الحمد لله المطلع على ما تكنه النفوس و الضمائر ، الذي أحاط علمه بكل شيءٍ باطنٍ و ظاهر ، و أشهد ألا إله إلا الله و حده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ما ترك خيراً إلا دلنا عليه و لا شراً إلا حذرنا منه صلى الله عليه و على آله و صحبه ، و سلم تسليماً أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى و توبوا إليه ..
حديث تتثاقله النفوس و يخشاه المؤمنون و لكننا بحاجةٍ إلى تكراره في كل زمانٍ و مكان ، و تحتاجه الأمة و هي تعيش أحلك الظروف ..تذكيرٌ ذكَّر به محمد حين كان القرآن يتنزّل عليه عن هذا الأمر في غير ما مناسبة رداً عليهم و تحذيراً للمؤمنين منهم ..و ما كان تكرار ذكرهم إلا دلالة على عظيم خطرهم و عظمة أثرهم و كيف يخفون على الناس و لا يتبينون أثرهم السيء إنهم من كاد للمسلمين المكائد وتربصوا بهم الدوائر، وكم هموا بما لم ينالوا يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ . لم يرتضوا الإسلام دينا ولا الكفر الصريح مبدأً، فكانوا مذبذبين بين الكفارِ والمؤمنينَ غير أنهم يبغضون المؤمنين ويتولون الكافرين، اتصفوا بحسنِ الظاهرِ، فإن رؤوا أعجبوا وإن قالوا أحسنوا، و إن كتبوا زخرفوا ، إلا أن بواطنهم أضمرت كفراً، وامتلأت قلوبهم على الإسلامِ والمسلمينَ غلاً وحقداً، استبدلوا الضلالةَ بالهدى والبصيرةَ بالعمى، والكفر بالإيمان والحياة الدنيا بالآخرة، فبئس ما يصنعون.
قلوبهم قاسية وعقولهم قاصرة، شجعانٌ في السلمِ فإذا جد الجد لاذوا بغيرهم يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ .. يخدمون الكفار و يتصلون بالسفارات ويتجسسون على المؤمنين، ويخذلونهم عن النصرة، وإذا شاركوهم أحدثوا الخلل والاضطراب في صفوفهم، يستغلون الفرصة المناسبة للطعن في دعاة الإسلام المخلصين وتشويه سمعتهم عن طريق الكذب وتغيير الحقائق، يستغلون الفرص لإيثار الشبهات ونشر الشهوات يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف..نعم..إنهم المنافقون ..ذلك مسلكهم وديدنهم، فضحهم القرآنُ بآياتٍ تُتلى، وكان التاريخ ولا زال شاهداً عليهم وعلى فعلهم بالمسلمين، يتربَّصون بهم الدوائر، ويستغلُّونَ الأزمات التي تظهر شرهم ، ترى بعضهم في أزماتنا هذه و قد أصبح بوقاً للصليبيين و شراً على المسلمين و عميلاً للكافرين ، كما يظهرُ حقدهم، حين ينقدون الإسلام بنقد مناهجه التعليمية و التهكم بالدعاة و الدعوة الإسلامية و التلاعب بالمصطلحات الشرعية و ضرب الفتوى ببعضها ، ينشدون التفسخ الأخلاقي بزعمهم تحرير المرأةِ، وتحت مسمى حاجاتها يبثون دعاواهم للاختلاط أو النيلِ من تعليمها الخاص بها، ورغبتهم هي أن تفسخ المرأةُ حياءَها وأن يحل المجتمع رباط الأخلاق باسم الترفيه والسياحة أو عبر مسلسلات تهدم الدين والخلق وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ ووقتهم الذي يبرزُ شرهم عبر التاريخ حين تحيط بالمسلمينَ أزمةٌ يتربصون بِهم، يريدونَ إلغاءَ الاحتكامِ إلى الشريعةِ بِجعلِ الأُمةِ لا تفيء إلى دينٍ أو