• ×

02:14 صباحًا , الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025

حديث الهجرة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله جعل الهجرةَ فتحاً ونصراً وعزًّا للإسلام،وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ لَه الملك العلّام،وأشهَد أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمّداً عبده ورسوله،إمام المهاجرين ورسول الإسلام صلِّى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الأعلام وسلم تسليماً..
روحي بحبك في الضياء تهيم
والشوق منى في هواك عظيم

والقلب مسرورٌ بذكر محمدٍ
في ذكره نورٌ و فيه نعيم


يا خير البرية..ويا رسول البشرية..بلّغت الرسالة،وأدّيت الأمانة،وجلوت الظلمة،وكشفت الغمة وتركتنا على المحجة البيضاء..تكفل الله بعصمتك من الناس..آمنت فدعوت فجهرت بمكة فحوربت، وحوصرت،ومن مكةَ أُخرجت ..
أيها المسلمون بعد أيام..نفتتحُ عاماً هجرياً جديداً يُذكِّرُنا بسيرته صلى الله عليه وسلم وأصحابـِه التي نحتاج لسردها لاسيما مع واقع أليم تعيشه أمتنا..نتحدّثُ عن هجرته عليه الصلاة والسلام لنطبقها على ما نراه من أحداثٍ في عالمنا الإسلامي ونقتدي من خلالهـا برسولنا صلى الله عليه وسلم في إيمانه وصبره وجهادهِ،وأخلاقِه وثباتِه وتضحيتِه،وفي صفاته كلِّها فالعقيدةُ أغلى من الأرضِ.
جاءت هجرتُه صلى الله عليه وسلم بعد الرسالةِ بثلاثةَ عشرَ عاما،بعد أن جاهدَ من أجل إبلاغِ دين الله ومن أجلِ أن يهديَ قومَه والناسَ إلى طريقِ الله جل جلاله صابِراً مُحتسبا، يُؤذى في سبيل الله هو وأصحابه وهم صابرون،وقد جاء الإذنُ بالهجرةِ إلى يثرب بعد أن بايعَ سكانُها الأوسُ والخزرجُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على الإيمانِ وعلى حمايتهِ مما يحمونَ منه أنفسَهم وأهليهم فكانت هذه البيعةُ مُقدِّمةً للهجرةِ المباركة..فأَذِنَ اللهُ لنبيِّه بالهجرةِ بعد ثلاثَ عشرةَ سنة بلِّغَ رسالةَ ربِّه ودعا إليه على بصيرةٍ بمكة فلم يجدْ من أكثر قريش سوَى الرفضَ لدعوتِه والإيذاءَ الشديدَ له ولمن معه بل آلَ الأمرُ بهم إلى محاولة قتله صلى الله عليه وسلم ..حين اجتمع كبراؤهم في دار الندوة وتشاوروا ماذا يفعلون به صلى الله عليه وسلم لما رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة فقال أبو جهل:الرأيُ أن نأخذَ من كل قبيلةٍ شاباً جلداً ثم نُعطي كلَّ واحدٍ سيفاً صارماً ثم يعمَدُوا إلى محمدٍ فيضربُوه ضربةَ رجلٍ واحدٍ فيقتلوه فيتفرَّقَ دمُه في القبائلِ فلا يستطيعُ بنو عبد مناف - يعني عشيرته أن يحاربُوا قومَهم جميعاً فيرضونَ بالدية فنعطيهم إياها.
((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )) فأعلمَ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم بما أرادَ المشركون وأذن له بالهجرة وكان أبو بكر رضي الله عنه قد تجهزَّ من قبلُ للهجرةِ إلى المدينة ولكن رسول الله يقول له(على رسلك فإني أرجو أن يُؤذَن لي)) فتأخَّر أبو بكر رضي الله عنه ليصحبَه تروي عائشة رضي الله عنها:فبينما نحنُ في بيتِنا منتصفَ النهار إذ برسول الله صلى الله عليه وسلم على البابِ متقِّنعاً فقال أبو بكر:واللهِ ما جاءَ به في هذه الساعةِ إلا أمرٌ جلل فدخل عليه السلام وقال لأبي بكر(أخرجْ مَنْ عندَك)) فقال: إنما هم أهلُك بأبي أنت وأمي فقال(قد أُذِنَ لي في الخروج)) فقال أبو بكر:الصحبةُ يا رسول الله قال(نعم)) تقولُ عائشة فَبكى أبي من الفرح،رضيَ الله عن أبي بكرٍ الصديق و أرضاه يبكي من الفرح لأنه يرافقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة للمخاطر قد تذهبَ بها روحُه. فقال أبو بكر يا رسولَ الله:فخذ إحدى راحلتيَّ هاتين فقال صلى الله عليه وسلم(نعم بالثمن)).عن عبد الله بن عديّ الزُّهريّ أنّه قال:رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم واقفًا على الحَزْوَرَة بمكة فقال(والله،إنَّك لخيرُ أرضِ الله وأحبُّ أرضِ الله إلى الله،ولولا أنِّي أُخرجتُ منكِ ما خرجت))((وما أطيَبَك من بلدٍ وأحبّك إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ))
قال ابن إسحاق:فلما كانت عتمةٌ من الليلِ اجتمَع المشركون على بابه يرصدونَه متى نام فيثبون عليه..فأتى الفدائيُّ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لينام مكان رسول الله أمام أعينهم و خرج صلى الله عليه وسلم موقناً بربِّه واثقاً بأملهِ من بيته يذرُّ على رؤوسهِم التراب وهو يقرأ(وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَـٰهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ))

