لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين وكان بعضهم حديث عهد بكفر فمروا بشجرة للمشركين يقال لها:ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا يا رسول الله:اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواط فقال صلى الله عليه وسلم

عباد الله..الإسلام دين الله جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين ومُصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه..دين الله أكمله وأتم به نعمته ورضيه لهذه الأمة ديناً..من استمسك به أعزه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله،ومن تركه ورغب عنه قصمه الله،لا صلاح إلا بالاستمساك به،ولا بقاء إلا لمن سار على نهجه،والذلة والصغار لمن خالف أمره،عقيدة نقية وفكر كامل،وتنظيم شامل،وعزة عالية،واستقلال صحيح((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ))ولقد كانت دعوة رسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه دعوة شاملة كاملة أعطت العرب والعالم هويتهم الحقيقية بالإسلام((صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ))لقد بعثت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم الفطرة من مرقدها،وباعدت عنها هوى الأنفس،وظلام الشهوة،وظلم العقل،وسلطة الجاهلية،وسارت الأمةُ بفضل وحي ربها وتوجيهات نبيها تلتمس طريقها قروناً من الزمن سادت فيه أمة الإسلام ونشرت حضارتها للعالم بتوحيد وحبٍ للإسلام،وعلاقة عاشت تحت ظلالها اليهود والنصارى بسلام،هذا هو الدين وهذه قوة الصادقين من أهله..لكنها السنن كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين يظهر في بعض ضعاف النفوس استعباد فكري،وخنوع وضعف وتبعية مهينة لتستبدل الذي أدنى بالذي هو خير،وسنة الله ماضية أن كلَّ أمة تستبدل الضلال بالهدى لا تزال في تقهقر وانحطاط في فكرها وقوتها وأخلاقها وسلوكها وإذا هُزمت الأمة في عقيدتها وغشتْها الذلة فلن ترفع رأساً أو تحقق عزاً.
أيها المؤمنون..ضعفُ الأمم حينما تقلّدُ غيرَها من غير تمييز بين ما يضر وما ينفع،فتفقدُ الأمةُ هوَّيتها وتذوبُ أصالتُها،فتنقل التافه الحقير مما يقود إلى الشهوات والراحة والاسترخاء وتلغي عند أصحابها الهمةَ والعزة ومعالي الأمور وتترك حياة الكفاح والجهاد،والعمل الجاد لتستقبل ما يبعثه الغرب ُإليها مما يسلب الأخلاق ويدمّرُ القيم،ويذل الأمة ويكرس العبودية..ولا يبقى إلا قشور رقيقة من الدين والخلق وتراث إسلامي لا يحمي جيلها من هذه التبعية والتقليد..وظنت بعض هذه الدويلات المستعمرة سابقاً أنها نالت استقلالها وحريتها وعدَّت نفسها في عداد المتعلمين والمتحضرين،بينما أبناؤها عبيدٌ أرقاءُ في أفكارهم،شاءوا أم أبوا يشهدُ على ذلك إعلامهُم ومدارسُهم وبيوتُهم وأسواقهم ولباسُهم ومجتمعاتُهم بل تشهد عليه ألسنتهم..لا يفكرون إلا بعقول الأعداء،ولا يبصرون إلا بأعينهم،ولا يشاهدون ويقلدون إلا إعلامهم،ولا يكتبون إلا بأقلامهم رسخ في نفوس كثير منهم أن الحق ما جاء من عندهم،والباطل ما لم يكن عندهم مقاييس الحق والصدق والأدب والخلق ما قرره الغرب..فالتمسك بتعاليم الدين تطرف وتشدّد،وإقامة حدود الله الشرعية في بلادنا انتهاكٌ لحقوق الإنسان وإظهارُ المرأة عاريةً متبذلة عبر الأغاني والمسلسلات مواهبُ وفنٌ تصرف له الجوائز وتقام له الحفلات..وكتاب صحفيين،وبرامج تهتم بالمرأة وعملها رغم اختلاطها أكثر من الرجل وبطالته في تبعيةٍ ذليلة تمسخ فيها عقول الأمة،وتشوه أفكارها من خلال الرياضة والإعلام..تبعية تجهل فيها الأمة تاريخها وتُعظِّمَ تاريخَ الغُزاة فينشأُ جيل تبعيٌ مقهور ليس في علمه ولا ثقافته إلا تاريخ الدولة الغالبة لا يعجبه إلا فكرها،ويُكِبُر رجالَها،ولقد رأينا ماذا حصل مع رياضي عالمي كيف إعجاب شبابنا ومحبتهم واستقبالهم له..نرى الآن تقليد أعمى لكل عاداتهم وتقاليدهم اللباس والكتابات عليه أجنبية العادات..غزانا شذوذهم للبنين والبنات ولم يكفنا كعرب ومسلمين استعمار قرنٍ من الزمان لبلداننا ووجود أناس من بني جلدتنا يريدون قطع صلة المسلمين بدينهم وتاريخهم بل تُغَشُّ الأمة بتكبير حضارة الغربِ وتكثير سوادها باسم الاستفادة منها لكنهم يأخذون السيئ منها ولا يركزون على الحسن..فشمِلَ هجومُهم العقائدَ والسياسة والحكم والاقتصاد والتعليم والإعلام،واللغة والتقاليد الصحيحة والأزياء المحتشمة،ودبروا المؤامرات،وتعددت مجالات الغزو،وتنوعت أساليبه..
