• ×

03:52 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

رمضان تاريخ للنصر والعزة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمدُ الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له وعدَ من اتقاهُ أن يجعلَ له مخْرجا،وأشهدُ أنَّ مُحَّمداً عبدُه ورسولُه أزالَ الله به عن هذه الأُمَّةِ أَغلالاً وحَرجَاً،صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أَفضل قرونِ هذه الأُمَّةِ وأهداهُم طريقاً ومنْهَجاً،وسلَّم تسليماً كثيراً أما بعد..فيا أَيُّهَا النَّاسُ اتقوا الله تعالى..
أَيُّهَا الإِخوةُ المؤمنون..في هذهِ الأيامِ المباركة،ومع هذا الواقع المؤلم التي تعيشُه أمتُنا،من تسلِّطِ الظالمين وعدوانِ المعتدين..تعالوْا بنا لنعيشَ عَبق الذكرياتِ الجهاديةِ العظيمةِ الرائعةِ لتاريخِ أُمتِنَا في هَذا الشَهرِ الكريم الذي ما عرفتْهُ الأُمَّةُ عَبرَ تَاريخِهَا إِلا مَوسماً للطاعةِ وشَهراً للجهادِ والعزَّةِ للأُمَةِ..
وإن الملاحمَ التي عاشتْها الأُمَّةُ في رمضانَ وغيرهِ ستظلُ بأذن الله راياتُهَا معقودةً إلى قيامِ الساعةِ فالمعارك التي قاد طلائعها رسولُ الله ومن صحِبَه ومن تبعهَم من السلفِ الصالحِ رضوانُ الله عليهم ستظلُّ زاحفةً جِيلاً إِثر جيل..وإن سوقَ الجهادِ لإِعلاءِ كَلمةِ اللهِ سَيظلُ قَائِمَاً في أُمةِ الإِسلامِ تُسقيهِ بدمائِها وتغمرُهُ بمهجِها،وتقدِّمُ له فلذاتِ أكبادِها،فهي أمةٌ مِعطاء،وأمةٌ خيَّرةٌ..الخيرُ فيها إلى قيامَ الساعةِ..
ولا أَدلَّ على ذلك الخير في الأُمةِ ما نراه اليوم من تَضحياتٍ لشبابها طلباً للحقِّ والعدل،والحريةِ وقوفاً في وجوه الظلمة فتحقق بعضُ النصر والباقِ آتٍ في الطريق بإذن اللهوَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ..
نتذكرُ تاريخَنا في رمضان وكيف عاشتهُ الأُمةُ في وقتٍ غدا فيهِ واقعُنا مؤلما مع إراقةِ الدماء والفقرِ والجوعِ،والظلم والذُلِّ والإهانةِ إِلا أننا نَرى أُناساً ما عرفُوا رَمضانَ إلا فُرصةً للكسلِ والنومِ،وموسماً للإسرافِ في الأكلِ والشربِ وفرصةً للتجارةِ واللهوِ والسَهرِ على برامجِ القنواتِ ومُسابقاتِها..
فنتذكرُ في رمضان أن مسيرةَ الأُمةِ فيهِ كانت مِنحاً متوالية،وأَفضالاً مُتتالية،ومواقفَ من الحق والخيرِ حَاسمة فقد شهدت البشريةُ في هذا الشهر أعظمَ حدثٍ في تاريخها يومَ نزل جبريلُ على محمد مُعلناً بدءَ نزولِ الوَحيِّ الإلهيِّ على الأَرض ليُصحِّحَ ما غطَى الأَرضَ من ضلالاتٍ فكريةٍ،وما سيطرَ على قلبِ الإنسانِ من عاداتٍ وأخلاقٍ همجيةٍ،فبدأَ تنزُّلُ الهُدى والقران شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..
نتذكرُ في رمضان..أنَّ أوَّلَ جَولةٍ من جولاتِ الحربِ بين الحقِّ والباطلِ،وبينَ الإيمانِ والكُفرِ وقعت في مثلِ هذا الشهرِ الكريم،حين تجمَّعَ المشركون وهم كثيروا العدد أمامَ القلَّةِ المؤمنةِ في بدر وعزّمُوا على القضاءِ على مَنْ آمن حتى تَسمعَ بِهم العرب فتهابُهم كما زَعَمُوا..