و إذا العنايةُُ لا حظتْْك عيونُها
نَمْ فالحوادثُ كلُّهُنَّ أمانُ

ثم خرجَ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فأقاما في غارِ جبلِ ثورٍ ثلاثَ ليالٍ يبيتُ عندهما عبدُ الله بن أبي بكر وكان شاباً ذكياً واعياً فينطلقُ في آخرِ الليل إلى مكةَ فيُصبحُ مع قريش فلا يسمعُ بخبرٍ حولَهم إلا وعاه حتى يأتَي به إليهما حين يختلطُ الظلام فجعلتْ قريشٌ تطلبه صلى الله عليه وسلم من كلِّ وجهٍ وتسعى بكلِّ وسيلةٍ ليدركوه حتى جَعلُوا لمن يأتَي بهما أو بأحدِهما مائةً من الإبل ولكنَّ الله كان معهما يحفظهُما بعنايتهِ ويرعاهُما برعايتهِ ومن كان اللهُ معه فإن معه الغلبةُ والحفظُ حتى إن قريشا ليقفُون على بابِ الغار فلا يرْونهما.
قال أبو بكر رضي الله عنه قلتُ للنبيَّ صلى الله عليه وسلم ونحنُ في الغارِ:والله لو أنَّ أحدَهم نظرَ إلى قدميه لأبصَرَنا فقال(لا تحزنْ إن الله معنا يا أبا بكر ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثُهما))وكان أبو بكر يسدُّ خروقَ الغارِ بيديه ورجليه خشيةَ أن يخرجَ منها شيءٌ يؤذيه صلى الله عليه وسلم.حتى إذا سكنَ الطلبُ عنهما قليلاً خرجا من الغارِ بعدَ ثلاثِ ليالٍ متجهين إلى المدينةِ على طريقِ الساحل فلحقَهُما سُراقةُ بن مالكٍ على فرسٍ له فالتفت أبو بكر فقال:يا رسول الله هذا الطلبُ قد لحِقَنا فقال له صلى الله عليه وسلم(لا تحزن إن الله مَعنا))فدنا سراقةُ منهما حتى إذا سمعَ قراءةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غاصت يدا فرسِه في الأرض مرتين أوثلاثآ حتى يمسَ بطنُها الأرض وكانت أرضاًً صلبةً فنزلَ سُراقةُ وزجرَها فنهضَت قال سراقة:فوقعَ في نفسي أن سيظهرُ أمرُه صلى الله عليه وسلم فناديتهم بالأمان فوقفَ ومَنْ معه فجئتُهم وأخبرتُهم بما يريدُ الناسُ بهم وعرضتُ عليهم الزاد والمتاع وقلت لهم :إنك تمرُّون على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذوا منها حاجتكم.فقال له رسول الله(لا حاجةَ لي في ذلك ولكن أخفِ عنا)).ووعدَه بسواريْ كِسْرىَ فرجعَ سراقةُ وجعل لا يلقى أحداً من الطلبِ إلا ردَّه وقال:كُفيتُم هذه الجهة فسبحانَ الله والحمدُ لله ولا إله إلا الله والله أكبر رجلٌ ينطلقُ على فرسِه طالباً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبهِ ليظفرَ بهما فيفخرَ بتسليمهما إلى أعدائِهما من الكفارِ فينقلبُ ناصِراً مُعيناً مُدافِعاً عنهما وهكذا كلُّ من كانَ اللهُ معَه فلن يضرَّه أحدٌ وتكون العاقبةُ له.
يا طريداًً ملأَ الــــدنيا اسمُه
و غدا لحناًً على كلِّ الشفاه

