• ×

03:20 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

أهمية شكر النعمة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله رب العالمين خلق الإنسان في أحسن تقويم،وخصه بالإنعام والتكريم،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم..وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أثنى الله عليه بقوله ((وإنك لعلى خلقٍ عظيم))..صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا تحت رايته وتمسكوا بسنته وكانوا على صراطٍ مستقيم ..وسلم تسليماً كثيراً ..أنا بعد..
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه ..
عباد الله..كان المعتمد بن عباد أمير أشبيلية في الأندلس يعيشُ حياةً مترفةً غايةً في التنعيم واللذة،طيبات الدنيا تجلب له..وفي ذات يوم اشتهت زوجته أن تخوض في الطين كعادة المترفين فكيف حقق طلبها ونفذ رغبتها؟!لقد أمر بسحق الطين ثم نثر في ساحة القصر حتى غطاها ثم عجنه بماء الورد حتى تخوض فيه زوجه وجواربها،كانت حياة لذةٍ ومتعةٍ،وأُنسٍ وبهجةٍ،فهل دامت لهم؟،دارة الدائرة عليه،اجتاحته قوات المرابطين فإذا أميرهم يوسف بن تاشفين يصفد بالأغلالِ يديْه ورجليْه وإذا به يُفرَدُ في السجن واستُذلَّ بنوه وبناته وعاد مرحوماً بعد أن كان محسوداً..وفي يومٍ من أيام سجنه دخلت عليه بناته في يوم العيد وهن في أطمارٍ رثةٍ ومعهنَّ المغازلَ يغزلْن بها للناس حتى يَحصِلْن على بعض القوت فقال:
فيما مضى كنت الأعياد مسروراً
فساءك العيد أغممات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعة
يغزلن للناس لا يملكن القطمير

من بات بعدك في ملك يسر به
فإنما بات بالأحلام مغروراً

يطأن بالطين والأقدام حافية
كأنها لم تطأ مسكاً وكافوراً

كم من أمةٍ..وكم من شعبٍ ودولةٍ كان مساؤها نعيماً مترفاً ولذةً وحديثاً لاهياً وغنى مطغياً،ثم كان صبحها عذاباً وتشريداً وفتكاً..وآيات الكتابة شاهدة وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَويقول تعالى) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ( ولا تزال حوادثُ التاريخِ مُنذ بدأ الخليقة إلى زماننا هذا تصب في سمع الدنيا من أنباء القرى التي فتحت عليها النعم فما رعوها حق رعايتها فقُطفت في يناع زهوها واستكمال بهجتها أتاها أمر الله لتذهب عنها النعم وهذه الأمم أشد ما تكون وثوقاً بها وافتتنا بزهرتها وكلُّ شيءٍ لهم على بالٍ إلا أن تزول هذه النعم أو تتحول:
حسَّنت ظنّك بالأيام إذ حُسنت
وغابَ عنك الذي يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر

