• ×

06:05 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الثقة بنصر الله

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمدُ لله القاهرِ بقدرتهِ،الظاهرِ بعزته،الغالبِ بقوته،وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له وأشهد أن سيَّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه جُعلَ رزُقه تحتَ ظلِّ رمحه،صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغرِّ الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:فأوصيكم ونفسي بتقوى الله،فهي النجاة في الدنيا والآخرة..
عباد الله..أعزُّ مقاصدِ المؤمنين وأشهى مطالبِهم وغايةُ نفوسهم رؤيةُ دينِهم ظاهراً،وكتابِ ربهم مهيمناً،وعلوُّ رايةِ التوحيد،والفرحُ بنصرِ الله..ولاشكَّ أن ما نراهُ من تساقطٍ للظلمةِ وظهورٍ للحقِّ مؤخراً بسقوط رئاساتٍ تسلَّطتَ على العبادِ والبلادِ سِنينَ وعقوداً من الظلمِ والاستبدادِ ونهبِ الثرواتِ وإيثارِ القَراباتِ،يدعو الإنسانَ إلى مزيدٍ من التأمُّلِ والثقةِ بوعدِ الله والرجوعِ إلى كتابهِ وسنةِ نبيه لتطبيق كلِّ ما يَرى على سننِ الله العالية .
عبادَ الله..نصرُ اللهِ للمؤمنين حَقيقةٌ من حقائقِ الوجود،وسنةٌ باقيةٌ من سُننِ الله قدَ يؤخَّرُ النصرُ لحكمةٍ يُريدها الله،فتظهرَ باديَ الرأَيِّ هَزيمةً،وقد يُهزمُ الحقُّ في معركة،ويظهرُ الباطل ويَطْغَى الظلمُ في مرحلةٍ،وكُلُّها في منطق القرآنِ صورٌ للنصر،تخفَى حكمتُها على البشر،والمؤمنونَ غَيرُ مطالبينَ بنتائجِ،إنَّمَا هم مطالبونَ بالسيرِ على نهجِ القرآنِ وأوامرِه،والنَصْرُ بعد ذلك من أمرِ الله،يصنعُ به ما يشاء فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِىَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ قد يَتسربُ اليأسُ إلى بعضِ الناسِ ويَحزَنُ وهو يَرى حَالَ إخوانِه في سُوريَّا مثلاً والطغاةُ النُصيريةُ يُمعنون فيهم قتلاً وإيذاءً،وقد يُفرِطُ البعضُ في الأَملِ حينَ يَرى تَساقطَ الظلمةِ وكُلُّ هَذا اليَأَسُ أو الفرحُ مرتبطٌ بتقديرِ اللهِ وسننهِ..
قد يُبطئُ النصر لأنَّ بناءَ الأُمةِ لم ينضجْ ولم يشتدَّ ساعدُها،ولأن البيئَةَ لم تتهيأْ لاستقبالهِ،ويَتأَخرُ النصرُ لتزيدَ الأُمةُ صلتَها بالله،وهي تُعاني وتتأْلَّمُ وتَبذِلُ ولا تجدُ لها سنداً إلا الله.وقد يبطئُ النصرُ لتَتَجَرَّدَ الأُمةُ في كِفَاحِهَا وبَذلِهَا وتضحياتِها للهِ ولدعوتِه.أما البَاطلُ فمهما اِستعلى فهو طارئٌ وزاهق،ولا بدَّ من هزيمتهِ أمامَ الحقْ وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا ولكنَ حِكمَةَ اللهِ اِقتضت أَن يُوجدَ الباطلُ لاختبارِ أوليائِه وَلِيُبْلِىَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا وإِلا لو شَاءَ الله لم يكن هُنَاكَ كُفرٌ ولا بَاطِل،قال تعالى: ذٰلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ
لا تَعلَمُ الأُمةُ متى وكيفَ يتحقَّقُ النصرُ،فَجنُودُ الله التي يَنصُر بها أولياءَه كثيرون،فَفي غَزوةِ بني النَضِير كان الرعبُ جُندياً من جنودِ الله،وفي غَزوةِ بدر كانت الملائكةُ والنعاسُ والمطرُ والحصى من جنودِ الله،وكانت الريحُ والعنكبوتُ وغَيرُ ذلكَ مِن جُنودِ الله،وصَدقَ الله: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ
روى مُسلمٌ في صحيحهِ عن إبراهيمِ التيمي عَن أَبيهِ قال:كُنَّا عند حُذيفةَ بن اليمان>فقال رجلٌ:لو أَدركتُ رسولَ الله لقَاتلتُ معه وأبليت،وكأنه يستقلُّ بلاءَ الصحابةِ وجهادَهم مع رسولِ الله فقال له حذيفةُ:أنتَ كنتَ تفعلُ ذلك؟!لقد رأيتُنا مع رسولِ الله ليلةَ الأحزاب غَزوةَ الخندق،وأخذتْنا ريحٌ شديدة وقرٌّ،فقال (أَلا رَجلٌ يَأتينا بِخبرِِ القوم،جَعَلَه الله معي بِالجنَّة يومَ القيامة))فَسكتْنَا فَلم يُجبْه أحد،ثم قال(أَلا رَجُلٌ يَأتينا بِخبرِ القَوم،جَعَلَه الله معي بالجنَّة يوم القيامة))فسكتنا فلم يُجبْهُ منا أحد،فقال(قُم يا حذيفة،فأتني بخبرِ القوم))،فلم أجدْ بُدًّا إذ دعاني باسمي أَن أقوم.