وغدت سـيرتُه أنشودةً
يتلقـَّــاها رواةٌ عن رواه

ليتَ شعري هل درى من طاردُوا
عابدُوا اللاتِ و أتباعُ مناه

طاردت في الغار مـــن بوأها
سؤدداً لا يبلغ النجم مداه

ولما سَمِع أهلُ المدينة بخروجه صلى الله عليه وسلم إليهم كانوا يخرجونَ صباحَ كلَّ يوم إلى الحرَّةِ ينتظرون قدومَه وصحبَه حتى يطردَهم حرُّ الشمسِ فلما كان اليومُ الذي قَدِمَ فيه صلى الله عليه وسلم وتعالى النهارُ واشتدَّ الحرُّ رجَعُوا إلى بيوتِهم وإذا رجلٌ من اليهودِ على أُطمٍ من آطامِ المدينةُ ينظرُ لحاجةٍ له فأبصرَ رسولَ الله وصاحبَه مُقبلين فلم يملكْ أن نادى بأعلى صوته:يا معشرَ العرب هذا جدُّكم يعني هذا حظُّكم وعزُّكم الذي تنتظرون فهبَّ المسلمون للقائه صلى الله عليه وسلم معهم السلاحُ تعظيماً وإجلالاً له صلى الله عليه وسلم وإيذاناً باستعدادِهم للجهادِ والدفاعِ دونَه رضيَ الله عنْهم فتلقَّوه مُستبشرين بظاهرِ الحرةِ فعدَل بهم ذاتَ اليمينِ ونزلَ في بني عمرو بنِ عوفٍ في قُباء وأقامَ فيهم بضعَ ليالٍ وأسَّسَ المسجدَ ثم ارتحلَ إلى المدينة والناسُ معهُ وآخرُون يتلقَّوْنه في الطرقاتِ قال أبو بكر رضي الله عنه:خرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرقِ وعلى البيوتِ والغلمانِ والخدم يقولون:الله أكبر جاء رسولُ الله الله أكبر جاء محمد.وقال أنسُ بن مالك رضي الله عنه شهدتُ يومَ دخلَ صلى الله عليه وسلم المدينةَ فلم أرَ يوماً أحسنَ منه ولا أضوأَ منه وإني لأسعى بينَ الغلمان وأنا يومئذٍ غلامٌ والناسُ يقولونَ:جاءَ محمد جاء محمد.هكذا يردِّدُ الناسُ هذه الكلماتِ فرحاً بمقدمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ..أحبُّ الناسِ إليهم ليُخرَجَهُم من الظلمات إلى النور..
فقدمَ صلى الله عليه وسلم المدينةَ وكلُّ قبيلةٍ من الأنصارِ تُنازِعُ الأخرى زمامَ ناقتِه وكلٌّ يقولُ: عندَنا يا رسول الله في العددِ والعدَّةِ والمنَعةِ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:دعوها فإنِّها مأمورةٌ وإنما أَنزِلُ حيثُ أنزلَني الله جل جلاله.فلما انتهَت به إلى مكانِ مسجده بَركَت فلم ينزلْ عنها حتى وثَبت ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد أطلقَ لها الزمامَ فسارَت غيرَ بعيدٍ ثم التفتتَ خَلْفَها فعادَتْ إلى مكانِها الأول فَبَرَكت فقال صلى الله عليه وسلم(هذا إن شاءَ الله المنزل)) وكان هذا المكان لغلامين يتيمين فدعاهُما فساومْهُمَا ليشتريَه منهما فيتخذَه مسجداً فقالا:بل نهبُه لك يا رسولَ الله فأبى أن يقبَله منهما هبةً حتى ابتاعَهُ منْهُما وقال(أيُّ بيوتِنا أقربُ))؟قال أبو أيوب:أنا يا رسولَ الله هذه داري فقال له(فانطلقْ فهيئ لنا مقيلا))

