الحمدُ للهِ و عدَ المؤمنينَ الصادقينَ بالنصرِ و التمكينِ ، أحمدهُ سبحانه و أشكرهُ و أتوب إليه و استغفرهُ ، و أشهدُ ألا إله إلا الله و حده لا شريكَ له القويُّ المتين ، و أشهدُ أن محمداً عبدهُ و رسولهُ و صفيُّه و خليلهُ و أمينهُ على و حيهِ ، قامت بِه الحجةُ ، و ارتَفَعَت به الملةُ ، و بَلّغَ البلاغ المبين ، صلى الله و سلمَ و باركَ عليه و على آله الطيبين الطاهرين و أصحابهِ الغَّر الميامين و التابعين و من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ..و سلم تسليماً .. أما بعد ..
فاتقوا الله أيَّها المؤمنون و توبوا إليه يغفر لكم ذنوبكم ..
اللهم لا حول لنا و لا قوة إلا بك ..أنت رب الناس و رب المستضعفين و ناصر المظلومين على أرض فلسطين إلى من تكلهم إلى عدوٍ ملكتهم أمرهم أو قريب يتجهمهم ..انصرهم يوم قل الناصر و أعنهم يوم فقد المعين ..يا رب العالمين ..
غزة إنها نكبة النكبات ..في زمن التفاخر بالمبادرات ..التي لا تورث إلا مزيداً من التخاذلات ، و الارتباطِ بعدوٍ مُتَسَلِط و قريبٍ خائن .. جبنٌ و خور و حصار ثم خلافات.. نكبة غزة أبانت عَوارَ عالمنا الإسلامي و هُزال إعلامنا الفضائي .. غزة التي تنتسب إلى الأرض المباركة بنص القرآن ذات المسجدٍ الذي يُشدُّ الرحالُ إليه أولى القبلتين وثالث المسجدين ..
مررتُ بالمسجدِ المـــــحزونِ أســــــألهُ هل في المصلى أو في المحراب مروانُ
تغيّر المسجدُ المحزون و اخـــــــــتلفَت على المنابر أبرار و عـُـــــــــــدوانُ
فـــلا الآذانُ آذانٌ في منــــــــــــــارتِه إذا تعـــــــــــــالى و لا الآذان آذانُ
إنه المسجدُ الذي كانَ قريبَ العهدِ بالبناءِ مع المسجدِ الحرامِ بمكةَ نتذكر بركة فلسطين مع ما نراه هذه الأيام..عن أبي ذرٍ رضي الله عنه أنهُ قال : قلتُ يا رسولَ الله : أي مسجدٍ و ضعَ في الأرضِ أول ؟ قال : المسجدُ الحرام قال: قلت : ثم أي قال : المسجد الأقصى ..فقلت كم كان بينَهما ؟ قال : أربعين سنة ثم أينما أدركتك الصلاة فصل فإن الفضل فيه رواه البخاري} سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) { عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي r قال : } صليت بأصحابي في مكة فأتاني جبريل عليه السلام بدابةٍ فوقَ الحمارِ و دون البغلِ فقال : اركب فصحبني ثم انطلقتَ تهوي يقعُ حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضاً ذات نخلٍ فأنزلني فقال صلِّ ، فصليت ثم ركبْنَا فقالَ : أتدري أين صليت ؟ قلتُ : لا أعلم قال صليت بيثرب قال : فانطلقت تهوي يقع حافِرُها حيث أدركَ طَرُفَها ثم بلغنا بيت المقدس من بابها اليماني فأتى قبلة المسجد فربط دابته ثم دخلنا السجد من جوانبه حيثُ شاء الله {
و قد وردّ غَيرُحديثٍ عن فضل أرض فلسطين و الشام كما في حديث ميمونة بنت سعد مولاة النبي r رضي الله عنها قالت : يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس قال : }أرضُ المحشرِ و المنشرِ أتوه فصلوا فيهِ فإن لم تَأتوه و تُصلوا فيه فابعثوا بزيتٍ يُسرَجُ في قناديلهِ { أخرجه أحمد وابن ماجة و الطبري و سندُه صحيح ..
