• ×

02:59 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

دروس من غزوة أحد

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله من علينا بالأمن والإيمان،و غمرنا بالفضل والنعم والإحسان،وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الرحمن،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات والبرهان،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،وسلم تسليماً كثيراً،أما بعد..فاتقوا الله عباد الله.
أيها الإخوة..عند ورود المناسبات يستعذب الوقوف عند سيرة محمد صلى الله عليه وسلم والتأمل في أحاديث الجهاد ومواطن البذل والتضحيات،وقوف يستثير الهمم،وتأمل يزيد الإيمان،وقوف ليس سرداً للقصص لكنه ارتباط بالرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام..فما أحوج الأمة وهي تعيش مصابها،ورخص دمائها،وعظيم مصابها،وانتهاك مقدساتها،وسلب خيراتها،وخيانةِ منافقيها،والحرب على بلدانها أن ترجع إلى دينها وتـتأمل سيرة نبيها،وصحابته الكرام..وقفةٌ على غزوةٍ عظيمة من غزواته صلى الله عليه وسلم نستلهم منها الصبر و نداوي فيها الجراح .
يا خير من جاء الوجود تحيةً
من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا

بك بشر الله السماء فزُّيِّنـــت
وتضوعت مسكاً بك الغبراء

الخيل تأبى غير أحمد حـامياً
وبها إذا ذكـــر اسمه خيلاء

كم من غزاةٍ للرسول كريمةٍ
فيها رضاً للحق أو إعــلاءُ

في الخامس عشر من شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة وقعت معركة أحد بين المسلمين الموحدين،ومشركي قريش،التي أعطت الصحابة دروساً مؤثرة بالغة ترسخ في أذهانهم فلا ينسوها،وتخلد في حياتهم فلا يجهلوها،وأدركت عائشةُ رضي الله عنها ذلك فتقول له صلى الله عليه وسلم(هل مر عليك يوم كان أشد عليك من أحد ؟!))والأمة تحتاج إلى الهزائم والنكبات لتعي حالها،وتدرك حجمها،والمطلوب منها فَتُعدَّ العُدَّةَ للنصر..حتى ولو كان معها رسول الله صلى الله عليه وسلم..فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا اشتد القتال وحمي الوطيس احتموا برسول الله فلم يكن أحدٌ أقرب إلى العدو منه صلى الله عليه وسلم..

