اللهم احشرنا في زمرة نبينا،وتحت لواء حبيبنا،وأكرمنا بشفاعته اللهم لا تفتنا بعده،ولا تحرمنا أجره،وأوردنا من حوضه واجعلنا من المتبعين لشرعه،اللهم تقبل من حجاج بيتك حجتهم،وهون عليهم،واجعل حجهم مبروراً،وسعيهم مشكورا،وذنبهم مغفوراً.
في أيام الحج ومشاهدة مواكب الحج القادمة إلى مكة يجمل الحديث عن أطهر البقاع..عن بيت الله الحرام الذي حماه الله من عبث العابثين،وطمع الجبابرة والمعاندين..حرم مكة المُنيف الذي يتجه له المسلمون في صلواتهم،ويفدون إليه حاجين ومعتمرين ليشهدوا منافع لهم..بيت مبارك آمن،هويته وهوية الأرض من حوله الإسلام لا تبتغي عنه بدلاً وهو البيت العتيق..فكيف بُني هذا البيت؟!ومتى؟؟!وكيف جعل الله له هذه المكانة؟!وكيف حفظه على مر التاريخ؟وما مميزاته؟!
عباد الله..((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ*فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ))عن أبي ذر أنه قال:قلت:يا رسول الله أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ





إنها مكة أتاها -كما عند البخاري- إِبْرَاهِيمُ بهاجر وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ، عِنْدَ -شجرة كبيرة- فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ-مكان المسجد-وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ،فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ،وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ،وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى رجع إلى الشام- فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ:يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟!!فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا،وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا،فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ-أي عند مكان مرتفع- حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ،اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ،ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ






قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ

فلما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء الكعبة جاء جبريل فأراه المناسك كلها، أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج،قال:يا رب وما يبلغ صوتي؟قال:أذّن وعلي البلاغ،قال:فنادى إبراهيم:يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق،فسمعه مَن بين السماء والأرض،من إنسٍ وجن حتى في الأرحام..أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يُلبُّون إلى اليوم..راغبين طائعين مخبتين أتوا بيت الله مقبلين فتأملوا مجيئهم ولباسهم ولغاتهم وألوانهم كلهم جاؤوا يلبون نداء إبراهيم تقبل الله منا و منهم..عن ابن عباس قال

لبيك يا الله فاقبلها إذا
من عائب قد عاب ثم استغفرا
وخطوت نحو البيت يسبقني فمي
ليقبل الحجر العتيق الأنورا
يا رب,إني قد أتيتك راكعا
عند المقام,مسبحا ومكبرا
يا ماء زمزم هل ستغسل عاصيا
بالأمس قد عاش على الخطيئة وأمترا
وأنخت رحلى عند أحجار الصفا
والرحل فيه من المعاصي ما ترى
يا راحلين إلى منى,هذى منى
هذى الجبال وتلك سنة من سرى
وازحف مع الجمع العظيم ملبيا
واجمع من العرفات خيرا وافرا
واسأل صخورا ها هنا عن رفقة
حجت مع المختار نورا أنورا
عرفات يا جبل الدعاء تحية
من عاشق لك في هواه تحيرا
فذكرت ربى عنده متمثلا:
فإذا أفضتم والهداية أشكرا
يا جمع,قد فاضت دموعي حسرة
جاء الكسير إلى العزيز ليجبرا
هذا هو البيت العتيق بمكة تميز عن بقاع الأرض فهو من تُشدُّ القلوب قبل الرحال إليه قال صلى الله عليه وسلم

ولمكانة البيت فقد تنافس المسلمون ودولهم عبر التاريخ بخدمته وساكنيه وضيوف الرحمن من أيام الجاهلية حيث كانت قريش تفاخر بالسقاية والرعاية والكسوة والسدنة وحفظ مفاتيح الكعبة ثم تنافس الخلفاء والملوك في بنائه وتوسعته..خدمة للمسجد وضيوف الرحمن..
فأول من بدأ ببنائه بالإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبعة عشر من الهجرة،ثم عثمان رضي الله عنه سنة ستٍ وعشرين،ثم بناء عبد الله بن الزبير سنة ستٍ وأربعين هجرية،ثم بناء عبد الملك بن مروان سنة خمسٍ وسبعين،ثم ابن الوليد سنة إحدى وتسعين،ثم بناء أبي جعفر المنصور سنة مائة وأربعين هجرية ثم وسّعه المهدي مرتين سنة مائة وستين،ثم عمارة موسى الهادي سنة مائة وسبعين،ثم عمارة أحمد بن جعفر المتوكل سنة مائتين وإحدى وسبعين للهجرة،ثم عمارة الأمير بيسق الظاهري عام ثمانمائة وثلاثة من الهجرة،ثم عمارة السلطان قايتباي سنة ثمانمائة واثنين وثمانين هجرية،ثم عمارة ضخمة قام بها السلطان سليمان القانوني العثماني سنة تسعمائة واثنين وسبعين للهجرة،ثم بعده السلطان سليم ثم السلطان مراد خان،وهذه التوسعة العثمانية المبدعة بمكة والمدينة لا زالت آثارها إلى اليوم..ثم لما دخل الملك عبد العزيز رحمه الله إلى مكة قام بإصلاحاتٍ كُبرى في جدران المسجد الحرام وأرضياته وأعمدته وأبوابه..وفي عهد الملك سعود رحمه الله أمر بتوسعة ضخمة للمسجد الحرام وبناء المسعى وإصلاح الطرق المحيطة به وبناء المآذن الضخمة حيث انتهى البناء في عهد الملك فيصل رحمه الله ثم توسعة الملك فهد رحمه الله بطرقٍ بناءٍ حديثةٍ ومكَّيفة والتي تتسع لمائة وعشرين ألف مصلي لتصبح مساحة المسجد ثلاثمائة وستة وخمسين ألف متر مربع وسعته ثمانمائة ألف مصلي وأكثر، والآن يشهد المسجد الحرام والمشاعر حوله أضخمَ توسعة بالتاريخ زمن خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز هذا اللقب الذي ارتضوه وتشرّفوا به إعلاناً أن خدمة بيت الله الحرام وضيوف الرحمن شرف لا يعدله شيء ولذلك خُدم عبر التاريخ طلباً للأجر العظيم بالمساهمة ببناء البيت العتيق..وسيظل ذلك بالتاريخ حفظاً لهذا البيت وأهله بإذن الله..أسأل الله تعالى،أن يوفقنا وإياكم لحج بيته الحرام،وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم..أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن يومَ عرفة أفضلُ الأيامِ عند الله فيه يفاخرُ الله بعبادِه انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي ويخافون عذابي أشهدكم أني قد غفرت لهم.. وخير الدعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون(لا إله إلا الله وحده لا شريك له) للحاج والمقيم ولذلك فإنه سُن لمن أراد مشاركة الحجاجَّ من أهل الأمصار بصيامِ يومِ عرفة فإنه يكفرُ السيئات التي قبلَها والتي بعدها كما في الحديث وإن أفضلَ الأعمالِ يومَ النحر الأضحيةُ إذا طَابت بها النفسُ وطابَقَت الشروطَ المعروفةَ وسلمت من العيوب وكثيرٌ من الناس يتخلَّى عن الأضحيةِ وهو قادر رغم تأكيدِ سُنيتها يقول صلى الله عليه وسلم
