وسكناً و أَمناً فتذكر الجنة ..
حديثنا اليوم حديثُ اللذةِ الدائمةِ والفرحِ المستمرِ،والسرورِ الخالدِ،عن جنةِ الفردوسِ.وتخَّيلْ أَخي أجملَ ما رأيتَ في الدنيا من بساتينَ زاهرةٍ وفواكه مثمرةٍ ومياهَ جارية،ثم قارنْه بوصفِ جنات ربِّ العالمين التي أعدت للمتقين ..
نسأل الله العظيم في هذا المقام الكريم أن نكون وإياكم ووالدينا من أهلها-تبلغ النفوس فيها منيتهَا ومُناها.غرفٌ مبنيةٌ طابَت للأبرارِ مَنَازِلُها وسُكناها.جلَّ وتقدس من سوّاها وبناهَا،غرسَها الرحمنُ بيدهِ،وجعلَها مستقرًا لأَهلهِ وخاصتهِ،وملأَها برضوانهِ ورحمته،فيها الفوزُ العظيم والملكُ الكبيرُ والنعيمُ المقيم.ولموضعَ سوط فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ
إنها دار السلام،ودار الخلد،ودارُ المقامةِ،وجنةُ المأوى وعَدَن،والنعيمُ والفردوس،والمقامُ الأمين،ومقعدُ صدقٍ وكلُّها أسماءٌ للجنة .
أَيُّهَا الإخوة..يُحشرُ المتقون إلى الرحمن وفدًا،ويساقونَ إلى الجنةِ زُمرًا.لقد وجدوا ما وعدَهم ربهم حقًا،رضي عنهم ورضوا عنه.ناداهم عز جلاله: يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ
أولُ الداخلين إليها بعدَه أبو بكرٍ الصديق>ولها ثمانيةُ أبوابٍ مفتوحة مابينَ مصراعيْ كلِّ بابٍ مسيرةُ خمَسمائةِ عَامٍ وليأتينَّ عليها يومُ مع اتساعِها هذا وهي كظيظةٌ من الزحام جعلنا الله وإياكم ممن يدخلونَها آمنين..سيدا كهولِ الجنةِ أبو بكرٍ وعمر وسيدا شبابها الحسنُ والحسين ومن نسائِها خديجةُ بنتُ خويلد وآسيةُ بنتُ مزاحم،وفاطمةُ بنتُ محمد،ومريم ابنةُ عمران..والشهداءُ ساكنوها في قناديلَ معلقةٍ بها فرضيَ اللهُ عنهم أجمعين..
أهلُ الجنةِ على صورةِ القمرِ والكواكبِ،على خلقِ رجلٍ واحدٍ على صورةِ أبيهم آدم لا اختلافَ بينَهم ولا تباغُض،قلوبهم على قلبٍ واحد يُسبحونَ الله بكرةً وعشيًا دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ
يناديهم المنادي:لكم النعيمُ سَرْمَدًا،تحيونَ ولا تموتُون أبدًا،وتصحَوْنَ ولا تَمرْضُون أبدًا،تَشِبُّونَ ولا تهرَمُون أبدًا،وتنْعَمون ولا تْبأَسُون أبدًا،يحلُّ عليكم رضوانُ ربكم فلا يسخطُ أبدًا.
