• ×

03:34 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

الأحزاب مواقف ودروس

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله لا شيء قبله..ولا شيء بعده..نصر عبده..وأعز جنده..وهزم الأحزاب وحده، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله،دعا وبلغ،وبشر وأنذر،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً...أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
أيها الأحبة..إن دروساً تقتبس من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم لهي أعظم الدروس كما ذكر الله ((لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخر وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً))وإن حياة ملؤها اقتداءٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم لهي ألذ وأطيب حياة..
إنه رسول الله الذي لن يضره والله ثم والله ثم والله أحد يريد النيل منه أو سبه والله قد عصمه من الناس كما في القرآن ينبغي أن يفقه ذلك المسلمون كي لا تستثيرهم ما يفعله بعض الشاذون من صناع الأفلام والكاريكاتير فيقدمون لهم خدمةً بإثارة الفتن والقلاقل وينشغلون عن مجازر المسلمين باسم الدفاع عن عرض رسول الله الذي لن ولم يستطع إيذاءه شراذم مثلهم فالله معلٍ كلمته وكتابه ونبيه فهم الصحابة ذلك فلم يستثيرهم إنكار هجائه لنشر أبيات سبته كما يحصل اليوم حين نشهر مثل هذه الأفعال بتصرفاتنا حيالها وصدق حب النبي والدفاع عنه باتباع هديه وسنته
أيها المؤمنون..في آخرِ شوال من السنةِ الخامسةِ هجرية وقعت غزوةُ الأحزاب،والأحزاب هم قُريشٌ وحُلَفاؤُها وَقَبائلُ غَطَفَانَ وَمجموعُهم عشرةُ آلاف مقاتل يزيدُ عددُهم عَلى جَميعِ مَن في المدينةِ وقد ساهم اليهودُ في تأليبهم ثأراً لبني النضير وبني قينقاع فألَّبوُا قريشاً فوصفهم الله((أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً*أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً))فخرجت قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب،ونزلت بجوار المدينة،كما قال الله(إِذْ جَاءوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلاْبْصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ-هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً))وكانت الظروف الاقتصادية سيئة لا يجد فيها صلى الله عليه وسلم ما يسد حاجته بل يكشف أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه،فإذا هو مربوطٌ عليه حجر من الجوع،فيكشف عليه الصلاة والسلام عن حجرين على بطنه،أعداءٌ بالخارج،قبائلُ ،أعداء بالداخل المنافقون الذين مازال المسلمون منهم في محنةٍ وبليةٍ،ويهودُ قريظة الذين لا يؤمنُ جانبهم فهم أهل غدرٍ وخيانةٍ فما أحرجه من موقف.
ولما بلغه عليه الصلاة والسلام خبرَ خروجِ قريشٍ شاورَ أصحابَه فاقترح سلمانُ الفارسي رضي الله عنه فكرةً لم تعرفْها العرب وهي حفرُ الخندق..الذي يمنعُ الوصولَ للمدينةِ..فحفروا الخندق ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجعهم،وينقل معهم التراب حتى علا جلده الطاهر وهم يرددون قول عبد الله بن رواحة:
والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينـة علينــــا
وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علــــينا
إذا أرادوا فتنـة أبيـــــــنا

وكانوا يرددون:
نحـن الذيـــن بايـعوا محمـــداً
علي الجهــــاد مـا بقينــا أبـدا

ومع هذهِ المصيبةِ العُظمى حَدّثَ البراء رضي الله عنه قائلاً(لما كان يومُ الخندق عَرَضَت لنا في بعضِ الخندق صخرةً لا تأخذُ منها المعاول،فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءَ وأخذَ المعول فقال:بسم الله ثم ضربَ ضربةً فصدَعها،وقال:الله أكبر،أُعطيتُ مفاتِيحَ الشام،والله إني لأنظرُ قصورَها الحمرَ الساعةَ،ثُمَّ ضربَ الثانية فصدعها،فقال:اللهُ أكبر،أعطيتُ فارسَ والله إني لأبصرُ قصرَ المدائن الأبيضَ الآن،ثُمَّ ضربَ الثالثةَ،فقال:بسم الله فقطعَ بقية الحجر،فَقَالَ:اللهُ أكبر،أُعطيتُ مَفاتِحَ اليمن،والله إِني لأُبصرُ أَبوابَ صنعاءَ من مكاني)).
