• ×

10:22 مساءً , الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025

الفتور في رمضان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله الذي أنعم علينا ببلوغ هذا الشهر الكريم، نحمده سبحانه وتعالى على آلائه العظيمة ومننه الكبرى وكرمه البيّن، سبحانه وتعالى ما أكرمه وما أعظمه، لا إله إلا هو ولا رب سواه.
أيها المسلمون
نعم الله تتجدد بمرور أيام رمضان، وآلاؤه تتوالى علينا بتوالي ليالي هذا الشهر الفضيل وما عشنا من يوم الزيادة في هذا في رمضان فهو من الله، وما بلغنا زيادة في هذا الشهر فهو منّة من الله، فإن من عباد الله من أوقفه انتهاء أجله عن إكمال هذا الشهر الكريم، إن من الناس من أوقفته المنيّة عن الاستمرار في هذا الشهر المبارك، فلله الحمد على هذه النعمة.
أيها المسلمون
إن معرفة نعمة الله علينا في هذا الشهر هو الذي يجدد النشاط في النفس ويبعث العزيمة على الاستمرارية في العبادة والوفاء بعهد الله الذي عاهدنا عليه، عهد الله علينا أن نعبده لا شريك به شيئاً، وعهد الله علينا أن نعبده دائماً وأبداً.. لا نتوقف عن عبادته في زمن ونعبده في زمن، وإنما مشوار الحياة كلها عبادة لله رب العالمين قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ
أيها المسلمون
نحن الآن على مقربة من نهاية ثلث رمضان، فلا بد من حساب، كيف مضت أيام الشهر الماضية؟ وكيف انقضت لياليه، ذهب الثلث والثلث كثير، فماذا فعلنا وقدمنا فيما مضى وهل من عملية تحسين ومضاعفة وازدياد في العبادة فيما سيأتي؟
أيها الأحبة ، يلاحظ بعض الناس على نفسه نوعاً من الفتور عن الصلاة من قيامٍ و تلاوة قرآن في وسط رمضان فإن الناس في العادة ينشطون في أيام رمضان الأولى لما يحسّون من التغيير وما يجدون من لذة العبادة نتيجة الشعور بالتجديد في أول الشهر، ثم ما يلبث هذا الشعور أن يضعف ويصبح الأمر نوعاً من الرتابة في العشر الأواسط خلافاً لما كان عليه في أول الشهر ثم تأتي العشر الأواخر بعد ذلك وما فيها من القيام وليلة القدر لتنبعث بعض الهمم والعزائم مرة أخرى، و لكن هل يصح هذا التكاسل و الفتور و ما أسبابه و كيف نعيد اللذة والحيوية إلى هذه العبادة ونحن في أواسط رمضان؟ كي لا تتحول عباداتنا إلى عادة .
ينبغي أن نحقق التعبد في الصيام باستحضار النية أثناء القيام به، وأن العبد يصوم لرب العالمين، النية لابد أن تكون موجودة دائماً الصيام لله رب العالمين، والهدف من هذا الامتناع "أي: عن الملذات" إرضاء رب العالمين ((إنما الأعمال بالنيات)).
و مما يمنع تحول صيامنا إلى عادة أن نستمر في تذكر الأجر في هذا الصيام وفضيلة العبادة في هذا الشهر و أن ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))، فما هو الشرط في هذه المغفرة؟إنه الاحتساب الدائم في كل الشهر و ليس أوله فقط ، فالمحتسب على الله في الأجر يشعر بكل يوم وبكل صوم، ويرجع دائماً إلى الله سبحانه وتعالى يطلب المغفرة.
كذلك لا بد من التمعن في هذا الأجر العظيم الذي يكون بغير اعتبار عدد معين، ((كل عمل ابن آدم له كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)).
الصيام سبب لتكفير جميع الذنوب، إلا الكبائر، ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر))؛ الصيام يشفع لك يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة، منعته الشهوات في النهار فشفّعني فيه.هكذا يقول الصيام يوم القيامة.
والصائم يفرح بفطره، وعند لقاء ربه، والخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك، وفتح أبواب الجنة، وتغليق أبواب الجحيم، وسلسلة الشياطين، كل ذلك مما يمنع تحوّل الصيام إلى عادة.
مما يعيد الحيوية إلينا في وسط الشهر هذا أن نعرف حديثه : ((إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردت الجن وغلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة- أول الشهر وأوسطه وآخره كل ليلة، في جميع رمضان-: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)).
((ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة))، فقد تكون أنت عتيق الله من النار في أواسط هذا الشهر، فلماذا الكسل والتواني؟ لابد من الانبعاث وإعادة الهمة.
و من الأسباب التي تمنع تحول هذه العبادة إلى عادة، التأمل فيها والوقوف على شيء من حكم الله؛ توحيد المسلمين، المواساة والإحسان، أثر الجوع والعطش، والأمر بضبط النفس....أمور كثيرة.
و التفكر في حديثه : ((رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فأدخله الله النار فأُدخل النار فأبعده الله قال جبريل لمحمد:قل آمين، قال محمد : آمين)).
و تنويع العبادة في أيام الشهر صيام، قيام، قرآن، إطعام، إنفاق، زكاة وصدقة، وصدقات يجدد النشاط فلا تفقدوا لذة مناجاتكم وعبادتكم لله في أي جزء من هذا الشهر عباد الله .
و ينبغي التعبير عن الابتهاج والتذكير في مجامع الناس بعظمة هذا الشهر وحلاوة أيامه ولذة عباداته.
وتذكروا طول الوقت الذي سيمر حتى يأتي شهرنا مرة أخرى، فإن ذلك يبعث إلى ازدياد النشاط ومضاعفة العبادة وترك الكسل ونفض الغبار والقيام لله رب العالمين.
و من المهم تجديد النية دائماً في ابتغاء وجه الله في هذا الصيام، قال : ((من صام يوماً في سبيل الله ـ يعني: صابراً ومحتسباً، وقيل في الجهاد ـ باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً))، وقال: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله من جهنم مسيرة مائة عام))
أيها المسلمون
إن الاجتماع لقيام الليل لم يشرع إلا في رمضان وصلاة التراويح، هذه عبادة جليلة ينبغي أن تعطى حقها، هذا القيام لابد أن يقام بحقه، التبكير إلى المساجد وعدم تضييع صلاة العشاء في الجماعة الأولى، والفرض أهم من النفل.
و لا تقصد مساجد معينة للصلاة فيها من أجل جمال الصوت فقط وحسن النبرة، وإنما ينبغي أن يكون الالتذاذ بسماع كلام الله وفهمه أعظم من الالتذاذ بسماع صوت القارئ ولحنه، وهذه نقطة مفقودة عند كثير ممن يسعون ويجرون ويتنقلون في المساجد، و تدبروا القرآن و معانيه .
واستحضروا قلوبكم عند آيات الرحمة.. العذاب.. الثواب.. العقاب.. القصص.. الأمثال.. أهوال القيامة.. ذكر أسماء الرب وصفاته جل وعلا.
و بعض الناس مع الأسف يخشعون في الدعاء ما لا يخشعون في التلاوة ولا في سماع كلام الله.. أمرٌ عجيب! فينبغي أن يُعرَفَ قدر الكلام.. وقدر الكلام بقدر المتكلم، كلام الله لا شيء أعلى منه أو أجل منه .
و لا بد من عدم رفع الصوت بالبكاء والنحيب و الصياح فقد ، كان يصلي و في صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء كما تغلي القدر، بهذا الصوت المكتوم كان يبكي في صلاته. فالإخلاص في كتم البكاء والصياح وعدم الزعيق ورفع الصوت.
و كان بكاء السلف في الصلاة نشيجاً ودموعاً تسيل، وربما يبكي أحدهم تسيل دموعه ولا يشعر من بجانبه. هذا هو الإخلاص لا صياحاً ولا صراخاً.. عليك بالتأثر الذي لا يشعر به الناس.
أيها المسلمون
السحور عبادة جليلة يغفل عنها الكثيرون و ينامون عنها وعن صلاة الفجر! و السحور بركة كما قال : ((عليكم بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك، هلم إلى الغداء المبارك)) ((فلا تدعوه و لو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين))، و قال عليه الصلاة و السلام ((فصل ما بين صيامنا و صيام أهل الكتاب أكلة السَحَر))، فاعتنِ بالسحور.
وعليكم كذلك بالحرص على تفطير الصائمين في الداخل و الخارج ((من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء)). فهذا منة من الله و فضل.
وتذكر إخوانك المسلمين في أقاصي الأرض ممن لا يجدون طبقاً واحداً من الأطباق التي تزخر بها مائدتك.. فاتق الله يا عبد الله!