إذا قامت الدنيا تعدُّ مَفََاخِراًً فتاريخُُنا الوضَّاحُ من بدرِِ ابتدا
وقامَت غَزوةُ بدرٍ وكلُّ التوقعاتِ بالنصرِ للمشركينَ حتى اِستغلَّ المنافقونَ تلك الظَواهِرَ كعادتهم في كلِّ زمانٍ يغمزونَ المؤمنين،ويُشجعون الكافرين ويمُرِّرون الشُبه،فأحَقَّ اللهُ الحقَّ بكلماتِه ووعْدِه ونصْرِه..فنرى في هذه الغزوةِ المباركةِ عُمقَ وفاءِ المؤمنينَ لدينهم ونصرتَهم لَهُ والتضحيةُ من أجله. نراه حين شاورَ عليه الصلاة والسلام صحابتَه قبل المعركةِ فيقول قائلُهم:{امضِ يا رسولَ الله لما أمركَ الله فنحنُ معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضْتَه لخضناه معك،وما نكرهُ أن تلقى بنا عدوَّنا غَداً إن لَصُبرٌ في الحرب صُدُقٌ عند اللقاء فلعلَّ الله أن يُريَك منا ما تقرَّ به عُينُك يا رسولَ الله:صِلْ حبالَ من شئت واقطعْ حبالَ من شئت،وسالِمْ من شئت وحاربْ من شئت،وما أخذتَ منا كان أحبَّ إلينا مما أعطيت}إنه الولاءُ والنصرةُ لله ورسولهِ،إنه قَولُ من صَدَقَ الإيمانُ في قلوبِهم فبذلُوا له أرواحهَم فيقول لهم عليه الصلاة والسلام مستبشراً:{سيرُوا وابشروا فإن الله وَعدني إحدى الطائفتين}والله لكأنِّي أنظرُ إلى مصارعِ القوم (هذا مصرعُ فلانٍ وهذا مصرعُ فلان قال:ويضعُ يدَه على الأرضِ هاهُنا وهاهُنا}يقول راوي الحديث:فو الله ما ماطَ أحدُهم عن موضع يده .
يعتمدُ عليه الصلاة والسلام على الدعاءِ في غزوةِ بدرٍ فهو سببٌ لجلبِ النصرِ ودفعِ الضُرِّ وهو درسٌ لنا لنكثرَ منهُ،ونتضرعَ لنُصرةِ الإِسلامِ والمسلمينَ مع ما نَراهُ من مصابٍ وظلمٍ..يدعو فيقول:{اللهم أنجز لي ما وعدتني ثلاثاً،اللهم إن تهلك هذه العُصَابة لا تُعبدُ على وجهِ الأرض ويرفَعُ يديه بشدةٍ إلى السماءِ لاجَّ اللسانِ بالدعاءِ حَتى يَرى حالَه أبو بكرٍ>ورِداؤُه يسقطُ عن كتفيه فيسوي رداءَه على منكبيه ويقولُ:يا رسولَ الله "بعضَ مناشدتك ربِّك فإنه منجزٌ لك ما وعدك"..
إنه تحقيقٌ للعبوديةِ للهِ تعالى،ورسولُ الله إنما يتنـزَّلُ بهذا الدعاء النصرَ من السماءِ ويلتفتُ متهلِّلَ الوجهِ إلى أبي بكرٍ قائلاً:"أبشرْ" أتاكَ نصرُ الله هذا جبريلُ آخذٌ بعنانِ فَرسهِ على ثنايا النقع إذ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وتبرزُ بطولاتُ الصحابةِ للقتال كعميرِ بن الحمامِ الذي سمعَ بشرى النبي بالجنَّةِ فيطمحُ إليها فيُقَاتِلَ حتى قُتل..