و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : سمعتُ رسول الله r يقول : }لما بنى سليمانُ بيتَ المقدسِ سألَ الله ثلاثاً فأعطاهُ اثنتين و أرجو أن يكون أعطاهُ الله الثالثة : سأله أن يَحكمَ بِحكمٍ يوافقُ حُكمه ، و سأله ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأعطاه ذلك و سأله أيَّما عبدٍ أتى بيتَ المقدسِ لا يُريدُ إلا الصلاةِ فيه رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه { حديثٌ صحيح أخرجه النسائي و ابن ماجَة و أحمدُ و صححه الحاكم ..
إنها فلسطين التي حوت بيتَ المقدس الصلاةُ فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام و المسجد النبوي ..
قال ابن تيمية رحمه الله ذاكراً فضل أرض فلسطين و ما حولها [ فيها الطور كلَّم الله عليه موسى عليه السلام و أقسم الله في قوله } وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) {و فيها المسجدُ الأقصى و فيها مبعث أنبياء بني إسرائيلِ و إليها هجرةُ إبراهيم ..و إليها معراجُ و مسرى نبيِّنا و منها معراجُه و بها ملكُه و عمودُ دينه و كتابُه ، و الطائفةُ المنصورةُ من أمتهِ ، و إليها المحشر و المعاد ..كما أن مكة المبدء فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض ، و الشام إليها يحشر الناس كما في قوله } لِأَوَّلِ الْحَشْرِ {و أسري بالرسول من مكة إلى إيلياء أي القدس فخرجَ دينه من مكة و كمالُ دينه و ظهورُهِ و تمامه حتى يملكه المهديُّ بالشام و من ذلك أن بها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة] أ.هـ رحمه الله
إنها فلسطينُ التي من أجلها ذرفتُ عيون ، و لتُرابِها حَنَت القلوبُ ، و من أجلِهَا شدَّ الرجالُ عزائم الأبطالِ و أحيوا في نفوسِهم الحماسةَ و عرفوا معنى الجهاد في سبيل الله ..نَتَذَكرُها و نحن نرى دماء غزة أرض العزة و نُذَكِرُ بِها بعد ستين سنة من ِ احتلالها ..
قال تعالى }وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) { قال ابن كثير : هي بلاد الشام و قال عز من قائل } وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) { قال ابن عباس هي بيتُ المقدس ..
إنها فلسطين الأرض المقدسة بنص القرآن } يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) {
إنها فلسطينُ أرضُ الأنبياءِ و المرسلينَ و مهَبَطُ رسالَتِهم و وحيهم فعلى أرضِها عاش إبراهيمُ و إسحاقُ و يعقوبُ و يوسفُ و لوطٌ و داوودُ و سليمانَ و صالحٌ و زكريا و يحيى و عيسى عليهم السلام و غيرهم كثير ..
إنها فلسطينُ التي تَبسُطُ الملائكةُ عليها أجنِحَتَها فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله r يقول : } يا طوبى للشام ، يا طوبى للشام { قالوا : يا رسول الله و بم ذلك ؟ قال : }تِلَكَ الملائكةُ باسطةٌ أجنحَتَها على الشام { صحَّحه الألبانيُّ ..
إنها فلسطين التي لا بد أن نقف مع مصابها دائما لأنها موئلُ الطائفةُ المنصورةِ الثابتةِ على الحقِّ ..عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي r قال } لاتزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرينَ على الحقِ لعدوهم قاهرينَ حتى يأتيهم أمر الله و هم كذلك قيل يا رسول الله و أين هم ؟ قال بيت المقدس و أكناف بيت المقدس { رواه أحمد ..
