• ×

03:07 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

البيت العتيق

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله فرض على عباده حجَّ بيتهِ العتيق،وجعل الشوق إلى زيارته حَادياً لهم ورفيق،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من أنار الله به الطريق،وعلى الآل والصحب والصديق ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..أما بعد..فاتقوا الله عباد الله..
اللهم احشرنا في زمرة نبينا،وتحت لواء حبيبنا،وأكرمنا بشفاعته اللهم لا تفتنا بعده،ولا تحرمنا أجره،وأوردنا من حوضه واجعلنا من المتبعين لشرعه،اللهم تقبل من حجاج بيتك حجتهم،وهون عليهم،واجعل حجهم مبروراً،وسعيهم مشكورا،وذنبهم مغفوراً.
في أيام الحج ومشاهدة مواكب الحج القادمة إلى مكة يجمل الحديث عن أطهر البقاع..عن بيت الله الحرام الذي حماه الله من عبث العابثين،وطمع الجبابرة والمعاندين..حرم مكة المُنيف الذي يتجه له المسلمون في صلواتهم،ويفدون إليه حاجين ومعتمرين ليشهدوا منافع لهم..بيت مبارك آمن،هويته وهوية الأرض من حوله الإسلام لا تبتغي عنه بدلاً وهو البيت العتيق..فكيف بُني هذا البيت؟!ومتى؟؟!وكيف جعل الله له هذه المكانة؟!وكيف حفظه على مر التاريخ؟وما مميزاته؟!
عباد الله..((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ*فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ))عن أبي ذر أنه قال:قلت:يا رسول الله أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ(الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ))قُلْتُ:ثُمَّ أَيٌّ؟قَالَ(الْمَسْجِدُ الأَقْصَى))قُلْتُ:كَمْ بَيْنَهُمَا؟قَالَ(أَرْبَعُونَ سَنَةً،وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ))..متفق عليه وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم(أَيُّهَا النَّاسُ،قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا))،فَقَالَ رَجُلٌ:أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟فَسَكَتَ حَتَّى سأله ثَلَاثًا،فَقَالَ صلى الله عليه وسلم(لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَااسْتَطَعْتُمْ،:ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ،وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ،فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ،وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ))..إنه الحج فريضة من الله على عباده،وكم من الناس الآن منّ الله عليه بالمال،ويسّر له الاستطاعة،ولكنه ما فكر في أن يحج،ليؤدِّي هذا الركن من أركان الإسلام،وكذلك العمرة وأداء الصلاة..
إنها مكة أتاها -كما عند البخاري- إِبْرَاهِيمُ بهاجر وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ، عِنْدَ -شجرة كبيرة- فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ-مكان المسجد-وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ،فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ،وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ،وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى رجع إلى الشام- فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ:يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟!!فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا،وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا،فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ-أي عند مكان مرتفع- حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ،اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ،ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ(رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ))حَتَّى بَلَغَ((يَشْكُرُونَ))وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ،وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ،حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا،وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يتقلب على ظهره وبطنه ويتمرغ في الأرض كالذي ينازع من شدة العطش- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا،فَقَامَتْ عَلَيْهِ،ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ -وهو عميق يومها- تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا،فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ،رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا،ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ،حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ،ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ،فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا،فَلَمْ تجد أَحَدًا،فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ،قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:قَالَ صلى الله عليه وسلم(فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا))فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ -جبريل عليه السلام- عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أي بمؤخر قدمه- أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ،حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ،فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا تخشى قِلّته،وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ،قَالَ صلى الله عليه وسلم(يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ ولَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا)) -أي لكانت زمزم ماء نهرآ جارياً على وجه الأرض-قَال:َفَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الهلاك فَإِنَّ هُنَا بَيْتآ للَّهِ يَبْنِيه هَو وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ،تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.