ركضاًً إلى الله بغير زادٍ
إلا التقى وعمل الرشاد

وبفضلٍ من الله..ثم بتلكَ النفوس..وذَلكَ الدعاء تساقَطَت رؤوسُ الكفرِ،وتحطَّمت أصنامُ الظلمِ والطغيانِ في السابع عشر من رمضان فيطرحُهم رسولُ الله في القليبِ ويتذكر كم حاولَ هدايتَهم؟كم ناشدَهم الله وتلى عليهم قرآنه؟..كم أنذرَهم ووعدَهم وتوعَّدَهم؟فيناديهم وهم في القليب موتى:بأسمائِهم ويخاطبُهم يا أبا جهل يا عتبةَ بنَ ربيعة يا أميةَ بنَ خلف هل وجدتمُ ما وعدكم ربُّكم حقاً فإني وجدتُ ما وعدَني ربي حقاً؟!فيتعجبُ الصحابةُ منه ويقولون يا رسول الله:أتنادي جِيَفاً؟! فيقولُ:{والله ما أنتم بأسمعَ لما أقولُ منهم ولكنَّهم لا يستطيعون جواباً}ويعودُ عليه الصلاةُ والسلام مع صحابتهِ منتصرين..وانتصرّت تِلكَ الجيوشُ المؤمنة التي صاغتْها قلوبٌ للهِ خاشعة..وأنفسٌ ضارعة..وعيونٌ دامعة..
أَيًُّها الإخوة..إِلى ذِكرى أُخرى حاسمة في رمضان..أَلا وهي فَتحُ مكة الذي حدثَ في العشرين من شهرِ رمضان حين خَانَ المشركون عهدَ صلحِ الحديبيةِ فجهَّز عليه الصلاة والسلام جيشَه لحربِهم وفتحِ مكة وتطهيرِها من علائقِ الشركِ وأوثانِ الضلالةِ التي أحاطت بالكعبة ..
نقفُ في ذلك الفتحِ العظيمِ عندَ كيدِ قريش وحربِها ضِدَّ الإِسلامِ الذي استمرَّ سنين طويلة وتمكَّن بقوى عظيمةٍ كما هو حالُ الظلمة حين يتسلَّطون وَقتاً من الزمان،ويظنوُّن أن الغلبةَ لهم لما يرون من قوَّتِهم كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى لكنَّ الله جَلَّ وعلا الذي تكفَّل بنصر دينهِ ردَّ ذلك الكيدَ في نُحورِ أَهلهِ ومكَّن النصر والفتحَ للمسلمين وتحقَّق موعودُ اللهِ لهم..فإنَّ الله مُتمُّ نورهِ ولو كَرِه الكافرون ..
دخلَمكةَ فاتحاً فتوجَّه إلى بيتِ الله الحرام،وهدمَ الأصنام،وقامَ على باب الكعبة ينظرُ إلى جموعِ قريش التي تَعلَّقت أنظارُها به وقد وَجِموا،ودارت برؤوسِهم في تلكَ اللحظة المواقفُ المخزيةُ منه ومن دعوته،وصورِّ التعذيبِ الذي أذاقوه هو وصحابتُه،وسلا الجزورِ حين وضعوه على ظهرِه وهو ساجد،تذكروا محاصرتَه بالشِعب تذكَّروا التآمرَ بِه ومُحَاولةَ قتلِه،وإخراجِه من بلدِه،تذكَّروا بدراً وأُحداً ومحاصرةَ الخندق..وهم ينتظرون حُكمْه عليهم فما هو يا ترى..يَخطُب عليه الصلاة والسلام بهم فيقول:{لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له،صَدقَ وعّدَه،ونصرَ عبْدَه وهَزمَ الأحزابَ وحْدَه ثم قالَ:يا معْشَر قريش ما تظنُّون أَنَّي فاعلٌ بكم؟قالوا:خيراً:أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم قال:فإني أقول لكم كما قال يوسفُ لإخوته:لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء..}بهذا العفو التاريخي لمن ركب في عداوتهِ الصعْبَ والذّلُول،ولقد كانَقادِراً أن يُذيقَهم من العذابِ ألواناً،لكنه ملَكَ فأسجح،وقدِرَ فعفا فَحَلّ العفوُ من النفوسِ محلّ الِبلْسَمَ من الجراحِ الأليمةِ،وهَدَأَت النفوسُ المتوتِّرة،وسَكَنَت القلوبُ الواجفةُ،وسادَ الناسَ الحبُّ والبّرُ والوفاءُ..وما أَحوجَنَا إِخوتي في وقتٍ سادت فيه المادّيةُ وطغَت،إلى مَبدأِ التسامحِ والعفوِ فيما بيننا،وسلامةِ الصدورِ مع بعضنا،وأن نحِملَ الناسَ على حسِن نيَّاتِهم وإيمانِهم،ونَبتعدَ عن إِساءَةِ الظنونِ،وما أَعظم نتيجته في المجتمع،وما أَكبر أَثر العفو على القلوبِ..ولذلك فقد كان المسلمون من أهل الفتح من أهل مكة أنصاراً للإسلام وحرباً على المرتدين.