أنت الذي قاد الجيوش محطمـاً
عهدَ الضـلالِ و أدَّبَ السفهاءَ

سعدت بطلَّتك السموات العلى
والأرضُ صارت جنةً خضراءَ

اقرؤوا سيرته صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه،لتعرفوا ما نالهم من المصائب والمحن،ومنهم أزكى البشرية وأتقاها،وجيلهم خير أجيال المسلمين وأنقاها،كل ذلك ليُمتحنَ المؤمنون ويُعلمَ الصابرون ويُكشَفَ زيفُ المنافقين،وتُعلَمَ قيمةُ الثبات على الحق والصبر على الشدائد حتى يأذن الله بالنصر والفرج وليميز اللهُ الخبيثَ من الطيبِ ويُثبتَ الله المؤمنين ويُلقي الرعب على الكافرين..
خرج الجيش المجاهد بألفِ مقاتل من المدينةِ حتى نزل أحد وحينما قرُبت المعركة أََبَى زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول إلا أن ينسحب بثلث الجيش قائلاً:ما ندري علام نقتل أنفسنا..بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك رأيه وأطاع غيره بالخروج من المدينة وهذه مواقف النفاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مواقف النفاق الدائمة لاسيما في الأزمات وإن تباينت الصور والمواقف والأزمان والجهات..مواقفُ حربٍ على الإسلامِ وأهلهِ من المنافقين بل ومن أشبهوهم في الكيد للإسلام وحربه شاؤا أم أبوا،هجوم على الخيريِّن والنيل من أعرض العلماء والدعاة،عبر الإعلام والسياسة بحثٌ عن المعايب،إغفالٌ للحسنات،وغمطٌ للحق،ووقوف مع أهل الباطل وتجاهلٌ للجهودِ وتجريد كل الوسائل للحرب،وتشويه السمعة وقذف النيات والمؤلفات،وتحميل المقاصد مالا تحتمل..إنهم طائفة ظهر أثرها يوم أحد ولازالت إلى اليوم تمارس خبثها بعداوةٍ للدين وأهله بمكرٍ وكيد وإنما تظهر برامجهم ومقالاتهم أيام الفتن والأزمات بعد أن أخفوا شرّهم قبلها..ولعلّها من حِكَمِ الأزمات..
قال ابن القيم رحمه الله:[أن المسلمين لما أظهرهم الله يوم بدرٍ دخل معهم في الإسلام ظاهراً من ليس معهم باطناً فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبَّبَ لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة،و تكلموا بما كانوا يكتمونه،وظهرت مخابثهم،وعاد تلويحهم تصريحا،وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساماً ظاهراً وعرف المؤمنون أن لهم عدواً في نفس دورهم،وهم معهم لا يفارقونهم فاستعدوا لهم وتحذروا منهم ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ))]
إنها صورةٌ للنفاق تكرر كل زمان فبعضُهم مع المسلمين اليوم وألسنتهم تنطق بغضاً للإسلام وأقلامهم تكتب لمزاً للمؤمنين..ومواقفهم كيد بالإسلام والمسلمين وحرب على أوطانهم و تعاون مع المستعمر ضد مصالح الأمة نراها اليوم في غير ما مكانٍ ضد الشرعية والولاة..هجومٌ على المناهج والأخلاق طلباً للتغيير،والتغريب قاتلهم الله أنى يؤفكون ..
وفي أُحدٍ استعدَّ المشركون بثلاثة آلاف مقاتل بعد أن اصطحبوا نساءهم وعبيدهم وجواريهم وكان المسلمون حينذاك سبعمائة مقاتل وعسكروا بالشعب جاعلين ظهورهم إلى الجبل ووزع النبي عليه الصلاة والسلام الرماة على أماكنهم وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير في خطة محكمة رائعة وكانوا خمسين رجلاً وأمرهم بألا يُغيِّروا أماكنَهم مهما ظهر لهم النصر وقال لهم(وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا أمكانكم،وإن رأيتمونا هزمناهم فلا تبرحوا مكانكم))رواه البخاري..وظاهر هو نفسه بين درعين وتخير من الأقوياء من يكونوا في مقدمة الجيش..روى ثابت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمسك يوم أحدٍ بسيفٍ ثم قال:[من يأخذ هذا السيف بحقه؟فأحجم القوم فقال أبو دجانة:وما حقه يا رسول الله؟قال أن تضرب به العدو حتى ينحني،قال:أنا آخذه بحقه فأعطاه إياه،وقاتل حتى أمعن في الناس قال الزبير بن العوام:فجعل لا يلقى أحداً إلا قتله ورأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل عنها وهو يقول:أكرم بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة..