-فَكَانَتْ هاجر كَذَلِكَ-يعني تتغذى بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب- حَتَّى مَرَّ بِهِمْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّة..وَشَبَّ الْغُلَامُ -إسماعيل- وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَب َّوذات يوم رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل فلما قام من نومه،علم أن ما رآه ما هو إلا أمر من الله؛فرؤيا الأنبياء حق،فذهب إبراهيم إلى ابنه بمكة،وقال له(يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى))فقال إسماعيل(يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ))وأخذ إبراهيم ابنه إسماعيل وذهب به إلى مِنَى..وروي في التفاسير أن الشيطان حاول اعتراض إبراهيم عليه السلام في منى عند العقبة لثنيه عن ذبح إسماعيل ثلاث مرات..وكان يرجمه بالحصى..وقيل إن رمي الجمار أخذ من ذلك والله وأعلم واستسلم طائعاً مختاراً إسماعيل لأمر الله ووضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه إسماعيل ليذبحه،وقبل أن يُمرّ السكين سمع إبراهيم نداء الله يقول له(يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ))وبعد لحظات من النداء الإلهي رأى إبراهيم جبريل -عليه السلام- ومعه كبش عظيم وكشف الله هذا البلاء،وفدى إسماعيل بكبش عظيم،وأصبحت سنة أبينا إبراهيم بالأضحية وعيد الأضحى المبارك..وعاد إبراهيم بولده إلى البيت فلما بلغ إسماعيل تزوج امرأةً من جرهم وماتت أم إسماعيل ثُمَّ جَاءَ إبراهيم بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ -شجرة- قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ،فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ،وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ،ثُمَّ قَالَ:يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ،قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ،قَالَ:وَتُعِينُنِي؟!!قَالَ:وَأُعِينُكَ،قَالَ:فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ -أي هضبة- مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا [وكان عمر إبراهيم يومئذ مائة سنة، وعمر إسماعيل ثلاثين سنة].
قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ))قَالَ:فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وقيل إنهما دارا سبعة أشواط للبناء فلما علا البناء جاء إسماعيل بحجر فقام إبراهيم عليه،فغاصت قدماه فيه ليثبته الله،وهذا هو المقام كما حقق ذلك الإمام البخاري..فلما أتم إبراهيم البناء ظل هذا المقام هكذا لصيقاً بالكعبة حتى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بل وفي عهد الصديق أيضاً،فلما جاء عمر بن الخطاب الملهم، ليطوف بالبيت،رأى أن المقام يعوق حركة الطواف، فأخره إلى الموضع الذي ترونه فيه الآن..فلما أنهى إبراهيم البناء فإذا بزاوية للبناء فارغة فقال لنتمّها فقال لإسماعيل:ائتني بحجر لنتم البناء، فانطلق إسماعيل ليأتي أباه بحجر،ثم عاد فوجد حجراً ليس من جنس حجارة الكعبة،فقال إسماعيل لأبيه:من الذي جاءك بهذا الحجر؟قال إبراهيم:جاءني به من لم يعتمد على بنائي وبنائك،جاءني به جبريل من السماء)رواه ابن أبي شيبة والحاكم،وهذا الحجر هو الحجر الأسود والذي نزل من السماء وكان أبيضاً بل بياضه أشد من اللبن كما في الحديث الذي صححه ابن تيميه لكنه اسودّ من ذنوب العباد نسأل الله العافية و السلامة .
فلما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء الكعبة جاء جبريل فأراه المناسك كلها، أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج،قال:يا رب وما يبلغ صوتي؟قال:أذّن وعلي البلاغ،قال:فنادى إبراهيم:يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق،فسمعه مَن بين السماء والأرض،من إنسٍ وجن حتى في الأرحام..أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يُلبُّون إلى اليوم..راغبين طائعين مخبتين أتوا بيت الله مقبلين فتأملوا مجيئهم ولباسهم ولغاتهم وألوانهم كلهم جاؤوا يلبون نداء إبراهيم تقبل الله منا و منهم..عن ابن عباس قال(قام إبراهيم على الحَجر فقال:يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج،فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء،فأجابه من آمن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك))وهكذا أسمع الله كل نداء خليل الرحمن((فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) بيت تهواه الأفئدة وتأتيه حاجة ومعتمرة وزائرة ملبين نداء خليل الرحمن..تعلن التوبة من الذنوب والآثام والرجوع بالطهروالغفران في رحاب البيت العتيق..
لبيك يا الله فاقبلها إذا
من عائب قد عاب ثم استغفرا