اَيُّها الإخوة..أما ذِكرانا في رمضان الأخرى فهي عن مرحلةٍ تاريخيّةٍ تُشابِهُ إلى حدٍ ليسَ بالبعيدِ واقعَنا حيثُ تَسلّط النصارى الصليبيونَ على الأُمّةِ فساموها سوءَ العذاب وسيْطَروَا على أجزاءَ مهمةٍ من أرضيها تَقعُ في مقدِّمتِها الأرضُ المقدسةُ "بيتُ المقدسَ"فينبري للأّمّةِ واحداً من خيرِةِ مجاهديها وهو صلاحُ الدين الأيوبي فينهضُ بالإسلامِ من جديدٍ فَيُحرّرَ القدسَ في مَعركةٍ حَاسمةٍ معركة حطينَ والتي وقعت في رمضانَ سنة 583هـ ..
عباد الله..كثيرٌ من الناس يربطُ نصرَ دين الله بزمنِ رسولِ اللهوصحابتهِ مَعَهُ فقط دُونَ غيرِهم لكنَ حطينَ وغيرهَا من الملاحم العظيمةِ تُعْلِنُ أنَّ هَذهِ الأمّةُ ما عقِمت،وأنَّ اللَه عز وجل مُتكفِّلٌ بحمايةِ دينِها ومقدساتِها مَهْمَا ظَهرَ الباطلُ ونما..
أحلّ الكفر بالإسلام ضيماً
يطول عليه للدين النحيب

فحقٌ ضائعٌ وحمىً مباحٌ
وسيفٌ قاطعٌ ودم صبيب

لقد سيْطَرَ الصليبيون تسعينَ سنةً..سيطروا على بيت المقدس..وخاضُوا في دماءِ المسلمين حتى خارَتِ الهمِمُ والعزائم،وما أَشبَه الليلةَ بالبارحة فقيَّضَ اللهُ نصْرَه على يدِ عمادِ الدين ونورِ الدين محمود وصلاحِ الدين فهَّيئوا الأمَّةَ لهذهِ المواجهةِ وتِلكَ النتيجةِ فصاغُوا بتوفيقٍ من الله قلوبَ أبنائِها وعلَّموا عقولَهم،وتقوَّى إيمانُهم فكانت النتيجةُ حتميةً بنصرِ المسلمين في حطيِن بقيادةِ صلاحِ الدينَ خلال رمضان..
وإن النَصرَ على الأَعداءِ ظاهرين وخفيين لا يتحققُ للأُمةِ بالتَواكل والدَعَةِ،والكسَل والركون إلى الظلَمةِ وأشياعِهم،وإنما يتحقَّقُ بصياغةِ قَلْبِ وفكْرِ الأمَُّةِ في قالبِ الخيرِ والإسلامِ وتقويةِ الصلةِ بربَّ السمواتِ والأرضِ،وهَكذا كان حَالُ صلاحِ الدين ونورِ الدين الشهيدِ قْبلَه فَذَكَرهُم التاريخُ بِصفَحَاتٍ ملْؤُها الإعزَازُ والتكريم..
ذكرى حطين..تؤكدُ لنا أن فلسطينَ أَرضٌ قدسَّها اللهُ وحماها المسلمون على مرِّ التاريخ،وبذلُوا من أجل إسلامِها الغالي والنفيس فلا يتسرَّبُ اليأسُ إلى قلوبِنا بأنَّها قد ضاعت حين سيطرَ عليها شرذمةٌ من اليهود وأَقرَّهم على ذلك نصارى صليبيون،وحماهم النُّصيريةُ الظالمين،والرافضةُ المدَّعون،والخونةُ الخائفون..فإنَّ فلسطين..مسْرَى الأنبياء..والأرضُ التي باركها الله وحماها على مرّ التاريخ وعائدةٌ بإذن الله إلى حوزةِ الإِسلامِ مَهَمَا كِيْدَ لها وحُوربَ أَهلُها الصادقون..