إنها فلسطين مصرعُ الدجال و من يتبعُهُ من اليهودِ و مَقتلهُ ..كما في حديث عائشةٍ رضي الله عنها }عن النبي rأنه قال عن الدجال حتى يأتي أرضَ الشامِ مدينةً بفلسطين باب لُدّ فينزل عيسى عليه السلام فيقتُله { حديثٌ صحيح رواه أبو داوود و أحمد ..
إنها فلسطينُ موطنُ الكثيرِ من صحابةِ رسولِ اللهِ r كعبادةَ بن الصامتِ ، و شدَادُ بن أوسٍ و أسامةِ بن زيدٍ و واثلةُ بنُ الأسقع ، و فيروزُ الديلمي ، و عبد الرحمن بن غنيم الأشعري و غيرهم من الصحابةِ الكرام ..
كما أنها موطنُ الآلاف من أعلامِ الأمةِ و عُلَمائِها الذين أضاؤوا في سمائِها بُدوراً و لمعوا نجوماً من أمثال : الشافعي و ابن حجر العسقلاني و الحافظ عبد الغني المقدسي و ابن مفلح و محمد السفاريني ، و مالك بن دينار ، و الأوزاعي ، و سفيان الثوري ، و ابن شهابٍ الزهري ، و ابن قدامةَ المقدسي ، إنها فلسطين بعبقها و تاريخها و خيراتها وبركاتها..
أقولُ و القلبُ يشـــدو في خمائِله هذا الجمالُ إلى الفردوسِ يَنتَسِبُ
هذي فلسطينُ يامن ليسَ يعرفـُــها كأن أحجارَها القدسيةَ الشـــُـــهُبُ
لذلكَ كِلِّه و لهذا الفضلِ و المكانةِ فليسَ غَريباً إذن أن يَشُدَّ الأبطالُ عزائِمَهُم و يُسرحوا خيولهم لإعلاء كلمة الله ..
من أجل فلسطينَ أراقَ المجاهدونَ دِماءَهم و بذلوا أرواحَهُم رخيصةً في سبيلِ اللهِ ..من أجلِ فلسطينَ تتابعت التضحيات و عَظُمَ البَذلُ .. و كم سجَّل التاريخُ من مواقفَ عَظيمةٍ لأبطالٍ عُظماءٍ هبوا دفاعاً عن فلسطين و ذلكَ حينما ذهبَ عمرو بن العاصِ رضي الله عنه و فَتَحَ أكثر مدن فلسطين قيسارية و بيتَ المقدسِ في السنةِ السادسةِ عشرةَ من الهجرةِ حيثُ لحق به أبو عبيدة رضي الله عنه فحاصر بيت المقدس فطلب أهلها الصلح و أن يتولاه ما هو مكتوب عندهم في كتبهم خليفةُ المسلمينَ عُمَرُ بن الخطابِ رضي الله عنه فسار عمرُ إليهم من المدينةِ سار على بعير يَتعاقب عليه هو و غُلامٌ له حتى إذا اعترضته مخاضةٌ نزلَ من بعيرهِ و خاضَ في الماءِ و لما وصَلَ إلى بيتِ المقدسِ على جملٍ أورَق ليسَ عليه قُلنسوةٌ و لا عمامةٌ و عليه قميصٌ من كرابيس قد رَسَمَ و تخرق جنبهِ فَنزعَ قمصَيه و غَسلَ ورقع ثوبَه رضي الله عنه و أرضاه فقال له أبو عبيده أنتَ ملكُ العرب فلو لبستَ شيئاً غيرَ هَذا لكانَ أَعظم في عينِ الروم فَقالَ موضحاً مبدأه العظيم و سببِ نُصرةِ و عَظَمةِ المسلمينَ بعد أن ضَربَ أبو عبيدةَ على صدره (( أو لو غيرَك قالها يا أبو عبيدة ، إنكم كنتم أذلَّ الناس و أحقر الناس و أقلَّ الناس ، فأعزَّكم الله بالإسلام فمهما ابتغيتم العزةَ بغيره يذُّلكم الله ))
رحمكَ اللهَ يا عُمر و نحن نرى حالنا و مآلنا هذه الأيام في فلسطين و أولئك الذين لا يخجلون أن يفرطوا في أرض الإسراءِ و المعراجِ باسمِ مبادراتِ التسويةِ السلميةِ الهزيلة ووقف إطلاق النار المشروط كما أنهم لا يخجلونَ من التنكرِ لتراثِ الأنبياءِ و دماءِ الأبرياءِ و عِظَمِ المقدساتِ .. ننظر إلى من يمارس جريمة حرب بالقانون الدولي بالمشاركة في حصار أهل غزة و يُقفل المعابر ..