الله أكبر إخوتي،مربوطٌ على بطنه الحجرين وبطون أصحابه ولا يجدون ما يسد حاجتهم من الطعام ويُوعدون بهذه الفتوحات ويُصدِّقُون،إنهُ الإيمانُ الذي يتجاوزُ حواجبَ الغيبِ فيجعلها كأنَّهَا شهادة..يقول جابر رضي الله عنه((رأيت جوع النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى امرأتي بحثاً عن الأكل فوجدت صاعاً من شعيرٍ وعناقاً وهي الماعز الصغيرة فطلبت إعداده ثم ذهبت لأدعوه صلى الله عليه وسلم للطعام لوحده لقلّته ففوجئت به يدعو المهاجرين والأنصار جميعاً فاستحييت حياءً لا يعمله إلا الله فلما جاؤوا إلى بيتي قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه:لاتضاغطوا ثم برَك على التنور فجعلنا نأخذ من التنور والخبز ونغرف للقوم في الصحاف يجلس عليها سبعة أو ثمانية وهم ألف فأُقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه شبعاً وإن القدر والخبز كما هو من بركته صلى الله عليه وسلم))رواه البخاري هذا موقف الصحابة
وأما المنافقون في الأحزاب فيقولون(مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً))لأن إيمانهم لا يرقيهم لأن تشهد قلوبهم الحق..هذا طبع المنافقين الدائم لاسيما في الأزمات حين يتولون الذين كفروا،يسوقون أفكارهم وينشرون مشاريعهم،ولذا كان المؤمنون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملون بجد ونشاط وهمة عالية..أما المنافقون فكانوا يُورِّي أحدُهم بقليل من العملَ يتسلل ذاهباً في خفاء(قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))ونزل في المؤمنين((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))..
ويتجهزُ عليه الصلاة والسلام وأصحابهُ الكرام رضي الله عنهم لمقابلة جموع الطغيان والشرك أمامَ معسكرِ الطهر والتوحيد يحجزُ بينهما الخندقُ وفي هذه الأثناءِ يصلُ الخبرُ للنبي صلى الله عليه وسلم بنقض بني قريظة للعهد لتعظُم الفتنةُ ويشتدَّ البلاء والكرب،وأصبحت الحال كما وصف الله تعالى(إِذْ جَاءوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ)) ((وَإِذْ زَاغَتِ ٱلاْبْصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ))أي من شدة الخوف((وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ))أي الظنون المختلفة،وهذه حال المنافقين وضعفة الإيمان..أما المؤمنون الصادقون((هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً*وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً))إذ قال أحدُ المنافقين:محمدٌ يعدُنا أن نأخذَ كنوزَ كسرى وقيصر،وأحدُنا لا يأمنُ على نفسِه أن يذهبَ إلى الغائطِ!!ومنافقون وصف الله فعلهم ((وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ ٱلنبي يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هي بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراًً))
وعندما نقضت قريظةُ العهد،واشتدّ على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم الحال،رأى أن يخفِّفَ عن أصحابهِ رحمةً بهم فبعث إلى قائدي غطفان يعرضُ عليهما صُلْحاً،وأن يُعطيهم ثلثَ ثمارِ المدينة على أن يرجعُوا بمنَ معهم من قومهِم،فيعودُ عليه الصلاة والسلام للشورى فيستشيرُ،سعدَ بنَ معاذ،وسعدَ بنَ عبادة،فقالا له:يا رسولَ الله أمراً تحبُّه فتصنعُه؟،أم شيئاً أمرك الله به لابدَّ لنا من العمل به؟،أم شيئًا تصنعُه لنا؟قال(بل شيءٌ أصنعُه لكم،والله ما أصنعُ ذلك إلا لأنِّي رأيتُ العربَ قد رمْتكُم عن قوسٍ واحدة وكالبوكم من كلِّ جانب،فقال سعدُ بنُ معاذ:يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله،وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلُوا منها تمرةً إلا قرىً أو بيعاً،أفحينَ أكرمَنا اللهُ بالإسلام وهدانا له وأعزَّنا بك وبه نُعطيهم أموالَنا؟والله ما لَنا بهذا حاجةً،والله لا نعُطيهم إلا السيفَ حتى يحكُمَ الله بينَنا وبينَهم..فقال صلى الله عليه وسلمفأنتم وذاك).وحدثَت مناوشاتٌ يسيرةٌ بأن حاولَ أحدُ المشركين وهو عمرو بن عبد ود اقتحامَ الخندق فتصدَّى له علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله وفَزِعَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربِّه يدعوه ويسأله النصرَ له والهزيمة لأعدائه فقال(اللهم منزل الكتاب،سريع الحساب،اهزم الأحزاب،اللهم اهزمهم وزلزلهم)) أخرجه البخاري..وقال بعض أصحابه:يا رسول الله هل من شيء نقوله ؟فقد بلغت القلوب الحناجر؟ فقال(نعم،قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا)).