وخطوت نحو البيت يسبقني فمي
ليقبل الحجر العتيق الأنورا

يا رب,إني قد أتيتك راكعا
عند المقام,مسبحا ومكبرا

يا ماء زمزم هل ستغسل عاصيا
بالأمس قد عاش على الخطيئة وأمترا

وأنخت رحلى عند أحجار الصفا
والرحل فيه من المعاصي ما ترى

يا راحلين إلى منى,هذى منى
هذى الجبال وتلك سنة من سرى

وازحف مع الجمع العظيم ملبيا
واجمع من العرفات خيرا وافرا


واسأل صخورا ها هنا عن رفقة
حجت مع المختار نورا أنورا


عرفات يا جبل الدعاء تحية
من عاشق لك في هواه تحيرا

فذكرت ربى عنده متمثلا:
فإذا أفضتم والهداية أشكرا


يا جمع,قد فاضت دموعي حسرة
جاء الكسير إلى العزيز ليجبرا

هذا هو البيت العتيق بمكة تميز عن بقاع الأرض فهو من تُشدُّ القلوب قبل الرحال إليه قال صلى الله عليه وسلم(لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ:الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ،وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ،وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى)).رواه البخاري..وهو خير بقاع الأرض وأفضلها حين خرج صلى الله عليه وسلم مهاجراً من مكة التفت إليها دامع العين قائلاً (والله إنك لخير أرض الله إلى الله وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أُخرجت منك لما خرجت))رواه الترمذي..ومن مميزاته أن الصلاة الواحدة فيه بمائة ألف صلاة وصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ المدينة أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ،وَصَلَاةٌ في مسجد الأقصى أفضل من خمسمائة صلاة ومن مميزاته الأمن في رحابه((وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ))وهذا البيت مبارك وهو أول ما وضع على الأرض وفيه آيات بينات..بيتٌ محفوظ للدين وبالدين وهوّية أرضه وبلاده الإسلام،لايستطيع أحدٌ أن يَحرف ذلك بتغريبٍ أوتشويهٍ للدين أو تطرف وغلوٍّ فيه فالكعبة القائمة تعلن توحيد الله ونبذ الشرك((وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ))..
ولمكانة البيت فقد تنافس المسلمون ودولهم عبر التاريخ بخدمته وساكنيه وضيوف الرحمن من أيام الجاهلية حيث كانت قريش تفاخر بالسقاية والرعاية والكسوة والسدنة وحفظ مفاتيح الكعبة ثم تنافس الخلفاء والملوك في بنائه وتوسعته..خدمة للمسجد وضيوف الرحمن..
فأول من بدأ ببنائه بالإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبعة عشر من الهجرة،ثم عثمان رضي الله عنه سنة ستٍ وعشرين،ثم بناء عبد الله بن الزبير سنة ستٍ وأربعين هجرية،ثم بناء عبد الملك بن مروان سنة خمسٍ وسبعين،ثم ابن الوليد سنة إحدى وتسعين،ثم بناء أبي جعفر المنصور سنة مائة وأربعين هجرية ثم وسّعه المهدي مرتين سنة مائة وستين،ثم عمارة موسى الهادي سنة مائة وسبعين،ثم عمارة أحمد بن جعفر المتوكل سنة مائتين وإحدى وسبعين للهجرة،ثم عمارة الأمير بيسق الظاهري عام ثمانمائة وثلاثة من الهجرة،ثم عمارة السلطان قايتباي سنة ثمانمائة واثنين وثمانين هجرية،ثم عمارة ضخمة قام بها السلطان سليمان القانوني العثماني سنة تسعمائة واثنين وسبعين للهجرة،ثم بعده السلطان سليم ثم السلطان مراد خان،وهذه التوسعة العثمانية المبدعة بمكة والمدينة لا زالت آثارها إلى اليوم..