أكثروا من تلاوة القرآن العظيم في هذا الشهر، بتدبر فإن فيها أجراً عظيماً..وتقوي الإيمان ..و تجدد الصلة بالله ..فينشط الإنسان دائماً.. وسيأتي له تفصيل إن شاء الله.
و اهتموا إخوتي بالنساء و البنات في رمضان فعلموهن كيفية الصيام وآداب الصيام و أحكامه التي تحتاجها المرأة . قوموا إلى نسائكم اللاتي يأتين إلى المساجد فعلموهن أموراً ومنها:
صلاة المرأة في بيتها خير لها...قال : ((وبيوتهن خير لهن))، قال عليه الصلاة و السلام لأم حميد زوجة أبي حميد الساعدي: ((قد علمت أنك تحبين الصلاة معي)) ثم قال لها: ((وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي))، بين لها أن الصلاة في قعر بيتها خير لها من الصلاة في المسجد، وكلما كانت أعمق في البيت كلما كان أفضل، وصلاتها في مسجد قومها خير لها من الصلاة في المسجد النبوي!
ولكن إن أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد، فلا تمنعوا إماء الله مساجد الله و قد جاء الجمع بين الفقرتين في حديث واحد: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن)). علموهن هذه المسألة.
و إذا كانت تريد الذهاب إلى المسجد فلا بد تذكيرها بالالتزام بالحجاب الشرعي و تجنب الزينة و أن لا تهمل أطفالها في المنزل بدعوى الذهاب للتراويح أو جلب الأطفال للمساجد لإزعاج الناس كما هو حاصل مع الأسف أو بالقيل و القال في المساجد .
عباد الله، تجنبوا تحويل ليالي هذا الشهر الكريم إلى ليالي أنس مع الخلائق ومجالس معاصي، ولعب ورقص، ومسلسلات وأغاني، وطبل وزمر، وولائم يتفنن فيها في المأكولات، وترمى فيها الأطعمة في براميل القمامة. الأمر أعظم من ذلك!
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
إذا كنا نخفف من صلاة التراويح حتى لا يشرد المتذمرون ولا يهرب المقصرون الكسالى وحتى يدرك أصحاب الأعمال والوظائف أعمالهم، فهذا لا يعني أن تنقطع العبادة بعد صلاة التراويح، بل بقي لك من قراءة القرآن والصلاة ـ مثنى مثنى ـ قال الله تعالى وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ و ليس متابعة المسلسلات و المسابقات ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل فيقول : ((هل من سائل فأعطيه؟)) وأصحابنا في وادٍ آخر...((هل من تائب فأتوب عليه؟)) وهؤلاء القوم في لهوهم وشغلهم عن ربهم وعن العبادة. تجنبوا قرناء السوء في هذا الشهر الفضيل.
اللهم اجعلنا ممن عمر هذا الشهر بالعبادة، اللهم أعنا فيه على ذكرك و شكرك وحسن عبادتك، وارزقنا توبة نصوحاً، وعملاً متقبلاً، وصياماً مبروراً، وقياماً مشكوراً. اللهم إنا نبرأ إليك من تقصيرنا، اللهم إنا نسألك أن تتجاوز عما أسرفنا فيه من حق أنفسنا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده
و بعد ..أما بعد فاتقوا الله عباد الله
أيها المسلمون
عمرة في رمضان تعدل حجة، أجر عظيم وموسم فضيل وثواب جزيل ورب كريم، أبواب الخير مشرعة، والبقية عليك يا عبد الله لإكمال المشوار، ((عمرة في رمضان تعدل حجة)).
وفضيلة هذه العمرة في جميع أيام الشهر، هذه الحجة ليست قاصرة على العمرة في العشر الأواخر، فإذا رأى المسلم أن من مصلحة عبادته استباق الازدحام الشديد جداً الذي لا يطيقه فليبكر للعمرة فالبيت قريب، والسبيل آمن والأجر عظيم؛ كم من الناس يتمنون أن يعتمروا وأن يؤمّوا البيت العتيق فلا يتمكنون.. ولا يستطيعون من ظلم ظالم.. أو فقر فقير لا يستطيعون أن يأتوا البيت العتيق، فأنت قريب والسبيل آمن ولله الحمد و إذا جلست بنية التخفيف من الزحام على إخوانك فإنك مأجور بإذن الله فليس من الضرورة الذهاب كل عام .

 0  0  1528
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 10:22 مساءً الإثنين 5 محرم 1447 / 30 يونيو 2025.

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.