وفي هذه المعركة رُميَ سعدُ بن معاذ رضي الله عنه بسهمٍ قطع منه الأكحلَ وهو الذي عاش على الجهاد و أملاً بنصرِ دين الله ورسوله،فدعا سعد:اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أُجاهدَهم فيك من قومٍ كذَبُوا رسولَك وأخرجُوه،اللهم إن وضعتَ الحربَ بيننَا وبينَهم،فإِن كان بقيَ من حربِ قريشٍ شيءٌ فأبقني لهم،حتى أُجاهدُهم فيك،وإن كنت وضعتَ الحربَ فاجعل موتتي فيها،وقال في آخر دعائِه:ولا تُمْتني حتى تُقرَّ عيني من بني قريظة )..واستجاب الله دعوة رسوله وعباده المؤمنين الصادقين وشتت قُوى التحالف العظيم ومزَّقهم شر مُمَزَق،(وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً))
فكان مما هيأ الله أن رجلاً من غطفان يقال له نعيمُ بنُ مسعود جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله إني أسلمت،وإني قومي لا يعلمون بإسلامي،فمرني بما شئت وهذا أثر الإيمان عندما تخالط بشاشته القلب،التحرق لنصرة الإسلام والمسلمين. فقال له:إنما أنت رجل واحد،فخذل عنا ما استطعت،فإن الحرب خدعة..فذهب من فوره إلى بني قريظة وكان حليفاً لهم في الجاهلية فدخل عليهم وقال:قد عرفتم ودّي إياكم،وخاصة ما بيني وبينكم،قالوا:صدقت قال:فإن قريشاً ليسوا مثلكم،البلد بلدكم، فيه أموالكم،وأبناؤكم،ونساؤكم،لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره.وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه،وقد ظاهرتموهم عليه،وولدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره.. فإن أصابوا فرصة انتهزوها،وإلا لحقوا ببلادهم،وتركوكم ومحمداً،فانتقم منكم.قالوا:فما العمل يا نعيم؟قال:لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن قالوا:لقد أشرت بالرأي.
ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش،وقال لهم:تعلمون ودي لكم ونصحي لكم قالوا:نعم قال:فإن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يوالونه عليكم فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم،ثم ذهب إلى غطفان وقال لهم:مثل ذلك..فكان لموقفه هذا أثره في تخذيل العدو وهزيمتهم النفسية..
ومن دروس الأحزاب ما حدث من صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها وأرضاها،لما رأت رجلاً من اليهود يطيف بالحصن،وفيه النساء والصبية،وقد حاربت بنو قريظة ونقضوا العهد،وقطعت ما بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم وليس بينهم أحد يدافع عنهم،فخشيت أن يدل اليهودي على عورات المسلمين،وقد شُغل صلى الله عليه وسلم وأصحابه،فاحتجزت ثم أخذت عموداً،ثم نزلت من الحصن إليه،فضربته بالعمود حتى قتلته،ثم رجعت إلى الحصن..بعد أن دحرجت رأسه إلى اليهود..فلم يجرأ اليهود على اقتحام الحصن ..
الله أكبر ليت في رجالنا كثير من مثل صفية بنت عبد المطلب..بل ليت في شبابنا من يعرف مثل هذه المواقف ليكتسب الرجولة في حياته حمايةً لدينه ونبيه وأرضه و نسائه..ونحن نرى فقد الرجولة اليوم فيما يحدث للأمة في سوريا وبورما وغيرها..