أقبلْ فتلـك ديـارُ يثربَ تُقبلُ
يكفيكَ من أشواقِها ما تَحمِلُ

القومُ مـذْ فارْقَت مكـةَ أعينٌ
تأبى الكرى وجوانحٌ تتملْمَلُ

يتطلَّعون إلى الفِجَاجِ وقولُهـم
أفما يُطالعُنا النبيُّ المرسَـلُ

رَفَّتْ نضارتُها وطابَ أريجُها
وتدفَّقتَ أنفاسُـها تَتَسَلْسَـلُ

فكأنَّما في كـل دارٍ روضـةٌ
وكأنَّمـا في كل مَغنى بُلبلُ


ثم جاءَ عبدُ الله بن سلام وكان حَبْراً من أحبارِ اليهود فقال:أشهدُ أنَّكَ رسولُ الله وأنك جئتَ بالحقِّ وقد علمتْ يهودُ أنَّي سيدُهم وابنُ سيدهِم وأعلمُهم وابنُ أعلمُهم فادْعهُم فاسأْلهم عنّي قبل أن يعلمُوا أني أسلمت فإنهم إن عَلِمُوا به قالوا فيّ ما ليس بي فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى اليهودِ فأتوا إليه فقال لهم ((يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمونَ أنَّي رسولُ الله حقاً وأنَّي جئُتكم بحق))قالوا:ما نعلمُ ذلك قال: فأيُّ رجلٍ فيكم عبدُ الله بنُ سلام؟ قالوا:سيدنا وابنُ سيدِنا وأعلمُنا وابنُ أعلمِنا قال:أرأيتم إن أسلم؟قالوا حاشَ لله ما كان ليُسلم فأعادَ فأعادُوا وكان عبدُ الله بنِ سلام قد اختبأَ لينظرَ ما يقولون فقال صلى الله عليه وسلم:يا ابنَ سلام اخرج عليهم فخرج فقال: يا معشرَ اليهودُ اتقوا الله فو الله الذي لا إله إلا هو إنَّكم لتعلمونَ أنَّه رسولُ الله وأنَّه جاءَ بحقٍ فقالوا له: كذبت فأخرجهم فقال ألم أخبْرك يا رسولَ الله أنَّهم قومُ بهتٍ وأهلُ غدرٍ وكذب وفجور.هذه هجرةُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ من بلدِه ليقيمَ دعوَة الله ويُصلحَ بها عبادَ الله.
هذه الهجرة وفيها من الفوائد والعبر مالا يحصيه البشر،ولذلك اتفق الصحابة زمن عمر على التوريخ بها لأن الله فرّق بها بين الحق والباطل وجعلوا بداية العام من شهر الله المحرم لحرمته وختام الحج بشهر ذي الحجة رغم أنها وقعت في ربيع الأول والحرص على المحافظة على التاريخ الهجري علامة للإسلام يريد الكثيرون مع الأسف إزالتها والتشبه بتاريخ العجم، ومن ثم تقليدهم في مناسباتهم وأعيادهم الباطلة وهذا ما نراه في بعض بلاد الإسلام، كذلك لم يرد شيء بالاحتفال بمناسبة الهجرة إلا بذكر العبر وقصصها أما غير ذلك فلم يرد
فاتقوا الله عبادَ الله واهجُروا المعاصي لتقومُوا بإحدى الهجرتين ومن تركَ شيئًا لله عوَّضه الله خيراً منه ومن اتقى وأحسن كان الله معه و المهاجر من هجر ما نَهى اللهُ عنه ((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))أقول ما تسمعون واستغفر الله ....
الخطبة الثانية الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبيَّ بعدَه و بعد..
عبادَ الله:ما أحوجَنا ونحنُ في هذا الزمنِ،زمن الهزائم والانكسارات والجراحات إلى تعلُّم فنِّ صناعة الأمل والفأل الحسن.فمن يدري؟ربما كانت هذه المصائبُ باباً إلى خيرٍ مجهول،ورُبَّ محنةٍ في طيِّها مِنْحة،أوليس الله يقول(وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ))لقد ضاقتْ مكةُ برسولِ الله ومكَرت به فجعلَ نَصْرَه وتمكينهُ في المدينة.وأوجَفَت قبائلُ العرب على أبي بكرٍ مرتدةً،وظنَّ الظانون أن الإسلام زائلٌ لامحالةَ، فإذا به يمتدُّ من بعد ليعمَّ أرجاء الأرض..وهاجت الفتنُ في الأمة بعد عثمان حتى قيل لا قرار لها ثم عادت المياه إلى مجراها..وتمالأَ الصليبيون وجيَّشُوا جيوشَهم وخاضت خيولُهم في دماء المسلمين إلى ركبها حتى إذا استيأسَ ضعيفُ الإيمان ظهر نور الدين وصلاح الدين فطهرت بلاد الإسلام من الصليبيين وابتسمَ بيتُ المقدس من جديد.
وقويت شوكُة الرافضةِ حتى سيطَر البويهيونَ على بغداد والفاطميونَ العبيديون على مصر وكتبت في ذلك الوقت بمصر مسبة الصحابة على المحاريب ثم انقشَعت الغَّمةُ بسقوطهم وعزة أهل السنة وأطبق التتارُ على أمة الإسلام حتى أبادُوا حاضرتَها بغداد وقتلُوا فيها وحدها مليوني مسلم وقيل: ذهب المسلمون ونُعيَ الإسلامُ فكسرَ الله أعداءَه في عينِ جالوت وما بعدها وعادَ للأمةِ مجدُها.
وهكذا يَعْقُبُ الفرجُ الشدةَ،ويتبعُ الهزيمةَ النصرُ،ويؤذِّنُ الفجرُ على أذيالِ ليلٍ مهزوم،واليوم ونحن نرى حركات تريد التصحيح في عالمنا العربي وانقشاع ليل الظلم والطغيان واندحار الفساد الذي عثى بالأمة ومقدراتها وما نراه من الظلم والطغيان الذي يحيط بإخواننا في أرض الشام على يد الرافضة النصيرية ممن يَقْتلُ ويتعدَّى على الأملاك والأعراض حتى هُجّر أهلها ونيل من أعراضهم وجاعوا حتى أكلوا لحوم القطط في ضواحي دمشق حاضرة الإسلام وتاريخه منذ ثلاث سنوات والعالم يتفرج ولا حول ولا قوة إلا بالله ولكنها المنحة في طيات المحنة والأمل بالله عظيم بالنصر على هؤلاء الطغاة فلا يأس))وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُون))قال ابن مسعود رضي الله عنهأكبرُ الكبائرِ الإشراكُ بالله والأمنُ من مكر الله والقنوطُ من رحمةِ الله واليأسُ من رَوْح الله).