وتستمرُ آيات القرآن واعظةً اللاهين السادرين الذين ركنوا إلى نعم الحياة وقوة سلطانها وجبروت ملكهم) لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ(15)فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ(16)ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ ( نعم يا عباد الله إنه جزاء من شكر النعم وذلك جزاء من جحد بها،ولم يقدم شكرها..
إخوة الإيمان..ونحن قد حبانا الله بنعمٍ عظيمةٍ وآلاءٍ جزيلةٍ أحوج ما نكون إلى أن نحافظ عليها بالشكر لمن رزقنا إياها فإلى متى نتعامى عن النذر و الآيات التي أصابها الله لأقوامٍ أنعم عليها فكفرت بأنعمه وجحدت فضله فألبسهم الله ثوب الجوع والخوف والنقص؟!..
إن هذه الدنيا لا يغتر بها إلا غافل،ولا يركن إليها إلا جاهل..فكم ذكَّر الناصحون السادرين فما تذكروا؟!،وكم توالت على أهلها النذر فلم ينتبهوا؟!،ثم أفاقوا على أمرٍ جاء بلا نذرٍ سابقة ولا دلائل منذرة ) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (أفاقوا على نعمهم فإذا هي سليبة،أفاقوا على نعمهم فإذا هي ذكرى على بهجتهم فإذا هي أماني..ولو سألنا حوادث التاريخ لأثبتت ذلك سلوا بغداد كيف كان أهلها في رغدٍ من العيش فماذا فعل بهم التتار؟!،سلوا دمشق عما فعل بها الصليبيون؟!وسلوا الأندلس ونعيمها وبهجتها،سلوا الكويت قبل سنوات قريبة وستنطق لكم الأيام بأفصح لسان،وحوادثها بأبلغ بيان لتخبركم أن الحوادث جاءت عندما نُسي شكر الربِّ المتفضل بحلول المعاصي ويزداد البلاء ويتعمق الجرح حين تجد من تعمى أبصارهم عن حقيقة هذا البلاء فيتعلقون بأسباب ماديةٍ يبدءون وإليها يعودون وبها لمصيرهم ومصالحهم يؤولون،إن الواجب علينا أن نعتبر قبل أن نكون عبرة و أن نتذكر قبل أن نكون ذكرى والحوادث من حولنا تترى،تقول لنا إن من نسي الله وفضله نسيه الله ومن عصى الله وهو يعرفه سلط عليه من لايعرفه،ومن أوتي النعمة فلم يشكرها سلبها الله منه ) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ(96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (
إخوة الإيمان..إننا أمام كل حادثةٍ من حوادث التاريخ،أمام كل حادثةٍ من حوادث العصر وقوارعه والناس يتخطفون من حولنا ونحن قد حبانا الله بنعمٍ عظيمةٍ لم تتوفر لغيرنا أمام كل ذلك لا بد لنا أن نفيق من سباتٍ طالما استغرقنا فيه،أن نستفيق من لهوٍ طالما سدنا فيه ومن لم توقظه هذه القوارع فمتى يستيقظ؟ومن لم توجعه هذه الحوادث فمتى يرجع؟إنه ليس بيننا وبين الله نسب حتى يكون العذاب وسلب النعم لغيرنا ونحن سالمون..أما نخشى الله ونحن نقرأ ) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( إن دفع هذا البلاء مرهون بصدق العودة إلى الله وشكر نعمه و تحقيق الإيمان به) فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (وإن خير وسيلةٍ لتحقيق ذلك الإيمان اللجوء إلى الله بالدعاء والتضرع والشكر يقول تعالى) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (
إن شكر الله على نعمه لا يكفي بالأقوال فقط وإنما بالأعمال التي تصدق تلك الأقوال..إن علينا أن نلوذ بالله موقنين وأن ندعوه واثقين وأن تكون ثقتنا بربنا أعظم من ثقتنا بكلِّ قوةٍ ويقيننا بالله أعظم من كل يقين وشكرنا لله وحده وليس لغيره كائناً من كان إننا حينما نتعلق بغير الله نخسر و لانربح.
إن اعتمادنا على الله يكفينا شر المغرضين والحاقدين والمرجفين وقد تكون الخسارة في شيءٍ لا يعوض ولات حين مناص.
الذين يسعون بكل ما أتوا من قوة لنشر إرجافهم وحقدهم في مجتمعنا المسلم حاسدين ما أوتينا من نعمة ومكانة ..فلنكن أعظم وعياً وأشدَّ إيماناً وأفضل شكراً لهذه النعم التي نتبوأها ونتلمس غيرها إننا بذلك وحده نستطيع الحفاظ على هذه النعم..وتسخيرها في خدمة ديننا وأمتنا وعلمائنا الصادقين و أوليائنا الناصحين..
أعوذ بالله ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ( بارك الله...