ثم لما دخل الملك عبد العزيز رحمه الله إلى مكة قام بإصلاحاتٍ كُبرى في جدران المسجد الحرام وأرضياته وأعمدته وأبوابه..وفي عهد الملك سعود رحمه الله أمر بتوسعة ضخمة للمسجد الحرام وبناء المسعى وإصلاح الطرق المحيطة به وبناء المآذن الضخمة حيث انتهى البناء في عهد الملك فيصل رحمه الله ثم توسعة الملك فهد رحمه الله بطرقٍ بناءٍ حديثةٍ ومكَّيفة والتي تتسع لمائة وعشرين ألف مصلي لتصبح مساحة المسجد ثلاثمائة وستة وخمسين ألف متر مربع وسعته ثمانمائة ألف مصلي وأكثر، والآن يشهد المسجد الحرام والمشاعر حوله أضخمَ توسعة بالتاريخ زمن خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز هذا اللقب الذي ارتضوه وتشرّفوا به إعلاناً أن خدمة بيت الله الحرام وضيوف الرحمن شرف لا يعدله شيء ولذلك خُدم عبر التاريخ طلباً للأجر العظيم بالمساهمة ببناء البيت العتيق..وسيظل ذلك بالتاريخ حفظاً لهذا البيت وأهله بإذن الله..أسأل الله تعالى،أن يوفقنا وإياكم لحج بيته الحرام،وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم..أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن يومَ عرفة أفضلُ الأيامِ عند الله فيه يفاخرُ الله بعبادِه انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي ويخافون عذابي أشهدكم أني قد غفرت لهم.. وخير الدعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون(لا إله إلا الله وحده لا شريك له) للحاج والمقيم ولذلك فإنه سُن لمن أراد مشاركة الحجاجَّ من أهل الأمصار بصيامِ يومِ عرفة فإنه يكفرُ السيئات التي قبلَها والتي بعدها كما في الحديث وإن أفضلَ الأعمالِ يومَ النحر الأضحيةُ إذا طَابت بها النفسُ وطابَقَت الشروطَ المعروفةَ وسلمت من العيوب وكثيرٌ من الناس يتخلَّى عن الأضحيةِ وهو قادر رغم تأكيدِ سُنيتها يقول صلى الله عليه وسلم(من وجدَ سعةً من المال فلم يضحِّ فلا يقربنَّ مصلانا)) أخرجه ابن ماجة فالقادرُ مالياً وله منزلٌ مستقل الأولى له أن يُضحِّي،ووقتُ الأضحيةِ المحدَّدُ شرعاً بعدَ صلاةِ العيد إلى غروبِ الشمس في ثالثِ أيامِ التشريقِ ومن أراد أن يضحي فلا يأخذنَّ من شعرِه ولا ظفرِه غير أن من خالف ذلك فلا علاقةَ للأضحيةِ وكمالِ أجرها بعملهِ ومخالفتهِ واحرصوا يا عباد الله على شهودِ صلاة العيد بالمصليات قال بوجوبِها عددٌ كبير من أهلِ العلم لأنه صلى الله عليه وسلم أمرَ حتى الحيض وذواتِ الخدورِ بشهودِها لما فيها من إقامةِ شعيرةٍ كبرى في الإسلام وسيكون دخول الإمام بإذن الله في تمام الساعة السادسة وعشرون دقيقة في المصليات الكبرى إضافة إلى بعض الجوامع تسهيلاً للناس والصلاة في المصليات أفضل لأنها السنة نسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم ويعيد علينا مواسم الخير ويتقبل من الحجاج حجهم ومن المضحين ضحاياهم الله أكبر الله أكبر لإله إلا الله والله أكبر ولله الحمد



 0  0  924
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:07 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.