كان العرب يعيشون جاهلية جهلاء،يعبدون الأصنام ويستقسمون بالأزلام،جهلٌ وكفر،عربدة وسكر،ظلوا على هذه الحال إلى أن بزغ نور الإسلام وسطعَ فجرُ الإيمان وتألق نجمُ النبوة.
ولدُ الهادي العظيم،فكان مولده فتحاً،ومبعثهُ فجراً،بدَّدَ به الله جميع الظلمات،وهدى به من الضلالة،وعلَّم به من الجهالة،وأرشد به من الغواية،وفتح به أَعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً،وكثًّر به بعد القلة وأعزَّ به بعد الذلة،وأغنى بعد العيلة..
يا خيرَ من جاء الوجودَ تحيةً
من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا
بكَ بشَّر اللهُ السماءَ فزيَّنت
وتضوَّعت مِسكاً بك الغبراء
يا أَيُّهَا الأُميُّ حسبُك رتبةً
في العلمِ أن دانت لك العلماء
المصلحون أصابعٌ جمعت يداً
هي أنتَ بل أنت اليدُ البيضاءُ
ما أعظمَه وما أكمَله..هو الرحمةُ المهداة والنعمة المسداة،هو خليلُ الرحمن و صفوةًُ الأنام،لا طاعةَ لله إلا بطاعته مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ..لا يتمُّ الإيمانُ إلا بتحقيقِ محبتِه{لا يؤمنُ أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده والناسِ أجمعين}متفقُ عليه جعله الله على مكارم الأخلاق وكرائم الشيم،فهو أعظمُ الخلْقِ أمانةً،وأصدَقُهم حديثاً،وأجودُهم يداً،وأسخاهم نفساً،وأشدُّهم صبراً،وأعظمُّهم عفواً ومغفرةً..عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه روي في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب من بني هاشم من قريش،أعزُّ الناس نسباً،وأشرفُهم مكانةً،ولد في ربيعٍ الأول في بطاح مكة،فرأت أُمَّه نوراً أضاءت له قصورُ الشام،نشأَ يتيماً،فكفله جدُّه ثم عمُّه،واسترضع في ديار بني سعد،أرضعته حليمة السعدية،فكانت أسعد الناس به،نزلَت الملائكةُ من السماء فشقت صدره وغسلت قلبه،فنشأ نشأة طهرٍ وعفافٍ في مجتمعٍ جاهلي يعج بالشرك والظلم والمنكرات،ولم يتجه يوماً بقلبه إلى صنم،ولم يُعَاقر خَمراً،صادقُ اللسان..
تزوَّجَ في شبابهِ وقبلَ مبعثِه بأكرمِ النساءِ وأرجحهن عقلاً أمِّ المؤمنين خديجةُ رضي الله عنها فأنجبَ منها جُلَّ أبنائِه وبناتِه..حبَّب اللهُ إليه الخلوةَ والتعبَّدَ لربِّه بعدَما كره بفطرتِه السليمةِ ما كانَ عليه قومُه من عبادةِ الأصنام،فكان يصعدُ إلى غارِ حراء،فيمكثُ به الليالي ذواتِ العدد ناظراً للكعبة الشريفة والسماء ..
بشَّر بقدومِه الأنبياءُ من قبله،و هتفتِ الجنُّ ببعثتِه،وامتلأتِ السماءُ حرساً شديداً وشُهبا..بعثَه الله للناس على رأس أربعين سنة،كان لا يمرُّ بحجرٍ ولا شجرٍ إلا سمعَ من يقول له:السلام عليك يا رسول الله،كانَ ذات ليلةٍ في الغار وإذ بجبريل يأتيهِ مرسلٌ من ربِّه بـ)اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(فرجع إلى بيته خائفاً يرجفُ منها فؤادَه قائلاً {زملوني زملوني }فسكبت عليه خديجة رضي الله عنها أعذبَ الكلام وأروعَه حتى هدأت نفسه:كلا والله،لا يخزيك الله أبداً؛إنك لتصل الرحم،وتحملُ الكلَّ،وتُكسبُ المعدوم،وتقرئُ الضيفَ وتعينُ على نوائبِ الحق .