الخطبة الثانية ..إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ...
أيها الإخوة المؤمنون..روى قيس بن بشر التغلبي حديثاً لأبي الدرداء>أن سهيل بن حنظلة مر يوماً بأبي الدرداء في دمشق فقال له أبو الدرداء كلمةً تنفعنا ولا تضرك فقال سهلٌ سمعت رسول الله يقولإنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس"أي علامة" فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش))رواه أبو داوود بإسنادٍ صحيح..
اللباس عباد الله زينة يتزين بها الخلق ونعمة من الله أنعم بها على عباده يقول تعالى) يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ( ويقول جل وعلا )وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ( وتزين الإنسان باللباس والظهور بالمظهر الحسن اللائق أمر حث عليه الإسلام ما لم يكن فيه مدعاة إلى الكبر روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود >عن النبيقال:{ لايدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرةٍ من كبير فقال:رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة؟قال: (إن الله جميل يحب الجمال)}أي "ليس ذلك من الكبر" الكبر بطر الحق وغمط الناس ..
إخوة الإيمان..مع هذه المشروعية العظيمة في اللباس إلا أننا نرى في زمننا هذا مبالغة كبيرة في التزين باللباس مع نسيان الضوابط الشرعية فيه لدى كثير من الناس وخصوصاً النساء والشباب فبتنا نرى مظاهر من اللباس في أسواقنا ونسمع بها في منتديات نسائية وفي أماكن تجمع الشباب لا تمت إلى مجتمعنا بصلة ومع كل أسف فإنك ترى هذه الألبسة تباع في الأسواق ويشتريها نساء وشباب هذا المجتمع المؤمن الذي إنما قام بإيمانه وليس بعبادات غيره وتقاليدهم،والمؤسف أننا نرى كثيراً من الأولياء والآباء لا يهتمون بمراعات هذا الجانب في أولادهم ونسائهم وزيارة واحدة منك إلى السوق ترى العجب..وكأن أسواقنا في هذا الجانب ليست في مجتمعات إسلامية وحينما ترى ألبسة النساء أو الشباب المعروضة في غالب هذه المحلات تجدها بعيدة كل البعد عن ضوابط الشرع للباس المرأة المسلمة وفيها تقليد لعادات الغرب ومجتمعاته وفوضوياته فأين رقابة هؤلاء الناس لمحلاتهم؟وأين خوفهم على مجتمعهم من انتشار مثل هذه الظواهر الغريبة؟وأين تقديمهم لموعود الله على كسب هذه الدنيا الذي لايغني الإنسان في آخرته ومعاده..
إن جهدنا يجب أن يكون مركزاً على توعية الجميع لأن هذا مظهرنا الذي نظهر به أمام الناس وهو أثرٌ من آثار نعمة الله علينا فيجب أن نكون على مستوى هذه النعمة شكراً وحسن استعمال والأب والولي مسؤول أمام الله عن متابعة بيته في مثل ذلك وكذلك أصحاب المحلات هم مسئولون عن جلب ذلك إلى مجتمعنا وأنتم يا عباد الله عليكم القيام بجانب النصح والتوعية وإخبار الرقابة التجارية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن كل ما هو غريب وضار على ديننا ومجتمعنا ونصح صاحبه ..
إخوة الإيمان..الإسلام يوصي بالاعتدال في ارتداء الملابس ويكره للرجل أن يباهي بها أو يختال فيها،ولا يعتبر حسن البزَّة من عناصر الرجولة أو مقومات الخلق العظيم ورب امرئٍ لا تساوي ثيابه درهماً ترجح نفسه بقناطير الذهب والفضة قال{رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره}رواه مسلم
من المؤسف أن ترى شبابنا يقضون الساعات الطوال في البيوت ليس لهم عمل إلا استكمال وجاهتهم،والاطمئنان إلى أناقتهم،ولو أنهم كلِّفوا ببذل هذا الوقت لتزيد من علمٍ،أو التفقه في دينٍ لنفروا ونكصوا..ويحسبون اتساق الملابس شارة للكمال..وظنوا المغالاة في اللباس تستر نقصهم،وهيهات..روى البخاري عن أبي بريده قال:دخلت على عائشة رضي الله عنها فأخرجت لنا كساءً ملبّداً"أي مرقعاً"وإزاراً مما يصنع في اليمن وأقسمت بالله لقد قبض رسول الله وفي هذين الثوبين))إن الاستغناء عن الفضول،والاكتفاء بالضرورات من آيات الاكتمال في الخلق..
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته
ما فاته وفضول العيش أشغال

والدين لا يحب الملابس المزرية أو يرحب بالهيئات المستكرهة ..سأل رجل عبد الله بن عمر:ما ألبس من الثياب قال:ما لا يزدريك في السفهاء ولا يعيبك به الحكماء..نسأل الله أن يحمي مجتمعنا من كل سوء وأن يقيه شر الأشرار وكيد الفجار..
الاستغاثة
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،،

 0  0  2705
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:20 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.