و دخل عُمر رضي الله عنه و وهو يمشي على قدميهِ و فاستَلَمَ مفاتيحَ بيت المقدسِ ثم أمرَ ببناءِ المسجد الأقصى و شارك في بنائه للصلاة وأمنَّ النصارى على كنائسهم واليهود في بيعهم ...
ثم ترسَّخَ الإسلامُ في فَلسطين أزماناًً طويلةً و تَعَاقب الخلفاءُ و المسلمونَ حتى ضَعُفَ المسلمونَ و قادتُهم و انتشرتْ فيهم البِدعُ و تمكنتَ و تركوا الجهادَ الذي به عِزُهُم و تَسلَّطَت عليهم الخلافةُ العبيديةُ الرافضةُ المسماةِ زُوراً الفاطمية فسلَّطَ اللهُ عليهم الأعداءَ بدأً بالصلبيين الذين قتلوا و سلَبُوا و نهَبوا و أرسلوا حملاتهم الصليبية في أواخرِ القرنِ الخامس الهجري حتى سيطروا على أكثرِ بلادِ الشامِ المتاخمةُ للبحرِ و دخلوا بيتَ المقدس و كان حَاكِمُهَا عُبَيدياً لم يَستطِع مواجَهَتَهم و لبثُوا فيها يقتلون المسلمين و قتلوا في المسجد الأقصى ما يزيدُ على سبعينَ ألفاً مِنهم عُلَماءُ و عِبَادٌ كثيرون و حكمُوها و دنسوها طويلاً ..
لكن صفحةً جديدةً من تاريخِ الإسلامِ في مواجهةِ الصليبيين انفتَحَت على أحد رجالاتِ الإسلامِ و هو عماد الدين زنكي رحمه الله الذي هيَّأه اللهُ ليخوضَ المعارِكَ تِلو المعارك و يُحَقِّق الانتصارات على الصلبيين و بذلَ جهدهُ في توحيدِ قوى المسلمين ضِدَهُم و أسقَطَ ممالِكَهُم في الرها و قلعةَ الصور و حماة و حمص ..قال ابن كثير رحمه الله و كان زنكي من خيار الملوك و كان شُجاعاً مِقداماً حازماً خضعت له ملوك الأطراف و كان من أشدِّ الناسِ غيرةً على نِساءِ الرعيةِ و أجوَدَ الملوكِ مُعامَلةً و أرفقهم بالعامةِ .. و بعدَ مَقَتَلِ عِمادِ الدين جاءَ امتداداً لسيرته الجهاديةِ نور الدين محمود فانفتحت صَفحَةٌ جديدةٌ رائعةٌ من صَفَحَاتِ الجهادِ الإسلامي فقد و ضع في ذهنه استردادَ بيتِ المقدسِ بَل صَنع مِنبراً للمسجد تفاؤلاً بفتحه و أعادَ تَوحيدَ الأمةِ تَحتَ رايةِ الجهادِ و أعادَ بِنائَها و نَشرَ العِلمَ في ثناياها و قاوم الجهلَ لأنه علِِم يقيناً أن ذلك من أسبابِِ النصرِ على الأعداءِ لا بالعصبياتِ و القومياتِ و الفرقةِ و الجنسيةِ والحدود و ضَربَ من نفسهِ مِثالاً بتقدُّم الجيوشِ و عدمِ تقديمِ التنازلاتِ و التزمَ بأحكامِ الإسلامِ و ألغى الضرائبَ و بذلك استطاع تحطيمَ القوى الصليبيةِ و أن يضعف قوتها يوماً بعد يوم .. و كان فعله هذا في الأمةِ أن استنهض فيها روح الجهادِ و حمايةَ المقدساتِ و ضرب لهم القدوة في نفسهِ ..قال ابن الأثير في الكامل ..لما رأى أصحابُهُ كَثرةَ خروجِهِ للجهادِ و إنفاقهِ عليهِ قال له بعضهم : لو أنك استعنت بما تصرفه على الفقراءِ و الفقهاءِ و القُراءِ فغضبَ من ذَلِكَ و قال : و الله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك ..فإنما ترزقون بِضُعَفَائِكم ، كيف أقطعُ صلات قومٍ يقاتلون عني و أنا نائم على فراشٍ بسهامٍ لا تخطئ و أصَرِفُها على من لا يُقَاتِل عنَّي إلا إذا رآني ..