جناتُ عدن يدخلونَها،غرفاتَها من أصنافِ الجوهرِ كلِّه،يُرَى باطنُها من ظاهِرها وظاهُرها من بَاطِنهَا، فيها من النعيمِ واللذائذِ ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشر فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلاْنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلاْعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ قال

رياضُ الجنةِ مجمعُ المتحابين،وحدائقُهَا نزهةُ المشتاقين، وخيامُها اللؤلؤيةُ على شواطئِ أَنهارِها بَهجةٌ للناظرين،عرشُ الرحمنِ سقفُها،والمسكُ والزعفرانُ تربتُها،اللؤلؤ والياقوتُ والجوهرُ حصباؤُها، والذهبُ والفضةُ لبناتُها: غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ عالياتِ الدرجات في عاليات المقامات،بهيجة المتاع،قصر مشيد وأنوار تتلألأ،وسندسٌ وإستبرق،وفاكهةٌ كثيرةٌ لامقطوعةٍ ولا ممنوعة،وفرشٍ مرفوعة، هم فيها على الأرائكِ متكؤُن.ظلُّها ممدود،وطيرها غير محدود، فاكهة مما يتخيرون،ولحم طير مما يشتهون.قطوفها دانيةٌ للآكلين،وطعمُها لذةٌ للطاعمين. ذُلِّلَت قطوفها تذليلاً وفي الجنةِ شجرةٌ يسير الراكبُ في ظلِّها مائةَ عام..فيها أزواجٌ مطهرة،خيراتٌ حِسانُ الوجوه،جَمعْن الجمالَ الباطنَ والظاهرَ من جميعِ الوجوه.في الخيامِ مقصورات،وللطرْفِ قاصرات،تقصرُ عن حسنِهن عيونُ الواصفين عُرُباً أَتْرَاباً(37) لاِصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ لا يفنى شبابها،ولا يبلى جمالها: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ لو اطَّلعتْ إحداهُنَّ على الدنيا لملأَتِ ما بينَ الأرضِ والسماء ريحًا وعطرًا وشذًى، ولطمسَت ضوءَ الشمسِ كما تطمسُ الشمسُ ما في النجومِ من ضياء. حورٌ عينٌ راضيات لا يسخطْن أبدًا، ناعماتٌ لا يبْأَسْن أَبدًا، وخالداتُ لا يزلن أبدًا ولخمارُها على رأسهِا خيرٌ من الدنيا وما فيها كما في الحديث ..
أصحابُ الجنةِ يْلبسُون من سندسٍ وإستبرقٍ متقابلين،ويُحلََّون من أساورَ من ذهبٍ ولؤلؤًا وَسَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ
يجتمعونَ في ظلِّها الظليل يتنازعون فيها كؤوسَ الرحيقِ المختومِ والتسنيمِ والسلسبيل، تتوالَى عليهم المسراتِ والخيراتِ.
نُزع مِنْ قلوبهم الغلُّ وطُرد عنهم الحزنُ والهمُّ: وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ٱلَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً
هدوءٌ ورضًا يغمرُه السلامُ والاطمئنان،والودُُّ والأمانُ،يُبلِّغُهُم ربُّهم السلام: سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب : سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ وخزنةُ الجنةِ: سَلَـٰمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ وفي الحديث المتفق عليه ومسلم ((يناديهم ربهم فيقول:يأهل الجنة هل رضيتم؟فيقولون:ومالنا لا نرضى ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك،فيقول:ألا أعطيكم أفضل من ذلك،فيقولون:وأيُّ شيءٍ أفضلُ ممانرى فيقول:أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)) نسأل الله الكريم من واسع فضله وجميل رحمته وكريم مغفرته..
في جنات عدن إخوتي يأتلفُ شمل أهلها مع الصالحين الذين فرقتهم الدنيا وحوادثها من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم: جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ
وهل ترى نعيمًا يا عبد الله فوق هذا النعيم ؟! لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ
نعم لقد بقي بعد الحسنى الزيادة؛فهذا هو يوم المزيد ففي الحديث عند البخاري ومسلم ((فاستمع يوم ينادي المنادي:يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم: (أي يطلب زيارتكم) فحي على الزيارة فينهضون إلى الزيارة مبادرين؛فإذا بالجنائب قد أعدت لهم حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح نصبت لهم منابر من نور ولؤلؤ وزبرجد وجلسوا على كثبان المسك؛ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة: سلام عليكم.
يا أهل الجنة هذا يوم المزيد؛ثم يكشف الرب العظيم سبحانه الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من النور ما يغشاهم فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى الوجه الكريم في الدار الآخرة،ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ..وقفة
أيها الإخوة..هؤلاء هم أصحاب الحسنى وزيادة: كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلاْسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّائِلِ وَٱلْمَحْرُومِ يصلون بالليل والناس نيام، يصومون وغيرهم يأكل،وينفقون وغيرهم يبخل، ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم وغيرهم يتقاعس ويجبن والكبر والظلم يمنعان من دخول الجنة..ولذلك فقد حفت الجنة بالمكاره فالبعض يستصعب بعض الأعمال ويمتنع عن الشهوات والعاقبة الجنة ..