وبدأت المعركة المشركون بما حملوا من حقد دفين هم ونساؤهم بعد هزيمتهم في بدر والمؤمنون بما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من توجيهات ورفعٍ للمنعويات حتى كان شعارهم يوم أُحدٍِ أمت أمت فاقتتل الناس حتى حميت الحرب،وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل منهم الكثير مثل الجمل الأورق لا يلقاه أحدٌ إلا قتله وكان وحشي يترصد به يريد إغتياله لأن في ذلك عتقه من العبودية ووزنه ذهباً كما وعدوه،يقول فلما رأيتهُ قد صرع سباع بن عبد العزى هززت حربتي حتى رضيت عنها ثم دفعتها إليه فوقعت في في ثنته أي أسفل بطنه حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي فغلب فوقع..وسقط أسد الله وأسد رسوله بقتله غيلة بعد أن أسلم و هاجر وعاش حامياً للدعوة ومنافحاً عنها حتى استطاع المسلمون ورسول الله في مكة أن يظهروا الإسلام..ومع الخسارة الفادحة بقتلِ حمزةَ فإن الجيش المسلم ظل مسيطراً على الموقف برمته فحمل اللواء مصعب بن عمير الصحابي الداعية حتى اُستشهد فحمله بعده علي بن أبي طالب واستبق المهاجرون والأنصار في ميدان الشرف وبذلت قريش أقصى جهدها لتحطم عنفوان المسلمين ولكنها أحست بالعجز وانكسرت همتها أمام ثبات المسلمين..قال ابن اسحاق:ثم أنزل الله نصره وصدق وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن المعركة وكانت الهزيمة لا شك فيها..و ممن قتل عمرو بن الجموح الذي كان أعرجاً ولكن أقسم أن يطأ بعرجته هذه الجنة فلبى الله قسمه ..
وحينما رأى الرماة هذا النصر عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم و مالوا إلى العسكر وخلو ظهورهم المسلمين للخيل فأُتي المسلمون من خلفهم،وزادَ المسلمين هماً أن صرخَ صارخٌ بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قتل فانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو فكان يومَ بلاءٍ وتمحيص حتى وُصِلَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُميَ بالحجارةِ حتى وقع لشقِّه،فأصيبت رباعيته وشُجَّ في وجهه وجُرحت شفته ودخلت حلقات المغفر في وجهه،فأكب عليه أبو عبيدة ينزعها بفكيه فما أخرجهما إلا وقد سقطت ثنيتاه ونزف الدم بغزارة وجعل الدم يسيل على وجه النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يمسح الدم وهو يقول:[كيف يفلح القوم خضوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟] ويمر أنس بن النضر بالمسلمين أثناء القتال فيقولون له:مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: ما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه..وأنس بن النضر كان لم يشهد بدراً فكان يقسم ((والله لئن أراني الله مشهداً ليرين الله ما أصنع فكان يقول في أحد واهاً لريح الجنة وإني لأجد ريحها دون أحد))فقاتل حتى قتل وفي جسده بضع وثمانون جرحاً ولم تعرفه إلا أخته ببنانه.
وفر أكثر المسلمين وكان صلى الله عليه وسلم يقول(من يردهم عنا وله الجنة))وبرزت حينئذِ بطولة الصحابة رضوان الله عليهم فاجتمعوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ينافحون عنه وكان يناديهم عليه الصلاة والسلام ويقول إليَّ عباد الله إليَّ عباد الله فترس أبو دجانة نفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ النبل يقع في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل،ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سعد:فلقد رأيته يناولني النبل وهو يقول:ارمي فداك أبي و أمي((و ما قالها لأحدٍ غيره))وروى أبو داوود والحاكم في مستدركه أن عمرو بن أقيش خرج إلى أحد وكان كارهاً للإسلام فمنعه المسلمون فقال:قد آمنت فقاتل حتى جرح فجاءه سعد بن معاذ فسأله عن سبب قتاله حمية لقومه أو غضباً لله فقال غضباً لله ورسوله فمات ودخل الجنة ولم يصل صلاةً واحده..
ولما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب..معه أبو بكر،وعمر،وعلي,و الزبير بن العوام والحارث بن الصمة،وطلحة بن عبيد الله الذي أبلى بلاءً يوم أحد حتى عرف ذلك اليوم به فكان يرفع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقاتل المشركين ثم يأتيه فيرفعه نحو الجبل ثم يعود للقتال حتى سمي طلحة الشهيد الحي وقال عنه صلى الله عليه وسلم:حينما رأى ما صنع ((أوجب طلحة))أي وجبت له الجنة..ولما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول:[محمد لا نجوت إن نجوت]..وكان أُبيٌّ هذا يُهدِّدُ رسول الله بمكة لأقتلنك يا محمد فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:بل أنا قاتلك إن شاء الله.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:للقوم دعوه،فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة فلما أخذها فهزها فانتفض الصحابة من حوله وثم استقبله فطعنه في عنقة طعنة تدحرج منها عن فرسه مراراً..وبعد نهاية المعركة وقعت هند بن عتبة والنسوة اللاتي معها يمثلن في القتلة وبُقرت كبدُ حمزة ومُثِّلَ بالصحابةِ بينما كانت عائشة وأم سليم رضي الله عنهما تقومان بسقي الجرحى بعد تراجع المسلمين وكذلك أم عمارة وحمنة بنت جحش كما رواه البخاري ومسلم في دور واضح للمرأة المسلمة في أحد ..
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده بهذه الصورة ممثلاً به في بطن الوادي فحزن لذلك أشد الحزن وأمر به فَسُجِّىَ ببُردة قال ابن إسحاق:وقال عليه الصلاة والسلام(لولا أن تحزن صفية وتكون سنةً بعدي لتركته حتى يكونَ في بطون السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم))فنزل قول الله تعالى ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ))فصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة وتأتي صفية أخت حمزة رضي الله عنهما لتراه فيأمر صلى الله عليه وسلم الزبير بردها فتقول:ولم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضانا ولأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله فسمح لها صلى الله عليه وسلم فأتته ونظرت إليه وصلت عليه واسترجعت وقال صلى الله عليه وسلم(جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله)) وكانوا يأتون بالقتلى ويجمع الرجلان في ثوب واحد وقدم عند الدفن أكثرهم حفظاً للقرآن،وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم على الصحيح-وفي غمرة هذا الحزن العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من ينظرُ لي ما فعلَ سعدُ بن الربيع))فقال زيد بن ثابت:أنا فذهب يبحث عنه فوجده جريحاً في القتلى وبه من رمق فقال له:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنك و يقرؤك السلام ويقول كيف تجدك ؟فقال سعد:أنا في الأموات و إني لأجد ريح الجنة فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له:إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، وأبلغ قومي الأنصار السلام وقل لهم:إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم عليه الصلاة والسلام وفيكم عين تطرف،ثم لم يبرح أن مات فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر فاستغفر له..
وممن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في أحد علي بن أبي طالب وعاصم بن ثابت بن أبي الأتلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف..وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:حينما أشرف على القتلى يوم أحد(أنا شهيد على هؤلاء أنه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا ويبعثه الله يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون دم والريح ريح مسك))رواه البخاري..ونادى عليه الصلاة والسلام في الناس ليخرجوا إلى عدوهم وقال(لا يخرج معنا إلا من شهد القتال في أحد))فاستجابوا للرسول من بعد ما أصابهم القرح و ذهب صلى الله عليه وسلم والصحابة معه وعسكروا في حمراء الأسد ثلاثة أيام إرهاباً لقريش التي كانت تفكر بالعودة إلى المدينة لكنها رجعت إلى مكة..ثم انصرف عليه الصلاة والسلام راجعاً إلى المدينة بعد أن أَمَر علياً بأن يلحق بالمشركين..وكان صلى الله عليه وسلم مهموماً حزيناً و حينما مر ببيوت الأنصار سمع حزن نسائهم فتأثر وقال(ولكن حمزة لا بواكي له)) فبكت نساء الأنصار يومئذٍ حمزة عزاءً للنبي لكنه صلى الله عليه وسلم نهى عن البكاء والنياحة كارهاً لها..ومر عليه الصلاة والسلام كما يروي ابن اسحاق بامرأة من بني دينار هي السمراء بنت قيس أثناء رجوعه فقالوا لها:قد مات أخوك فقالت لهم ما فعل رسول الله؟فقالوا لها:مات أبوك فقالت لهم ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟فقالوا لها:مات زوجك فقالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟قالوا خيراً يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت:أروني حتى أنظر إليه فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت:كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله تريد أنها صغيرة ..
إنها صورٌ قوية فارعةٌ للبطولة والتضحية اصطدم بها الكفر في أول المعركة وآخرها،فماد أمامها واصطريت من تحت أقدامه الأرض،فما ربحَ شيئاً في بداية القتال ولا انتفع بما ربح آخره .
وهذا اللون من البطولة مسطر في التاريخ ينتظر من يلقي عليه الضوء لهؤلاء الصحابة الأبرار الذين لايأخذون الجهاد عاطفة أو إثارةً للفتن في البلدان وإزالةً للأمن وقطعاً لرؤوس الأبرياء وقتل للأنفس بلا ضوابط بل يعدون العدة اللازمة ويطيعون الأوامر ويلتزمون النصائح ويحافظون على بناء الأمة((وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ*أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ))بارك الله لي و لكم في الفرقان العظيم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لانبي بعده و بعد..
واعلموا أن من دروس غزوة أحد أن شؤم المعصية من أسباب ضعف الأمة..فإن معصية أمر الله وأمر رسوله ولو كان ذلك من الصحابة سبب لآثار يوم أحد وكما رأيتم فإن شؤم المعصية لا يشمل العصاة بل قد يشمل غيرهم ولذلك خاطبهم الله بقوله(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))كذلك فإن معركة أحد قد تركت آثاراً غائرة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ظلت تلازمه حتى آخر حياته عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنوات كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال(إني بين أيديكم فرط و أنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا،وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها،قال عتبة:فكان آخر نظرةٍ نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم))أخرجه البخاري ومسلم..وقد نزلت في أحد ثمان وخمسون آية في سورة آل عمران تبدأ من قوله تعالى((وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))
ومما نتذكره في مثل هذه المواقف دور صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدفاع عن الدين وعن سيد المرسلين وتضحياتهم العظيمة فواجبٌ حفظ حقِّهم رضي الله عنهم وأرضاهم،والدفاع عنهم ضد بعض الفرق الضالة التي تريد النيل منهم وسبهم وشتمهم في كتبهم ومذهبهم الباطل وأئمة الضلال..نسأل الله أن يهدي ضالهم ويكفي الأمة شرهم ولذلك فليس بغريب ما نراه من مواقف نصرة لصحابة رسول الله وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين .
كما يجب على الأمة أن تعلم أن الإيمان بهذا الدين يجب أن يصاحبه يقين تام بنصر الله جلّ وعلا لهذا الدين وتمكينه بالرغم من المصاب((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ))وتحتاج الأمة هذا اليقين في ساعات الشدة وأوقات الكرب على الأمة يوم تدلهم الخطوب ويتسلط الأعداء والمنافقون وهذا ما نراه في عددٍِ من بلداننا بمصر والشام وبورما كيف تقلب الحقائق ويُزال الحق؟!..وإن الدعاء من أعظم وسائل اللجوء في الأزمات وروى البخاري في الأدب المفرد لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا،فَقَالَ:اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ،اللَّهُمَّ لا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ،وَلا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ،وَلا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ،وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ،وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ،اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ،اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ،وَالأَمْنَ يَوْمَ الْحَرْبِ،اللَّهُمَّ عَائِذًا بِكَ مِنْ سُوءِ مَا أَعْطَيْتَنَا،وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ مِنَّا ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا،وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ،وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ ،اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ،وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ،وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ،غَيْرَ خَزَايَا وَلا مَفْتُونِينَ،اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ،وَيُكَذِّبُونَ رُسَلَكَ،وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ،اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ،إِلَهَ الْحَقِّ"ثم ركب فرسه ورجع المدينة..فاتقوا الله عباد الله و ارجعوا إلى سيرة نبيكم صلوات الله وسلامه عليه واستلهموا منها الصبر لحاضركم والدروس لواقعكم واسألوا الله من فضله ورحمته..اللهم إنك أنت لا إله إلا أنت نسألك نصراً مؤزراً للإسلام و المسلمين..اللهم أدم علينا الأمن والإيمان، والسلام والاطمئنان على بلادنا هذا خاصة وعلى سائر بلاد المسلمين..اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والكساد والفساد وأعذنا من الفتن ما ظهر منها..ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة و قنا عذاب النار وما بطن إنك سميع قريب مجيب الدعاء ..
وصلى الله و سلم وبارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ..


 0  0  1104
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:59 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.