عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ:اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ،فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ،فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ،فَتَتَبَّعَ المَاءَ،فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ،فَقَالَ لَهُ:يَا عَبْدَ اللهِ،ما اسمُكَ ؟قال:فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ،فقال له:يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي؟فَقَالَ:إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ،يقولُ:اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ،فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا، َقَالَ:أمَا إذ قلتَ هَذَا،فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً،وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَه رواه مسلم
عباد الله..جرت سنة الله تبارك وتعالى في البشر أن جعل بعضهم لبعضٍ سُخريّاً، لا تتم لهم سعادتهم إلا بالتعاون والتواصل، ولا تستقر حياتهم إلا بالتعاطف وفشو المودة. يرفق القويُّ بالضعيف، ويُحسن المكثر على المقلِّ. ولا يكون الشقاء ولا يحيق البلاء إلا حين يفشو في الناس التقاطع والتدابر، ولا يعرفون إلا أنفسهم، ولا يعترفون لغيرهم بحق..
من يفعل الخير لا يُعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
كم هو مؤثر أن ترى لاجئاً مسكيناً بليت ثيابه حتى تكاد تُرى عورته،يهلكه البرد،ويقتله البؤس أو تُبصر حافيَ القدمين أدمت حجارة الأرض أصابعه وقطعت عقبيه،أو تلحظ جائعاً يمدُّ عينيه إلى شيءِ غيرِه فينقلب إليه البصر وهو حسير.إنها صور نراها هنا وهناك في أطراف البلاد وبعض عوالمنا الإسلامية..حيث الجوع والخوف واللجوء..
وحين تنتشر هذه الصور ولا يكترث القادرون،ولا الأغنياء فكيف يكون التراحم والتعاطف لأن الله برحمته حين خلق المعروف خلق له أهلاً،فحبَّبه إليهم،وحبَّب إليهم إسداءه،وجَّههم إليه كما وجَّه الماء إلى الأرض الميتة فتحيا به ويحيا به أهلها،وإن الله إذا أراد بعبده خيراً جعل قضاء حوائج الناس على يديه،ومن كثرت نعم الله عليه كثر تعلق الناس به،فإن قام بما يجب عليه لله فيها فقد شكرها وحافظ عليها،وإن قصَّر وملَّ وتبرَّم فقد عرَّضها للزوال وانصرف الناس عنه ونحن بحمد الله نرى في مجتمعاتنا من يبذل الخير بماله وجاهه ونفسه يبتغون الأجر قال صلى الله عليه وسلم





وأسعد الناس من بين الورى رجل
تقضي على يده للناس حاجات
واشكر صنيعة فضل الله إذ جعلت
إليك لا لك للناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
يقول عليٌّ رضي الله عنه:يا سبحان الله ما أزهد كثيراً من الناس في الخير!عجبت لرجلٍ يجيئه أخوه لحاجته فلا يرى نفسه للخير أهلاً!فلو كنا لا نرجو جنةً ولا نخاف ناراً ولا ننتظر ثواباً ولا نخشى عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق..فإنها تدل على سُبُلِ النجاح؟فقام رجل فقال:يا أمير المؤمنين:أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟قال: نعم، وما هو خيرٌ منه: لقد أُتيْنَا بسبايا طيٍّ..كان في الناس جاريةٌ حسناء تقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت:يا محمد،هلك الوالد،وغاب الوافد،فإن رأيت ألا تخلي عنِّي فلا تشمت بي أحياء العرب،فإني بنتُ سيدِ قومي،كان أبي يفك العاني،ويحمي الذِّمار،ويقري الضيف،ويشبع الجائع،ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام،ويفشي السلام،ولم يردَّ طالب حاجة قط،أنا بنت حاتم الطائي فقال صلى الله عليه وسلم