لقد كان تردُّدُ القوم بسبب ما كانوا عليه من بردٍ وجوعٍ وخوفٍ،فقد كان الحصارُ الذي استمرَّ نحو شهرٍ قد أوهنَ القُوى،وأنهكَ الأَحشاءَ،وكانت الظُلْمَةُ في تِلكَ الليلةِ مُطبقةٌ،والريحُ شديدةٌ باردة،والخوفُ آخذٌ بتلابيبِ القوم إِذْ جَاءوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً في هذهِ الأَجواءِ المشحونةِ والأَحوالِ المدلهمةِ يَنصرُ الله جُندَه في لحَظاتٍ من حيث لم يحتسبوا،ويُرسل الله ريحاً تفرِّقُ جَمْعَ الأحزاب،وتغيّرُ موازينَ المعركةِ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ونصرُ الله لمن يَنصرهُ بِإقامةِ الإسلامِ وتعاليمهِ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ
لقد هُزمَ المؤمنونَ وفيهم رسولُ الله في مَعركةِ أُحد حِينَ عَصوْا أَمره وهُزِم أغلبُهم يومَ حنينٍ وفيهم رسول الله حِينَ أَعجبتُهم كَثرتُهم وقال بعضُهم:لن نُغلبَ اليومَ من قلةٍ،فكيفَ ينصرُ الله من لا ينصرهُ لمجردِ دعواه أنَّهُ مُؤمن؟!كَيفَ يَنصرُ الله من يعصيهِ ولا يقومُ بواجبهِ؟!يقولُ عمر>:{إنا لا ننتصرُ على عدوِّنا بِعددٍ ولا عُدة،وإنما نَنْتَصِرُ بِطاعتِنا للهِ ومعصيتِهم له،فإنْ عَصْينا اللهَ فَقدْ استوينا وإياهم في المعصيةِ،وكان لهم الفضلُ علينا}..ومن أَسبابِ تَسلّطِ الظلمةِ حين يظلمُ العبدُ نفسَه بالمعصيةِ أو يتظلَّمُ العبادُ فيما بينهَم فيأكلونَ حقوقَ بعضِهم بعضاً بالنهبِ والسرقةِ والنميمةِ وغيرِها..كُلُّها من أسبابِ اِنتشارِ الظُلم ..