و كان فِعلُ نورِ الدين محمود في الأمةِ أن هيأ لها من جاءَ بعده صلاحُ الدين الأيوبي الذي شَمُخَ برأسه و شحذ سيفه و أعدَّ عدَّته ليُخرِجَ الصليبيين من أرضِ الأقصى ..
من أجلِّ فلسطينَ و قف أسدُ عينِ جالوتَ المظَفَرُ قطز في وجه التتار و صاح صيحته الشهيرة و إسلاماه فانتفض الجُندُ و منحَ الله المسلمين أكتافَ الكافرينَ و تَرَجَل قُطز عن فرسه و مرغ وجهه في التراب شكراً لله ..
وجاءت بعد ذلك الخلافةُ العثمانيةُ التي حَكَمَت فلسطين و لم تُسَاوم عليها أو تتنازل بل يُضحِّي من أجلها السلطان عبد الحميد رحمه الله بِعَرشِه و مُلكِه و يضربُها في الآفاق بكلماتٍ مُدويةٍ في سمع هرتزل زعيم الصهاينة الذي يطالبه بالتنازل عنها مقابل ملايين الجنيهات (( لا أقدرُ أنْ أبيعَ ولو قَدماً واحداً من فلسطين ..لأنها ليست لي بل للمسلمين ، و لقد حصلوا عليها بدمائهم و سوف تغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحدٍ باغتصابها ..))
و نرى اليوم الرئيس التركي وهو يقول دفاعاً عن دماء غزة وأهلها ما لا يستطيع قوله كثيرٌ من أقرانه مع الأسف ألا تعساً للخور والخوف الذي يقعد الهمم فلا نامت أعين الجبناء ..
من أجل فلسطينُ قامت التجاربُ الجهاديةُ الحديثةُ التي اتخذتَ الدينَ مَنَهَجاً .. أسماء أعلامٍ جاهدت لأجلِّ رفعِ كلَمةِ اللهِ في فلسطين منهم الشيخ يوسف الجرار و الشيخ فَرْحَانُ السَّعدي و الشيخُ أمين الحُسيني و الشيخ فُريزْ جرار و الشيخُ عبد القادر المظفر رحمهم الله و الشيخ المجاهد عز الدين القسَّام الذي كان شوكةً في حَلقِ اليهودِ و المستعمرينَ حتى قُتلَ في أحد المعارك و أحمد ياسين والرنتيسي ونزار ريان و غيرهم من رجالات حماس الذين أثبتوا جهادهم على الأرض و أقاموا حكومتهم المختارة من شعب فلسطين.. و غير ذلك من تجارب الجهاد الحديث هنا و هناك الذي تآمر عليه الصديق قبل العدو بإجهاض تجربتهم و اغتيال حكومتهم ..