واعمل لدارٍ ٍغداً رضوان خازنُها
والجار أحمد والرحمـــن بانيها
قصورها ذهبٌ والمسك طينتـهـا
والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيـــــــها
أولئك هم عباد الله حفظوا وصية الله،ورعوا عهده، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون،وهم من خشيته مشفقون،استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة في المساجد وأنفقوا سرًا وعلانية في السراء والضراء،يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة،يجتنبون كبائر الإثم والفواحش،إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون، عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون،إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.لأماناتهم وعهدهم راعون. طالما تعبت أجسادهم من الجوع والسهر،واستعدوا من الزاد بما يكفي لطويل السفر،عثراتهم تجري وفي قلوبهم معتبر، كثر استغفارهم فحطت خطاياهم،وكل ما طلبوا من ربهم أعطاهم، فسبحان من اختارهم واصطفاهم إنهم عباد الله المخلَصون فيهم الشهيد المحتسب والعفيف المتعفف،والسلطان المقسط،والضعيف المتواضع ذو الطمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره
أقوام يقطرون نزاهة،أفئدتهم مثل أفئدة الطير، وقلوبهم سليمة لا تحمل غلا ولا حقدا وتفيض مسامحة وصفاء , فيهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون،متحابون في جلال الله،فيهم صاحب القرآن يقرأ ويرتل ويرتقي،فيهم تارك المراء ولو كان محقـًا،وتارك الكذب ولو كان مازحًا،وبيت في الجنة لمن حسن خلقه،يكظم الغيظ ويعفو عن الناس والله يحب المحسنين.فيهم من أطعم الطعام، وأفشى السلام،وصلى بالليل والناس نيام،خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ومن قال سبحان الله والحمد لله لاإله إلا الله والله وأكبر غرس له بكل واحدةٍ منها نخلة في الجنة.جنة ربي لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بكل قلب منيب.عيون تبكي من خشية الله،وعيون تحرس في سبيل الله،يخافون من ربهم يومًا عبوسًا قمطريرًا،فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرًة وسرورًا،وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا..ونحن يا أمة محمد سنكون نصف أهل الجنة بإذن الله كما بشرنا بذلك الصادق المصدوق
الله أكبر أهل الجنان والغرفات أقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين: وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ واسمعوا العجب عباد الله عن أدنى أهل الجنة منزلة فهو رجل يأتي بعدما دخل الناس إليها فيقال له ادخل الجنة ولكن عينه ضيقة فيقول:كيف يارب وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له:أترضى أن يكون لك مثل ملكِ ملكٍ من ملوك الدنيا فيقول:رضيب يارب..فيقول سبحانه:لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله فيقول في الخامسة:رضيت يارب..فيقول:هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت يارب..حديث رواه مسلم..
وفي الحديث المتفق على صحته عن ابن مسعود رضي الله عنه قال فيه :إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً إليها وآخر أهل النار خروجاً منها ،رجلٌ يخرج من النار حبواً فيقول الله عز وجل له:اذهب فادخل الجنة يأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول:يارب وجدتها ملأى فيقول الله عز وجل:اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل عشرة أمثال الدنيا،فيقول:أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟قال ابن مسعود:فلقد رأيت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه،فقالوا:مما تضحك يا رسول الله؟قال:من ضحك ربِّ العالمين حين قال:أتهزأ بي وأنت ربُّ العالمين،فيقول الله له:إني لا أهزأ بك ولكني على ما أشاء قادر) لا إله الله الكريم..لا إله إلا الله الحليم..لا إله إلا الله رب العرش العظيم ..
هذه الجنة ونعيمها فهل الإنسان يتخلى عنها مقابل شهوة محرمه عاجله أو متعة زائلة أو شرك أو بدعة مائلة ألا هل من مشمر إلى الجنة يا عباد الله هل من مشمر؟!قولوا كما قال أصحاب رسول الله :نحن المشمرون إن شاء الله..كونوا ممن يحسن الظن بربكم الذي يقول لكم يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي،يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي،يابن آدم إنك لو أتيتني بتراب الأرض خطايا ثم لقيتني لاتشرك بي شيئاً لأتينك بقرابها مغفرة..أحسنوا الظن بربكم واعلموا لمرضاته ولتجنب عقابه..