عباد الله..إنه هجوم على الإسلام والمسلمين لشرف رسالتهم استهزاء وأفلام مسيئة لنبينا لكننا لا نراه موجهاً للبوذية ولم يقاوم الوثنية ولا يتجرأون على اليهود والصهيونية لكنهم كما وصف الله((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ))..تقليد وتبعية يصل أحياناً لحد الولاء والذل والخضوع لهم وتعجب كيف لأمة عزُّها بإسلامها وتاريخها يشهد بإبادة ومجازر تلك الأمم لهم من الحروب الصليبية وحتى الآن ثم تراها تسقط في هاوية التقليد الأعمى لتلك الأمم ألسنا نراهم هذه الأيام يشتركون باحتفالات النصارى بميلاد المسيح ورأس السنة في بلدان المسلمين واتهتم قنواتنا بذلك وإذا كان اليهود والنصارى ينسجون أساطير وخرافات على أعيادهم كخرافة بابا نويل وأبراج الحظ والتنبؤات وغيرها فهم كفارٌ أصلاً لكن المستغرب أن يُعجب المسلمون بذلك الفساد ويشاركون بفعالياته ويمشون في ركابه كما نرى حالهم من خلال إعلانات الاحتفالات بأعياد النصارى ورأس السنة في عددٍ من بلدان المسلمين وفي قنوات المسلمين مع الأسف بكل ما تحمله هذه الاحتفالات من امتهان للإسلام وتمجيدٍ للنصرانية وخرافة وطقوس وفساد أخلاق..أو ترى جلباً لبرامج غربية ومسلسلات فيها مخالفات وشذوذ ويدعى شباب العرب للمشاركة بها والغناء فيها والتقليد المقيت لها..
أيها الإخوة..إن مسلماتِ العقيدة الإسلامية تهتز بسبب هذه التقليد الأعمى والجرح الغائر وأصبح شبابُنا وبناتُنا يتنكَّرون لهويتهم وأوطانهم وأعيادهم وتراثهم حتى اللباس واللغة تأمركت مع تسارع وسائل الاتصال ولذلك فلا بد من تذكير بأمور بالقرآن أكدّ عليها..
فيعجب أن نعلم بكفر اليهود والنصارى في القرآن((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ))وقوله جل وعلا((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ))ومن أنكر كفرهم فقد كذَّب الله ورسوله ومن مات منهم ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كان من أهل النار روى مسلم في صحيحة(والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني من هذه الأمة ثم لا يتبع ما جئت به إلا كان أصحاب النار)وكلُ دينٍ غير الإسلام باطلٌ ومن خصائص الإسلام كونه للعالمين ومن خصائص جزيرة العرب أنه لا يجتمع فيها دينان كما صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وإن المسلم حين يرى هذا الوضوح في عقيدتنا تجاه اليهود والنصارى والمجاملة والمشاركة في طقوس دينهم ولاشك أنه لا يجوز حضور احتفالات اليهود والنصارى ولا تهنئتهم بها بل وتسميتهم بالأخوة مجاملة مذمومة..والمجاملات على حساب الدين وتبرئة لصوص الغرب الذين لم يمتصوا دماء الشرق المسلم فقط بل امتصوا خيراته وأقاموا على جماجم المسلمين ومن ثرواتهم الخام مؤسساتهم، ومصانع أسلحتهم التي تحاربنا فيها مرتين مرة بشرائها والأخرى باستعمالها في حروب تتسلط على بلاد المسلمين وتحتلُّ بلداننا ويتهمون ديننا وإذا كانوا أعلنوا بمنظماتهم ومجالس أمنهم وهيئات الأمم وجمعيات الحقوق اعتبار عملهم هذا جلباً للسلام والخير للعالم وغير ذلك من الشعارات للعام الميلادي الجديد الذي يحتفلون به إذا كانوا يعلنون ذلك فأين سلامُهم هذا وأين تعاونهم وأمنهم؟ لما لا يتحقق؟!أين سلامهم هذا مما نراه الآن يحصل للمسلمين في سوريا وبورما ومجازر وآلاف القتلى وضياع الحقوق حيث لا يجد المسلم قوته وحقَّه بسبب قهر نظامه وجبروته..وهم يرددون القرار تلوا القرار..مجاملةً لهؤلاء الظلمة..وسكوتاً عنهم..