عقيدةٍ، يرجعونَ في كتاباتهم إلى التاريخ الجاهلي أو الأساطيرِ والخرافاتِ ويستغلونَ الأزماتِ وتداعياتِها كما هو الآن، لرمي المسلمين الملتزمينَ والإسلام المتينَ بكلِ تأخرٍ وتخلفٍ، ويقدمون أنفسهم خبراء مجربينَ ونخبةً مثقفين، في حين أنَّهم كما يوضحُ تاريخُهُم لا يوالونَ إلا مصالحَهُم، ولم يُقرّبوا إلا ما كان على شاكلتهم و إما من طائفتهم أو عائلتهم أو حزبهم ، فكانت المرافق التي تولوها أطلالاً يسطع الإفلاس من جهتها و بنو دولتهم على إرهاب الناس و مصادرة حرياتهم و نشر المنكرات في أوساطهم و تدمير جوهر الإسلام في قلوبهم ، انظر إلى بؤس المرأةِ التي أخرجوها في بعضِ بلاد المسلمين من حصنِ العفةِ وقيادةِ الأسرةِ إلى عملٍ يُلغي كيانها وحياءَها، فلا يبقى فيها ولا يذر ..كيف دعوا إلى فصل الاقتصادِ عن الدين لينخرهُ سوس الربا كيف همشوا العلم الشرعي الصحيح الذي ينهض بالأمة و أبعد واجهاته عن مراكز و لم يساهموا في تطويره ، إنهم المنافقون الذين نص الله على خطرهم، ويوجدون في كل زمانٍ ومكان، ويلبسون ألواناً من الإيهام والتضليل، ترى بعضهم يحارب الإسلام ويضيق على أهله باسم الخوف من الفتنة أَلا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ..
وترى بعضهم يدعي الوطنيةَ والعملَ لخيرِ الوطن ويروج تحت هذا الشعار ما يريده من أنواع الخداع والتضليل، ويثير القادة على شعوبهم أو العكس، يسارع أحدهم عند أي حادثة لإبراز ما في قلبه من غلٍ وحقد، وقد يعجب بعض الناس بقوله: وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ .
ترى بعضهم يتهكم بالدعاة و المعلمين ، و كاتب يتهكم بخطباء المنابر ، و هو الذي تقلب من موقفٍ إلى موقف ..و يتلاعبون بأقوال الدعاة ..و يتسقطون عليهم و يثيرون عليهم الزوابع و آخر يركن إلى الصلبيين و يسوغ احتلالهم لأرض المسلمين ، و يسوق لبرامجهم و مناهج التعليم لديهم ..و يستغلون حقوق المرأة و الإنسان لتمرير أهدافهم فقط ..
لقد تفاقم غش هؤلاء في هذا الزمان وعظم خطرهم وانتشر أثرهم لانتشار وسائل الخداع الميسرة لهم من صحافة وقنوات وإذاعات تؤثر في عقول الأمة ويحارب أغلبها معاني الفضيلة والخير ويبثون الزيغ والتلبيس، ثم تسموا بأسماء ظاهرها جمال، وباطنها مر المذاق.
وتحت راية الحداثة أو العلمانية يتنكرون لكل ما هو ماض ويصفونه بالرجعية والتخلف، وهم ليسوا منحصرين في زمان معين أو مكان، بل ينتشرون ليترقبوا الفرصة المواتية للنيل من الإسلام والمسلمين وهم أخطر من الكافرين الذين يعلنون حربهم في حين أن المنافقين يغدرون من الخلف في غفلةٍ من الناس ويضربون من الداخل، مع المسلمين وليسوا منهم ..في الوقت الذي تحتاج الأمة فيه إلى كل قولٍ ناصح و رأيٍ صائب ..ترى المنافقين يلوون ألسنتهم و يقتاتون بأفكارهم الضالة و مقالاتهم الصحفية اللامزة و كأنهم فرحين بهذه الأزمة التي تعيشها بلادنا ..ليظهروا من خلالها فساد قلوبهم و خبث أفكارهم و يستغلون التمكين الممنوح لهم مع الأسف في الإعلام ليعتدوا الثوابت و يتهجموا على كل شيء ..