عبادَ الله..مُتطلَبَاتُ النَّصَرِ ومُسبِّباتُ الهزيمةِ من سُنةِ الله فتتميّزُ الصفوفُ،وتتمحَّصُ النفوسُ،ويُعلمُ المؤمنون الصابرون فينصرُهم الله،ذلك أن النصرَ شَرفٌ،ولن يتنزَّلَ على قُلوبٍ قَاسيةٍ غَافلةٍ،ونُفوسٍ مَريضةٍ،وأَحوالٍ مَغشوشةٍ،في أُمةٍ تَشعبت بها السُبل،وتجارت بها الأهواء،وتعمَّقت في أُخوتِهَا الخلافات،وتلوّثتَ بسوءِ الظن فيما بينها وما أهون الخلق على الله إذا هم أضاعوا أَمره.ولهذا فَمن أَولى متطلباتِ النَصرِ ترسيخُ العقيدةِ وغَرسُ الإيمانِ ونَشرُ الإصلاحِ بين الناسِ في كُلِّ جوانبنا الاجتماعية والإدارية والسياسية أن ننشر الإصلاحَ فيما بيننا؛وهذا من علامات الإيمان،لأنَّ الإيمانَ الصادقَ يُزكِّي النفوسَ،ويُطهرُ القلوبَ،فتصلحُ الحال،ويَكتبُ اللهُ النصرَ والتمكينَ للمؤمنين؛فأَسبَابُ النصرِ دَاخليةٌ في القلوبِ والنفوس إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ
والتاريخُ ـ عبادَ الله ـ يحكي لنَا أَحوَالَ أَقوامٍ من أَهلِ الإيمانِ جِيَاعٌ حُفَاةٌ قِلَّّةٌ،صَدَقُوا مع الله وتخلَّصوا من حُظوظِ أَنفسهم،فَنصَرهم الله ومكنَ لهم وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
من أَسبابِ النَصرِ الإخلاص،فالمخلصُ مؤيَّدٌ من الله،مَكفيٌّ به أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وعلى قَدرِ إخلاصِ المرءِ لِربهِ وتجرُّدِه لَه يَكونُ مَدَدُ اللهِ وعَونُه وكِفايتهُ وولايتهُ،إِمْدادُ الله بالنصرِ والتأييدِ والتوفيقِ والتسديدِ على حسبِ ما في القلوبِ من تجريدِ النَيّةِ وصَفَاءِ الطَويةِ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً
من أَسبابِ النصرِ ـ عباد الله ـ نُصرةُ دينِ اللهِ والقِيامُ به قَولاً وعَملاً،اِعتقاداً ودَعوة،مع إِقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ،والأَمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلأُمُورِ فَالأَخذُ على يدِ السَفيهِ الذي يَستهزئُ بالدينِ وأَهلهِ وإِلجامِ لِسانهِ،وكَبْتِ قَلمَهِ وأَطْرهِ عَلى الحقْ أَطراً من أَسبابِ النَصرِ والتمكين..
من مُتطلباتِ النَّصرِ أَيُهَا الإخوة التجمُّلُ بالصبرِ،هذا مانستفيده من قوله في الحديبية لأَبي جندل وهو يُجرُّ أَمام المسلمين ويقول:ألا أحدٌ ينصرني فيقول له(يا أبا جندل،اصبرْ واحتسب،فإنَّ الله جَاعلٌ لكَ ولمن معكَ من المستضعفين فَرجَاً ومَخرَجاً))أخرجه أحمد وفي حديثهِ لابن عمهِ عبد الله بنِ عباس رضي الله عنهما ((وأن النصرَ مع الصبر))وفي ختامِ عددٍ من السورِ المكيةِ أَوصى الله رسولهَ بالصبر ِ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِين
مِن أَسبابِ النَّصرِ الاعتمادُ على القَويِّ الذي لا يُغلب-وهو الله-والتَوكلُ عليه،يُفوِّض إليهِ أَمره،يثقُ في وعدهِ،فلا يَخافُ من أَعداءِ الله،ذلك أن النَّصرَ من عِندِ الله،والعِزةُ كُلُّها من الله،ومن أَرادَ النصرَ فليطلبْه من الله،ومن أرادَ العِزةَ فليَعتزَّ بالله،ففي غزوةِ حنين رأى المؤمنون أنفسهَم في كثرةٍ وقالوا:لن نُغلبَ اليومَ من قلة،وكلَهم اللهُ إلى كثرتِهم التي أعجبتْهم فلم تغنِ عنهم شيئاً..
إِخوةَ الإسلام..الدعاءُ أهمُّ أَسلحةِ النَّصر،لما صنعَ نوحٌالسفينةَ لَجأَ إِلى الله،واحتمى بحماه،ولم يركنْ إلى الأَسبابِ وحدَها،توجَّه إِلى الله بِالدعاء،لِعلمهِ أَنَّ الدُعَاءَ يَستمطرُ سَحائِبَ النَّصرِ فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَاء عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ
من أَسبابِ النَّصرِ ـ عبادَ الله ـ إِكرامُ ورِعَايةُ الضُعفاءِ في الأُمة،عن سعد بن أبي وقاص>أن النَّبيَّ قال له(هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟؟))أخرجه البخاري وفي الحديث((إنما يَنصرُ الله هذهِ الأُمةَ بضعيفها،بِدعوتِهم وصَلاتِهم وإِخلاصِهم)) أخرجه النسائي..وهذا بَابٌ من أبوابِ التكافل الاجتماعي في الأُمةِ وهو سَببٌ من أَسبابِ النصر..