المؤسف أن ترى بعد كل ذلك فئاماً من المسلمين جعلوا من أنفسهم وقنواتهم عربية اللغة عبريّة الهدف بوقاً شعروا أو لم يشعروا لكل ما يأتي من الغرب وبرامجه التي تبث للأسرة العربية فأين لزوم الصراط المستقيم ومخالفة أصحاب الجحيم من المغضوب عليهم والضالين؟
عباد الله إنها ذلةٌ وتقليد تزاحمُ فيها لغةُ الغالبِ لغةَ المغلوب وضعفٌ في فكرِ الأمةِ وخللٌ في قناعاتِها وهو غزو فكري تستبدل به الأمة أخلاقَ الكافرين بأخلاقِها المستقيمة،فأيُّ ذلة أشد وأنكى من أن تستورد الأمة أخلاقاً ذميمة من الخارج،وقيماً هابطة من المغضوب عليهم والضالين.
أين نحن من صيحة إبراهيم عليه السلام وهو الأسوة الحسنة((إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ))إن المحجة بيضاء،والطريق بين،ورجل الأصالة وصاحب الاستقلال المحمود هو المسلم المستمسك بدينه،الواثق به،المعتز بتعاليمه،بنشر رسالته،ويحافظ على أصالته،وتُربَّى الأجيال على الاعتزاز المطلق بدينها واستشعار عظمته،لابد أن يصحب برامج التعليم والإعلام برامج تربية إسلامية صحيحة نقية..تجعل المجتمع محكوماً بحكم الإسلام،مضبوطاً بآدابه وتوجيهاته،والتخلص من سخافة الأفكار والتقليد الأعمى للظلمة..فشريعةُ الإسلام هي دينُ الأمة ودستورُها في الصغير والكبير،وهي كلمة ربها وهديُ كتابها((بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ))
أيها الإخوة..إن من مظاهر العزة الجلية في ديننا نهي المسلم عن التشبه بالكفار على شتى مللهم ونحلهم،ذلك أن التشبه لا يصدر إلا عن إعجاب وإحساس بالتبعية،ومن ثم المحبة والتقدير لهم،بل يتدرج الحال إلى ازدراء قومه وعشيرته ومن قلَّد الكفار وشابههم فإنه يتأثر بعقائدهم الباطلة..
ولذلك جاءت أدلة الشرع على تحريم التشبه بالكافرين عموماً وحذرت من المشاركة بأعيادهم خصوصاً وفسر العلماء وصف الله للمؤمنين((وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ))حضور أعياد النصارى ذكره مجاهد وابن سيرين وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال:قال صلى الله عليه وسلم

الخطبة الثانية
..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده..
أيها الإخوة المؤمنون..مع دخول موسم الامتحانات ينبغي التنبه للأولاد والاهتمام بمذاكرتهم،وعدم تخويفهم من شبح الاختبارات والتعامل معها بتوازن،ولنحذر إخوتي من أمور تنتشر في الامتحانات من ضياعٍ وإفساد بالسيارات وغيرها بعد الخروج من الامتحانات والفراغ الصباحي،وكذلك الانتباه من ضعاف النفوس مرّوجي المخدرات الذين ينشطون عياذاً بالله هذه الأيام لإغراء الطلبة والطالبات بترويج حبوبهم المنشطة كما أثبت ذلك القائمون على مكافحة المخدرات..نسأل الله أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من براثن الشر وأعوانه،وأن يوفقهم ويسدّدهم لعالي المراتب في الدنيا والآخرة..
اللهم ربنا جل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك ولا معبود بحقٍ سواك
نسألك اللهم نصراً عاجلاً لإخواننا المستضعفين في سوريا وجيشهم الحر..اللهم اجمع شملهم واحمي أعراضهم وأموالهم وردهم إلى بلادهم..اللهم عليك بطاغية الشام..أرنا فيه عجائب قدرتك وشديد سطوتك،وعظيم سخطك وعقابك..يا حي يا قيوم..