و أدركوا و أثبتوا بِدِمَائِهم و جِهَادِهِم أن الصِراعَ مع اليهودِ لن يَنَجَحَ إلا بالإسلام شِرعةً و مِنَهَاجاً ولعلَّنا نقف مع اليهود وماذا قال الله عنهم في القرآن في جمعتنا القادمة بإذن الله ..
و اليوم إخوتي نرى ..ما نراه من ظلمٍ لأهل غزة نشاركُ به حينَ نتفرجُ و لا نفعلُ شيئاًً..نرى دماءنا المراقة في غزة و هواننا العجيب في عالمنا العربي و الإسلامي فيرتدُّ الطرف حائراً ..تُرى هل نجهلُ قيمة هذه الأرض ؟! و بركتها و أهميتها و أنها أرض المحشر و المنشر ؟! هل اليهود بأطماعهم الكاذبة أكثرُ ارتباطاً منا بها ؟! أليست أرضَنا ؟أليس مسجدنا الأقصى ؟ أليس هذه الدماء التي تراق بالعشرات دماء أطفالنا و نسائنا فإلى الله المشتكى دخل الصهاينة بجيوشهم أرض غزة فدكَّوا البيوت فوق أصحابها الأطفال جلسوا أربعة أيام في بيوتٍ مهدمة مقصوفة بجوار جثث أمهاتهم علها تنهض من الرميم لتحملهم أمهاتهم ..و الأمهات قضين وهن منحذيات لحماية الأطفال لجأوا الى المدارس الدولية علها تحميهم من حقد صهيون فقصفت.. الجثث متناثرة في شوارع غزة ولا أحد يستطيع حملها فالمسعفون يرمون بالرصاص.. .. دموع الرجال تحدرت لأنهم يرون القتل والتدمير بلا ذنب جنوه ..
صرخات استغاثة و عويل من نساء غزة تنادي ناصراً أو معيناً و ليس لهم مجيب ..
رب معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم
لا مست اسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم ..
أمتي كم صنم مجدته لم يكن يعرف طهر الصنم
لا يلام الذئب غي عدوانه ..إن يك الراعي عدو الغنم ..نعم لا يلام اليهود قممنا العربية و وزراءنا العرب يقدمون حلولاً لا تسمن و لا تغني من جوع ..و مبادرات تجامل الصهاينة .. و صمتاً مخجلاً حتى عن إغلاق سفارات العدوِّ أسوةً بغيرة رئيس فنزويلا على دماء المسلمين في غزة
بئس المصير إذا ألقت مـــــــــــــــــــراسينا سفائنٌ كن بالأمس الــــبراكينا
نمنا وأيقظ صهــــــــــــــــــــيون عصابـــته وأوغلَ الغدرُ حتى اجتاحَ وادينا
لكنــــنا لم نــــــــــــــــــزل نسعى لغايتنا تحث حاضرنا أمجاد ماضــــــينا
لن يرتضي الدينُ عيشَ الذُّل في وطنٍ تراهُ كم أنجب الأسد الميامينا
دماءُ غزة دمعةٌ في عين كل مسلم ..جثثُ أطفالها و نسائها طعنةٌ في قلبِ كل مؤمن ..ما نراه مصيبة يعيشها المسلمون في كلِّ بقاع الأرض و لا حول لهم و لا طول .. وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)
تُراق هذه الدماء و تُحتل المقدسات و تُهدَّم المنازل يوم ضَعُفت في قلوبنا لا إله إلا الله ، و استغنى كثيرٌ من قادة العرب عن الإسلام و حكَموا بغيره و علَّقُوا آمالهَم على حلولٍ صليبيةٍ أو دولية لا تسمن و لا تغني من جوع ..يهرولون إليهم يبتغون عندهم الحل ..تُصرِّح أمريكا الصليبية بدعم اليهود الصهاينة في قصفهم و نحن نركض إليهم طلباً للحلول إنه و الله العجز و الهوان ..