قال صلى الله عليه وسلم

والشحيح البخيل يعيش في الدنيا عيشة الفقراء ويحاسب يوم القيامة حساب الأغنياء، فلا تكن أيها الغني القادر خازناً لغيرك وهذا ما نراه مع الأسف في حال بعضنا حين يخزن الأموال ولا يتبرع بل بعضهم بالزكاة عياذاً بالله ثم يأتي أولاده من بعده ليرثوه..فلا يقدموا عملاً له خيرياً ولا صدقة جارية.
أيها الإخوة..إن صفو العيش لا يدوم، وإن متاعب الحياة وأرزاءها ليست حكراً على قومٍ دون قوم، وإن حساب الآخرة لعسير،وخذلان المسلم شيء عظيم..ألسنا نرى ما يحيط بالفقراء هنا من تعب بالعيش؟!ألسنا نسمع ونرى أحوال إخواننا المسلمين ومجاعاتهم ودماءهم التي أفقرتهم وقتلهم ثم كثير من الأغنياء المسلمين لا يحرك ساكناً..والمسلمون هانوا أفراداً وهانوا أمماً حين ضعفت فيهم أواصر الأخوة، ووهت فيهم حبال المودة. سادت الأنانية والعصبيات وحب الذات حتى المساعدات..
بل إن بعض غلاظ الأكباد وقساة القلوب ينظرون إلى الضعيف والمحتاج وكأنه قذى في العين.. يزلقونه بأبصارهم في نظرات كلها اشمئزاز واحتقار.وتجد بعضهم يخذل عن دعم إخوانه المسلمين ويضع العوائق الوهمية أمام المتبرعين فتجده من حرمان الله له مغلاقاً للخير الذي حرم منه أصلاً وهو الذي يتقلب بنعم الله هنا..ألا يعتبر هؤلاء بأقوام دار عليهم الزمان وعَدَت عليهم العوادي، واجتاحتهم صروف الليالي..فاستدار عزهم ذلاً،وغناهم فقراً،ونعيمهم جحيماً؟وما أكثر الأمثلة لبلدان حولنا كيف تحولوا في فترة قصيرة من غنىً إلى فقر ومن عزة إلى ذل((أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ))
فاتقوا الله رحمكم الله وأصلحوا ذات بينكم، ولتكن النفوس سخية، والأيدي بالخير ندية، واستمسكوا بعرى السماحة وسارعوا إلى سداد عوز المعوزين، ومن بذل اليوم قليلاً جناه غداً كثيراً.. تجارة مع الله رابحة، وقرض لله حسن مردود إليه أضعافاً مضاعفة.. إنفاق بالليل والنهار والسر والعلن: ((ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي رسوله الكريم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الخطبة الثانية
..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده....وبعد..فاتقوا الله....
واعلموا أن من أفضل وجوه الإنفاق الصدقة الجارية التي تبقى للإنسان في حياته وبعد مماته قال صلى الله عليه وسلم((يقول الْعَبْدُ: مَالِي مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ)) أخرجه أحمد
ولذلك أيها الأحبة فإن الوقف الخيري من التبرعات المهمة التي تفيد الإنسان بدوام أجرها وتنفع أعمال البر باستمرارها وإذا تأملنا التاريخ الإسلامي رأينا اهتماماً جيداً وكبيراً بالأوقاف العامة المخصصة لمصالح المسلمين من أيتام وتعليم وفقراء ومعاقين وغير ذلك وكم من مشروع انقطع خيره حين لم يكن له وقف يريع عليه؟فالوقف عباد الله من المصالح المهمة للأمة وعليه يقوم نماء الخير واستمراره،وإن قل فليس بالضرورة أن يكون كبيراً ولكن على قدر مال الإنسان وتصور أخي لو أنك تقطع القليل من مالك كل شهر فتنمية كوقف خيري عندك ماذا يصبح بعد سنوات وتبذله لأحد الجهات الخيرية ليوقفوه لك فهذا فضل عظيم حُرم منه البعض وتجد بعض كبار السن من الموسرين لايبادر في حياته بجعل الوقف أمامه ناجزاً بل ينتظر وفاته ليسجل في وصيته إيقاف ثلث ماله وكان الأحرى به أن يوقفه في حياته ليرعاه ويؤسسه جيداً ويهتم بمصروفاته ويقيم الناظر المناسب فهذا أولى وأحرى فاجتهدوا عباد الله في البذل والوقف والصدقة الجارية التي لا ينقطع أجرها بعد موت الإنسان..وهناك احتياجات كثيرة للوقف في بلادنا تنتظر من يرعاها وينميها ويبذل لها استثماراً لحياته ولا ينتظر الإنسان موته ثم يكون الأمر متروكاً للوارثين إن بذلوا المال لمورثهم أو تركوه..نسأل الله أن يتقبل من الباذلين بذلهم ومن المحسنين إحسانهم..اللَّهُمَّ نسألك فَرَجَكَ القَرِيبَ العاجل لإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ فِي سوريا،وبورما،وفلسطين اللَّهُمَّ قَدْ تَدَاعَى عَلَيْهِمْ أَعْدَاءٌ لَكَ أَهْلَكُوا الْحَرْث وَالنَّسْلَ، وَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ سواك،وَلاَ كَاشِفَ لُغُمَّتِهِمْ سِوَاكَ فَاجْعَلْ لَهُمْ فَرَجاً وَمَخْرَجاً وَأَيِّدْهُمْ بِنَصْرٍ مِنْ عِنْدِكَ وَادْحَرْ عَدُوَّهُمْ وَتَقَبَّلْ شُهَدَاءَهُمْ وَأَخْلِصْ نِيَّاتِهِمْ يَا رَبَّ العَالَمِينَ،اللهم احفظ على بلادنا وبلاد المسلمين أمنها وأمانها واستقرارها..وجنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين...