ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لفتح بيت المقدس لما اشترط أهلها قدوم خليفة المسلمين ليتسلَّمها بنفسه فركب الخليفة عمر الناقة يتعاقبها هو وخادمه فلما أقبلوا إلى بيت المقدس كان عمر ماشياً ممسكاً بخطام الناقة وعليها الخادم لأنه دوره بالركوب فأبهر تواضعه هذا ومعاهدته العمرية أهل بيت المقدس وأُعجبوا بدينٍ هكذا تواضع خلفائه..حتى حين أراد أبو عبيدة من خليفة المسلمين أن يغير من هيئته قال كلمته المشهورة:إنا كنا أذل الناس فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله..
أيها الأحبة..نعيش في عالم إسلامي وندين بدين الإسلام ولكن هل تمثلنا خلق الإسلام؟وتعاملنا بتعامله؟واقتدينا بمن فَهِمه وطبّقه؟إن نظرةً في تعاملاتِ الكثيرِ منا وأخلاقهم تظهر البون الشاسع بين أخلاقنا وتعاملنا فيما بيننا وبين قيم الإسلام وتعامله..وسنتحدث اليوم عن خُلقٍ عظيمٍ نحتاجُه لعظيمِ أثرهِ وارتباطه مع كثيرٍ من التعاملات لاسيما ونحن نرى فقده،إنه التواضع الذي أصبح مستغرباً وشبه مفقودٍ في تعاملاتنا التي طغى عليها الكِبْر ليكون مفخرةً وخُلقاً وتَعاملاً للبعض.. ترى من يتكبرُ لغناه وآخر لمنصبه ومن يتكبر لأسرته وقبيلته وأسوأُ هؤلاء عائل مستكبر يتكبرُ بلا سببٍ يدعوه لذلك..
صار الكبر بالقبيلة مفخرةٌ تمارسُ بالولائم والملابس والمناسبات ومزايين الإبل وقصائد الشعر وما درى هؤلاء جميعاً أن من أعزّه الله بدينٍ أو خُلقٍ لا تنفعهُ القبيلة ولا المال ولا المنصب والأمثلة كثيرة ممن أعلى الله شأنهم بدون مال يدعمه ولا قبيلة ترفعه..
إخوتي..التواضعُ خُلقُ الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ووصف المؤمنين المتقين،يزيد الشَريفُ شَرفًا،ويرفعُ للوضيع ذِكرًا وقَدْرًا حتى يُبَلِّغْهُ مقاماتِ الأولياءِ والأصفياءِ،ما وُصِل إلى المنازلِ العالية إِلا بِتقوى الله والتواضع،ولا أُدركت الأخلاقُ الجميلةُ إِلا بالانقيادِ للحقِ وتعظيمِ الحقوق،فكم حصل للمتواضع من مودة وصفاء،وكم تم له من محبة وثناء،وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه..
تواضع إذا ما نلت فِي الناس رِفْعة
فإن رفيع القوم من يتواضع
إن تواضعَ الشريفِ زيادةٌ في شرفه،كما أن تكبّر الوضيع زيادةٌ في ضعته،كالعائل المستكبر الذي لا يكلِّمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم..فكيف لا يتواضع من خُلق من نطفة مذرة،وآخرُه يعود جيفة قذرة،وهو بينهما يحمل العذرة أجلَّكم الله؟لو لم يكن في التواضع خصلةً إلا أن المرءَ كلَّما تواضع ازداد بذلك رفعةً في مكانته وعلمه قال صلى الله عليه وسلم

فاقد التواضع إنما هو امرؤ استعبده الكبر القاتل والعجب الغالب،فهو عنيدٌ،يخسر أكثر مما يربح..فاقدُ التواضع ـ عباد الله ـ عديم الإحساس بعيد المشاعر،شقيٌّ لا يتعظ بغيره،غير مستحضر أن موطئه قد وطئه قبله آلاف الأقدام،وأنَّ مَن بعده في الانتظار.
ألا وإنه ما رُئي أحـدٌ ترك التواضعَ وترفَّـع على من هـو دونه إلا ابتلاه الله بالذلة لمن فوقه،فتراه ذليلاً لمن يخاف منه ومن تكبر فإنه يعجب بنفسه ولا يرى فضلاً لأحد يزدري من حوله ويستحقرهم بل قد ينازع الله جل وعلا في صفاته،إذ الكبرياء والعظمة له وحده،يقول سبحانه في الحديث القدسي

ألا فليت شعري،ما الذي يحمل الكثيرين على أن يركنوا إلى العُجب والأنفة،وينأَوا بأنفسهم عن التواضع وخفض الجناح؟!فهل السبب في ذلك فطرةً يفطر عليها المتكبِّر،فيدَّعي صعوبةَ الخلاص منها؟!كلا والله،فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول


إن ترك التواضع رذيلةٌ المتكبرُ لا يرى إلا نفسه ويعمى عن الفضائل،والمصيبة حين تتوارث أسرته الكبرَ،ويربي أولاده عليه ليحقروا غيرهم كما هو حال الكثيرمن صغارنا باحتقار العمالة والخدم وإيذائهم وإهانتهم لفظاً وعملاً حتى أصبحت إهانتهم والتعدي على حقوقهم سمة لكثير من أفراد المجتمع..
عباد الله..علام يتكبر الناس والجميع من تراب؟!وعلام يتجبر المتجبّرون والموت مصرعهم؟! وبماذا يتعالى بعض الناس على بعض والقبور بعد هذه الدار منازلهم؟! كيف يتكبر الإنسان وهو مخلوقٌ ضعيفٌ فقيرٌ ناقصٌ من كلِّ وجه؟!
إن تواضعَ الشريفِ زيادةٌ في شرفه،كما أن تكبر الوضيع زيادةٌ في ضعته،كالعائل المستكبر الذي لا يكلِّمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم..فكيف لا يتواضع من خُلق من نطفة مذرة،وآخرُه يعود جيفة قذرة،وهو بينهما يحمل العذرة أجلَّكم الله؟لو لم يكن في التواضع خصلةً إلا أن المرءَ كلَّما تواضع ازداد بذلك رفعةً في مكانته وعلمه قال صلى الله عليه وسلم

فاقد التواضع إنما هو امرؤ استعبده الكبر القاتل والعجب الغالب،فهو عنيدٌ،يخسر أكثر مما يربح..فاقدُ التواضع ـ عباد الله ـ عديم الإحساس بعيد المشاعر،شقيٌّ لا يتعظ بغيره،غير مستحضر أن موطئه قد وطئه قبله آلاف الأقدام،وأنَّ مَن بعده في الانتظار.
ألا وإنه ما رُئي أحـدٌ ترك التواضعَ وترفَّـع على من هـو دونه إلا ابتلاه الله بالذلة لمن فوقه،فتراه ذليلاً لمن يخاف منه ومن تكبر فإنه يعجب بنفسه ولا يرى فضلاً لأحد يزدري من حوله ويستحقرهم بل قد ينازع الله جل وعلا في صفاته،إذ الكبرياء والعظمة له وحده،يقول سبحانه في الحديث القدسي

ألا فليت شعري،ما الذي يحمل الكثيرين على أن يركنوا إلى العُجب والأنفة،وينأَوا بأنفسهم عن التواضع وخفض الجناح؟!فهل السبب في ذلك فطرةً يفطر عليها المتكبِّر،فيدَّعي صعوبةَ الخلاص منها؟!كلا والله،فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول


إن ترك التواضع رذيلةٌ المتكبرُ لا يرى إلا نفسه ويعمى عن الفضائل،والمصيبة حين يتوارث الكبرَ أسرته،ويربي أولاده عليه ليحقروا غيرهم كما هو حال الكثير في احتقار العمالة والخدم وإيذائهم وإهانتهم لفظاً وعملاً حتى أصبحت إهانتهم والتعدي على حقوقهم سمة لكثير من أفراد المجتمع..
عباد الله..علام يتكبر الناس والجميع من تراب؟!وعلام يتجبر المتجبّرون والموت مصرعهم؟! وبماذا يتعالى بعض الناس على بعض والقبور بعد هذه الدار منازلهم؟! كيف يتكبر الإنسان وهو مخلوقٌ ضعيفٌ فقيرٌ ناقصٌ من كلِّ وجه؟!
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه
إلى طبقات الجو وهو وضيـع
إن الواجب على المسلم أن يتواضع لعباد الله،ويلين لهم جانبه،ويحب لهم الخير والنصح في كل حالة من أحوالهم،يحترم كبيرهم،ويحنو على صغيرهم،ويوقر عالمهم، وينفق على مخطئهم ويحفظ لكل ذي مكانَة منزلته..فقد تكاثرت نصوص الكتاب والسنة في الأمر بالتواضع للحق والخلق والثناء على المتواضعين وأعظم الحقوق على العباد حق الله تعالى عليهم أن يعبدوه وحده لا يشركون به شيئًا،فمن خضع لهذا الحق في أصول الدين وفروعه فهو المتواضع الخاضع لله،ومن أعرض عنه وعارضه فهو المتكبر((وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا))
لماذا لا ننظر إلى أمثال سِيَر من قبلنا نقتدي بهم؟!وعلى رأسهم إمامنا وقدوتنا سيد ولد آدم ذو النسب الرفيع والجاه الوسيع،فها هو قد نام على الحصير،وابتسم في وجه من أوجعه،ووقف إلى جانب امرأة في الطريق تشكو إليه،وشرب مع أصحابه في إناء واحد وكان آخرَهم شربًا،كما أكل مع أهل الصفة،ثم دخل مكة في الفتح متواضعًا،ومشى في الأسواق والناس من حوله،يأكل مما يأكلون منه،ويشرب مما يشربون،بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه..كان يخصف نعله،ويرقع ثوبه،ويحلب الشاة لأهله،ويعلف البعير،ويأكل مع الخادم،ويجالس المسكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما،وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام،ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى شيء يسير،هيّنُ المؤونة،لينُ الخلق،كريم الطبع،جميل المعاشرة،طلق الوجه، متواضعًا من غير ذلّة،جوادًا من غير سرف،رقيق القلب،رحيمًا بكل مسلم، خافضًا جناحه لكل مؤمن، يعود المريض،ويشهد الجنازة،ويركب الحمار،ودخل عليه رجل وهو يرتعد خوفًا من هيبته فقال له