ذكرانا الأخرى في رمضان هي قَبساتٌ من معركةٍ عظيمةٍ خاضَها المسلمون في إحدى جولاتِهم مع التتار..التتارُ الذين انطلَقُوا بقَدَرِ الله من مشرقِ الأرضِ فدمَّرُوا دولَ الإسلام وأهانوا أهلَه وقتلَوا وسلَبوا وشرَّدوا..حتى أَسقطُوا الخلافةَ العباسيةَ في بَغداد وقتلوا فيها حوالَ المليون مسلم سنة656هـ لما غفلت الأمةُ و أضاعتْ أمرَ ربِّها وسكنَت إلى التَرفِ والملذات..
وسارَت جحافلُ التتارِ في ديارِ الإسلامِ لا يردُّها شيءٌ حتى خاضَ المسلمونَ معهم معركةَ "عين جالوت "في العشْر الأواخرِ في رمضان من سنةِ ثمانٍ وخمسينِ وستمائةِ بعد أن ظنَّ الناسُ ألّا نصرَ على التتار فكبتَ الله عدوَّه وقادَ المظفر نورُ الدينِ قُطز ومعَه الظاهِر بيبرس والعالِم الفذُّ العزُّ بنُ عبد السلام ومَعَهم المسلمون من مصرَ والشام هذهِ المعركةَ وأظهرُوا شَجاعةً عظيمةً شجَّعت المسلمينِ وقَوَّت نفوسَهم،وقُطز هو القَائدُ والملِكُ يومئذٍ فانتصرَ المسلمون،واندحرَ التتارُ في أول هزيمةٍ لهم في هذا الشهر الكريم ..
وخاضَ المسلمون معاركَ كَثيرةً مع التتارِ..من أهمِّها تلكَ المعركةُ العظيمة التي حصلت بجوارِ دِمشق وهي معركة "شقحب" التي وقعت في غرة رمضان من سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة والتي يقول عنها ابنُ كثير رحمة الله:- أنه عندما توجَّه التتارُ إلى دمشق حدثَ فيها ذعرٌ عظيمٌ ورجفةٌ في الناسِ،وتبلبلٌ وتحملَّ بعضُهم إلى مصر بل بعضُهم إلى اليمن فوقفَ شيخُ الإسلامِ حينئذٍ تقي الدين ابنُ تيمية في الناسِ يثِّبتُهم ويربطُ على قلوبهم،وتوجَّه إلى الحكّامِ يستنهضُ عزائمَهم حتى قررُّوا نُصْرَتَه،وكان يعُدهم بالنصر تحقيقاً لثقتهِ باللهِ،وانظروا أَيُّهَا الإِخوة مواقف العلماء العظيمة في نصرة الإسلام والدفاع عن المسلمين..وخاضَ ابُن تيميةِ المعركة في مُقْدِّمةِ المسلمين ولم يكتفِ بإصدارِ الفتاوى أو بالانزواءِ بلَ كَان في مقدمتهم حتى تمَّ النصرُ على يدِ هذا الجيشِ الذي صاغَ نفوسَهم،وقوَّى إيمانَهم بفضلٍ من الله علماءُ من أمثال ابنِ تيمية رحمه الله..وإن تلك المواقفَ الجليلةِ لم تعطَ حَقّهَا من الذكر وانظْر إلى أثرِ العُلماءِ في الأمةِ،انظر إلى تكاتفِ الناسِ مع علِمائِها وقادتِها الحقيقيين فإنك ترى العَجبَ.إن العَالِمَ لا يَكفي أن يكون دورُه في الأُمةِ في مجال إصدار الفتاوى وتوجيه المواعظِ،والسكوت عن الظلم بل عليه أن لا ينتبذَ مكاناً قاصياً أو مكاناً علياً ودوره أن يخاِلطَ الناس،ويعَرفَ واقعهَم ويصبرُ على آذاهم،ويسعى لإصلاحِ حاِلهم وحَملِ همومهم وقضاءِ حوائجِهم،ولرفع الظلم عنهم،فذلك هو العاِلمُ الحقُّ ويَستحقُّ بعد ذلك أن يحتلَّ المكانة اللائقة بين الناس،وهذا ما حصل لابن تيمية رحمه الله فإنك ترى التفافِ الناس حوله والصدورَ عنْهُ،والرجوعَ إليه والمنافحةَ ضدَّ من يشوهُ سمعتَه،وهذا ما حصل له كما ذكر ابن كثير حين عاد المسلمون منصورين إلى دمشق فَدخلَ ابنُ تيميّةَ إليها عاليةً كَلمتهُ..قائمةً حجتُه مَقبولةً شفاعتُه..مُجَابةً دعوتُه..مكرّماً معظّماً..يحيطُ به الناسُ إحَاطةَ الهالةِ بالقمرِ لأنّه رجلُهم الذي أنقذ اللهُ به بلادَ الشام..