إذا اشتملت على اليأس القلوبُ
وضاقَ لما به الصدرُ الرحيبُ

ولم تر لانكشاف الضرِّ وجهـاً
ولا أغنـى بحيلتـه الأريـب

أتاكَ على قنـوطٍ منكَ غـوثٌ
يَمُـنُّ به اللطيفُ المسـتجيبُ

وكل الحـادثاتِ وإن تنـاهَتْ
فموصـولٌ بها الفرجُ القريبُ

فيا أيُّها الغيورونَ على أمِّةِ الإسلام..يا من احترقتْ قلوبُهم لآلامها..لا يبلَغنَّ بِكُم اليأسُ مبلغه،فإن الذي أهلكَ فرعونَ وعاداً وثمودَ والذي ردَّ التتارَ ودَحرَ الصليبين قادرٌ على أن يمزِّقَ شملَ أعداء الإسلام والظلمةِ والطغاة والمتآمرين على الإسلام وأهله ويبدِّدَ غطرسةَ اليهود ويُحطِّم أصنام الوثنية المعاصرة ويطهر المسجد الأقصى.وأنت..يا من ابتلاكَ الله في رزقك أو صحتك أو ولدك.أنت..يا من جهدك الفقر وانتهكتك العلل وأخذ الموتُ أحبابَك وعدتَ في أعينِ الناس كالدرهم الزائف لا يقبله أحد.جدّد الأمل بالله..لا بد أن نُجدد الأمل مع الله استفادة من هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم و أن لا ننسى رحمته و فضله ..
اللهم ارزقنا محبة نبيك وإتباع سنته والاقتداء بهديه والاستفادة من خلقه وشرعه واحشرنا في زمرته واسقنا ووالدينا ذرياتنا من حوضه الشريف شربة لانظمأ بعدها..اللهم انصر إخواننا المستضعفين في سوريا واجمع كلمة إخواننا المسلمين على الحق في اليمن ومصر وليبيا..واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين..


 0  0  958
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:14 صباحًا الثلاثاء 6 محرم 1447 / 1 يوليو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.