من أسبابِ النصرِ الثباتُ وكثرةُ ذكرِ الله،والاتحادُ والاجتماعُ،وعدمُ التنازعِ والاختلافِ،وعدمِ استبطاءِ النصرِ واستعجالِ النتائج يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
إعدادُ القوةِ الماديةِ والمعنويةِ من أسباب النصر وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ
عِبادَ الله..ولابدْ من اِستحضارِ هَذهِ الأَسبابِ للنصرِ والتمكينِ مع ما نَراهُ من أَحوالٍ عظيمةٍ تُحيطُ بإِخوانِنَا في عَددٍ من المواقعِ نراهم في سوريا -الذين لا حول لهم ولا قوةَ ولا ناصرَ لهم-ونراهم في غيرها كذلك نرى هذه الدمَاءُ المراقةُ وتلكم الإِهانةُ التي تصيب الأُمةِ ولا حولَ ولا قوَّةَ لنا إِلا باللهِ ففي الأجواءِ القاتمةِ في تاريخِ الأُمةِ تَحتاجُ إلى وميضٍ من نورٍ وبشارةِ أملٍ،تبشرُ بِمستقبلٍِ مُشرقٍ،وهذا منهجُ القرآن،فَحينَ كان يُعاني عليه الصلاة والسلام قِلةَ العَددِ وضَعفَ الشأَن وخُذلانَ العَشيرة قَصَّ الله عليهِ في القرآنِ قِصَةَ يوسف،فَنزلت هَذهِ السورة في مَكة ليُبشَّرَهُ الله بمستقبلهِ العَظيمِ المشرقِ الزاهرِ،فَكأَنَّ قِصةَ يوسف قصتَه.
من أَسبَابِ النَّصرِ زَرعُ الأَملِ بِالبَشائِر والتَبشيرِ بالوعدِ الحقِ،وهو نصرُ المؤمنينَ وتمكينهم،كي لا يتسربَ اليَأسُ إلى النُفوسِ،كَانَ الصَحَابةُ يَأَتُون إِلى رَسولِ اللهوهو مُستَظِلٌ بظلِ الكعبةِ يَشكُون إِليه ظُلم قُريش وهُم تَحتَ وطأة التعذيب بمكة فماذا يقول لهم؟!هل جلس يتباكى؟!يقول(إن الله زوَى لي الأَرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها،وإن أُمتي سيبلغُ ملكُهَا ما زُويَ لي منها)) رواه مسلم وقال(ليبلغنّ هذا الأمرُ ما بلغَ الليلُ والنهار،ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذا الدينِ،بِعِزِّ عَزيزٍ أَو بِذُلِّ ذَليلٍ،عِزاًَ يُعِزُّ الله بِهِ الإِسلام،وذُلاً يذل الله به الكفر)) أخرجه أحمد ..
إخوة الإسلام..دِينُ الله سيعلوُ ونُورُهُ سَيمْلأُ الآفاق يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ فمن ذا يَقدرُ أن يُطفئَ نُورَ الله؟!مَن يَستَطيعُ أَن يُحَاربَ الله؟!هل يستطيع ذلكَ طَاغيةٌ نُصيري بَأَمنهِ الظَالم؟!هل يستطيع ذلك مُعتدٍ صُهيوني أَو كَافِرٌ صَليبي بِجَورهم وتَحريفِهِم للحقائق؟!كلا والله..بالمقاييس المادية يَظنُّ الناظرُ إلى أَحوالِ المسلمين أَنَّها سَوداءُ قاتمة،وفي موازينِ الإيمان مُبشّرةٌ مُطمئِنَة،فكلما اشتدّت المحنُ قَرُّبَ اِنبلاجُ الفَجرِ وتحققَّ المنْح.لا يدري المسلمُ متى النصر؟!،إلا أَننَّا نعلمُ أن الأَصلَ في الإسلامِ العُلوُّ والسِيادَةُ والتَمكينُ،فَلا نَستيئسُ من ضَعفِ المسلمين وأَحوالِهم حِيناً من الدهر،فقد قال رسول الله الصادق المصدوق(الإسلامُ يَعلو ولا يُعلى))أخرجه أحمد..
إنها بُشريات تُذيبُ كُلَّ يَأس،وتَدفعُ كُلَّ قُنوط،وتُثبِّتُ كُلَّ صَاحبِ مِحنةٍ،وتُريحُ قُلوبَ أبناءِ هذا الدين،قال (بشِّرْ هذه الأُمةَ بالسناءِ والرفعةِ والدينِ والنصرِ والتمكينِ في الأرض)) أخرجه أحمد...