وبعد سنواتٍ طويلة يقول رجلٌ من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه:يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله وصحبتموه؟قال له:نعم يا ابن أخي،قال فكيف كنتم تصنعون!قال:والله لقد كنا نجتهد،فقال السائل لحذيفة:والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض،ولحملناه على أعناقنا فقال حذيفة:يا ابن أخي،والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق،وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءً من الليل ثم التفت إلينا فقال:من رجلٌ يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟فشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة-أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد،فلما لم يقم أحد دعاني صلى الله عليه وسلم فلم يكن بد من القيام حين دعاني فقال:يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يصنعون ولا تُحدثنّ شيئاً حتى تأتيَنا))قال:فذهبت فدخلت في القوم،والريح وجنود الله أي (الملائكة) تفعل بهم ما تفعل،لا تقر لهم ناراً،ولا قدراً،ولا بناء،فقام أبو سفيان فقال:يا معشر قريش لينظر امرؤ جليسه؟قال:حذيفة،فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي، فقلت:من أنت؟قال:فلان بن فلان،ثم قام أبو سفيان فقال:يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام،لقد هلك الكراع والخف،وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم ما نكره،ولقينا من شدة الريح ما ترون،ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار،ولا يستمسك لنا بناء،فارتحلوا إني مرتحل،ثم قام إلى جمله وهو معقول،فجلس عليه ثم ضربه،فوثب به على ثلاث،فو الله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم،ولولا عهد الله رسول لله صلى الله عليه وسلم إليَّ:لا تحدثن شيئا حتى تأتيني ثم شئت لقتلته بسهم،فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه،فلما رآني أدخلني وطرح علي طرف المرط،ثم ركع وسجد وإني لفيه،فلما سلم أخبرته الخبر)).ولما سمعت غطفان بما فعلت قريش انسحبوا راجعين إلى بلادهم فلما أصبح الصبح قال صلى الله عليه وسلم(الآن نغزوهم ولا يغزونا)) وحقاً لم تغز بعدها قريش النبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة وهذا النصر إخوتي لم يتحقق إلا بأمر عظيم وهو الصبر على المصائب والثبات على دين الله وتصديق موعوده وإتباع نبيه وهذه حلول جميع الأزمات العظيمة نسأل الله جل وعلا أن يكفينا وبلادنا وسائر بلاد المسلمين شر كل ذي شر وفتنة..أقول قولي
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده .. ثم أما بعد:
لما انتهى عليه الصلاة والسلام من الأحزاب جاءه جبريل عند الظهر،وهو يغتسل في بيت أم سلمه،فقال‏:‏أوقد وضعت السلاح‏؟‏فإن الملائكة لم تضع أسلحتها،فانهض بمن معك إلى بني قريظة،فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم،وأقذف في قلوبهم الرعب،فسار جبريل في موكبه من الملائكة‏.وأمر صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس‏:‏من كان سامعاً مطيعاً فلا يصَلِّينَّ العصر إلا ببني قريظة وخَرَجَ مع المهاجرين والأنصار،حتى حاصر بني قريظة خمساً و عشرين ليلة حتى استسلم اليهود وطلبوا النزول على حكم سعد بن معاذ أمير الأوس كما دعا رضي الله عنه ربه بأن يقر عينه منهم،فحكم فيهم سعد بأن يُقتَلَ مُقاتلَتُهم،وأن تُسبى ذراريهم،وأن تُقسَمَ أموالهم،وقال له عليه الصلاة والسلام(حكمت عليهم بحكم الله من فوق سبع سموات))لينتهي دور اليهود و خياناتهم من المدينة ..
عباد الله..إن دروس السيرة تغذي الإيمان وتؤكد محبته صلى الله عليه وسلم وتوعي المؤمنين بمكائد الأعداء ممن ينال من ديننا ونبينا.. و صفهم الله بقوله(وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ)اللهم احمِ نبيك وكتابك من كل سوء وكيدٍ وفتنة وعليك بمن يريد إيذاءه والنيل منه..شُلّ أركانه واهدم بنيانه عليك به وأعوانه..وانصر إخواننا المستضعفين بالشام وفلسطين وبورما..وجنب بلادنا وبلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


 0  0  741
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:34 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.