أيها المسلمون..إن التكبر من الخصال الذميمة،متوعَّدٌ عليه بالعذابِ الشديدِ من العزيز الحميد،وقد يمارسه الإنسان ولو كان قليلآ لكنهُ ينالُ عليهِ الإثم في الحديث



ألا فليتنبه لذلك المغرورون المعجَبون بأنفسهم وشكلهم ونسبهم وجاههم حين يتكبرون ويستنقصون العوائل بالنسب،ومَن هذه حاله فلا يغترَّ بكونه يملك مالاً أو منصباً أوشكلآ و نسباً أو قبيلة فو الله إنه لا مال يغني ولا منصب يرفع ولا عزَّ في نسبٍ أو قبيلةٍ ما لم يقرن كل ذلك بإيمانٍ باللهِ وتواضعٍ لخلْق الله فالرفعة بالتقوى..وحسن الصورة وجمال المظهر ورفعة النسب والمنصب لا يُقدّم ولا يؤخر..فماذا يعني لباس المظهر إذا كان المخبر عاريًا باديةً للناس سوأته؟!((يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ))
إن مَن سُرَّ بأنفته وكبره فليعلم أن الطاووس أشد كبراً منه بمشيته واختياله لكنه لا عقل له فأيُّ فخر وأيُّ سرورٍ فيما تكون فيه صورة البهائم متقدِّمة عليه؟!فينبغي للعاقل إذا رأى مَن هو أكبر منه سنًّا تواضعَ له وقال:سبقني إلى الإسلام،وإذا رأى من هو أصغر منه تواضع له وقال:سبقتُه بالذنوب، وإذا رأى من هو مثله عدَّه أخًا قريبًا،فلا يحقرنَّ أحدًا من المسلمين،((تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ))اللهم اجعلنا لك ذليلين ولعبادك متواضعين واكفنا شر الكبر والاستكبار وخلق أهل النار..بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده و بعد..
أيها المؤمنون..التواضع شأنُه عظيم وأمره جسيم،وهناك تواضعُ محمود وآخر مذموم.فالمحمود أن يترك المرءُ التطاولَ على عباد الله والترفع عليهم والإزراءَ بهم،حتى مع وقوع الخطأ عليه والتواضعُ للدين والاستسلام لشرع الله بحيث لا يعارضه المرء بعقله أو رأيه،وأن ينقاد لما جاءت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم،وأن تعبد الله وفق ما أمرك به،وأنك لن تدخل الجنة بعملك،وإنما برحمته لك.
من التواضع المحمود أيضًا أن تترك الشهوات المباحة والملذات الكمالية احتسابًا لله وتواضعًا بعد التمكُّن منها والاقتدار عليها،دون أن توصف ببخلٍ أو طمعٍ أو شُحٍّ،قال صلى الله عليه وسلم: ((من ترك اللباس تواضعًا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيّره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها))رواه أحمد والترمذي
المتواضع حقيقةً هو المقتدر على الشيء لا العاجز عن تحصيله،يقول صلى الله عليه وسلم

أما التواضع المذموم فهو التواضع أمام نصرة دين الله سبحانه،والذي يسبِّب التخاذل وهجر النصيحة وترك الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر والخنوعِ أمام الباطل والبعدِ عن نصرة الظالم والمظلوم،لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا.
التواضعُ المذمومُ تواضعَ المرء لصاحب الدنيا والجاه والنسب رغبةً في شيء مما عنده وذلة وما أكثرهم هذه الأيام.
التواضع عباد الله ـ من أعظم ما يتخلَّق به المرء،فهو جامع الأخلاق وأسُّها،بل ما من خُلُق في الإسلام إلا وللتواضع منه نصيب،فبِهِ يزول الكبر،وينشرح الصدر،ويعمُّ الإيثار،وتزول القسوة والأنانية والتشفّي وحب الذات..اللهم إنا نعوذ بك من الغل والحسد،ومن الكبر والطغيان،ونعوذ بك أن نجر بها على مسلم سوءًا واجعلنا مقتدين لشرعك محبّبين إلى خلقك يا ذا الجلال والإكرام..
اللهم عجل فرجك ونصرك لإخواننا المستضعفين في سوريا وبورما ومالي نرجوك فلا تردنا عن بابك ولا تطردنا عن جنابك،وجنبنا وإخواننا المسلمين في كل مكان شر الفتن والمؤامرات،الاستغاثة......