هذا وَعدُ الله الذي يجب أن نستصحبهُ دائماً،ووعد الله لا يُخلف،لكنَّهَا مَسأَلةُ التوقيتِ المقدورِ والأَجلِ المحدود،ولِئن مَرّت الأُمةُ بِفتراتِ ضَعْفٍ فلا نَنَسى أَنَّها تقاديرُ الله الذي يَقدرُ على إعادةِ عزٍّ ضَاع،واسترجاعِ سِيَادةٍ مضت وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ*إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ*وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم...

الخطبة الثانية ..
الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لانبي بعده ،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.... أما بعد ..
فاتقوا الله عباد الله ..
كما عرفنا أَن من أَسبابِ النصرِ الصدقُ في اللجوءِ إلى اللهِ،والدعاءُ إِليهِ لاسيما ما نَراهُ إِخوتي يحيط بعالمنا العربيِّ هَذهِ الأيام من أَحداثٍ نَعلم أَنَّها من تقديرِ الله جَلَّ وعلا ولا نَملكُ لها إِلا التَوجهَ إلى اللهِ وصِدقَ اللجوءِ إليهِ لاسيما بالدعاءِ،لاسيما مع ما نَراهُ يُحيط بإِخواننا في سُوريا الصَامدة هَؤُلاءِ الذين نَراهم اليوم تُمارس عليهم أَبشعُ الجرائمِ التي مورست عبر التاريخ،ونرى ذلك يعرض في الإعلام أو كذلك ما نراه من أحوالٍ لدى إخواننا في ليبيا أو في اليمن أو في مصر أو غيرها من البلاد هم جميعاً أحوج ما يكونون منا إلى الدعاء والنصرة..
أولئك الذين نراهم الآن يهانون في سوريا يطالبونَ بِقدرٍ من الحرية والعدالة ولم يرفعوا سلاحاً،ولكن الذي رفع في وجوههم السلاح هو ذلك الأمن الذي كان يفترض به حمايتهم،ومواجهة العدو فإذا به يفتكُ بهم ويقصفهم ويحاصرهم..يبيدهم نِظامٌ نُصيريٌّ علويٌّ بَعثي يُحاول بكلِّ ما أوتي من قوةٍ هو ومن وراءه من الشيعةِ الرافضة الذين يدعمونه البقاء ولو على جثث شعبه ودمائهم..نرى طغيان القذافي في ليبيا وغيرهِ من المعاندين..نرى أحوالاً الحقيقة أننا لا نملك لها حولاً ولا طولاً إلا كما عرفنا أن من أسباب النصر الدعاء،فارفعوا أكف الضراعة في كل وقتٍ وبصدق مناجاة وبإحساسٍ وبحملٍ للهم لإخوانكم المسلمين..
اللهم منزل الكتاب..مجري السحاب..هازم الأحزاب..أنت ربّ الأَرباب،ومُسبب الأسباب..نسألك اللهم النصر العاجل لإخواننا في بلاد الشام..اللهم وقد ضاقت بِهمُ الحال..وعَظُمَ عليهم الطغيان،وتَجاوزَ الظلمةُ عَليهم..ولا ناصرَ ولا مغيث لهم إِلا أنت..اللهم يا من نصرت محمداً يوم الفرقان يوم التقى الجمعان هَبْ لإِخواننا في الشام نَصراً من عندكَ عَاجلا غير آجل،وأفرغ عليهم صبراً وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين..
اللهم احفظ دماء إخواننا في سوريا وليبيا واليمن..أســعدنا بنصرهم..احفظ عليهم أرضـهم..وأموالهم وأعراضهم..اجبر كسرهم..أذهب الخوف والهلع عنهم..ثبت أقدامهم..اشف مريضهم..اللهم إنهم ضعفاء فقوهم..وفقراء فأغنهم..
يا قهار..يا جبار..يا منتقم..عليك بهؤلاء النصيرين الطغاة..مزقهم كل ممزق..أرنا فيهم عجائب قدرتك..افشل مخططاتهم..اجعلهم عبرةً وآية..اللهم لا تمكنهم من إِخواننا..اللهم يا قويُّ يا عزيز..يا متين..يا متعال..يامن ينصر من نصره..ويذل من خالف أمره..انتقم من الظالمين..عليك بهؤلاء الشرذمة البعثيين العلويين الخائنين..رد كيدهم في نحورهم..شتت جموعهم ..خالف بين كلمتهم..اللهم إنا نستودعك سورية وشعبها ومسلميها يا من لا تضيع ودائعه..اللهم اجعل بلاد المسلمين جميعاً بــلاد عدلٍ وحقٍ ونصرةٍ للإسلام..اللهم وفق ولولاة أمور المسلمين لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى...

و صل الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

 0  0  1355
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 06:05 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.