ثم تتابعَ الوحيُ عليه من ربّه آمراً له بالدعوةِ إلى الله،فخرج يدعو سِراً من كان يرجو قبول الحق،فلما تكاثر المؤمنون من حوله أتاه الأمر)فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ(فلقي منذُ ذلكَ الوقت صنوفَ الأذى والسخرية والاستهزاء،وتحمَّل هو ومن معه مِنَ المؤمنين الذي كانوا يزدادون يوماً بعد يوم الشدائد لتمسكِّهم بالإسلام والمحافظةَ على هذا الدينِ العظيم،فلما رأى من قومِه الصدود والإعراض خرج بدعوته عن مكة،فوصل الطائف ولاقى من أهلها أكثر مما لاقاه من قومه في مكة فأخذ يعرض دعوته على القبائل حتى هيأ الله له نفراً من أهل المدينة قدموا مكة في الموسم،فعرض دعوته عليهم،فأوقع الله في قلوبهم الإيمان فاتفق معهم على الهجرة للمدينة وأن ينصروه ويمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم وأهليهم،فكانت الهجرةُ العظيمة والحدث الذي قلب الأمور رأساً على عقب،وانطلقت دولة الإسلام من المدينة،وبدأ الجهاد لما توافرت أسبابه،فجاهدrهو وأصحابه بأموالهم وأنفسهم حتى فتح الله له القرى وأمها ودانت له جزيرة العرب وأهلها،وهابته الأعاجم في ديارها،فكان من آخر أمره حجه بالناس،فنصح و بلَّغ رسالةَ ربه حتى حانت ساعة و فاته صلى الله عليه وسلم .
محمدٌ صفوة الباري و رحمته
و نخبةُ الله من خلْقٍ و من نسَمِ
آياتُه كلَّما طالَ المدى جُدُدٌ
يزينُهن جلالُ العتق و القدمِ
فإن سألت عن شكلِ خلقتهِصلى الله عليه وسلم ؟فإنك تسأل عن القمر ليلةَ تمامه..كان أجملَ الناس وأبهاهم منظراً أبيضُ مشربٌ بحمرة،رِبعةً من الناس،فليس بالطويل ولا بالقصير،عظيمُ الهامة،واسعُ الجبين،مقوسُ الحواجبِ بغير اقتران،طويلُ الأنفِ مع صغرِ أرنبتهِ،له نورٌ يعلوه،كثُّ اللحية،واسع الفم،مفلوج الأسنان،ليس بالنحيف ولا بالسمين،مستوي البطن والصدر،عريض الصدر،بعيد ما بين المنكبين،أشعر الذراعين والمنكبين والصدر،لين الملمس كأن يده حرير..يمشي وكأنه في منحدرٍ،إذا التفت التفت بكل جسمه،نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء،يمشي وأصحابه أمامه،طويلُ السكوت،دائمُ الفكرة،لا يتكلم في غير حاجة،يفتتح كلامه ويختمه باسم الله تعالى،يتكلم بجوامع الكلم،ولا يضحك إلا تبسماً،لا يتكلم فيما لا يعنيه،يؤلف الناس ولا ينفرهم،يتفقد أصحابه ويسأل عنهم،يحلم على الجاهلِ والسفيه،ويصبرُ على من يحادثُه،حتى يكونَ مُحدِّثهُ هو المنصرف عنه من سألَه حاجةً لم يردَّه إلا بها،أو بميسورٍ جميلٍ من القول،قدْ وسِع الناسَ بسطُه وخلقه فصار لهم أباً. مجلسُه مجلسُ علمٍ وحياءٍ وأدب،ولا تُرفع فيه الأصوات،سهل الخلق،لينُ الجانب،ليس بصخَّابٍ و لا فحَّاشٍ و لا عيابٍ..يبيع و يشتري..يضحك مما يضحك له الناس .
بين كتفيه خاتم النبوة،و هي غدةٌ حمراء بها شعراتٌ متجمعات،كان شعره إلى أنصاف أذنيه،وعُدَّت شعيراته البيضاء فبلغت عشرين شعرة وقال عنها{شيبتني هودٌ وأخواتها}يحسبُ الرائي له أنه يخضب بالحناءِ شعره،ولكنه كان وبيصَ الطيبِ الذي يضعُه،يُحبُّ الطيب وأمرَ بأن لا يرد .