أيا عمر الفاروق هل لك عــــودة فإن جيوش صهيون تنهى وتأمر
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهـم وجيشك في حطين حلوا وكبروا
نساء غزةٍ تكحلن بالأســـــــــــى وفي بيت لحم قاصرات وقصر
وليمون يافا يابس في غصونـــــه وهل شجر في قبضة الظلم يثمر
إنها وقفة مع أهمية أرض فلسطين و بركتها نذكَّر بها الواجب الذي على أعناقنا جميعاً بدعمها و إغاثة أهلها و ترك التلاوم التخاذلات عنها ..
أيها الإخوةُ المؤمنون:
تصور لو أن ما يحدث في غزة يحدث في بلدانكم ولنسائكم وأطفالكم .. بماذا نردُ على ربنا حين يساء لنا ماذا قدمنا لهم ؟!
إن المأساة أليمةٌ و الخطبَ جسيمٌ لكن ما يحدثُ هو مسؤوليةٌ على كلِّ من رآه أو علمَ به ..و إننا و الله مسئولون عن مناظر القتل التي يمارسها يهود على إخواننا في غزة و كثيرٌ منا لا يحرك ساكناً بل لديهم الوقت لمتابعة كرةٍ خليجية أو حفلاتٍ غنائية ..و الله إننا نخشى أن يصيبنا الله بعقوبةٍ من عنده إن لم نقم بأدنى واجبات النصرة لهم أخاطبك أنت أخي .. نعم أنت مسؤول عن نصرتهم .. إن أسلحة المال و الدعاء لها أعظم الأثر بإذن الله في دعم إخواننا المسلمين ..و دحر اليهود الغاصبين ..و إنه ليس من عذرٍ لأحد منا اليوم يرى مقدساته تنتهك و يرى أطفالاً أبرياءً عزل يقتلون في حجر أمهاتهم و يهود متسلطون ثم لا يدعم إخوانه ب هناك بما يستطيع و لا يتأثر لمصابهم ..
ألم تروا جنائز الشهداء بالعشرات جوعهم وحصارهم وعويلهم وبكائهم ألا نسمع ند ؟! أم يؤثر بكم بكاء أم طفلٍ فقدته في غزة..
و في لمحيا سؤالٌ حائرٌ قلـــــــقٌ أين الفداء و أين الحب في الديـــن
أين الرجولة و الأحــداث داميةٌ أين الفتوح على أيدي المياميـــــن
ألا نفــوسٌ إلى العليـــــاء نافـرةٌ تواقةٌ لجنات الحــــــــــــورِ العين
يا غيرتي أين أنت أي معـــذرتي ما بال صوت المآسي ليس يشجيني
أين اختفت عزة الإسلام من خلدي ما بالها لم تعــــــد تغدو شراييني
اللهم منزل الكتاب .. و مجري السحاب .. و هازم الأحزاب .. اهزم اليهود و من عاونهم و مَنْ وراءَهم من النصارى و كلَّ من ناصرهم أو وقف معهم ..اللهم مزق دولتهم و شتت شملهم و زلزل أقدامهم و ألق الرعب في قلوبهم و شُلَّ أركانهم وأفسد قصفهم .. وخالف بين كلمتهم و اجعل بأسهم بينهم شديد و اجعل تدبيرهم تدميراً عليهم و أرنا فيهم عجائب قدرتك اللهم بعجل بهزيمتهم و سلط عليهم جندك البواسل الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك اللهم وكن لإخواننا المستضعفين في غزة ..اللهم إنهم ضعفاء فقوِّ عزائمهم و محاصرون ففك حصارهم ..واشف مريضهم وتقبل شهيدهم..و أطعم جائعهم و هيئ المسلمين لنصرتهم ..اللهم هيئ للأمة قائداً ربانياً يعيد فينا أمجاد عمرٍ و خالد بن الوليد و صلاح الدين إنك سميعٌ مجيب ..
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده
أيها المسلمون ..