نسأل الله الواحد الأحد الذي رزقنا الإسلام من غير أن نسأله أن لا يحرمنا الجنة ونحن نسأله إياها..اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت الحي القيوم الذي لم يلد ولم يولد ولا تواريك أرضٌ أرضاً ولا سماءٌ سماءً..لايخفى عليك جبل ما في وعره ولا بحرٌ ما في قعره..لايخفى عليك شيءٌ من أعمالنا،نسألك اللهم أن تعيذنا من ذلِّ الفضيحة يوم العرض عليك..اللهم إن لنا ذنوباً سترتها علينا في الدنيا فأدم سترها علينا يوم نلقاك,وامنن علينا بعفوك ومغفرتك،وأدخلنا الجنة برحمتك ورضاك اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار،اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل.
اللهم إنا نسألك نعيمًا لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، استجب اللهم يا رب العالمين.
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ..سأل الصحابي الكريم الفقيه بالحلال والحرام معاذ بن جبل>قال: ((قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال:لقد سألت عن عظيم وإنه يسير على من يسره الله عليه؛تعبد الله ولا تشرك به شيئًا،وتقيم الصلاة،وتؤتي الزكاة،وتصوم رمضان،وتحج البيت.ثم قال:ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة،والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار،وصلاة الرجل في جوف الليل.ثم تلا: تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ثم قال:ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله.قال:رأس الأمر الإسلام،وعموده الصلاة،وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله.ثم قال:ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله.فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا.قلت: يانبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به.فقال: ثكلتك أمك يا معاذ؛وهل يكب الناس على وجوههم ـ أو قال: على مناخرهم ـ إلا حصائد السنتهم))أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
أيها الإخوة..هذه هي الجنة،هذا هو سبيلها فهل رأيتم أشد غبنـًا ممن يبيع الجنان العالية بحياة أشبه بأضغاث أحلام،وبشهوةٍ لاتدوم إلا ثواني،يبيع الفردوس بدنيا قصيرة وأحوال زهيدة مشوبة بالنقص ممزوجة بالغصص.ولذةٍ عاجلة في حياة حقيرة؛ إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا،وإن سرت أيامًا أحزنت دهورًا،أي سفه وأي عته ممن يبيع مساكن طيبة في جنات عدن بأعطان ضيقة وخراب بور؟!!فيا حسرة هذا المتخلف حين يعاين كرامة الله لأوليائه وما أخفى لهم من قرة أعين فلسوف يعلم أي بضاعة أضاع!!فاتقوا الله رحمكم الله،وبادروا وشمروا،واعملوا وأحسنوا وأبشروا..لاسيما وشهر رمضان المبارك أزف قدومه وكان يبشر أصحابه بقدومه..فأوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار،وهو الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وقد احتفظ الله بجزاء الصائمين لنفسه وفي الجنة باب الريان يدخل منه الصائمون ولا يدخل غيرهم ومن صام يوماً حق الصيام وفي سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين سنة..فاتقوا الله عباد الله واستعدوا لشهركم المبارك ليس بالطعام والشراب ولا بتحضير مسابقات اللهو وبرامج الفن الرمضانية التي يبثها البائسون بل استعدوا لرمضان بتوبةٍ نصوم وعمل مبرور وتجارةٍ لن تبور.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبلغنا رمضان ويتقبل منا الصيام والقيام..اللهم إنا نسألك فرجاً ونصراً وعزةً لإخواننا في سوريا وليبيا واليمن ومصر وسائر بقاع الإسلام ..اللهم وعليك بمن آذاهم وقهرهم وقتلهم،أهلك جنده وأذهب قوته يا قاهر،اللهم أغث إخواننا الجياع في أفريقيا وهيء المسلمين لإغاثتهم ..
أيها الإخوة..الندوة العالمية بفروعها وحساباتها تستقبل تبرعاتكم للجوعى في الصومال الذين هم في اشد الحاجة لكم فبادروا بالتبرع لهم..نسأل الله أن يتقبل منا
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،،