عاش عيشةَ الزهد،فلم يشبعْ من خبزِ الشعير قط،يمرُّ على بيوتِه الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولا يوقد في بيوت آل محمدٍصلى الله عليه وسلم نار،ربما وضَعَ حجرين على بطنهِ ليُسكتَ جوعَ بطنِه..كان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقُها إذا انتهى بأدب..أحبَّ من الطعام الدُباء والحلوى والعسل،وكان لا يذمُّ طعاماً قط.
قسَّم وقته داخل بيته ثلاثة،فقسمٌ لله،وقسمٌ لأهله،وقسمٌ لنفسه وللناس..كان يمازحُ أصحابه ولا يقولُ إلا حقاً،كان يسمرُ مع نسائِه ويُحدّثهن ويحدِّثونه فيستمع إليهن..كان راجحَ العقل،صادقَ الفراسة،ثابتاً في الشدائد،صابراً في السراء والضراء وحين البأس،حليماً وقوراً وفياً للعهد والناس،يصفحُ ويعفو عمن أساء له،فعفا عمن سحرَه،وعفا عمن دسّت له السم،وصفحَ عن أهلِ مكة..وكان وسطاً يحب الاعتدال،كريماً سخياً كالريح المرسلة .
لقد انفرد نبيكم عن إخوانه من الرسل والأنبياء والناس أجمعين بخصائص في الدنيا والآخرة لم تكن لغيره كرامةً وتشريفاً لهذا النبي الكريم..فأخذ الله العهد والميثاق على الأنبياء من قبله على الإيمان به ونصرته والبشارة به،ورسالته للناس كآفة ومن قبله من الأنبياء لأقوامهم خاصة،وهو خاتمُ الأنبياء والمرسلين رسالته رحمةً للعالمين،وهو النَّبي الوحيد الذي خاطبه اللهيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ويَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ونادى بقية الأنبياء بأسمائهم .
و من خصائصِهصلى الله عليه وسلم أن جعلَ الله له و لأمته الأرض مسجداً وطهوراً،ونُصرَ على أعدائه بالرعب،وغَفرَ الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكانت معجزاتُ الأنبياءِ من قبلهِ وقتية تنتهي بموتهم وكانت معجزته خالدةً إلى يوم الدين:القرآن الكريم..تفرد عن بقية الأنبياء بالإسراء والمعراج حتى أدناه الله منه في سدرة المنتهى..خصه الله يوم القيامة فأعطاه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود،وهو مقام الشفاعة العظمى للخلائق عند ربهم حتى يفصل فيهم,ويشفع لأمته حتى يبلغوا ثلثي الجنة..نسأل الله أن نكون وإياكم ووالدينا منهم ..
يا من له عز الشفاعة و حده
وهو المنزه ماله شفعاء
عرش القيامة أنت تحت لوائه
والحوض أنت حياله السقَّاء
أكرم الله أمته كرامةً له،فكانت خير الأمم أخرجت للناس،وأحلَّ الله لها الغنائم،ووضع عنها الآصار والأغلال التي كانت على من قبلهم،وتجاوز عنهم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه،وحفظ هذه الأمة من الهلاك والاستئصال، وجعلها أمةً لا تجتمع على ضلالة،وأعطاهم الله الأجر العظيم على العمل القليل،ويأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء،ويسبقون الأمم إلى الجنة . أظهر الله على يديه من المعجزات ما يبهر العقول،ففلق له القمر فلقتين،وتكلمت الحيوانات بحضرته،وسَّبح الطعام بين يديه وسلم عليه الحجر والشجر،وتكاثر له الطعام والشراب كرامة،وأخبر بالمغيبات،فما زالت تتحقق في حياته وبعد وفاته .