يستغلُّ الشيعةُ الرافضة هذه الأيام يوم عاشوراء عبر فضائياتهم و إذاعاتهم و كتبهم و نشراتهم لنشر بدعهم و ضلالاتهم التي يستغلون بها هذه الأيام الفاضلة و كونها تزامنت مع مقتل سبط رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسين بن علي رضي الله عنه ..في فتنةٍ عاشها العالم الإسلامي بداية الخلافة الأموية .. و يستغل هؤلاء الشيعة نسأل الله أن يهدي ضالهم ..و يكفينا شرهم..و يردهم إلى الحق هذه الفتنة التي حصلت لسب صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و نشر الخرافات و الشركيات التي أضلوا بها أتباعهم و هي كثيرة لا يتسع المجال لحصرها ..
بكاءٌ ونواحٌ ودماءٌ تراقُ عبر ضرب الرؤوس وبالسلاسل وأحاديث موضوعة وبركات للأئمة مزعومة تخالفُ الدين وتنشر الشرك ..
و نراهم كذلك هذه الأيام يستغلون مأساتنا في غزة ..بإثارة الإشكالات و الدعوة إلى الثورات والفوضى و هم الذين يتاخمون دولة اليهود الصهاينة عبر الجولان و لبنان و مع ذلك لم يحركوا ساكناً لإشعال هذه الدولة الصهونية العاتية الحاقدة ..و يجب ألا تغرنا هذه الدعوات التي يمارسوها أئمتهم في فضائياتهم والتي يوضفونها لمصلحتهم ومصلحة أحزابهم ..
فما كان تاريخهم القريب و البعيد إلا سبباً لإضعاف المسلمين و بثِّ روح الفتنة فيما بين المسلمين من أيام جدِّهم عبد الله بن سبأ اليهودي الذي زرع الفتنة بين الصحابة حتى الدولة العبيدية في مصر المسماة زوراً الفاطمية ..التي مكنةت للمحتلَّ الصليبي أن يحتلَّ المسجد الأقصى و أضعفت الخلافة العباسية و بثت البدع في الأمة ثم إلى محمد بن نصير الطوسي و محمد بن العلقمي الذين كانت على أيديهم و بسبب مؤامراتهم سقوط الخلافة العباسية و مقتل أكثر من مليوني مسلم في بغداد وغيرها على يد التتار ثم جاءت الدولة الصفوية في إيران التي زادت بدعهم و شركاياتهم شراً على شر ..
و أصبحت خِنْجراً في خاصرةِ الخلافةِ العثمانيةِ التي أشغلُوها عن فتوحاتها في بلاد أوروبا و حاكوا لها المؤامرات وحركوا الثورات بالتعاون مع اليهود كما أثبت ذلك التاريخ..
و آخر مؤامراتهم ما فعلوه في أرض العراق بتمكين الصلبيين و الغدر بإخواننا أهل السنة وانتهاك أعراضهم وإراقة دمائهم .. ثم ما فعلوه مؤخراً في لبنان بمهاجمة بيوت أهل السنة و مراكزهم و إهانتهم و شتمهم و إثارة الفوضى و الفتن و الخلافات والإعتصامات .. و هم الذين يدَّعون مقاومة الصهاينة ..
بعد كل ذلك إخوتي من ضلالٍ و شرك و سبٍ للصحابة و قذفٍ لأمهات المؤمنين و تاريخٍ أسودٍ يمتلئ حقداً وخيانة على المسلمين ..هل ننتظر منهم نصرةً للإسلام و المسلمين و تحريراً للمقدسات في أرض فلسطين؟! فنحن لا نقاوم الأعداء إلا بالا إله إلا الله الخالصة من الشرك و المحدثات و بذلك ننتصر كما قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يجمع كلمتهم على الحق .. اللهم اجمع شمل المسلمين ومكن لهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للحكم بشريعتك ولنصرة دينك وأمتك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الحق وتأمرهم به .. اللهم أقم الجهاد وانشر رايتك على البلاد واقمع أهل الزيغ والفساد