ولقد كانت شواهد التاريخ كثيرة تلك التي تدل على فساد المنافقين وخطرهم الذي يؤول إلى قتل الأفراد والجماعات وإثارة الفتن والخصومات وخيانة الأمة في أحرج الأوقات بدءاً بزعيمهم عبد الله بن أبي سلول و قصص خيانته و أقواله المسطرة في القرآن الكريم إلى عبد الله بن سبأ وكيف أثار الفتنة ثم إلى دعاة الدولة العبيدية الرافضية و الدروز والقرامطة كابن العلقمي ومحمد بن نصير الطوسي وتاريخهم الحافل بالدماء كيف مكنوا التتار لهدم الخلافة الإسلامية في العراق ثم إلى من أفسدوا الأمة الإسلامية الحاضرة تحت دعاوى مفلسة كالقومية و البعثية والشيوعية و الماسونية، وكم قاست الأمة العربية المسلمة من نكبات ونكسات بسبب مكر الذين نافقوا وهم يلعبون بعقول الناس ويتاجرون بالدين تارة أو برايات متلونة تارة أخرى..
وإذاً بعد كل ذلك ناسب أن نتحدث عنهم و أن تعرفهم و تعرف صفاتهم كما ذكرها القرآن وفصل فيها لنحذر منهم...
أيها المسلمون :
يقول ربنا جل وعلا: وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ و يقول سبحانه وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ .
وأعظم مظهر يتجلى فيه خلل الميزان، وأكبر صورة يتبين فيها انتكاس العقل و ارتكاس الفطرة وضلالة البصيرة النفاق والمنافقون.. ولقد انتدب القرآن الكريم بآياته وسوره لفضح هذه الفئة، وهتك أستارها، فجلى دخائل نفوسها، وخلجات ضمائرها، وسوء فعالها وأقوالها، من اضطراب المعتقد، والإعراض عن الهدى والحق، ونقض العهود، وإخلاف الوعود، والخداع والكذب، والتلون، والتقلب، والصد عن سبيل الله ولإيذاء المؤمنين والمؤمنات ..و لعظم خطرهم ..
وأما أهل العلم رحمهم الله فقسموا النفاق إلى نوعين: نفاق كفر مخرج من الملة، وهو نفاق العقائد، يظهر صاحبه الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر وهو يبطن الكفر بذلك كله أو بعضه ..ونفاق دون ذلك في الفروع والأعمال.. وصفات المنافقين كبائر موبقة، وجرائم مردية، لا تصدر عن مؤمن ملأ الإيمان قلبه، من جمعها كان منافقاً خالصاً، ومن اتصف ببعضها لازمته حتى يدعها.
النفاق أيها الأخوة، عمدته ثلاث خصال كبرى، خوفٌ في داخل النفس، وكذب في الأقوال، وخداع في الأعمال.. المبتلى بالنفاق خائف مضطرب يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ يخاف من انكشاف الحال وافتضاح الأمر، ومن ثم فإن خوفه ينبت الجبن والهلع، لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَـٰرَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ . وأهل النفاق منغمسون في ظلمات النفوس، يزعزعهم الشك، ويلجئون إلى التخذيل والفتنة لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولاَوْضَعُواْ خِلَـٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ
المبتلى بالنفاق رأس ماله الكذب: وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ . ورائج بضاعتهم المخادعة يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءامَنُوا . إذا وعدوا أخلفوا، وإذا عاهدوا غدروا، وإذا خاصموا فجروا، وإذا دعوا إلى الله ورسوله ترددوا.
وفي الحديث المتفق على صحته عنه : ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان)) وزاد مسلم في روايته: ((وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم))
يصل به التهتك في النفاق والفساد في الأخلاق أن يظهر بوجهين، ويتكلم بلسانين، ويمشي بين الفريقين كالشاة حائرة بين القطيعين مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم من رموز الكفر وقياداته وصناع الفساد وأنصار الباطل ودعاة الفتنة قالوا: إنا معكم إنما نحن مستهزئون، ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ ٱللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَـٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
قد يبلغ النفاق ببعض أهله إلى أن يتصلوا بأعداء الله وأعداء المؤمنين و يمكنون لهم الأرض و يوالونهم على حساب المؤمنين ، ويودون لو تولى العدو أمر المسلمين، وتصرف في شؤونهم ودولهم وأن تكون الغلبة له، بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ .الأيمان الكاذبة مركبهم، والحلف الفاجر وقايتهم، وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وقوله تعالى: ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً تراهم عبر الأزمان و قد غشوا الأمة بوعودهم الكاذبة و أيمانهم الفاجرة التي ما زادة الأمة إلا سقوطاً لدولها و ضعفاً لقوتها و تمكيناً لعدوها ..