عباد الله..نبيٌ بهذه الصفات والله ثم والله ثم والله لا يضره أبداً رسومُ استهزاء و لا نيلٌ من شريعةٍ غراء ولا كيد أو حقدُ كفرةٍ سفهاء لأنهصلى الله عليه وسلم منصور على مدى الزمان من ربِّ الأرض و السماء مهما تطاول عليه أحدٌ فإن الله يعصمه من الناس..حقه علينا أننا مطالبون بالأخذ على يد السفهاء وإلجام ألسنتهم المتطاولة،والأفراد والدول كما أنَّهم يدافعون عن أعراضهم فواجبٌ عليهم المدافعة والمناصحة عمن يسيء إليهصلى الله عليه وسلم أو إلى حديثه أو شرعه أو صحابته وزوجاته..فتعظيمه حقٌ على المسلمين لأن الله رفع ذكره و أعلى مكانته يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً(45)وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً قال ابن القيم رحمه الله

كان الصحابة وسلف الأمة مثلاً في تعظيمه ومحبته يقول عمرو بن العاص>((وما كان أحدٌ أحب إلى من رسول الله ولا أجل في عيني منه،وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له،ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه))رواه مسلم..
إن هذا التعظيمَ عبادةٌ يُتقرَّبُ بها إلى الله،ولا قبول لأي عبادةٍ حتى يتوفر فيها شرطان:هما الإخلاص لله ومتابعة العمل،لرسولهوهو معنى أشهد أن محمداً رسول الله وهذا كمال التعظيم وغاية التوقير،محبةٌ صادقةٌ وثناءً عليه بما هو أهله وكثرةٌ لذكره و الصلاة والسلام عليه والتأدب عند ذكره،وتعداد فضائله والتأسي بشمائله ونشرها ليُتخذ قدوةً وأسوة قَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.
إن البرهان الحقيقي للتعظيم الصادق وحمايته ضدَّ من سخر منه واستهزأَ به..هو تعظيم ما جاء به من الشريعة القائمة على الكتاب والسنة كما فهمها سلف هذه الأمة،إذ العبرة بالحقائق لا بالمظاهر والأشكال الجوفاء فهل عظَّمه من حلَف به حين يحلف فيقولُ:[و النَّبي ]..((وهو القائل من حلف بغير الله فقد أشرك ))رواه أحمد و أبو داوود..هل عظَّمه من توسَّل بذاته مخالفاً بذلك هديَ الصحابةِ رِضوان الله عليهم؟..هل عظَّمه من استغاثَ به من دونِ الله؟ عند قبره وهو القائل فيما رواه البخاري((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم،فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله))هل من تعظيمه الابتداعُ في دينه والزيادةُ في شريعته،من التمسحِ بحجرتِه أو الاحتفالِ بمولده؟..أي حُسْنٍ في بدعة الاحتفال بمولده ساعاتٍ و أيام ثم التقصير والإهمال سائر العام ؟ وأيُّ حسن في مشابهة دين النصارى المفتونين بالاحتفالات؟و أيُّ حسنٍ في عمل لم يشرعه الحبيب ولم يفعلْه أنصارُه وحماةُ دينه وحملةُ رسالته رضي الله عنهم؟أليسوا أصدقَ الناس حباً له؟!لو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ، فإنهم أشد محبةً لرسول الله و تعظيماً له منا،وهم على الخير أحرص و عن التكلف أبعد ..
قال الإمام مالك رحمه الله

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد ،،،،
أيها المسلمون..عاش رسول ثلاثا وستين سنة،قضى منها ثلاثاً وعشرين في النبوة والرسالة والبلاغ والإنذار والجهاد،فلما أتم الله الدين وكملت الرسالة بدأت الإشارات بدنو ساعة رحيل الحبيب فكان أول هذه الإشارات نزول قول الله اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً وقول الحق تبارك و تعالى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وكان يقول في حجة الوداع{خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا}وكان يخبر الناس بعد حجة الوداع {إن عبداً خيره الله بين الدنيا و بين لقاء ربه فاختار لقاء ربه}
في العام الحادي عشر من الهجرة الشريفة و في غرة شهر ربيع الأول رجع من البقيع فدخل بيته ووجد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تشتكي رأسها و تقول:ورأساه،فقال {بل أنا ورأساه يا عائشة}فكان بداية مرضه وجعاً في رأسه الشريف،ثم بدأت به الحمى،وأخذت تشتد عليه حتى بلغت منه مبلغاً عظيماً،فكان يُصب عليه من سبع قربٍ من الماء ليبرد،وكانت توضع على جسده الشريف القطيفة فيجدُ اللامسُ حرارتَه من فوقها،وكان من شدتها بعد ذلك أن كان يغمى عليه المرة تلو المرة وهو يحاول القيام للصلاة بالناس فلا يستطيع،فيأمر أبا بكرٍ>أن يصلي بالناس،واستأذن من جميع زوجاته أن يبيت ويمرض في بيت عائشة فأذن له .