إخوتي المؤمنين..إِنَّها كُلُّها صُورٌ من العِزةِ والرفعةِ والنَصرِ لِجهَادِ الأُمةِ في رمضان وأنَّى لذكرانا أن يتسع لها المقام،وكَيف لهذه الدقائق القليلةِ أن تروي تلكَ المآثرَ الجهادية العظيمةَ في رمضان وغير رمضان؟!لكننّا نتذكرُ من كلّ تلك المواقفِ أن شْهرَ البرّ والإحسانِ شهر رمضان ما عرفته أُمّةُ الإسلامِ إلا مجْداً وعِزاً لها،ما تَذكُرُ مِنهُ إلا مَلاحمَ عظيمة أعادتْ مْجَدها وسطرت في التاريخ المواقفَ الرائعةِ للعبْرةِ والعظةِ..فَهلاَّ وقفت أُمةُ الإسلامِ وقفةً ولو قصيرةً واستغَلَّت هذا التاريخ العَطر لاستدراكِ صفاتِ العزةِ والكرامةِ وخلالِ المجدِ المفقودِ وهي ترى حالها الآن..إنَّ الأُمَّةَ َأحوج ما تكون الآن إلى فكرٍ وعلمٍ يعيدُ لها العزَّةَ و الكرامة والنصر وهي تنقلب في ثنايا النكبات والأَزمات..وبَذلِ الجهدِ منا..والنَّصر من عِند الله..والكبت والخسران للظلمةِ والطغيانِ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا وحده لا شريك له تعظيماً لشانه..وأَشهدُ أن مُحَمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأعوانه ..أما بعد فاتقوا الله عباد الله
ما أسرع أيامِ الخير مُضياً على من يشتاق إليها..بالأَمس كنا ننتظرك يا رمضان وعشناك..ثم ها نحن نوشك أن نفارقك..فمنا من استغل أيامك ولياليك فقام وبذل وأعطى،فيا من فرّط وأضاع،ويا من تعبّد وأطاع اعلم أن شهرك قد مضى وانقضت أيامُه وانصرمت لياليه وها نحن على وشك بداية عَشرهِ الأَواخِر فمن كان محسناً في أوله فليستمر على إحسانه وليضاعف من اجتهاده ليزداد خيراً على خير،ومن كان مفرطاً في العَمل فيما مضى فليستدرك بقيتهُ فيما بقى وليتب إلى الله من تفريطه وغفلته،والأعمالُ بالخواتيم فأنتم مقبلون على عشر ليالٍ أواخر..عظيمة في السنة،وأَجرها كبير كان يخصها بمزيد عبادة،واجتهاد فأين من يرغب بالحسنات؟!ويطمح للمغفرة والعتق من النار وفي الجنة عالي الدرجات؟!فليستغل مواسم الخيرات..
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال والطاعات.. ولا تنسوا إخوانكم المسلمين في سوريَّا وليبيا والصومال من صالح الدعوات،وفي كل بلدٍ يحتاج منا في مصابه إلى وقفات..والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..ونسأل الله جلَّ وعلا أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام والصدقات وأن يجعل ذلك في ميزان الحسنات ..

 0  0  887
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:52 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.