أيها الأخوة :
إن النفاق حينما يسري في بعض النفوس فتحسب اللؤم قوة؟ والمكر السيء براعة وما هذا وربك إلا ضعف وخسة، وخور وسفه، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ لماذا؟ لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد يتأرجح عندهم مع الأهواء الذاتية والمصالح الشخصية، يزعمون أنهم مصلحون وهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم.
المنافقون مذبذبون يأتون بظواهر العبادات وقد قام بهم الرياء وهو أقبح مقام، وقعد بهم الكسل، وهو بئس القعيد وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً كم منهم من تلبس بالغش والخديعة حتى أصبح لا يؤمن جانبه، لا يبالي أن يخلف وعداً، وينكث عهداً، ولا يتورع عن ظلم الغير أو الاستيلاء على الأموال والحقوق العامة والخاصة لا يزعه إيمان ولا حياء عن الخيانة فيما ائتمن عليه، يخادع الناس بكلامه ولطافة خلقه، ولكن بخلاف ما يظهر، قد امتلأ قلبه حقداً وغلاً ومراوغة، يبيع دينه بعرض من الدنيا ويهدر كرامته في سبيل غرض شخصي أو حاجة دنيوية غير مبالٍ بحرمة فعله وعظيم إثمه إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ
ومن مراتب النفاق الكبرى أن يجلس جالسهم مجلساً يسمع فيه آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فيسكت ويتغاضى ملتمساً لنفسه أعذاراً، و مسوغاتٍ من التسامح وسعة الأفق وحرية الرأي وما درى أن هذه هي الهزيمة تدب في أوصاله وتنخر في فؤاده، وما فرق بين حرية الفكر وجريمة الكفر: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْكَـٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً المنافقون يستهزئون بدعاة الدين و علمائه .. كما فعلوا مع قراء و صحابة رسول الله فنزل تكفيرهم في القرآن بسبب استهزائهم و لم يقبل معذرتهم ..أهل النفاق لا يعتبرون من الفتن، ولا يرجعون عند الكوارث ولا يستفيدون من الحوادث أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ و كما أن ظهورهم ساعات البلاء والتمحيص فقد قال الله فيهم وَمَا أَصَـٰبَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَـٰنِ فلا بد أن نعلم أن ظهورهم وقت الأزمات درس للأمة لتعرفهم و تعي خطرهم و ليميز الله الخبيث من الطيب ..
عباد الله
إن بلية الإسلام بهم كما يقول الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله شديدة، لأنهم منسوبون إليه وهم أعداؤه على الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب، حتى ليظن الجاهل أنهم على علم وإصلاح، فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصنٍ قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من علم طمسوه، وكم من لواء مرفوع قد وضعوه، وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول رأسه ليقلعوها، استعان بهم الشيطان على الفتن والتحريش في تاريخ الإسلام العريض، وما كثر القتل وتعددت الأهواء، وانتشرت المذاهب الباطلة، والسبل الضالة، إلا بما وضعوه من التفسيرات المنحرفة والتأويلات المتعسفة، وما عبثوا به من المصطلحات وزيفوا من المبادئ، وفي أخبار الزنادقة ومن لف لفهم ممن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ما يدل على عظيم البلاء وخطر الابتلاء، فلا يزال الإسلام وأهله في محنة وبلية، ما أكثرهم وهم الأقلون، وما أجبرهم وهم الأذلون، وما أجهلهم وهم المتعلمون: وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ فالله وحده المستعان على ما يصفون وعليه التكلان فيما يجترؤون.