صلى الناس في أحد أيام مرضه الظهر فوجد خفةً فخرج للمسجد،وكاد الناس أن يُفتنوا في صلاتهم حينما رأو يخرج إليهم وهم الذين أحبّوه ويفدونه بآبائهم وأمهاتهم،فتأخر أبو بكر وتقدم ليكمل الصلاة بالناس،فكان يصلي جالساً وأبو بكر يقتدي به و الناس يقتدون بأبي بكر. واشتدَّ المرض عليه،وكان يقول:{ما زلت أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر،فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم}و في مرض موته كان يوصي أمته بالصلاة،وأوصى الرجالَ خيراً بالنساء،و أوصى أن لا يُجعلَ قبْرُه و ثناً يعبد،وأن لا تتخذ القبور مساجد .
في صلاة الفجر من يوم الاثنين الذي مات فيه يكشف الستار الذي على الحجرة فينظر إلى جمع المسلمين من أمته صفوفاً خلف أبي بكر،فتقر بهم صافين في صلاتهم ودعوته لهم إلى الإسلام.. يدخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وفي يده سواك،فجعل يطيل النظر إلى السواك ولا يستطيعُ الحديث،ففهمت عائشةُ رضي الله عنها مرادَه فأخذت السواك وأعطته ثم أعطته إياه،فجعل يستاك به كأحسن ما يكون لآخر مرةٍ في حياته،وكان يشتد عليه الألم فيقول

و أمستُ بلادُ الحرمُ وحشاً بقاعُها
لغيبةِ ما كانتَ من الوحي تعهدُ
و ما فََقَدَ الماضون مثلَ محمدٍ
ولا مثلُه حتى القيامةِ يفقدُ
ومات رسول الله،وبموته انقطع الوحي من السماء،وما إن علم الناس حتى طاشت منهم العقول،و تراهم سكارى وما هو بسكارى ولكنَّ موتَ رسول الله شديد..يخرج عمر>يُهدّدُ ويتوعَّدُ كل من يقول:بموته،فيصل أبو بكر الصديق الثابت المؤمن وكان ناحية من المدينة،فدخلَ حُجرةَ عائشة حيث رسول اللهم سجى،فكشف عنه وبكى وقبله قائلاً



أيها المسلمون..إنها لمحة عن الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه،ألا و إن في القلوبِ لهيبُ الشوق إليه،لا يطفئه إلا لقاؤه على الموعد في جنات عدن،فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ونحن نشتاق إليه ونصلي عليه ألَّا يحرمنا رؤيته ولقاءَه والشرب من حوضه شربةً لانظمأ بعدها أبداً..
يا محب رسول الله،أبشرْ بقول حبيبك {المرء مع من أحب}فاجعل من هذا الحب تعظيماً لسنة الحبيب وعملاً بها واتخاذَه أسوةً حسنة في أقوالنا وأفعالنا،في غدوَّنا و رواحِنا،في منشطنا ومكرهنا في رضانا وغضبنا..
اللهم ارحم نبينا وارزقنا صحبته في عليين..اللهم اجز نبينا عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأوفره،اللهم وآته الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة،وأوقفه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد..اللهم عليك بكل من آذاه وآذى سنته..واستهزئ به..أخرس لسانه..شلَّ أركانه..قوّض بنيانه..واجعله عبرةً لمن يعتبر..وهيئنا جميعاً لنصرة نبيك والدفاع عنه يا أكرم الأكرمين..اللهم أهلك الطغاة الظالمين..اللهم عليك بهذا الطاغية النصيري وجيشه وأمنه أحصهم عدداً واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحداً وكن لإخواننا المستضعفين في سوريا و غيرها..
الاستغاثة
وصلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين .....